روى الشيخان عن ابن عباس أنها نزلت في يهود بني النضير.
استهلت السورة بالتسبيح، والتسبيح تعظيم لله تعالى وتقديس وتمجيد وتنزيه، فهو المنزه سبحانه عن كل نقص وعيب، والمتصف سبحانه بكل أوصاف الجلال والجمال والكمال، والعظمة والكبرياء، واليهود أهل غدر وخيانة، ولَمَّا غدروا أجلاهم النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى (أول الحشر)، وهو كما ذكر الطبري والقرطبي: إلى "خيبر" وقيل: إلى "أريحا" وقيل: إلى الشام، أما الحشر الثاني فهو يوم القيامة، والله تعالى أعلم.
♦ قوله تعالى: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾ [الحشر: 7]،
قال القرطبي: (هذا يوجب أن كل ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أمر من الله تعالى)، والآية وإن كانت في الغنائم، فجميع أوامره صلى الله عليه وسلم ونواهيه دخل فيها... وقوله: (وما آتاكم)، وإن جاء بلفظ الإيتاء، وهو المناولة، فإن معناه الأمر بدليل قوله تعالى: (وما نهاكم عنه فانتهوا)، فقابله بالنهي، ولا يقابل النهي إلا بالأمر.
♦ ومن مقتضيات العقيدة الحب في الله عز وجل والإيثار: ﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ﴾ [الحشر: 9].
♦ ومن مقتضيات الإيمان ودلائله سلامة الصدر، فإن الرجل لا يدخل الجنة بكثير صلاة ولا صيام، ولكن يدخل الجنة بطهارة النفس من الغل والحسد والغش للمسلمين؛ روى الإمام أحمد عن أنس قال: كنا جلوسًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقال: يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة، فطلع رجل من الأنصار، فلما كان الغد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ذلك، فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى، فلما كان اليوم الثالث، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل مقالته أيضًا، فطلع ذلك الرجل، فتبِعه عبدالله بن عمرو، فكان عبدالله يحدث أنه بات معه ثلاث ليال، فلم يره يقوم من الليل شيئًا، غير أنه إذا تقلب على فراشه ذكر الله وكبر حتى يقوم لصلاة الفجر، قال عبدالله: غير أني لم أسمعه يقول إلا خيرًا، فلما قضيت ثلاث الليال، وكدت أن أحتقر عمله، فقلت له: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك (أو عنك): يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة، فطلعت أنت ثلاث مرات، ولم أرك تعمل كثير عملٍ، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: ما هو إلا ما رأيت، غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشًّا، ولا أحسد أحدًا على خير أعطاه الله إياه، قال عبدالله: هذه التي بلغت بك، وهي التي لا تطاق؛ ورواه النسائي، وإسناده صحيح على شرط الشيخين.
واشتملت خواتيم السورة على أسماء الله الحسنى وصفاته العلا:
﴿ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ﴾ [الحشر: 22].
﴿ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ﴾ [الحشر: 22]: ذو الرحمة الواسعة الشاملة لجميع المخلوقات، فهو رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما.
♦ ﴿ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ ﴾ [الحشر: 23]: أي المنزه عن كل نقص، والطاهر عن كل عيب، وقيل: القدوس: المبارك، وقيل الطاهر.
♦ ﴿ السَّلَامُ ﴾؛ أي ذو السلامة من النقائص، والمسلم على عباده في الجنة، والذي سلم الخلق من ظلمه.
♦ ﴿ الْمُؤْمِنُ ﴾؛ أي: المصدق لرسله والمؤيد لهم بالمعجزات، الذي يؤمن أولياءه من عذابه، والمتفضل على المؤمنين بالأمن والطمأنينة.
♦ ﴿ الْعَزِيزُ ﴾: الشديد في انتقامه الذي قد عز كل شيء فقهره؛ فلا ينال جنابه.
♦ ﴿ الْجَبَّار ﴾: المصلح أمور خلقه بما فيه صلاحهم، الجابر لكسرهم، وقيل: العظيم.
♦ ﴿ الْمُتَكَبِّرُ ﴾: أي عن كل شر، الذي تكبَّر بربوبيته فلا شيء مثله، والكبرياء في صفات الله مدح وفي صفات المخلوقين ذم، وفي الحديث عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى أنه قال: "الكبرياء ردائي والعظمة إزاري، فمن نازعني في واحد منهما، قصمته ثم قذفته في النار"، وقيل: المتكبر: العالي وقيل: معناه الكبير؛ لأنه أجلُّ من أن يتكلف كبرًا.
♦ ﴿ الْخَالِقُ ﴾: المقدر، فالخلق: التقدير، و﴿ الْبَارِئُ ﴾ والبراء هو الفري، وهو التنفيذ وإبراز ما قدره، وقرره إلى الوجود، فليس كل من قدر شيئًا ورتَّبه، يقدر على تنفيذه وإيجاده سوى الله عز وجل.
♦ ﴿ الْمُصَوِّرُ ﴾؛ أي الذي ينفذ ما يريد إيجاده على الصفة التي يريدها.
♦ ﴿ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ﴾، وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن لله تسعًا وتسعين اسمًا، مائة إلا واحدًا، من أحصاها دخل الجنة، وهو وتر يحب الوتر..).
ومن العلماء من حصر الأسماء الحسنى فيما ذكر في الحديث، ومنهم من أضاف إليها أسماءً أخرى، والقضية مبنيَّة على توقيفية الأسماء؟ هل أسماء الله توقيفية؟
الألوكة
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك