هذا هو القرآن
إن الكلام عن كتاب ربنا الرحمن سبحانه، جليل القدر عظيم الفضل؛ ذلك لأنه يتعلق بخير الكلام، وأصدقِ الحديث؛ كما قال تعالى: ﴿
وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا ﴾ [النساء: 87]، وأصدقِ القول كما قال سبحانه: ﴿
وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا ﴾ [النساء: 122].
وإن المرء لتعلوه رِعدةٌ وهو متعرض لكتابه تعالى قولًا، أو بيانًا، أو شرحًا، أو تدبُّرًا، أو تفسيرًا، أو لعلمٍ من علومه الكريمة؛ كونها مستمدة منه ومتعلقة به.
وإن المرء ليملؤه وَجَلٌ وإعظام لدى مطالعته لفِهرِسِ كتاب واحد متعلق بعلوم الكتاب المجيد، ليجد ذلك السيل الهادر من العلوم، من تعريفات واصطلاحات ومعانٍ وأسماء، منشئة وكاشفة ومبينة لمعانٍ عظام ومبانٍ كرام؛ فهو كتاب وتبيان، وذكر وقرآن، وشفاء وفرقان، وهدًى وبيان، ورحمة وشافع وشهيد، ومُحْكَمٌ ومتشابه، وسبع طِوالٌ ومِئون وسور قِصار ومفصَّل، وحواميم وطواسين وطواسيم، وخصائص وسمات، ونعوت وأوصاف، وميزات وأفضال، وأول ما نزل وآخر ما نزل، وأسباب نزول، وناسخ ومنسوخ، ومكي ومدني، وعربي وأعجمي - على خلاف - ورسم إملائي وآخر عثماني، وأصل لغوي وآخر قياسي، وعامٌّ وخاصٌّ، ومطلق ومقيد، ومجمل ومفصل، وأمر ونهي، وجِنان وأنهار، وليل ونهار، وسماوات وأرضون، وحميم ونار، وثواب وعقاب، وبَدء وافتتاح، وانتهاء وختام، وصَحب كرام، وخلة وشفاعة، وعلامات وأشراط للساعة، والسبع المثاني والزهراوان - البقرة وآل عمران - والإخلاص ثُلُث القرآن، والمعوذتان حِرزٌ من الشيطان، وأنبياءُ وصِدِّيقون، وشهداءُ وصالحون، وحرام وحلال، وشرعُنا وشرع مَن قبلنا، ووعد ووعيد، وزجر وتهديد، وقصص وعِبَرٌ، وأمم غابرة، وعصور ماضية، وأحداث حاضرة، وأعلام غائبة - علوم علمها الأحد الفرد الصمد، الذي ﴿
لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 3، 4].
ويا لهالةِ ويا لعظمةِ هذا الكتاب! لما رواه البخاري من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((أقرأني جبريل على حرفٍ، فراجعتُه، فلم أزلْ أستزيدُه حتى انتهي إلى سبعة أحرف)).
هذا هو
القرآن لا ريب فيه، هدى في ذاته، فقَمِنٌ به أن يهدي؛ كما في: ﴿
ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة: 2].
هذا هو القرآن، سبب أمان وسبيل اطمئنان، بشرى للمؤمنين، كما في: ﴿
قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [البقرة: 97].
هذا هو القرآن، بيان عام للبشرية أنَّ فيه هداها وموعظتها وتقواها، كما في: ﴿
هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 138].
هذا هو القرآن، نزل لإخراج الناس من ظلمات الشرك إلى نور الإسلام، كما في: ﴿
الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ﴾ [إبراهيم: 1].
هذا هو القرآن، سبب للسعادة، ودَرْءٌ للشقاء، وسبيل للخشية، كما في: ﴿
مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى ﴾ [طه: 2، 3].
هذا هو القرآن، ذكر وشرف ورفعة منزلة، كما في: ﴿
إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ ﴾ [ص: 87]، ﴿
وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ ﴾ [القلم: 52].
هذا هو القرآن، أحسن الحديث، متشابه في هداه، تقشعِرُّ منه جلود الذين يخشَون ربهم، ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله، كما في: ﴿
اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴾ [الزمر: 23].
هذا هو القرآن، موعظة وشفاء وهدًى ورحمة للمؤمنين، كما في: ﴿
يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [يونس: 57]، و﴿
وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ ﴾ [فصلت: 44].
هذا هو القرآن، لو أراد الله لشيء أن تُسيَّر به جبالُه، أو تُقطَّع به أرضه، أو يُكلَّم به الموتى - لكان هذا القرآن، كما في: ﴿
وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا ﴾ [الرعد: 31].
هذا هو القرآن، السبع المثاني والقرآن العظيم، كما في: ﴿
وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ﴾ [الحجر: 87].
هذا هو القرآن، لو نزل على الجبال لتصدعت لتأثيره، كما في: ﴿
لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ﴾ [الحشر: 21].
هذا هو القرآن، أُنزل للإنذار به والبلاغ، لا لمجرد تلاوته، وليس فقط لقراءته، كما في: ﴿
وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ ﴾ [الأنعام: 19].
هذا هو القرآن، مبارك مصدق لما قبله، فيه النِّذارة وبه البشارة، كما في: ﴿
وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا ﴾ [الأنعام: 92].
هذا هو القرآن، أُنزل لاتباعه والعمل بهداه، كما في: ﴿
وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الأنعام: 155].
هذا هو القرآن، يهدي للتي هي أقوم في كل شيء دقَّ أو جلَّ، كما في: ﴿
إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ﴾ [الإسراء: 9].
هذا هو القرآن، ﴿
وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا ﴾ [الإسراء: 45]؛ يسترهم عن فَهْمِه والانقياد إلى ما يدعو إليه من الخير.
هذا هو القرآن، جامع لكل تبيان، ومنه كل هدى وبشرى، كما في: ﴿
وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ﴾ [النحل: 89].
هذا هو القرآن، أُنزل للتدبر والتذكرة، كما في: ﴿
كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [ص: 29].
الألوكة