تعريف الجهلِ في أبسطِ تعاريفهِ: أنهُ ما خالفَ الواقع.يعني إذا قُلت: هذا إبريق ماء, هذا الكلام فيهِ جهل، إذا قلت: هذا كأس حليب وهو ماء, هذا الكلام فيهِ جهل، ما تعريفُ الجهل؟ ما كانَ خِلافَ الواقع, فأنتَ لكَ واقع، لكَ واقع راهن، حقيقة صارخة، شِئتَ أم أبيت، أحببتَ أو كرهت, أن تتوهم أنكَ على خِلاف ما أنتَ عليه, فأنتَ قد وقعتَ في جهلٍ كبير.
ما تعريفُ العِلم؟
إدراكُ الشيء على ما هو عليه بدليل, إذا رأى الطبيب أنَّ ارتفاع الحرارة وارتفاع الضغط مؤشرانِ لمرضِ كذا, وكانَ ارتفاع الضغطِ وارتفاع الحرارة مؤشران على مرضٍ آخر, فإذا شخصَ مرضاً غيرَ المرض الذي يُعانيه المريض, فهذا التشخيص فيه جهل, يجبُ أن نعلمَ ما الجهل؟.
في مراتٍ سابقة: عرّفتُ العِلمَ: بأنهُ علاقةٌ ثابتة بينَ شيئين مقطوعُ بصحتها, يؤكدّها الواقع عليها دليل.
علاقةٌ بينَ شيئين يعني قانون، كلُّ المعادنِ تتمددُ بالحرارة مقطوعٌ بصحتها, لو لم يكن مقطوعاً بصحتها, لكانَ الوهمُ والشكُ والظن، يؤكدها الواقع, لو لم يؤكدها الواقع لكانت جهلاً، عليها دليل, لو لم يكن عليها دليل لكانت تقليداً, ما التقليد؟ حقيقةٌ تفتقرُ إلى دليل، ما الجهل؟ ما خالفَ الواقع، ما القطع؟ ما كان بعيداً عن الشكِ والوهمِ والظن, هذا هو العِلم, فيجب أن نعلم، يجب أن نعتقد أنَّ العِلم: إدراكُ الشيء على ما هوَ عليه، فَهم هذه الآية كما أرادها الله، حُكمُ هذه القضية كما جاءَ بهِ رسول الله، حقيقة الكون، حقيقة الإنسان، حقيقةُ الحياة الدنيا، حقيقةُ ما بعد الموت، ما قبلَ الموت كذا، حقيقةُ المال لهُ دورٌ معين, يعني إذا أدركتَ كلَّ شيء على ما هو عليه فأنتَ عالِم, لكن لو أردتَ أن تُحدّثَ الناسَ بهذا الشيء لطالبوكَ بالدليل.
إذا أدركتَ كلَّ شيء على ما هو عليه ومعكَ الدليل فأنتَ عالِم.
ويا حبذّا لو أنَّ دِماغنا أو فِكرنا أو عقلنا, كما يقول الناس: محشوٌ بالحقائق, المشكلة: أن تجد رجلاً دماغهُ محشوٌ بالأباطيل، بالأوهام، بالخرافات، بالجهل, الجهل شيء, قد تفهمُ الجهلَ فهماً بسيطاً، قد تفهمُ الجهلَ عدمُ المعرفة, لا, الجهل معرفة لكنها مغلوطة، الجاهل إنسان يعلم, لكن يعلم أفكاراً ومقولات لا علاقة لها بالواقع, يعني: إذا أردتَ أن تُلقي ماءً معَ مِلح في طريقِ زوجٍ لعلهُ يُحبُ زوجتهُ, هذا جهل, لأنهُ لا علاقة أبداً بينَ هذا وذاك.
في أحد عُلماء دمشق الأكارم, توفي رَحِمهُ الله, له كرامات كثيرة, فجاءهُ أحد طُلاب العِلم, وقال له: يا سيدي, أرجوكَ رجاءً حاراً, أن تأخذني إلى الحج, أن تدفُعني, هو يظنُ هذا الأخ, أن هذا الشيخ لهُ كرامات, فإذا دفعهُِ صارَ في مكة, وفي مكة يوفّر نفقات السفر ورسوم الدخول وما إلى ذلك, ثم يجذِبهُ إلى الشام، فلما طلبَ منهُ هذا الطلب, نظرَ إليه, رآهُ جاهلاً، قالَ له: غداً تعالَ إليّ، أخذهُ إلى التكية السليمانية, وأمرهُ أن يحلِفَ يميناً بالطلاق, ألا يقولَ لأحدٍ ما سيجري معهُ, وحلفَ هذا اليمين, وأوقفهُ على حافة البحرة الكبيرة في هذا المسجد, ودفعهُ إلى الماء, إذا هناكَ إمكان أن تنفي عن ذهنكَ كُلَّ الجهل، ما معنى الجهل؟ معلومات غلط، نحنُ أُمةُ محمد صلى الله عليه وسلم مرحومة, شيء جميل, إذاً: لنفعل ما نشاء, هذا هو الجهل.
عَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ:
((سَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ, فَمَنْ وَرَدَهُ شَرِبَ مِنْهُ, وَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ لَمْ يَظْمَأْ بَعْدَهُ أَبَدًا, لَيَرِدُ عَلَيَّ أَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونِي, ثُمَّ يُحَالُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ, قَالَ أَبُو حَازِمٍ: فَسَمِعَنِي النُّعْمَانُ بْنُ أَبِي عَيَّاشٍ, وَأَنَا أُحَدِّثُهُمْ هَذَا, فَقَالَ: هَكَذَا سَمِعْتَ سَهْلاً, فَقُلْتُ: نَعَمْ, قَالَ: وَأَنَا أَشْهَدُ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ لَسَمِعْتُهُ يَزِيدُ فِيهِ, قَالَ: إِنَّهُمْ مِنِّي, فَيُقَالُ: إِنَّكَ لا تَدْرِي مَا بَدَّلُوا بَعْدَكَ, فَأَقُولُ: سُحْقًا سُحْقًا لِمَنْ بَدَّلَ بَعْدِي))
إذا تعلّقتَ بِفكرةِ, أنَّ النبي عليه الصلاة والسلام يوم القيامة يشفعُ لكَ, وأنتَ واقعٌ في ذنوبٍ كثيرة, فهذا جهل.
إذاً: هذا الذي أرجوه في هذا الدرس, أن تعلم أنَّ حقيقة العِلم: إدراكُ الشيء على ما هو عليه بدليل، وأنَّ طبيعة الجهل إدراكُ الشيء على خِلافِ ما هوَ عليه.
أبسط مثل: أنتَ عِندكَ مركبة، قيل لكَ: هذا الضوء الأحمر في علبة السُرعة إذا تألّق, معنى ذلك أنهُ يُسليك, وحقيقةُ هذا الضوءِ الأحمر أنهُ إذا تألّق, فهناكَ خطرٌ كبير, يجب أن تقف فوراً, وأن تضع الزيت في المُحرك, فإذا قُلتُ لأحدِكم: هذا الضوء يتألّق للتسلية, ليكونَ زينةً للسيارة, زينة أثناء الطريق, قد يتألق, هذا الكلام فيهِ جهل، فإذا أمكنكَ أن تنفي عن معلوماتك, وعن معتقداتك, وعن تصوراتك, وعن أفكارك, وعن مقولاتك, كلَّ ما له علاقةٌ بالجهل, فأنتَ بطل.
لذلك: إذا أردتَ الدنيا فعليكَ بالعِلم، وإذا أردتَ الآخرة فعليكَ بالعِلم، وإذا أردتهُما معاً فعليكَ بالعِلم.
: أردتُ أن أصل إلى أنَّ لكَ طبيعة، أن ترجو هذه الطبيعة أو أن لا ترجوها، أن تُحبّها أو أن لا تُحبها، أن ترضى عنها أو أن لا ترضى عنها, بحثٌ آخر, أمّا أنتَ لكَ واقع, واحد عندهُ بيت، هذا البيت المتوافر في هذا الوقت, أعجبكَ لم يُعجِبُك، كبير صغير، مُشرق مُظلم، أُجرة مُلك, هذا البيت يجب أن توفّق أغراضكَ وفقَ هذا البيت.
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك