التقوى هي وصية الله عز وجل للأولين والآخرين، قال تعالى: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ}
وقال تعالى: {وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ}[3]، وقال سبحانه وتعالى: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ}[4]
ما معنى التقوى
التقوى في اللغة:
اتخاذ وقاية وحاجز يمنعك ويحفظك مما تخاف منه وتحذره،
وتقوى الله عز وجل: أن يجعل العبد بينه وبين ما يخشاه من عقاب الله وقاية تقيه و تحفظه بأجتناب نواهيه و الأمتثال لأوامره
.
قال محمد بن أبي الفتح الحنبلي: التقوى: تركُ الشركِ والفواحِشِ والكبائرِ وعن عمر بن عبد العزيز: التقوى: تركُ ما حرمَ الله وأداءُ ما افترضَ الله،. وقيل: التقوى: تركُ ما لا بأسَ به حَذراً مما به بأس، وقيل: جِماعُها: في قوله تعالى: (إن الله يأمرُ بالعَدلِ والإحسان) (النحل 90).
إن عبارات العلماء في تعريف التقوى تدور على صيانةِ النفس من المعاصي، وترك الشركِ والفواحِشِ والكبائرِ، والتأدب بآدابِ الشريعة. فالتقوى إذن: فِعلُ الطاعات واجتنابُ السيئات
التقوى فيها جماع الخير كله، وهي وصية الله في الأولين والآخرين، وهي خير ما يستفيده الإنسان
ومن صفاتهم أنّهم يقيمون الصلاة، أي: يقيمونها بخشوعها وخضوعها وأركانها وواجباتها، ويؤدونها في أوقاتها من غير مماطلة أو تثاقل أو تأخير أو تسويف.
فهم مواظبون على أدائها مع جماعة المسلمين في المساجد، استجابة لله ولرسوله، وخوفاً من أليم عقابه تعالى.
ومن صفاتهم: الإنفاق في مرضاة لله، فهم مزكون لأموالهم، متصدقون على الفقراء والمساكين والمحتاجين.
ومن صفاتهم: الإيمان بما أنزله الله تعالى على رسوله، وهو القرآن العظيم، إيماناً يدفعهم إلى الوقوف عند حدوده، والتزام شرائعه وتحكيمه والتحاكم إليه
قيمة التقوى
إن قيمة التقوى الكبرى في استتباب الأمن الاجتماعيّ يقول الحق تبارك وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً)(الأنفال/29). أي معياراً تفرّقون به وبوساطته بين الحقّ وبين الباطل، والخير والشرّ، والانحراف والاستقامة.. والصحيح والخطأ. كما ان المقياس الأساسي للتفاضل في الثواب عند الله ، هو التقوى فقط، من دون بقية الأمور الأخرى من اختلاف الجنس أو اللون .
ويتضح ذلك بجلاء من قوله تعالى (ان اكرمكم عند الله اتقاكم) (الحجرات /13). والأمر بملازمة التقوى، أمر باتباع كل خير، ومجانبة كل شر
الأستطاعة فى التقوى
والآية الكريمة (فاتقوا الله ما استطعتم). (التغابن/16) يقصد بها الحث على التقوى على قدر المستطاع أي: لا تدخر وسعا في تقوى الله ولكن الله لا يكلف الإنسان شيئا لا يستطيعه ويستفاد من قوله (فاتقوا الله ما استطعتم) أن الإنسان إذا لم يستطع أن يقوم بأمر الله على وجه الكمال فإنه يأتي منه على ما قدر عليه،التقوى اذن منوطة بالاستطاعة فمن لم يستطع شيئا من أوامر الله فإنه يعود إلى ما يستطيع ومن اضطره إلى شيء من محارم الله حل له ما ينتفع به في دفع الضرر لقوله تعالى: (وقد فصل لك ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه) (الانعام/119) حتى إن الرجل لو اضطر إلى أكل لحم الميتة أو أكل لحم الخنزير أو أكل الحمار أو غيره من المحرمات فإنه يجوز له أن يأكل منه ما تندفع منه ضرورته.. يعني أن تتقي الله ما استطعت لأن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها وهذه الآية ليست آية يقصد بها التهاون بتقوى الله بل يقصد بها الحث على التقوى على قدر المستطاع أي: لا تدخر وسعا في تقوى الله ولكن الله لا يكلف الإنسان شيئا لا يستطيعه.
خشية الله واجبة في السر والعلانية، والظاهر والباطن، والغيب والشهادة على السواء، قال تعالى: (... وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ... ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [الأنعام : 151]، وقال تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ...) [الأعراف : 33]،. وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: "قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: اتق الله حـيثما كنت... " سنن الترمذي، ومعنى (حيثما كنت): "أي وحدك أو في جمـع ... أو المراد في أي زمان ومكان كنت فيه، رآك الناس أم لا، فإن الله مطّلع عليك"
فالمواجهة مع المعصية والانتصار عليها في بعض الأحيان تكون صعبة، لكنها مع معصية السر تكون لدى بعض الناس أشد صعوبة،
فالله تعالى يعلم السر كما يعلم العلانية
فخشية الله هي الوقاية من تلك المعاصي التي كثرت دواعيها ليل نهار، وهي الدواء لتلك المعاصي التي تصيب القلب أحياناً، من نفاق أو ريـاء أو عُجب أو كبر، أو تلك التي تتجرأ عليها الأبصار أو الألسنة أو الأيدي أو الأرجل خـفية أو علانـية، من ترك واجب، أو ارتكاب فاحشة، أو نظر إلى محرّم، أو غيبة ونـميمة، أو غش، أو خيانة، أو تجسس، أو تعد خفي على حقوق الناس، أو اختلاس من أموالهم، أو غير ذلك من معاصي السر والعلانية.
فالمعصية تجد فرصتها للظهور حين تقوى دواعي الهوى، وتثور شهوات النفس ونزاواتها، ويشتد تزيين الشيطان، وتخلو النفس حينها من ذكر أو عمل صالح أو ممارسة نافعة؛ وتضعف في القلب خشية الله تعالى التي هي سلاح المجاهدة،
ولا يقتصر خطر ضعف الخشية من الله تعالى على إعطاء الفرصة للمعصية لتنتصر على النفس، بل هذا السقوط في صراع المعصية يضر بما للنفس من رصيد الحسنات، فعن ثوبان رضي الله عنه قال عليه الصلاة والسلام: "لأعلمن أقواماً من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضا, فيجعلها الله عز وجل هباء منثوراً. قال ثوبان: يا رسول الله، صفهم لنا جلهم لنا أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم! قال: أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم, ويأخذون من الليل كما تأخذون, ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها" سنن ابن ماجه.
ودواء الخشية مركب من عنصرين؛ من الخوف الذي يأتي من تذكير النفس بالعقوبة، والتفكر فيما توعّد الله تعالى به العاصين في الدنيا والآخر، وأخذ العبرة ممن نزل بهم عقاب الله تعالى، كفرعون الذي قال الله تعالى فيه: (فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى) [النازعات : 25]، قال عز وجل بعد أن ذكر ما وقع بفرعون من العذاب: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْـرَةً لِّمَن يَخْشَى) [النازعات : 26].
العنصر الآخر، وهو المعرفـة بما لله تعالى من صفات تثير في القلب محبته سبحانه ومحبة طاعته، وصفات تنبه القلب إلى ما يستحقه عز وجل من إجلال وتوقير، وما يتصف به سبحانه من صفات تورث في القلب الحياء كصفة السمع والبصر والعلم، وما يتصف به سبحانه من صفات تثير الوجل كصفة القوة والغضب والعدل، مع المعرفة بآثار الذنوب والمعاصي القبيحة وأضرارها في الدنيا والآخرة؛ صار الخوف خشـية، وكان علاجاً للمعاصي نافعاً ودواء واقياً بإذن الله تعالى.
وربما لا تخلو مجاهدة النفس في ترك معصية السر أو معصية العلن من سقطات، ودواؤها حينئذ التوبة والاستغفار، فالتوبة هي الدواء الذي أوصـى به رسول الله عليه الصلاة والسلام، فعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: "قلت: يا رسول الله، أوصني! قال: عليك بتقوى الله ما استطعت، واذكر الله عند كل حجر وشجر، وما عملتَ من سوء فأحْدِث له توبـة؛ السـر بالسر، والعلانـية بالعلانية" صحيح الترغيب والترهيب، ج 3، رقم 3144.
ولخشية الله تعالى فضل عظيم، لكن خشية الله تعالى في السر أعظم قدراً من الخشية في العلانية؛ ولهذا خصها الله تعالى بالذكر في عدد من الآيات كما في قوله تعالى: (مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ)
وقدّمها الرسول صلى الله عليه وسلم على خشية العلن في حديث (المنجيات) "ثلاث منجيات: خشية الله تعالى في السِّـر والعلانـية ..."، فقدّم عليه الصلاة والسلام الخشية في السِّـر؛ "لأن تقوى اللّه فيه أعلى درجـة من العلن؛ لما يخاف من شوب رؤية الناس، وهذه درجة المراقبة، وخشيته فيهما تمنع من ارتكاب كل منهي, وتحثه على فعل كل مأمور" فيض القدير, ح 3472.
قال الله تعالى: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا}[9] النساء
تقوى الله .. تبدو فى أقوى صورها داخل بيتك ومع أفراد أسرتك .. إنها القادرة على حل أعقد المشكلات .. وهى كلمة السر فى السعادة الزوجية.
من هنا .. لابد أن نضع نصب أعيينا دائما قول الحق جل جلاله:" أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به فى نار جهنم".
المعصية تملأ البيت بالشياطين. ولذلك فإن الله حين يهدينا بالتقوى. فإنه يزيد عليها المغفرة والعتق من النار.
و من ثم ينصلح حال الأسرة التى يكون قوامها تقوى الله و تنشأ منها ذرية طيبة صالحة يقوى بها الأسلام و ينتفع بها المجتمع