الممتحنة (بكسر الحاء) اسم السورة، وبفتحها: هي المرأة التي نزلت فيها وهي أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، وهي امرأة عبدالرحمن بن عوف.
وقد ذكر المفسرون قصة ابن أبي بلتعة وهو ممن حضر بدرًا، وأنه أرسل خطابًا إلى أهل مكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه لم يفعل ذلك كفرًا ولا ارتدادًا، ولا رضا بالكفر بعد الإسلام، وصدقه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
♦ والسورة أصل في النهي عن موالاة الكافرين، وأن مودتهم محرمة، إلا إذا كانت مودة ظاهرة لظروف طارئة أو لاضطرار أو إكراه.
♦ ومن المودة النصح، فلا يكون لكافر، ولكن النصح لله ولرسوله وللمؤمنين؛ قال تعالى: ﴿ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ ﴾ [الممتحنة: 4]؛ يقول القرطبي: لَمَّا نهى الله عز وجل عن موالاة الكفار، ذكر قصة إبراهيم عليه السلام، وأن من سيرته التبرؤ من الكفار؛ أي: اقتدوا به وأتموا، و"الأسوة" ما يتأسى مثل القدوة.
ويقول ابن كثير: يقول الله تعالى لعباده المؤمنين الذين أمرهم بمصارمة الكافرين وعداوتهم، ومجانبتهم والتبري منهم، ﴿ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا ﴾ [الممتحنة: 4]؛ يعني: وقد شرعت العداوة والبغضاء من الآن بيننا وبينكم ما دُمتم على كفركم، فنحن أبدًا نتبرأ منكم ونبغضكم (﴿ حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ﴾ [الممتحنة: 4]؛ أي: إلى أن توحِّدوا الله، فتعبدوه وحده لا شريك له، وتخلعون ما تعبدون معه من الأنداد.
قلت: وعليه فلا يجوز المشاركة في العمل الحزبي مع أحزاب الشرك، ذات الطابع الغربي، كما لا يمكن بأي حال الالتقاء مع الاتجاهات التي ترفع شعارات مستوردة دخيلة وغريبة على المسلمين، كالتي يسمونها "الديموقراطية" التي تقر سيادة الشعب وترفض سيادة الشريعة، وترضى بحكم الشعب وتقف لحكم الله بالمرصاد، ولا عذر للمسلمين في العمل مع هؤلاء؛ إذ لا بد من المفاصلة والتبرؤ ممن سلك "غير سبيل المؤمنين"، وعلى المسلمين أن يعلنوها واضحة، فالذي بيننا وبينهم هو حكم الله وشريعته وتوحيده.
♦ وينهى الله تبارك وتعالى عن موالاة الكافرين في نهاية السورة كما نهى عنها في أولها، فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ﴾ [الممتحنة: 13]: يعني اليهود والنصارى وسائر الكفار، فمن غضِب الله عليه ولعَنه، استحق من الله الطرد والإبعاد، فكيف توالونهم وتتخذونهم أصدقاءَ وأخِلاءَ، وقد يئسوا من الآخرة؛ أي: من ثواب الآخرة ونعيمها في حكم الله عز وجل، ﴿ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ ﴾ [الممتحنة: 13]؛ أي: كما يئس الكفار الأحياء من قراباتهم الموتى أن يجتمعوا بهم بعد ذلك؛ لأنهم لا يعتقدون بعثًا ولا نشورًا؛ (قاله ابن كثير).
الألوكة
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك