عدد الضغطات : 9,172عدد الضغطات : 6,678عدد الضغطات : 6,397عدد الضغطات : 5,605
التميز خلال 24 ساعة
العضو المميز المراقب المميز المشرف المميز الموضوع المميز القسم المميز
قريبا
قريبا
قريبا

بقلم :
المنتدى الاسلامي العام

العودة   منتديات الحقلة > المنتدى الاسلامي > المنتدى الاسلامي العام

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: ضع بصمتك .. واترك أثراً ..~ (آخر رد :السموه)       :: مؤلم ... (آخر رد :السموه)       :: وقع ولو بكلمه (آخر رد :السموه)       :: ذات مساء مساحه خاصه لكم (آخر رد :السموه)       :: اللهم ... (آخر رد :السموه)       :: لـ نهتف : (يَآرَبْ )مساحة خاصه لكم لتناجون البارئ بماشئتم (آخر رد :السموه)       :: ثرثرة الواو (آخر رد :السموه)       :: دعاء اليوم ((متجدد بإذن الله)) (آخر رد :ابو يحيى)       :: تهنئة بحلول عيد الفطر المبارك (آخر رد :ابو يحيى)       :: أبي ... (آخر رد :السموه)      


موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع
قديم 20-07-2015   #1
عضو اللجنة الادارية والفنية للمنتدى مستشـار مجلـس ادارة المنتـدى


ابو يحيى غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 621
 تاريخ التسجيل :  19 - 01 - 2012
 أخر زيارة : منذ أسبوع واحد (01:21 AM)
 المشاركات : 210,290 [ + ]
 التقييم :  1210
 مزاجي
 اوسمتي
اوفياء المنتدى وسام صاحب الحضور الدائم الحضور المميز المسابقه الرمضانيه الوسام الملكي 
لوني المفضل : Cadetblue
فَلاَحُ المؤمنين في تحقيق إياك نعبد و إياك نستعين



المؤمنين, تحقيق, في, فَلاَحُ, إياك, نستعين, نعبد

المؤمنين, تحقيق, في, فَلاَحُ, إياك, نستعين, نعبد

سُورةُ الفاتحةِ خيرُ القرآن الكريم و أفضله و هي أعظمُ سُورِه بل ما نزل في التّوراة و لا في الإنجيل و لا في الزّبـور و لا في الفرقان مثلُها . و قد سمّيتْ بأسماءَ كثيرةٍ ، ونُعتت بأوصافٍ عديدةٍ ، و الشّيءُ إذا عظُم شأنُه كثُرت أسماؤه وتعدّدتْ أوصافُه ، ألم ترَ أنّ السّيفَ لمّا كان - عند العرب – ذا شأن عظيم و منفعة متأكّدة ، جمعوا له من الأسماء الكثير ؟!
و قد عدّ بعض أهل العلم للفاتحة أسماء فأوصلوها إلى نيّف وعشرين اسما ، وممّا ثبت في القرآن الكريم والسّنة الصّحيحة – مِن أسمائها - فاتحة الكتاب ، و السّبع المثاني ، و أمّ القرآن ، و أمّ الكتاب ، و الصّلاة ، و النّور ، و الرّقية ... .
عن الرَّبِيعِ بنِ صُبَيْحٍ عن الحسن قال : " أنزل الله عزّ و جلّ مائةً و أربعةَ كُتبٍ مِن السّماء أودع علومَها أربعةً منها التّوراة و الإنجيـل و الزّبور و الفرقان ، ثمّ أودع علومَ التّوراةِ و الإنجيلِ و الزّبورِ الفرقانَ ، ثمّ أودع علومَ القرآنِ المفصّـلَ ، ثمّ أودع علومَ المفصّلِ فاتحـةَ الكتابِ ، فمن علم تفسيرها كان كمن علم تفسير جميعِ كتبِ الله المنزّلة " و توجيه هذا أنّ العلومَ التي جمعها القرآنُ أربعةٌ ، قامت بها الأديان ، و حوتها الفاتحة - مع إيجاز في اللّفظ - و لهذا سمّيت " أمّ القرآن " . و هذه المقاصد الأربعة هي :
أحدها : العقائد ، و مدارها على معرفة الله تعالى و صفاته ، و إليه الإشارة بقوله : ﴿ الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ [ الفاتحة : 2 – 3 ] و معرفة النّبوات ، و إليه الإشارة بقوله : ﴿ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ﴾ [ الفاتحة : 7 ] و معرفة المعاد ، و هو المومأ إليه بقوله : ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ [ الفاتحة : 4 ] .
ثانيها : العبادات ، و إليه الإشارة بقوله : ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [ الفاتحة : 5 ] .
ثالثها : السّلوك و الأخلاق ، و أنفعها ما يوصل العبد إلى الاستقامة ، و إليه الإشارة بقوله : ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ [ الفاتحة : 6 ]
رابعها: القصص و أخبار السّابقين ، و إليه الإشارة بقوله : ﴿ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ ﴾ [ الفاتحة: 7 ]
و سرّ الخلق و الأمر والكتب و الشّرائـع و الثّواب و العقاب انتهى إلى هاتين الكلمتين : ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِيـنُ ﴾ [ الفاتحة : 5 ] و عليهما مدار العبوديّة و التّوحيد ، حتّى قيل إنّ الله جمع معاني المفصّل في الفاتحة ، ومعاني الفاتحة في هذه الآية الكريمة ، وهما الكلمتان المقسومتان بين الربّ و بين عبده نصفين : فنصفها له - تعالى - و هو : ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ﴾ [ الفاتحة : 5 ] و نصفها لعبده و هو : ﴿ إِيَّـاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [ الفاتحة : 5 ] . و قد قال بعض السّلف : " الفاتحة سرّ القرآن ، و سرّ الفاتحة : ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [ الفاتحة : 5 ] " .
و الدّين يرجع كلّه إلى هاتين الكلمتين : العبادة والاستعانة ، فالأولى : تبرّؤ من الشّرك ، و الثّانية : تبرّؤ من الحول و القوّة ، والتّفويض إلى الله ، وقد جاء هذا المعنى في غير ما آية من كتاب الله ، منها قوله تعالى : ﴿ وَ لِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَ الأَرْضِ وَ إِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَ تَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَ مَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [ هود : 123 ] وقولـه : ﴿ قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَـنْ هُوَ فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ ﴾ [ الملك : 29 ] وعبادة الله و الاستعانة به هما سبب السّعادة الأبديّة ، و النّجاة من كلّ الشّرور ، و كلّ واحد منهما – أي : العبادة و الاستعانة - دعاء ، و إذا كان الله تعالى قد فَرَضَ علينا أنْ نُنَاجِيَه و ندعوه بهاتين الكلمتين في الصّلاة ، وفي كلّ ركعة من ركعاتها ، فمعلومٌ أنّ ذلك يقتضي أنّه فَرْضٌ علينا أنْ نعبده و أن نستعينه . فالعبادة لله ، و الاستعانة به ، فما لم يكن بالله لا يكون ، فإنّه لا حول و لا قوّة إلاّ بالله ، و ما لم يكن لله فلا ينفع و لا يدوم .
و في هذه الآية تفصيل لما جاء في أوّل السّورة ، حيث ذكر تعالى " الحمد " بالألف و اللاّم التي تقتضي الاستغراق لجميع المحامد ، فدلّ على أنّ الحمد كلّه لله ، ثمّ حصره في قوله : ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [ الفاتحة : 5 ] فهو يدلّ على أنّه لا معبود إلاّ الله . فقولـه : ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ﴾ [ الفاتحة : 5 ] : إشارة إلى عبادته بما اقتضته إلهيته ، مِن المحبّة و الخوف و الرّجاء و الأمر و النّهي . و ﴿ إِيَّاكَ نَسْتَعِيـنُ ﴾ [ الفاتحة : 5 ] : إشارة إلى ما اقتضته الرّبوبيّة من التّوكّل و التّفويض و التّسليم .
و تقدّيم المعمول على العامل في قوله : ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [ الفاتحة : 5 ] : لئلاّ يتقدّم ذِكـر العبد و العبادة على المعبـود بحق - سبحانه و تعالى - . و في تقديم المعبود و المستعان على الفعلين : أدبهم مع الله ، بتقديم اسمه على فعلهم [ نعبد - نستعين ] و لمزيـد اهتمامهم و شدّة العناية به ، مع ما يفيده - زيادةً على مـا ذُكِر – مِن الإيذان بالاختصاص المسمّى بالحصر ، فهو في قوّة : ( لا نعبد إلاّ إيّاك ، و لا نستعين إلاّ بك ) .
و لهذا جاء في حديث ابن عبّاس  قوله  : " إِذَا سَألْتَ فَاسأَلِ الله ، وَ إِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ باللهِ " إشعاراً بأنّ الله تعالى هو المسّخر لكلّ شيء ، فإذا سألَ العبدُ حاجةً - كبيرةً كانت أم صغيرةً – فعليه أن يسأل خالقها و مالكها ، الذي يملك أنْ يوصلها إليه .
و قد بيّن النّبيّ  السّببَ الذي مِن أجله لا يُسأل إلاّ الله و لا يُستعان إلاّ به ، فقال – في آخر الحديث - : " وَ اعْلَـمْ أَنَّ الأُمَّـةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ ، وَلَو اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ ، رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ وَ جَفَّتِ الصُّحُفُ " وذلك لأنّ الله تعالى هو الذي يكشف الضّر ، و يجلب النّفع ، و هـذا كلّه بيده ، قال سبحانه : ﴿ وَ إِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَ إِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَادَّ لِفَضْلِهِ ﴾ [ يونس : 107 ] و قـال : ﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَ مَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ ﴾ [ فاطر : 2 ] .
* قوله : ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ﴾ [ الفاتحة : 5 ] : العبادة تجمع أصلين : غاية الحبّ بغاية الذلّ و الخضوع . و التعبّد : التذلّل و الخضوع ، فمَـن أحببتَه ولم تكن خاضعا له لم تكن عابداً له ، و من خضعتَ له بلا محبّة لم تكن عابداً له ، حتّى تكون محبّاً خاضعاً .

و العبادة اسم جامع لكلّ ما يحبّه الله و يرضاه مِن الأعمال و الأقوال الظّاهرة والباطنـة . و إنّما تكون العبادةُ عبادةً إذا كانت مأخوذةً من رسول الله  مقصوداً بها وجه الله تعالى ، فبهذين الأمرين تكون العبادة .
و لا يكون العبـد محقّقا لـ : ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ﴾ [ الفاتحة : 5 ] إلاّ بهذين الأصلين العظيمين ؛ و هما : إخلاص الدّين لله ، و موافقة أمـره الذي بعث به رسله ، و قد جمع - سبحانه - بين هذين الأَصْلَين في مواضع من كتابه ، كقوله : ﴿ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَ مَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ إِلَيْهِ أُنِيبُ ﴾ [ هود : 88 ] .
و أهلُ الإخلاص للمعبود و المتابعة هم أهل : ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ﴾ [ الفاتحة : 5 ] حقيقةً ، فأعمالهم كلّها لله ، و أقوالهم لله ، و عطاؤهم لله ،
و مَنْعهم لله ، و حبّهم لله ، و بغضهم لله . فمعاملتهم - ظاهراً و باطناً - لوجه الله وحده ، لا يريدون بذلك - من النّاس - جزاءً و لا
شُكوراً ، و لا ابتغاءَ الجاه عندهم ، و لا طلب المحمدة و المنزلة في قلوبهم ، و لا هرباً مِن ذمّهـم ، بل قد عدّوا النّاس بمنزلة أصحـاب
القبور ، لا يملكون لهم ضرّاً و لا نفعاً ، و كذلكم أعمالهم و عبادتهم موافقة لأمر الله ، و لما يحبّه و يرضاه . و هذا هو العمـل الذي لا يقبل الله مِن عامل سواه ، و هذا هو المذكور في قوله تعالى : ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَ لاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّـهِ أَحَدًا ﴾ [ الكهف : 110 ] و في قوله : ﴿ وَ مَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَ هُوَ مُحْسِنٌ ﴾ [ النّساء : 125 ] .
و السّرّ في تقديم العبادة على الاستعانة - في قوله تعالى : ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [ الفاتحة : 5 ] – هو مِن باب تقديم الغايات على الوسائل ، إذْ العبادة غاية العباد التي خُلقوا لها ، و الاستعانة وسيلة إليها ، و العبادة من حقّ الله تعالى ، و الاستعانة من حقّ المستعيـن ، و العبادة هي المقصودة ، و الاستعانة وسيلة إليها . و لِيُعْلم– أيضاً- أنّ ذِكْر الوسيلة في طلب الحاجة أدعى إلى الإجابة ، و لأنّ ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ﴾ : قِسْمُ الرّبّ ، فكان مِن الشّطر الأوّل الذي هو ثناء على الله تعالى لكونه أولى به . و ﴿ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ : قِسْمُ العبد ، فكان مع الشّطر الذي له ، و هو ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ [ الفاتحة : 6 ] إلى آخر السّورة . و لأنّ العبادة المطلقة تتضمّن الاستعانة مِن غير عكس ، فكلّ عابدٍ لله - عبوديّةً تامّةً - مُسْتعينٌ به ، و لا ينعكس . و لأنّ الاستعانةَ جزءٌ مِن العبادةِ مِن غير عكس . و لأنّ الاستعانةَ طلبٌ منه ، و العبادة طلبٌ له . و لأنّ العبادةَ لا تكون إلاّ من مُخلصٍ ، والاستعانة تكون من مُخلصٍ و من غير مُخلصٍ . ولأنّ العبادةَ شُكرُ نعمةِ الله على العبدِ ، و الله يحبّ أن يُشْكر ، و الإعانةُ توفيقُ اللهِ للعبدِ ، فالتزامه للعبوديّة سببٌ لنيلِ الإعانةِ ، وكلّما كان العبـدُ أتمَّ عبوديّةً للهِ كانت الإعانةُ مِن الله له أعظم . فهذه الأسرار يتبيّن بها حِكمة تقديم : ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ﴾ على : ﴿ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ .
و في هذه الآية إشارة إلى تحقيق كلمة التّوحيد ، لأنّ ( لا إله إلاّ الله ) مركّبة مِن ركنين ، وهما : النّفيُ بـ ( لا إلـه ) و الإثباتُ ( إلاّ الله ) فالنّفيُ : خلعُ جميع المعبودات غير الله تعالى في جميع العبادات ، والإشارة إليـه بتقديم المعمول على العامل في قولـه : ﴿ إِيَّاكَ ﴾
و الإثباتُ : إفراد الله بجميع أنواع العبادات على الوجه المشروع ، و الإشارة إليه بقوله : ﴿ نَعْبُدُ ﴾ و قد ذكر الله تعالى هذا مفصّلا في آيات أخرى ، كقوله : ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَ اجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾ [ النّحل : 36 ] .
و العبودية منقسمة على القلب و اللّسان و الجوارح ، و على كلٍّ منها عبوديّة تخصّه ؛
فعبوديّة القلب ؛ الواجبُ عليه : الإخلاص ، و التوكّل ، و المحبّة ، و الصّبر ، و الإنابة ، و الخوف ، و الرّجاء ، و التّصديـق الجازم ، و النيّة في العبادات . و المحرّم عليه نوعان : كفر و معصية ؛ فمِن الكفر : الشكّ ، و النّفاق ، و الشّرك ، وتوابعها . و المعاصي : كبائر و صغائر ؛ فمِن الكبائر : الرّياء ، و العُجب ، و الكِبر ، و الفخر ، و الخيلاء ، و القنوط من رحمة الله ، و اليأس مِن رَوح الله ، و الأمن
مِن مكر الله ، و الفرح و السّرور بأذى المسلمين و الشّماتة بمصيبتهم ، و محبّة أنْ تشيع الفاحشة فيهم ، وحسدهم على ما آتاهـم الله من فضله ، و تمنّي زوال ذلك عنهم ، و توابع هذه الأمور التي هي أشدّ تحريما من الزّنا و شرب الخمر و غيرهما مِـن الكبائر الظّاهرة .
و لا صلاح للقلب و لا للجسد إلاّ باجتنابها و التّوبة منها ، و إلاّ فهو قلب فاسد ، وإذا فسد القلب فسد البدن . ومِن الصّغائر : شهوة المحرّمات و تمنّيها ، و تتفاوت درجات الشّهوة - في الكبر و الصّغر - بحسب تفاوت درجات المشتهي ، فشهوة الكفر و الشّرك كفر ،
و شهوة البدعة فسق ، و شهوة الكبائر معصية ، فإن تركها لله مع قدرته عليها أثيب ، و إن تركها عجزا عن بذلِه مقدورَه في تحصيلها استحقّ عقوبة الفاعل ، لتنزيله منزلته في أحكام الثّواب و العقاب ، و إنْ لم ينزّل منزلته في أحكام الشّرع ، و لهذا قال  : " إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ " قَالوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هَذَا القَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ ؟! قَالَ : " إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ " . فنزّله منزلة القاتل ، لحرصه على الإثم دون الحكم .
وعبوديّة اللّسان ؛ واجبُه : النّطق بالشّهادتين ، وتلاوة ما يلزمه تلاوته من القرآن ، وهو ما يتوقّف صحّة صلاته عليه ، وتلفّظه بالتشّهد و التّكبير و الأذكار الواجبة في الصّلاة . و مِن واجبه : ردّ السّلام ، و في ابتدائه قولان . ومِن واجبه : الأمر بالمعروف ، و النّهي عـن المنكر ، و تعليم الجاهل ، و إرشاد الضّال ، وأداء الشّهادة المتعيّنة ، و صدق الحديث . و مُستحبُّه : تلاوة القرآن ، و دوام ذكـر الله ، و المذاكرة في العلم النّافع ، و توابع ذلك . و مُحرّمُه : النّطق بكلّ ما يبغضه الله تعالى و رسوله  كالنّطق بالبدع المخالفة لما بعث الله به رسوله  و الدّعاء إليها ، و تحسينها ، وتقويتها ، و كالقذف ، و سبّ المسلم ، و أذاه بكلّ قول ، و الكذب ، و شهـادة الزّور ، و القول على الله بلا علم ، و هو أشدُّها تحريماً . و مكروهه : التّكلّمُ بما تَرْكُه خيرٌ مِن الكلام به ، مع عدم العقوبة عليه .
و عبوديّة الجوارح ؛ و هي على الحواس الخمسة : السّمع ، و النّظر ، و الذّوق ، و الشمّ ، و اللّمس .
فالسّمع ؛ واجبُه : الإنصات و الاستماع لما أوجبه الله تعالى و رسوله  مِن استماع الإسلام و الإيمان و فروضهما . وكذلك استماع القراءة في الصّلاة إذا جهر بها الإمام ، واستماع خُطبة الجمعة . و مُحرّمُه : استماع الكفر و البدع إلاّ حيث يكون في استماعه مصلحة راجحة مِن ردّه أو الشّهادة على قائله و نحو ذلك ، و كذلك استماع المعازف و آلات الطّرب و اللّهـو ، وكذلك استماع أصـوات النّساء الأجانب التي تخشى الفتنة بأصواتهنّ ، إذالم تدعُ إليه حاجة مِن شهادة أو معاملة أو استفتاء أو محاكمة أو نحوهـا . و مُستحبُّه : كاستماع المستحبّ مِن العلم ، و قراءة القرآن ، و ذِكر الله ، و استماع كلّ ما يحبّه الله تعالى و ليس بفرض .
و النّظر ؛ الواجبُ منه : النّظر في المصحف و كتب العلم عند تعيّن تعلّم الواجب منها ، و النّظر إذا تعيّن لتمييز الحلال مِن الحرام فـي الأعيان التي يأكلها و يُنفقها و يستمتع بها ، و الأمانات التي يؤدّيها إلى أربابها ليميّز بينها و نحو ذلك . و مُحرّمُه : النّظر إلى الأجنبيات بشهوة مطلقا ، و بغيرها إلاّ لحاجة كنظر الخاطب و الشاهد و الحاكم و الطّبيب و ذي المحرم . ومستحبُّه : النّظر في كتب العلم والدّين التي يزداد بها الرّجل إيماناً و علماً ، و النّظر في آيات الله المشهودة ليستدلّ بها على توحيده و معرفته و حِكمته .
و الذّوق ؛ واجبُه : تناول الطّعام و الشّراب عند الاضطرار إليه و خوف الموت ، فإن تركه حتّى مات ، مات عاصيا . قال الإمام أحمد و طاووس : " مَن اضطرّ إلى أكل الميتة فلم يأكل حتّى مات ، دخل النّار " . ومحرّمُه : كذوق الخمر والسّموم القاتلة ، والذّوق الممنوع منه للصّوم الواجب . و مكروهُه : كذوق المُشْتَبَهَات ، و الأكل فوق الحاجة ، و كالأكل مِن أطعمة المرائين في الولائم و الدّعـوات . و مُستحبُّه : أكل ما يُعين على طاعة الله تعالى ممّا أذِن الله فيه ، و الأكل مع الضّيف ليطيب له الأكل فينال منه غرضه ، و الأكل مِـن طعام صاحب الدّعوة .
و الشمّ ؛ مُحرّمُه : كتعمّد شمّ الطّيب المسروق المغصوب ، أو تعمّد شمّ الطّيب مِن النّساء الأجنبيات للافتتان بما وراءه .
و اللّمس و البطش ؛ واجبُه : كالتكسّب المقدور للنّفقة على النّفس و الأهل و العيال . و مِن البطش الواجب : إعانة المضطرّ ، و رمي الجِمار ، و مباشرة الوضوء و الغسل و التيمّم ، و نحو ذلك . و مُحرّمُه : كلمس ما لا يحلّ من الأجنبيات . و مِن البطش المحرّم : كقتل النّفس التي حرّم الله ، و نهب المال المغصوب ، و ضرب مَن لا يحلّ ضربُه ، و نحو ذلك ، وكأنواع اللّعب المحرّم ، و نحو كتابـة البدع المخالفة للسّنة - تصنيفاً و نسخاً - إلاّ مقرونا بردّها و نقضها ، وككتابة الزّور و الظّلم و الحكم الجائـر و القذف ، و كتابة ما فيـه
مضرّة على المسلمين - في دينهم أو دنياهم - و لا سيما إنْ كسب عليه مالا ﴿ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَ وَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ ﴾ [ البقرة : 79 ] و كذلك كتابة المفتي – علـى الفتوى- ما يخالف حُكم الله تعالى ورسوله  إلاّ أنْ يكون مُجتهـدا مخطئا ، فالإثم موضوع عنه . و مُستحبُّه : لمس الرّكن بيده - في الطّواف– وككتابة ما فيه منفعة في الدّين ، أومصلحة لمسلم ، وكالإحسان بيده : بأن يُعين صانعاً ، أو يفرغ مِن دلوه في دلو المستسقي أو يحمل له على دابّته ، أو يمسكها حتّى يحمل عليها ، أو يعاونه فيما يحتاج إليه .
و المشي ؛ واجبُه : المشي إلى الجُمعات و الجَماعات ، و المشي حول الكعبة للطّواف الواجب ، و المشي بين الصّفـا والمروة ، و المشي إلى صِِلة الرّحم وبرّ الوالدين ، و المشي إلى مجالس العلم - طلبه و تعلّمه - و المشي إلى الحجّ إذا قربت المسافة و لم يكن عليه فيه ضرر . و مُحرّمُه : كالمشي إلى معصية الله ، و هو من رَجِل الشّيطان ، قال تعالى : ﴿ وَ أَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَ رَجِلِكَ ﴾ [ الإسراء : 64 ] . قال مقاتل : " اسْتَعِنْ عَلَيْهِمْ بِرُكْبَانِ جُنْدِكَ وَ مُشَاتِهِمْ " . فكلّ راكب و ماشٍ في معصية الله : فهو مِن جند إبليس .
و إنّ أفضل العبادة أنْ تعمل على مرضاة الله - في كلّ وقت - بما هو مُقتضى ذلك الوقت و وظيفته ؛ فأفضل العبادات في وقت الجهادِ الجهادُ ، و إنْ آل ذلك إلى ترك الأوراد مِن صلاة اللّيل ، و صيام النّهار ، كما في حالة الأمن .
و الأفضل في وقت حُضور الضيف - مثلا- : القيام بحقّه ، و الاشتغال به عن الورد المستحبّ ، و كذلك في أداء حقّ الزّوجة والأهل . و الأفضل في أوقات السّحر : الاشتغال بالصّلاة ، و تِلاوة القرآن ، و الدّعاء ، و الذّكر ، و الاستغفار .
و الأفضل في وقت استرشاد الطّلب و تعلّم الجاهل : الإقبال على تعليمه ، و الاشتغال به .
و الأفضل في أوقات الأذان : ترك ما هو فيه من ورده ، و الاشتغال بإجابة المؤذّن .
و الأفضل في أوقات الصّلوات الخمس : الجدّ و النّصح في إيقاعها على أكمل الوجوه ، و المبادرة إليها في أوّل الوقـت ، و الخروج إلى المسجد - و إن بَعُدَ - و ذلك أفضل .
و الأفضل في أوقات ضرورة المحتاج إلى المساعدة بالجاه أو البدن أو المال : الاشتغال بمساعدته ، و إغاثة لهفته ، و إيثار ذلك على الأوراد
و الأفضل في وقت الوقوف بعرفة : الاجتهاد في التضرّع ، و الدّعاء ، و الذّكر ، دون الصّوم المضعف عن ذلك .
و الأفضل في أيّام عشر ذي الحجّة : الإكثار من التعبّد ، لا سيما التّكبير ، والتّهليل ، والتّحميد ، فهو أفضل من الجهاد غير المتعيّن .
و الأفضل في العشر الأخير مِن رمضان : لزوم المسجد فيه ، و الخلوة ، و الاعتكاف دون التصدّي لمخالطة النّاس ، والاشتغال بهم حتّى إنّه أفضل من الإقبال على تعليمهم العلم ، و إقرائهم القرآن - عند كثير من العلماء - .
و الأفضل في وقت مرض المسلم أو موته : عيادته ، و حضور جِنازته ، و تشييعه .
و الأفضل في وقت نُزول النّوازل وأذاة النّاس : أداء واجب الصّبر ، مع الخلطة بهم ، دون الهرب منهـم ، فإنّ المؤمن الذي يخالط النّاس ليصبر على أذاهم أفضل مِن الذي لا يخالطهم و لا يؤذونه .
فالأفضل في كلّ وقت و حال : إيثار مرضاة الله في ذلك الوقـت و الحال ، و الاشتغال بواجـب ذلك الوقت ووظيفتـه و مقتضاه ، و هؤلاء هم أهل التعبّد المطلق ، و هم المتحقّقون بـ : ﴿ إيّاك نعبد ﴾ حقّاً .
و تلزم ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ﴾ [ الفاتحة : 5 ] كلَّ عبدٍ إلى الموت ؛ قال الله تعالى : ﴿ وَ اعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾ [ الحجر : 99 ] و قد حكى تعالى عن أهل النّار قولهم : ﴿ وَ كُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ  حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ ﴾ [ المدّثّر : 46 – 47 ] و اليقيـن - ها هنا - : هـو الموت - بإجماع أهل التّفسير- فلا ينفكّ العبد من العبوديّة ما دام في دار التّكليف ، بل عليه - في البرزخ- عبوديّة أخرى ، لمّا يسأله الملَكان : مَن ربّك ؟ و مـا دينك ؟ ومَن الرّجل الذي بُعِث فيكم ؟ و يلتمسان منه الجواب . و عليه عبوديّة أخرى يوم القيامة ، يوم يدعـو الله الخلق كلّهم إلى السّجود ، فيسجد المؤمنون ، و يبقى الكفّارُ والمنافقون لا يستطيعون السّجـود ﴿ يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَ يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ  خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَ قَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَ هُمْ سَالِمُونَ ﴾ [ القلم : 42 – 43 ] ومَن زَعم أنّه يَصِلُ إلى مقامٍ يسقطُ عنه التعبّد فهو زنديقٌ ، كافرٌ بالله و رسوله  و إنّما وصل إلى مقام الكفر بالله و الانسلاخ من دينه .
* قوله : ﴿ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [ الفاتحة : 5 ] : الاستعانة هي طلب العون و التّأييد و التّوفيق من الله تعالـى ، وهي الاعتماد على الله في جلب المنافع و دفع المضار ، مع الثّقة بالله في تحصيل ذلك ، و تكون بلسان المقال ، كأن تقول – مثلا – عند شروعك في عمل مـا : اللّهمّ أعنّي ، كما تكون بلسان الحال أيضا ، و هي أنْ تشعر بقلبك أنّك مُحتاج إلى إعانة الله لك لإنجاح عملك ، و أنّه إنْ وَكَّلَك إلى نفسك وَكَّلَك إلى عجز و ضعف . و الغالب أنّ مَن استعان بلسان المقال فقد استعان بلسان الحال .
و الاستعانة بالله واجبة على تحمّل الطّاعات و أدائها ، و ترك المنهيات و اجتنابها ،كما تجب الاستعانة بالله على الصّبر على المقدورات ، لأنّ العبد عاجزٌ عن الاستقلال بنفسه في جلب النّفع لها و دفع الضّر عنها ، ولا مُعين للإنسان على مصالح دينه و دنياه إلاّ الله سبحانه .
و كرّر الضّمير " إيّاك " للتّنصيص على أنّه - تعالى - هو المستعان به لا غيره . و إطلاق الاستعانة بقصد التعميـم ، أي : نستعينك في كلّ شيء - صغيره و كبيره ، عظيمه و جليله - فلا سبيل للعبد إلاّ بالمعونة ، و المعنى : ثبّتنا - يا ربّ- على العمل بطاعتك ، و إصابة الحقّ و الصّواب .
و ذكر الله تعالى ( الاستعانة ) بعد ( العبادة ) مع دخولها فيها ، و هذا له نظائر ، كما في قوله تعالى : ﴿ إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَ المُنْكَرِ ﴾ [ العنكبوت : 45 ] و الفحشاء مِن المنكر . وكذلك قوله : ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَ الإِحْسَانِ وَ إِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَ يَنْهَى عَـنِ الْفَحْشَاءِ وَ المُنْكَرِ وَ البَغْيِ ﴾ [ النّحل : 90 ] و إيتاء ذي القربى هو مِن العدل و الإحسان ، كما أنّ الفحشاء و البغي مِن المنكر ، و أمثال ذلك في القرآن كثير . فلماذا - إذنْ - عطف الله على العبادة غيرها ؟ الجواب : مع كون الاستعانة بعض العبادة ، لأنّ جميع ما يحبّه الله تعالى داخل في اسم العبادة ، غير أنّ الآيةَ الكريمةَ ذكرت - مع العبادةِ - الاستعانةَ ، تخصيصا لها بالذّكر ، لكونها مطلوبة بالمعنى العـام و المعنى الخاص . وأيضا لاحتياج العبد في جميع عباداته للاستعانة بالله تعالى ، فإنّه إنْ لم يُعِنْه ربُّه لم يحصل له ما يريده من فعل الأوامـر واجتناب النواهي . و لهذا قيل : إنّ " الواو " - في قوله : ﴿ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ - : للحال ، فيكون المعنى : نعبدك مُستعينين بك .
و في الآية إشارة إلى أنّه لا ينبغي أن يُتوكّل إلاّ على مَن يستحقّ العبادة ، لأنّ غيره ليس بيده الأمر . و مِن هنا تعلم أنّ الذين يستعينون بأصحاب الأضرحة و القبور على قضاء حوائجهم ، وتيسير أمورهم ، و شفاء أمراضهم ، و نماء حرثهم و زرعهم ، و هلاك أعدائهم ، و غير ذلك من المصالح ، فهؤلاء عن صراط التّوحيد ناكبون ، و عن ذكر الله مُعرضون .
و قد أرشدتنا هذه الآية : ﴿ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [ الفاتحة : 5 ] إلى أمرين عظيمين هما سبب السّعادة في الدّارين - الدّنيا و الآخرة - :
أحدهما : القيام بالأعمال النّافعة ، و الاجتهاد في إتقانها قدْر الاستطاعة ، لأنّ طلب المعونة لا يكون إلاّ على عمل بذل فيه المرء طاقته ، فيخشى أنْ لا ينجح فيه ، فيطلب المعونة على إتمامه و كماله ، و هذا بعد استفراغ القوّة ، و ترك النّتيجة لله تعالى .
ثانيهما : وُجوب تخصيص الاستعانة بالله تعالى وحده ، و هذا لما أفاد الحصر ، و هذا مِن كمال التّوحيد الخالص ، فيكون المؤمـن مع النّاس حُرّاً خالصاً وسيّداً كريماً ، و مع الله عبداً خاضعاً ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [ الأحزاب : 71 ] .
و الاستعانة بالمخلوق تنقسم إلى قسمين : مشروعة و ممنوعة ؛ أمّا المشروع منها : فالاستعانـة به فيما يقدر عليه ، و أمّا الممنوعـة : فالاستعانة به على ما ليس في قدرته . و الاستعانة بالمخلوق إذْ تُشرع فعلى المستعين أنْ يجعل ذلك وسيلة و سبباً ، لا ركناً يعتمد عليه ، كما أنّ عليه إشعارَ مَن يستعينه بأنّه بمثابة معونة بعض أعضائه لبعض ، كما لو عجز عن حمل شيء بيد واحدة ، فإنّه يستعين على حمله بيده الأخرى ، قال تعالى : ﴿ وَ تَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوَى ﴾ [ المائدة : 2 ] و قال  : " كُلُّ سُلاَمَى مِن النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ كُلَّ يَـوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ ، يَعْدِلُ بَيْنَ الاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ ، وَ يُعِينُ الرَّجُلَ عَلَى دَابَّتِهِ فَيَحْمِلُ عَلَيْهَا أَوْ يَرْفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ ، وَ الكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ ، وَ كُلُّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا إِلَى الصَّلاَةِ صَدَقَةٌ ، وَ يُمِيطُ الأَذَى عَن الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ " .
و أمّا استعانة العبد بالعبد فيما لا يقدر عليه و لا يطيقه فمُحرّم شرعاً ، وقد يصل إلى حدّ الشّرك بالله ؛ لأنه بذلك يمنح للمخلوق مِـن القدرة و المكانة ما ليس من حقّه ، بل هو من حقّ الله سبحانه و تعالى وحده .
و لمّا كان كلُّ واحدٍ مِن البشر مُحتاجاً إلى إعانة الله و توفيقه ، بحيث لا يمكنه الاستغناء عنها طرْفة عين ، أمرنا بها النّبيّ  ، و نهانا عن العجز و الكسل ، فقال  : " المُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ المُؤْمِـنِ الضَّعِيفِ وَ فِي كُلٍّ خَيْرٌ ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُـكَ وَ اسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَ لاَ تَعْجَزْ ، وَ إِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلاَ تَقُلْ : لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَ كَذَا ، وَ لَكِنْ قُلْ : قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ " . قال النّووي : " و معناه : احرص على طاعة الله تعالى و الرّغبة فيما عنده ، و اطلب الإعانـة مِن الله تعالى على ذلك ، و لا تعجز و لا تكسل عن طلب الطّاعة ، و لا عن طلب الإعانة " .
و لذا كان النّبيّ  يدعو ربّه تعالى و يسأله أن يُعينه و لا يُعين عليه أحداً يُلحق به ضررا ، فعن ابن عباس  قـال : " كَانَ النَّبِيُّ  يَدْعُو : رَبِّ أَعِنِّي وَ لاَ تُعِنْ عَلَيَّ ... " الحديث
و أفضل أنواع الاستعانة ما كان على طاعة الله تعالى و البرّ والإحسان ، فعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ  : " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ  أَخَذَ بِيَدِهِ وَ قَالَ : " يَا مُعَاذُ وَ اللَّهِ إِنِّي لأُحِبُّكَ ، وَ اللَّهِ إِنِّي لأُحِبُّكَ " فَقَالَ : " أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لاَ تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ تَقُولُ : اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَـى ذِكْرِكَ وَ شُكْرِكَ وَ حُسْنِ عِبَادَتِكَ " .
والعبوديّةُ محفوفةٌ بإعانتينِ : إعانةٍ قبلها على التزامها و القيام بها ، و إعانةٍٍ بعدها على عبوديّة أخرى ، وهكذا أبداً حتّى يقضي العبـد نحبه ( 29 ) . نسأل الله تعالى أنْ يوفّقنا لما يحبّه و يرضاه و أن يختم بالباقيات الصّالحات أعمالنا ، و يجعلنا ممّن حقّقـوا ﴿ إِيَّـاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِين ﴾ .
أصل هذا المقال مقال من الشيخ نجيب جلواح الجزائري إمام خطيب بالعاصمة. و ذلك بالتصرف

ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك



منتديات الحقلة

منتديات الحقلة: منتديات عامة اسلامية ثقافية ادبية شعر خواطر اخبارية رياضية ترفيهية صحية اسرية كل مايتعلق بالمرأة والرجل والطفل وتهتم باخبار قرى الحقلة والقرى المجاوره لها





tQghQpE hglclkdk td jprdr Ydh; kuf] , ksjudk jprdr td tQghQpE Ydh;




tQghQpE hglclkdk td jprdr Ydh; kuf] , ksjudk jprdr td tQghQpE Ydh; tQghQpE hglclkdk td jprdr Ydh; kuf] , ksjudk jprdr td tQghQpE Ydh;



 

قديم 20-07-2015   #2


مصراوي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1899
 تاريخ التسجيل :  27 - 04 - 2015
 العمر : 70
 أخر زيارة : 02-09-2020 (09:50 AM)
 المشاركات : 87,984 [ + ]
 التقييم :  246
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Cadetblue
رد: فَلاَحُ المؤمنين في تحقيق إياك نعبد و إياك نستعين



كالعادة إبداع رائع

وطرح يستحق المتابعة

بإنتظار الجديد القادم

شكراً لك



 

قديم 20-07-2015   #3
عضو اللجنة الادارية والفنية للمنتدى مستشـار مجلـس ادارة المنتـدى


ابو يحيى غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 621
 تاريخ التسجيل :  19 - 01 - 2012
 أخر زيارة : منذ أسبوع واحد (01:21 AM)
 المشاركات : 210,290 [ + ]
 التقييم :  1210
 مزاجي
لوني المفضل : Cadetblue
رد: فَلاَحُ المؤمنين في تحقيق إياك نعبد و إياك نستعين



اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مصراوي مشاهدة المشاركة
كالعادة إبداع رائع

وطرح يستحق المتابعة

بإنتظار الجديد القادم

شكراً لك
شكرا لمرورك الذي عطر المكان
ونشر بشذاه أركان موضوعي
فبارك الله فيك


 

قديم 20-07-2015   #4
*****ه بالقسم الاسلامي


قلب أم غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1853
 تاريخ التسجيل :  02 - 04 - 2015
 أخر زيارة : 02-05-2020 (01:07 PM)
 المشاركات : 28,108 [ + ]
 التقييم :  222
لوني المفضل : Cadetblue
رد: فَلاَحُ المؤمنين في تحقيق إياك نعبد و إياك نستعين


 

قديم 20-07-2015   #5
عضو اللجنة الادارية والفنية للمنتدى مستشـار مجلـس ادارة المنتـدى


ابو يحيى غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 621
 تاريخ التسجيل :  19 - 01 - 2012
 أخر زيارة : منذ أسبوع واحد (01:21 AM)
 المشاركات : 210,290 [ + ]
 التقييم :  1210
 مزاجي
لوني المفضل : Cadetblue
رد: فَلاَحُ المؤمنين في تحقيق إياك نعبد و إياك نستعين



اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة قلب أم مشاهدة المشاركة
شكرا لمرورك العطر



 

قديم 29-07-2015   #6
مشـرفه قسم الصحه والمجتمع


سلسبيل غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1894
 تاريخ التسجيل :  25 - 04 - 2015
 أخر زيارة : 02-06-2019 (10:51 AM)
 المشاركات : 19,279 [ + ]
 التقييم :  179
لوني المفضل : Cadetblue
رد: فَلاَحُ المؤمنين في تحقيق إياك نعبد و إياك نستعين



بين مواضيعكم نجد
المتعة دائما
وفقكم الله لقادم اجمــــــــــل



 

قديم 29-07-2015   #7
عضو اللجنة الادارية والفنية للمنتدى مستشـار مجلـس ادارة المنتـدى


ابو يحيى غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 621
 تاريخ التسجيل :  19 - 01 - 2012
 أخر زيارة : منذ أسبوع واحد (01:21 AM)
 المشاركات : 210,290 [ + ]
 التقييم :  1210
 مزاجي
لوني المفضل : Cadetblue
رد: فَلاَحُ المؤمنين في تحقيق إياك نعبد و إياك نستعين



اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سلسبيل مشاهدة المشاركة
بين مواضيعكم نجد
المتعة دائما
وفقكم الله لقادم اجمــــــــــل
شكرا لمرورك الذي عطر المكان
ونشر بشذاه أركان موضوعي
فبارك الله فيك


 

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المؤمنين, تحقيق, في, فَلاَحُ, إياك, نستعين, نعبد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
إياك ثم إياك أن تتعدى ما كُلِّفتَ به !! ابو يحيى منتدى الحديث والسنة النبوية الشريفة 10 18-08-2015 11:09 AM
إياك والمقارنة ! اميرة عبدالدايم منتدى تطوير الذات 5 22-05-2015 01:34 PM
أغسل قلبك بـ إيآك نعبد وإيآك نستعين ابو يحيى المنتدى الاسلامي العام 4 16-02-2014 05:04 PM
إياك ثم إياك انتبه أبو جود المنتدى العام 4 31-07-2012 12:50 AM
أغسل قلبك بـ إيآك نعبد وإيآك نستعين بروق المحبه المنتدى الاسلامي العام 4 29-07-2012 01:12 AM

Facebook Comments by: ABDU_GO - شركة الإبداع الرقمية

الساعة الآن 08:05 PM

أقسام المنتدى

الاقسام العامة | المنتدى الاسلامي العام | المنتدى العام | منتدى الترحيب والتهاني | الاقسام الرياضية والترفيهية | العاب ومسابقات | الافلام ومقاطع الفيديو | منتدى الرياضة المتنوعة | الاقسام التقنية | الكمبيوتر وبرامجه | الجوالات والاتصالات | الفلاش والفوتوشوب والتصميم | منتدى التربية والتعليم | قسم خدمات الطالب | تعليم البنين والبنات | ملتقــــى الأعضـــــاء (خاص باعضاء المنتدى) | المرحله المتوسطه | منتدى الحقلة الخاص (حقلاويات) | منتدى الاخبار المحلية والعالمية | اخبار وشـؤون قرى الحقلة | اخبار منطقة جازان | الاقسام الأدبية والثقافية | الخواطر وعذب الكلام | منتدى الشعر | عالم القصة والروايات | اخبار الوظائف | منتديات الصحة والمجتمع | منتدى الصحة | منتدى الأسرة | منتدى السيارات | منتدى اللغة الانجليزية | منتدى الحوار والنقاشات | منتدى التراث والشعبيات والحكم والامثال | منتدى التعليم العام | منتدى السفر والسياحة | الثقافه العامه | منتدى تطوير الذات | كرسي الإعتراف | منتدى عالم المرأة | عالم الطفل | المطبخ الشامل | منتدى التصاميم والديكور المنزلي | المكتبة الثقافية العامة | شعراء وشاعرات المنتدى | مول الحقلة للمنتجات | الخيمة الرمضانية | المـرحلـة الابتدائيـة | استراحة وملتقى الاعضاء | المرحله الثانويه | الصور المتنوعة والغرائب والعجائب | المنتدى الاسلامي | منتدى القرآن الكريم والتفسير | سير نبي الرحمة واهم الشخصيات الإسلامية | قصص الرسل والانبياء | قسم الصوتيات والفلاشات الاسلاميه | اخبار مركز القفل | منتدى الابحاث والاستشارات التربوية والفكرية | افلام الانمي | صور ومقاطع فيديو حقلاويات | البلاك بيري / الآيفون / الجالكسي | بوح المشاعر وسطوة القلم(يمنع المنقول ) | مناسك الحج والعمرة | منتدى | ارشيف مسابقات المنتدى | منتدى الحديث والسنة النبوية الشريفة | المنتدى الاقتصادي | منتدى عالم الرجل | اعلانات الزواج ومناسبات منتديات الحقلة | تراث منطقـة جــــازان | كرة القدم السعوديه | منتدى الرياضة | كرة القدم العربيه والعالمية | ديـوان الشـاعـر عمـرين محمـد عريشي | ديـــوان الشــاعـر عـبدة حكمـي | يوميات اعضاء منتديات الحقلة | تصاميم الاعضاء | دروس الفوتوشوب | ارشيف الخيمة الرمضانية ومناسك الحج والعمرة الاعوام السابقة | منتدى الاخبار | نبض اقلام المنتدى | ديـــوان الشــاعـر علـي الـدحيمــي | الاستشارات الطبية | الترحيب بالاعضاء الجدد | قسم الاشغال الايدويه | قسم الاشغال اليدويه | مجلة الحقله الالكترونيه | حصريات مطبخ الحقله | ديوان الشاعر ابوطراد |



Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
TranZ By Almuhajir
Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

Ramdan √ BY: ! Omani ! © 2012
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
Forum Modifications Developed By Marco Mamdouh
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.

جميع المواضيع والمُشاركات المطروحه في منتديات الحقلة تُعبّر عن ثقافة كاتبها ووجهة نظره , ولا تُمثل وجهة نظر الإدارة , حيث أن إدارة المنتدى لا تتحمل أدنى مسؤولية عن أي طرح يتم نشره في المنتدى

This Forum used Arshfny Mod by islam servant