إنّ عجلة التغيير التي تجتاح جوانب حياتنا تستدعي الوقوف والتأمل حول جدية واقع المسلمين نحو هذا التغيير والذي يظهر أن فيه غبشاً قاد الكثير لسلوك الطريق الخطأ , وتشبّعوا فيه بالمنكر وأشربوه وصار عندهم المنكر معروفاً والمعروف منكراً يجادلون بلا هدى ولاحول ولاقوة إلا بالله .
فالتغيير الذي يُرى في العقد الأخير في بلاد الحرمين وانفلات النساء على وجه الخصوص يدعو للوقوف على مكمن الداء وترصد دواعي الدواء , علّ الله أن ينفع بالمجهود , وأن يحقق المقصود .
ومن تأمل بفكره يرى ما يحصل حالياً في مجمله دفعٌ لحظيٌّ يزول بعد فترة لا يقضي على الداء الحقيقي , فالمنكرُ في ازديادٍ , ويستشري في المجتمع في وقتٍ سريع , وقد يحتارُ المرء حيال مايفعل مع هذه التقلبات الأخلاقية التي يعيشها , وهذا الإنفلات الذي يهيمن على بعض جوانب الحياة, ويحتارُ لبّه , ويضيقُ صدره , فما يراه اليوم يستدعي أن يحتارَ فيهِ كلّ عاقلٍ ناهيكم عن كلِّ مسلمٍ غيورٍ موحد , فبلادُ التوحيد ومأوى أفئدة المؤمنين يُمارسُ عليها دورٌ تغريبيٌّ شنيع , أدى إلى تساقط بعض المسلّمات عند البعض , وأدى إلى نزع الحياء والحجاب عند الكثير , وصار المجتمع يئن من وطأتين رئيسيتين هما مدار الأزمة الأخلاقية التي يعيشها/
1-الإنهماك في الدنيا والإنشغال عن الآخرة
2-الحرب التي يقودها بعض المنافقين على هويته ودينه
فاجتمع من هذين الأمرين أمراضٌ عدة , جعلت الجريمة الأخلاقية في معدلاتٍ مرتفعة , والعلاقات المحرمة طبيعية لايردها إلا ثقافة العيب , وخوف العقاب , واستشرى المنكر في صورٍ شتى لا يقف عند حاجزٍ معين , فالمرأة السعودية التي كان يُنكر عليها قبل عقود تخرج كاشفةً لوجهها فقط , هاهي اليوم تخرج بلا حجاب أصلاً حاسرةً عن رأسها , كاشفةً عن جسدها, تعرض وتلمّع في طرقٍ شتى وصورٍ مختلفة , وشبابنا الذي كنّا نحذره من براثن الرذيلة قبل سنين هاهو يجول ويدور بين أروقة الخمّارين يسافر من دولةٍ لدولة يبحث عن ما يميت قلبه وعن ما يتلذذ به من شهوةٍ حرام , كيف وكثيرٌ منهم يذهب على حساب الدولة فيما يسمونه (الابتعاث الخارجي) هذا السم الزعاف الذي أمات أخلاق الكثيرين من رجالٍ ونساء, وهذان مثالان لخط السيرِ الذي يمضي عليه كثيرٌ من شبابنا وفتياتنا ,وإلا الصور كثيرة يأتيك بنبئها رِعاعُ إعلامنا الذي يقوم بدور الوسيط فيما يعانيه المجتمع.
ولاشك أن الإنهماك في تتبع فروع المنكر مضيعةٌ للوقت , وهدرٌ للطاقة , وقلة تمكنِّ لا تجدي شيئاً على الواقع الذي نعيشه , فالانغماس في الفروع يعوق عن علاج الأصول , فهذه المنكرات التي في مجملها منكراتٌ أخلاقية هي فروعٌ لأصولٍ قد غفل عنها الكثير بالتوجيه والتحذير , والأولى أن يكون التركيز عليها دون غيرها , والتطرق لها أكثر وأكثر خصوصاً في هذه الفترة المتهيّجةِ أخلاقياً.
إن مبدأ العقاب ليس كفيلاً بالردع بل كان الأولى أن يكون آخر العلاج بدلاً من أوله , فمبدأ الثواب بات اليوم محتضراً في أوساطنا , لا تكاد تسمع كلماتٍ أو محاضراتٍ تتحدث عن العفاف والعفة , تتحدث عن الصدق مع الله وعن ثوابه سبحانه وعن مرد الإنسان الحقيقي , فضاقت كثيرٌ من الأماكن عن هذه المعاني وأصبح التحدث عن الموت مثلاً دعوةً للضيق والنكد عند الكثير لأنها تقطعهم عن ملهياتهم , حتى أصبح الناس عن آخرتهم غافلين, وتضاءلت الأماكن التي ترعى المحاضرات والكلمات النافعة حتى صارت تضرب لها أكباد الإبل إن وجدت لمن آتاه الله قلباً وحباً له ولدينه العظيم .
فأصبح المنكر يتزين في صورٍ جميلة , والمعروف يُذاع في صورٍ شنيعة , يعيش المسلم غربةً حقيقية لايلامسها إلا من أدرك بعلمه حقيقة المنكر وحقيقة المعروف.
لذا لزاماً أن يتعاون صفوة الأمة ممن يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ضد ما يحاك بالمجتمع ويبينوا عور وكذب المنافقين , ويناصحوا لولاتهم وعلمائهم بما أمرهم الدين المتين .
ويجدر التنبيه والإشارة لعدد من المعالم في هذا الطريق لمن هيأ الله له سبيل الأنبياء واتباع سنة المرسلين قبل أن يتم الحديث حول السبل الأمثل لإنكار المنكرات/
أولاً / أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أصول الدين وركنٌ شديدٌ منيع ,لاينبغي التنفير منه أو الحرب على القائمين عليه .
ثانيا/ المعاصي أياً كانت هي داء الأمم التي قبلنا والتي من حولنا وفي تجاهلها وعدم الإنكار عليها نذير هلاك ووعيدٍ من الله عز وجل, لذا يجب عدم التهوين بأي معصية كانت خصوصاً ما كان فيه مجاهرةً وإعلاماً بين الناس.
ثالثا/ لا مداهنة في دين الله , فإن نحن داهنا فاللعن والطرد والإبعاد عن رحمة الله وعيدنا (لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون * كانوا لايتناهون عن منكر فعلوه لبئس ماكانوا يفعلون (
رابعاً/ (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ) السلطان في سلطانه ، والأمير في إمارته ، والقائد في جيشه ، والرجل في أهل بيته ، وكل مسؤول فيما تحت ولايته ومسئوليته .
خامساَ/من عجز عن الإنكار باليد والسلطان فلينكر باللسان والبيان , ولا أحرى أن يكون ذلك بالمخاطبات والمهاتفات والبرقيات .
سادساً / حتى لا يصبح المعروف منكراً والمنكر معروفاً يجب أن يكاتف المخلصون ويتوحد المؤمنون صفاً واحداً ضد أي منكر وبيانه كلاّ حسب موقعه وخصوصاً تلك المنكرات التي تنظم رسمياً .
سابعاً/ لا تكون من ميت الأحياء ؟ (الذي لا ينكر المنكر بيده ولا بلسانه ولا بقلبه).
ثامناً / يقول بعض أهل العلم : إذا أردت أن تعلم محل الإسلام من أهل الزمان فلا تنظر إلى زحامهم في أبواب الجوامع ولاضجيجهم في الموقف من الضنك وإنما انظر إلى مواطاتهم أعداء الشريعة .
تاسعا/ (وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم)
عاشراً / نريد غيرةً تقودنا لأعمال ولا نريد غيرة وقتيه تزول مع الزمن .
فإذا عرف الآمر الناهي بهذه المعاني ورسمها بين جنبيه كان حرياً أن يؤتي بأمره ونهيه أكله بإذن الله , وكان لزاماً أن يُذل أعداء الله .
وفي المقال القادم إن شاء الله سوق يتم التطرق لأبرز الأصول التي يندرج تحتها كثيرٌ من المنكرات وسبل مواجهتها, علّ الله أن يبارك فيما كتب وفيما سيُكتب , والله ولي التوفيق.
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك