الخوف من الله
إنَّ من أعمال القلوب التي تبعَث على الأعمال الصالحةِ وترغِّب في الدار الآخرة وتزجر عن الأعمال السيئة وتزهِّد في الدنيا وتكبَح جماحَ النفس العاتية الخوفَ من الله.
فالخوف من الله تعالى سائقٌ للقلب إلى فعل كلِّ خير، وحاجز له عن كلّ شيء، والرجاء قائدٌ للعبد إلى مرضاةِ الله وثوابه، وباعِث للهِمَم إلى جليلِ صالح الأعمال، وصارفٌ له عن قبيح الفعال.
والخوف من الله تعالى مانعٌ للنفس عن شهواتها، وزاجرٌ لها عن غيِّها، ودافع لها إلى ما فيه صلاحُها وفلاحها. والخوفُ من الله تعالى شعبة من شعَب التوحيد، يجِب أن يكونَ لربِّ العالمين، وصرفُ الخوفِ لغير الله تعالى شعبَة من شعَب الشرك بالله تعالى.
وقد أمر الله عزّ وجلّ بالخوف منه، ونهى عن الخوف من غيره،
فقال تعالى: إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:175]،
وقال تعالى "فَلا تَخْشَوْا النَّاسَ وَاخْشَوْنِي وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً [المائدة:44]، وقال عزّ وجلّ: وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ
وعن أنس رضي الله عنه قال: خطبَنا رسول الله فقال: ((لو تعلمون ما أعلم لضحِكتم قليلاً ولبكيتم كثيرًا))، فغطَّى أصحاب رسول الله وجوهَهم ولهم خنين. رواه البخاري ومسلم
والخوف يراد به انزعاجُ القلب واضطرابُه وتوقُّعه عقوبةَ الله على فعل محرَّم أو ترك واجب أو التقصير في مستحبّ والإشفاق أن لا يقبلَ الله العملَ الصالح، فتنزجِر النفس عن المحرّمات، وتسارع إلى الخيرات.
والخشيةُ والوجَل والرهبَة والهيبَة ألفاظٌ متقاربة المعاني، وليست مرادِفةً للخوف من كلّ وجه، بل الخشية أخصُّ من الخوف، فالخشيةُ خوفٌ من الله مع عِلمٍ بصفاته جلّ وعلا كما قال تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ
وفي الصحيح أنّ النبي قال: ((أما إني أخشاكم لله وأتقاكم له)).
والوجلُ رجَفَان القلب وانصداعُه لذكر من يخاف سلطانَه وعقوبته. والرهبة الهرَب من المكروه. والهيبة خوفٌ يقارنه تعظيمٌ وإجلال.
قال ابن القيم رحمه الله: "فالخوفُ لعامّة المؤمنين، والخشية للعلماء العارفين، والهيبةُ للمحبّين، والإجلال للمقرّبين، وعلى قدر العلم والمعرفة يكون الخوفُ والخشية من الله تعالى".
وقد وعد الله من خافَ منه فحجزه خوفُه عن الشهوات وساقه إلى الطاعاتِ وعدَه أفضلَ أنواع الثواب، فقال تعالى: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ذَوَاتَى أَفْنَانٍ [الرحمن:46-48]، والأفنان هي الأغصان الحسنة النضِرة، قال عطاء: "كلّ غصنٍ يجمع فنونًا من الفاكهة"
، وقال تعالى: وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنْ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى
وقال تعالى: وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُون قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ
فأخبر أنّ من خافه نجّاه من المكروهات وكفاه ومنَّ عليه بحسن العاقبة.
وروى ابن أبي حاتم بسنَده عن عبد العزيز يعني ابن أبي روّاد قال: بلغني أنّ رسول الله تلا هذه الآية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [التحريم:6] وعنده بعضُ أصحابه وفيهم شيخ، فقال الشيخ: يا رسولَ الله، حجارةُ جهنم كحجارة الدنيا؟! فقال النبيّ : ((والذي نفسي بيده لصخرةٌ من صخر جهنّم أعظم من جبال الدنيا كلها))، قال: فوقع الشيخ مغشيًّا عليه، فوضع النبيّ يده على فؤادِه فإذا هو حيّ، فناداه قال: ((يا شيخ، قل: لا إله إلا الله))، فقالها، فبشّره النبيّ بالجنّة، فقال بعض أصحابه: يا رسول الله، أمِن بيننا؟ قال: ((نعم، يقول الله تعالى: ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ
ولقد كان السلفُ الصالح يغلب عليهم الخوفُ من الله، ويحسِنون العمل، ويرجونَ رحمة الله عز وجل، ولذلك صلحت حالهم، وطابَ مآلهم، وزكَت أعمالهم، فقد كانَ عمر رضي الله عنه يعسّ ليلاً، فسمِع رجلاً يقرأ سورة الطور، فنزل عن حماره واستنَد إلى حائطٍ ومرِض شهرًا يعودونه لا يدرون ما مرضُه.
وقال أمير المؤمنين عليّ رضي الله عنه وقد سلّم من صلاة الفجر، وقد علاه كآبه وهو يقلّب يده: لقد رأيتُ أصحابَ محمد فلم أر اليومَ شيئًا يشبِههم، لقد كانوا يصبِحون شعثًا صُفرًا غُبرًا بين أعينهم أمثالُ رُكَب المعزى، قد باتوا لله سجّدًا وقيامًا، يتلون كتابَ الله، يراوحون بين جِباههم وأقدامهم، فإذا أصبَحوا ذكروا الله، فمَادوا كما يميد الشجرُ في يوم الريح، وهملت أعينهم بالدّموع حتى تبلّ ثيابهم،
ومرض سفيان الثوري من الخوف، والأخبار في هذا تطول عنهم رضي الله عنهم.
والخوفُ المحمود هو الذي يُحثّ على العمل الصالح ويمنَع من المحرَّمات، فإذا زاد الخوفُ عن القدر المحمود صار يأسًا وقنوطًا من رحمةِ الله، وذلك من كبائر الذنوب.
قال ابن رجب رحمه الله تعالى: "والقدرُ الواجب من الخوفِ ما حمل على أداءِ الفرائض واجتناب المحارِم، فإن زاد على ذلك بحيث صار باعثًا للنفوس على التشمير في نوافل الطاعات والانكفاف عن دقائق المكروهات والتبسُّط في فضول المباحات كان ذلك فضلاً محمودًا، فإن تزايد على ذلك بأن أورثَ مرضًا أو موتًا أو همًّا لازمًا بحيث يقطَع عن السعي لم يكن محمودًا"
وقال أبو حفص: "الخوفُ سوط الله، يقوِّم به الشّاردين عن بابه"، وقال: "الخوف سراج في القلب"، وقال أبو سليمان: "ما فارَق الخوفُ قلبًا إلا خَرِب".
فالمسلم بين مخافتين: أمر مضى لا يدري ما الله صانعٌ فيه، وأمر يأتي لا يدري ما الله قاضٍ فيه.
فضائل الخـــــــــوف من الله:
أولاً : أنه من صفات المؤمنين
قال تعالى : فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين
ثانياً : مدح الله أنبياءه بالخوف منه
قال تعالى : إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهبا وكانوا لنا خاشعين
ثالثا : أثنى الله على ملائكته بشدة خوفهم
قال تعالى : وهـــم من خشيــته مشفقـــون
رابعاً : وعد الله الخائفين بالجنة
قال تعالى : ولمن خاف مقام ربــه جنــتـــان
خامسا : الخوف من صفات نبينا محمد
قال رسول الله : إني أخشــاكم لله وأتقاكــم له
سادساً : الخوف من أسباب النجاة من النار
قال رسول الله : عينان لا تمسهما النار : عين بكت من خشيــة الله
قال أبو سليمان : ما فارق الخوف قلباً إلا خـــرب
وقال حاتم الأصم : لكل شيء زينــة ، وزينــة العبــادة الخـــوف
اللهم إنا نسألك الفردوس الأعلى
الله يا الله ناديك يا الله ماخاب فيك رجاء من ترجاك ماخاب
الله يا الله ناديك يا الله لا يعلو فوقك شيء سبحانك يا الله
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
جزاك الله خير الجزاء ونفع بك ،
على الطرح الرائع والقيم وجعله في ميزان حسناتك ..
وألبسك لباس التقوى والغفران ،
وجعلك ممن يظلهم الله في يوم لا ظل إلا ظله