كان
الرق موجودا قبل الإسلام، ولما جاء
الإسلام عمل على تنظيمه وتقنينه، كما عمل
الإسلام على تجفيف منابعه والحدّ منه، فالرق في
الإسلام ليس له إلا طريقة واحدة وهي الجهاد في سبيل الله؛ لنشر الدين، أو لرد العدوان. وليس معنى هذا أن المسلمين يقتحمون البلاد التي يفتحونها ثم يفرضون على أهلها
الرق والاستعباد هكذا دون مبرر، ولكن المسلمين يعرضون عليهم: إما
الإسلام (طواعية واختيارا).. وإما الجزية.. وإما الحرب.. فإن سالموا فهم آمنون، لا يجوز أسْر رجالهم ولا سبي نسائهم، أما إذا اختاروا الحرب فهنا فقط يحل للمسلمين أسر الرجال وسبي النساء..
ولم يترك
الإسلام أمر
الرق كما كان سائدا في الأزمان والحضارات السابقة، بل وضع الأسس والضوابط التي تحكم العلاقة بين العبد وسيده، في إطار من الاحترام والمودة والرحمة، انطلاقا من قوله تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ).. وفيما يلي لمحات من إنسانية
الإسلام في التعامل مع الأسرى والعبيد:
لا يجوز الاسترقاق إلا للمحاربين الكفار ومن معهم في دار الحرب من النساء والأطفال، أما غير المحاربين فلا يجوز الاعتداء عليهم مطلقا.
المرأة التي تُسبى لا تكون مشاعا، بل هي مملوكة لسيّد واحد فقط، ولا يجوز له أن يُجبرها على معاشرة غيره.
القرآن يأمر المسلمين إذا انتصروا على أعدائهم أن يكفوا عن القتل، ويكتفوا بالأسر.
وقد شرع لهم أن يعتقوا أسراهم فضلا وإحسانًا منهم، أو يفادوهم بالمال وغيره إن احتاجوا إلى ذلك، كما قال تعالى: (حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا) [محمد : 4].
مهّد
الإسلام السبيل إلى تحرير العبيد، حيث لم "يوجب" الاسترقاق كما كان في بعض الملل، ولكنه "أباحه" فقط، لأسباب كثيرة ليس مجال مناقشتها هنا.
أمر
الإسلام بإطعام الأرقاء مما يأكل منه السادة، وإلباسهم مما يلبسون، وعدم تكليفهم ما لا يطيقون. قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "فمن كان أخوه تحت يده، فليطعمه ممّا يأكل وليلبسه ممّا يلبس، ولا تكلّفوهم ما يغلبهم، فإن كلّفتموهم ما يغلبهم فأعينوهم". رواه البخاري.
كما نهى
الإسلام عن إهانتهم، وأمر بالترفق حتى في ندائهم، فلا يقال: "عبدي" و "أمتي"، بل يقال: "فتاي" و "فتاتي". قال (صلى الله عليه وسلم): "ولا يقل أحدكم: عبدي، أمتي، وليقل: فتاي، فتاتي، غلامي". رواه مسلم. وهذا هو الاسم الذي استخدمه القرآن، كما قال تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ) [النساء : 25]، وقال سبحانه: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لاَ أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا) [الكهف : 60].
أمر القرآن بالإحسان إليهم، قال تعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) [النساء: 36].
إذا أنجبت الأمة من سيدها فأولادها أحرار وينسبون لأبيهم ويرثونه، وفي هذه الحالة لا يجوز له بيعها؛ حتى لا يفرق بينها وبين أولادها.
ورغم كل هذه الضوابط التي وضعها
الإسلام لضمان حقوق الأرقاء، فإنه لا شيء يعدل الحرية؛ ولذلك عمل
الإسلام على الحد من هذه الظاهرة، وحث على تحرير الرقيق..
فهناك العديد من الكفارات تكون بعتق الرقاب.. مثل: كفارة القتل الخطأ، وكفارة لغو اليمين، وكفارة الظهار، وكفارة الجماع في نهار رمضان.
كما أن
الإسلام رغّب في العتق وأعطى الله عليه جزيل الأجر: فالعتق في
الإسلام -وفي
الإسلام فقط- سبب من أسباب النجاة من نار جهنم. قال تعالى: (فلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ) [البلد من 11: 13].
وروى البخاري أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: "ثلاثة لهم أجران: رجلٌ من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بمحمد (صلى الله عليه وسلم)، والعبد المملوك إذا أدى حق الله وحق مواليه، ورجلٌ كانت عنده أمة فأدّبها فأحسنَ تأديبها، وعلّمها فأحسن تعليمها، ثم أعتقها فتزوجها، فله أجران".