مصدر قولهم: أطلق الشيء يطلقه وهو مأخوذ من مادة (ط ل ق) التي تدل على التخلية والإرسال، يقال:
أطلقته إطلاقا، والطلق: الشيء الحلال كأنه خلي عنه فلم يحظر، وأطلقت الناقة من عقالها، وطلقتها فطلقت، أي خليتها، ورجل طلق الوجه، وطليقه، كأنه منطلق وهو ضد الباسر، لأن الباسر الذي لا يكاد يهش، ولا ينفسح ببشاشة.
وقال الراغب: أصل الإطلاق: التخلية من الوثاق، ومنه استعير: طلقت المرأة أي خليتها عن حبالة النكاح، والمطلق في الأحكام: ما لا يقع منه استثناء. والطلق في حديث ابن عباس- رضي الله عنهما- «الحياء والإيمان مقرونان في طلق» حبل مفتول شديد الفتل، أي هما مجتمعان لا يفترقان كأنهما قد شدا في حبل أو قيد، وفي حديث الرحم «تتكلم بلسان طلق» معناه: ماضي القول سريع النطق، والطلقاء هم الذين خلي عنهم يوم فتح مكة وأطلقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يسترقهم، والطليق (أيضا) الأسير إذا خلي \سبيله (فعيل بمعنى مفعول) ، وقولهم: أنت طلق من هذا الأمر أي خارج منه، والانطلاق: الذهاب، وانطلق به (ذهب به) على ما لم يسم فاعله، وناقة طالق أي مرسلة ترعى حيث شاءت، وتطلق الظبى: مر لا يلوي على شيء. وأطلقت القول: إذا أرسلته من غير قيد ولا شرط «1» . الإطلاق اصطلاحا
قال الكفوي: الإطلاق: الفتح ورفع القيد «2» . البصر لغة واصطلاحا
الأول: منهي عنه وهو إطلاقه نحو ما حرم الله النظر إليه من المحارم وغيرها، ويندرج هذا النوع تحت قوله تعالى: يعلم خائنة الأعين (غافر/ 19) فقدذكر في تفسيرها: أنها النظرة بعد النظرة (وهذا هو إطلاق البصر) وقيل: إنها الرمز بالعين، وقيل: النظر إلى ما نهي عنه، وقيل: هي أن يقول: رأيت وما رأى، أو ما رأيت وقد رأى، وقيل: مسارقة النظر، وسمي ذلك ب «خائنة الأعين» إما لإخفاء الإشارات فصارت بالاستخفاء كالخيانة، أو لأنها باستراق النظر إلى المحظور تعد خائنة «1» ، وذكر الطبري: أن خائنة الأعين يراد بها النظر إلى ما نهى الله عنه «2» .
الثاني: إطلاق النظر فيما ينبغي أن يتخلق به من البصر، يقول العز بن عبد السلام: وأما التخلق به فنظرنا ضربان:
أحدهما: ضروري، وهو النظر الاتفاقي.
والثاني: كسبي، وتتخلق منه بكل نظر أوجبه الله تعالى عليك، أو ندبك إليه، كالحراسة في سبيل الله، والنظر في مصنوعات الله الدالة على كمال قدرته، وتمام حكمته، وشمول علمه، ونفوذ إرادته، فإنك تستدل بالصنعة على القدرة، وبالقدرة على الإرادة، وبالإرادة على العلم، وبالعلم على الحياة، ودليل التخلق بذلك قوله تعالى: قل انظروا ماذا في السماوات والأرض (يونس/ 101) وقوله عز وجل: انظروا إلى ثمره إذا أثمر (الأنعام/ 99) ، وكما أمرك بأن تنظر إلى الأكوان بالنظر الحقيقي، فقد أمرك بأن تنظر إلى الديان بالنظر التقديري، فقد جعل إحسانك لعبادته «أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك» «3» .
جناية النظر المحرم
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: إن النظر يولد المحبة فتبدأ علاقة يتعلق بها القلب بالمنظور إليه، ثم تقوى فتصير صبابة ينصب إليه القلب بكليته، ثم تقوى فتصير غراما يلزم القلب كلزوم الغريم الذي لا يفارق غريمه، ثم تقوى فيصير عشقا وهو الحب المفرط، ثم يقوى فيصير شغفا وهو الحب الذي قد وصل إلى شغاف القلب وداخله، ثم يقوى فيصير تتيما وهو التعبد فيصير القلب عبدا لمن لا يصلح أن يكون هو عبدا له، وهذا كله جناية النظر فحينئذ يصير القلب أسيرا بعد أن كان ملكا، ومسجونا بعد أن كان مطلقا، فيتظلم من الطرف ويشكوه، والطرف يقول:
أنا رائدك ورسولك وأنت بعثتني، فيبتلى بطمس البصيرة فلا يرى به الحق حقا، ولا الباطل باطلا، وهذا أمر يحسه الإنسان من نفسه فإن القلب كالمرآة، والهوى كالصدإ فيها، فإذا خلصت المرآة من الصدأ انطبعت فيها صور الحقائق كما هي، وإذا صدئت لم تنطبع فيها صور المعلومات «4» .
[للاستزادة: انظر صفات: انتهاك الحرمات- التجسس- الفتنة- التبرج- المجاهرة بالمعصية- الغي والإغواء- اتباع الهوى- الإصرار على الذنب- التفريط والإفراط- الفضح.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: غض البصر- العفة- الأدب- الستر- المداراة- المراقبة] . الأحاديث الواردة في ذم (إطلاق البصر) معنى
1-* (عن أم سلمة- رضي الله عنها- أنها قالت: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وميمونة، قالت:
فبينا نحن عنده أقبل ابن أم مكتوم فدخل عليه وذلك بعد ما أمرنا بالحجاب. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«احتجبا منه» ، فقلت: يا رسول الله؛ أليس هو أعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«أفعمياوان أنتما؟ ألستما تبصرانه» ) * «1» .
2-* (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا زوج أحدكم خادمه- عبده أو أجيره- فلا ينظر إلى ما دون السرة وفوق الركبة» ) * «2» .
3-* (عن سهل بن سعد الساعدي- رضي الله عنه- أنه قال: إن رجلا اطلع من جحر في باب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم مدرى «3» يرجل «4» به رأسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو أعلم أنك تنظر طعنت به في عينك، إنما جعل الله الإذن من أجل البصر» ) * «5» .
4-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أن رجلا اطلع من بعض حجر النبي صلى الله عليه وسلم فقام إليه بمشقص أو مشاقص «6» فكأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يختله «7» ليطعنه) * «8» .
5-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما-:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى امرأة فأتى امرأته زينب وهي تمعس «9» منيئة «10» لها، فقضى حاجته، ثم خرج إلى أصحابه فقال: «إن المرأة تقبل في صورة شيطان، وتدبر في صورة شيطان، فإذا أبصر أحدكم امرأة فليأت أهله، فإن ذلك يرد ما في نفسه» ) * «11» .
6-* (عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: لم أر شيئا أشبه باللمم مما قال أبو هريرة- رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنى، أدرك ذلك لا محالة. فزنى العينين النظر، وزنى اللسان النطق، والنفس تمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه» ) * «12» .
7-* (عن جرير بن عبد الله- رضي الله عنه-أنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجاءة فأمرني أن أصرف بصري) * «1» .
8-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنها قالت: جلس إحدى عشرة امرأة فتعاهدن وتعاقدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئا ... الحديث: إلى أن قالت: قالت الحادية عشرة: زوجي أبو زرع، فما أبو زرع؟، أناس من حلي أذني، وملأ من شحم عضدي، وبجحني فبجحت إلي نفسي، وجدني في أهل غنيمة بشق، فجعلني في أهل صهيل وأطيط، ودائس ومنق، فعنده أقول فلا أقبح، وأرقد فأتصبح، وأشرب فاتقنح.
أم أبي زرع، فما أم أبي زرع؟، عكومها رداح، وبيتها فساح، ابن أبي زرع، فما ابن أبي زرع؟ مضجعه كمسل شطبة، ويشبعه ذراع الجفرة.
بنت أبي زرع، فما بنت أبي زرع، طوع أبيها وطوع أمها، وملء كسائها، وغيظ جارتها، جارية أبي زرع، فما جارية أبي زرع، لا تبث حديثنا تبثيثا، ولا تنقث ميراثنا «2» تنقيثا، ولا تملأ بيتنا تعشيشا، قالت: خرج أبو زرع والأوطاب تمخض، فلقي امرأة معها ولدان لها كالفهدين يلعبان من تحت خصرها برمانتين، فطلقني ونكحها، فنكحت بعده رجلا سريا، ركب شريا، وأخذ خطيا، وأراح علي نعما ثريا، وأعطاني من كل رائحة زوجا، وقال: كلي أم زرع، وميري أهلك، قالت: فلو جمعت كل شيء أعطانيه ما بلغ أصغر آنية أبي زرع.
قالت عائشة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كنت لك كأبي زرع لأم زرع» ) * «3» .
9-* (عن أم سلمة- رضي الله عنها- أن مخنثا كان عندها ورسول الله صلى الله عليه وسلم في البيت فقال:
لأخي أم سلمة: يا عبد الله بن أبي أمية؛ إن فتح الله عليكم الطائف غدا فإني أدلك على بنت غيلان، فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان، فسمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
«لا يدخل هؤلاء عليكم» ) * «4» .
10-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم فقد حل لهم أن يفقؤا عينه» ) * «5» .
11-* (عن عبد الله بن عباس- رضي الله عنهما- أنه قال: أردف رسول الله صلى الله عليه وسلم الفضل بن عباس يوم النحر خلفه على عجز راحلته، وكان الفضل رجلا وضيئا، فوقف النبي صلى الله عليه وسلم للناس يفتيهم، وأقبلت امرأة من خثعم وضيئة تستفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فطفق الفضل ينظر إليها وأعجبه حسنها، فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم والفضل ينظر إليها فأخلف بيده فأخذ بذقن الفضل فعدل وجهه عن النظر إليها فقالت: يا رسول الله؛ إن فريضة الله في الحج على عباده، أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يستوي على الراحلة فهليقضي عنه أن أحج عنه؟ قال: «نعم» ) * «1» .
12-* (عن بريدة- رضي الله عنه- أنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا علي، لا تتبع النظرة النظرة، فإن لك الأولى، وليست لك الآخرة» ) * «2» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذم (إطلاق البصر)
1-* (روي أن عيسى- عليه السلام- خرج يستسقي فلما ضجر، قال لهم عيسى عليه السلام: من أصاب منكم ذنبا فليرجع، فرجعوا كلهم ولم يبق معه في المفازة إلا واحد، فقال له عيسى عليه السلام: أما لك من ذنب؟ فقال: والله ما عملت من شيء غير أني كنت ذات يوم أصلي فمرت بي امرأة فنظرت إليها بعيني هذه فلما جاوزتني أدخلت أصبعي في عيني فانتزعتها وتبعت المرأة بها، فقال له عيسى عليه السلام: فادع الله حتى أؤمن على دعائك، قال: فدعا، فتجللت السماء سحابا، ثم صبت، فسقوا) * «3» .
2-* (قال ابن عباس- رضي الله عنهما- في معنى قوله تعالى: يعلم خائنة الأعين: هو الرجل ينظر إلى المرأة الحسناء تمر به أو يدخل بيتا هي فيه فإذا فطن له غض بصره، وقد علم الله أنه يود لو اطلع على فرجها، ولو قدر عليها لو «4» زنى بها) * «5» .
3-* (قال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-:
«حفظ البصر أشد من حفظ اللسان» ) * «6» .
4-* (قال أنس بن مالك- رضي الله عنه-:
«إذا مرت بك امرأة فغمض عينيك حتى تجاوزك» ) * «7» .
5-* (قال الحسن البصري لأخيه سعيد بن أبي الحسن لما قال له: إن نساء العجم يكشفن صدورهن ورءوسهن. قال له: اصرف بصرك عنهن، يقول الله تعالى: قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم) * «8» .
6-* (كان عطاء بن أبي رباح- رحمه الله تعالى- يكره النظر إلى الجواري اللاتي يبعن بمكة إلا أن يريد أن يشتري) * «9» .
7-* (قال داود الطائي- رحمه الله تعالى-:
كانوا يكرهون فضول النظر) * «10» .
8-* (قال عمرو بن مرة- رحمه الله تعالى-:
ما أحب أني بصير، كنت نظرت نظرة وأنا صغير (وهذابعدما عمي)) * «1» .
9-* (قال الزهري- رحمه الله تعالى-: «لا يصلح النظر إلى شيء من النساء اللاتي لا تحيض ممن يشتهى النظر إليها وإن كانت صغيرة» ) * «2» .
10-* (قال العلاء بن زياد العدوي- رحمه الله تعالى-: لا تتبع بصرك حسن ردف المرأة فإن النظر يجعل الشهوة في القلب) * «3» .
11-* (قال وكيع بن الجراح- رحمه الله تعالى:
مررت مع سفيان الثوري على دار مشيدة فرفعت رأسي إليها. فقال: لا ترفع رأسك تنظر إليها، إنما بنوها لهذا) * «4» .
12-* (قال وكيع- رحمه الله-: خرجنا مع سفيان الثوري في يوم عيد، فقال: إن أول ما نبدأ به في يومنا غض أبصارنا) * «5» .
13-* (قال الكرماني- رحمه الله تعالى- في قوله تعالى: يعلم خائنة الأعين: إن الله يعلم النظرة المسترقة إلى ما لا يحل) * «6» .
14-* (قال ابن عطية- رحمه الله تعالى-:
البصر هو الباب الأكبر إلى القلب، وأعمر طرق الحواس إليه، وبحب ذلك كثر السقوط من جهته، ووجب التحذير منه) * «7» .
15-* (قال ابن كثير- رحمه الله تعالى- عند قوله تعالى: قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم..: هذا أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين أن يغضوا من أبصارهم عما حرم الله عليهم، فلا ينظروا إلا إلى ما أباح لهم النظر إليه، وأن يغمضوا أبصارهم عن المحارم، فإن اتفق أن وقع البصر على محرم من غير قصد فليصرف بصره عنه سريعا ... وذلك لأن النظر داعية إلى فساد القلب، فلهذا أمر الله بحفظ الأبصار كما أمر بحفظ الفروج) * «8» .
16- وقال- رحمه الله تعالى- عند تفسير الآية: وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ... : أي يغضضن أبصارهن عما حرم الله عليهن من النظر إلى غير أزواجهن) «9» .
17-* (قال بعض السلف: النظر سهم سم إلى القلب) *. وقال آخر: من حفظ بصره أورثه الله نورا في بصيرته) * «10» .
18-* (قال الشاعر:
وكنت متى أرسلت طرفك رائدا ... لقلبك يوما أتعبتك المناظر رأيت الذي لا كله أنت قادر ... عليه ولا عن بعضه أنت صابر) * «1» .
19-* (قال الشاعر:
كسبت لقلبي نظرة لتسره ... عيني فكانت شقوة ووبالا ما مر بي شيء أشد من الهوى ... سبحان من خلق الهوى وتعالى وقال آخر:
ألم تر أن العين للقلب رائد ... فما تألف العينان فالقلب يألف وقال أبو الطيب المتنبي:
وأنا الذي اجتلب المنية طرفه ... فمن المطالب والقتيل القاتل) * «2» .
20-* (قال الشاعر:
كل الحوادث مبداها من النظر ... ومعظم النار من مستصغر الشرر كم نظرة فتكت في قلب صاحبها ... فتك السهام بلا قوس ولا وتر المرء ما دام ذا عين يقلبها ... في أعين العين موقوف على الخطر يسر مقلته ما ضر مهجته ... لا مرحبا بسرور بعده الضرر) * «3» .
من مضار (إطلاق البصر)
(1) إطلاق البصر بريد الزنا ورسوله الأول.
(2) لوعة القلب وهياج الشوق فيجر إلى الحرام.
(3) يفسد القلب والخلق.
(4) دليل قلة الحياء وفقد الحشمة.
(5) من أسباب شيوع الفاحشة في المجتمعات فتسقط وتنهار.
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك