إن من أسوء الأمور وأقساها على النفس أن تبني شيئا ثم يأتي غيرك من خلفك حاملا معه معولا ليهدم ما بنيت , ومن المتعارف عليه أن زمن
البناء لأي مبنى يستغرق تخطيطا ووقتا وجهدا طويلا ويستهلك كذلك المال الكثير , ويصف الناس ما يبنى ويشيد أنه عمران وما تفعله هو تعمير وربما يتنافس الناس للحصول على مثل ذلك
البناء أو بناء مثله , أما بعد الهدم فيسمى ذلك
البناء خرابا ودمارا لا قيمة له بين الناس , وهدم
البناء ونقضه سهل وسريع وأقل كلفة من التشييد بكثير .
وما نشاهده من تدمير للمنازل في البلدان التي شهدت حروب ضارية بين المتحاربين كمثل ما حصل في الحرب العالمية الأولى والثانية لأمر يثير الحزن والشفقة على ذلك التحول السحيق , حيث تحولت من بلدان كانت عامرة مزدهرة إلى بلدان خربة تنعق فيها الغربان , وما تعرضت له تلك المدن من قصف ودمار جعلها تتحول إلى مناطق لا تصلح للحياة الإنسانية واحتاجت تلك الدول لإزالة ما دمر بالكامل والبدء بتعميره من جديد , وهكذا أحيانا يرسل الله عذابه على من يشاء من عباده إذا غضب عليهم , فإنه يسلط عليهم بعضهم ليذيق بعضهم بأس بعض ويزيل عنهم النعم التي كانوا فيها , قال تعالى (وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَآئِلُونَ (4) فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا إِلاَّ أَن قَالُواْ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ )(5) الأعراف , وهذه سنة الله مع كل من يعرض ويحيد عن شرع الله ويأبى أن يتبع ما جاءت به الرسل , قال تعالى (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ (96) أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ (97) أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98) أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (99) الأعراف , وهذه سنة الله مع كل من أنحرف عن الصراط المستقيم.
إن الله يهدم بناء الكافر وكذلك المسلم العاصي المعرض عن ذكر الله إن كان ذلك
البناء بناء ماديا أو بناء ثوابيا , فيرسل عليه من يهدم ذلك البنيان فيكون الهدم إما بيد صاحبه أو بيد عدو له ليذيقه سوء العذاب أو يرسل عليه عذاب يأتيه من فوقه أو من تحت رجليه , قال تعالى (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ ) المجادلة (2) , وقال تعالى (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ ) الأنعام(65) , أما هدم الثواب , قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ) الأنفال(36) , أي أن الله سيضيع ثواب ما أنفقوا وبذلوا لأنه لم يكن في مرضات الله , وقال تعالى (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ) النور(39) , فمهما قدم الكافر من خير فإنه لن يجد ثواب ذلك في عند اه ل في الآخرة بسبب كفره وعناده .
إن مما لا شك فيه أن لكل بناء في الدنيا قواعد وقوانين يرتفع عليها
البناء الجيد الذي يستحق له أن يعمر ويبقى ويستفاد منه , وكذلك
الأعمال الصالحة في حياة المسلم فإنها أعظم أهمية من بناء الفلل والعمارات والمجمعات السكنية التي تدر أموالا كثيرة على أصحابها , لذلك
الأعمال لا تعد صالحة فتقبل عند الله حتى تطابق مواصفات وضعها الباري عز وجل وسمى تلك المواصفات شريعة ومنهاجا وأحكاما , وليس لأحد أن يختار لنفسه طريقة يعبد بها ربه كما يحلو له وكما تطيب له نفسه , قال تعالى (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ) الجاثية (18) , ولذلك أرسلت الرسل بشرائع ليأخذ الناس عنهم وليعملوا بها , قال تعالى (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ) المائدة (48) , فلا ينفع أن يضع كل إنسانا شريعة لنفسه ثم يدعو الناس إليها ليتبعوه ويترك ما شرع الله لهم من هدى بعث به نبي هذه الأمة كمثل ما يفعل أهل الطرق الصوفية وما يحدثونه في الدين من بدع وخرافات , قال تعالى (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) الشورى(21) .
إن الله قد تكفل لكل أمة برسول يدلهم على الخير ويبين لهم ما كتبه الله عليهم من شرائع وكفاهم مؤنه التشريع وعلمهم كل ما ينفعهم عند ربهم ويزكيهم من الخطايا والذنوب , قال تعالى ( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ) النحل(36) , وقال تعالى (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ) الجمعة (2) , فعلى المؤمنين طاعة الأنبياء فطاعتهم واجبه على كل مؤمن , قال تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ) النساء (64) , ومن استجاب واستقام على نهج الرسل كان خيرا له وهو من الناجين من العذاب وله عند الله جنات النعيم , قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)الأنفال (24), وجزاء تلك الاستجابة ثواب عظيم عند الله ومن أعرض فله عذاب أليم , قال تعالى (لِلَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ) الرعد(18) .
إن الله لا يقبل عمل مسلم لا يوافق أمر الله وأمر رسوله ومن جاء بخلاف شرع الله كانت تلك
الأعمال مردودة عليه لا تقبل منه , فعن أم المؤمنين عائشة رضي الهك عنها قالت , قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم " من أحدث في أمرِنا هذا ما ليس فيه فهو ردٌ " . رواه البخاري , أي كان عاقبة ذلك أن يرتد عليه خسارة , قال تعالى (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا ) الفرقان(23) , فلا ينفع أن يبدل المسلم ويغير في دين الله ولا ينفع كذلك الكافر أن يترك إتباع الأنبياء والرسل , إن المسلم الصادق الذي يستسلم بين يدي الله ويطيع الله ورسوله وله المنزلة العالية عند اهن , قال تعالى (وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ) النساء(69) .
وهناك صنف من المسلمين يعمل بين بناء وهدم فيعمل الكثير من الصالحات ثم يرجع ويهدم ما بناه بعمل سيء , كمثل من يتصدق على المحتاجين ثم يمن عليهم , قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ) البقرة (264) , وآخر يسبح ويكثر ذكر الله ولكنه يسعى بين الناس بالنميمة والغيبة والتفرقة , قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ ) الحجرات(12) , وآخر يجاهد في سبيل الله ثم يسفك الدم الحرام فيقتل أخوانه المسلمين ويقتلهم بالشبهة ويخوض في دماء الناس , قال تعالى (وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا ) الإسراء(33) , فكيف تجمع بين عمل صالح كالجهاد في سبيل الله وقتل المسلمين الأبرياء , إن ذلك لا يجتمع عند الله , فإذ أستمر المسلم في بناء وهدم للعمل فإنه يصبح في الآخرة من المفلسين , وقد جاء في الحديث الذي رواه أبو هريرة قال , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أتدرون ما المفلِسُ ؟ قالوا : المفلِسُ فينا من لا درهمَ له ولا متاعَ . فقال : إنَّ المفلسَ من أمَّتي ، يأتي يومَ القيامةِ بصلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ ، ويأتي قد شتم هذا ، وقذف هذا ، وأكل مالَ هذا ، وسفك دمَ هذا ، وضرب هذا . فيُعطَى هذا من حسناتِه وهذا من حسناتِه . فإن فَنِيَتْ حسناتُه ، قبل أن يقضيَ ما عليه ، أخذ من خطاياهم فطُرِحت عليه . ثمَّ طُرِح في النَّارِ " . رواه مسلم .
إن أمر ضياع العمل خطير للغاية بحيث يضيع الواحد عمره خلف أعمال أحدثها الناس ليس لها أصل ولم يشرعها الله لخلقه ويحسب أنه على خير , قال تعالى (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) الكهف , ثم تكون عليهم تلك السنين التي عملوا فيها حسرة يوم القيامة , قال تعالى (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا )(29)الفرقان , فإنه يندم على ما فاته من ترك أتباع الرسل بدلا من متابعة تلك الطرق الضالة المضلة , فلا تلتفت إلى من يقولون عنه أنه شيخ طريقة أو إمام معصوم وغير ذلك من تلك المزاعم التي يدعونها , بل الأنبياء والرسل هم المعصومون حقا من الزلل وهم الأئمة الهداة للبشرية جمعاء , وغيرهم يصيب ويخطئ , فعليك بهدي الأنبياء والتمسك بشرع الله وفهمه فهما صحيحا .
وكذلك على المسلم أن يحافظ على
الأعمال الصالحة نقية في صحائف أعماله فلا يلوثها بالمعاصي , فلا ينفع أن يتكسب المسلم أموله من الكسب الحرام كالغناء والرقص وبيع الدخان والخمور والرشاوي والربا وغيرها من محرمات ثم يتصدق ويبني المساجد ودور الأيتام يريد بذلك أن يتقرب إلى الله , فإن هذا مردود عند الله ولا يقبل الله إلا ما كان خالصا لله من كسب طيب , قال تعالى (قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُواْ اللّهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) المائدة (100) , فأن تتصدق بدرهم واحد من كسب طيب خير من مائة ألف درهم من كسب خبيث , ومن الناس من هو غارق في الحرام أكلا وشربا ولبسا وسكنا حتى مات قلبه فلا يشعر بما أحاط به من معاصي ومحرمات , فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه قال , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أيها الناسُ ! إنَّ اللهَ طيِّبٌ لا يقبلُ إلا طيِّبًا . وإنَّ اللهَ أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين . فقال : يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ . [ 23 / المؤمنون / الآية 51 ] وقال : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ [ 2 / البقرة / الآية 172 ] . ثم ذكر الرجلَ يطيلُ السَّفرَ . أشعثَ أغبَرَ . يمدُّ يدَيه إلى السماءِ . يا ربِّ ! يا ربِّ ! ومطعمُه حرامٌ ، ومشربُه حرامٌ ، وملبَسُه حرامٌ ، وغُذِيَ بالحرام . فأَنَّى يُستجابُ لذلك ؟ " . رواه مسلم , فكيف يريد أن يستجيب الله لمن أضطر و أحاطت به المصائب وهو موغل في الحرام .
عليك أخي المسلم أن تتقي الله وتراجع نفسك وسيرة حياتك وأن تصلح كل ما وجدته خطأ في أعمالك ولا تسوف أو تغتر بطول الأمل بل بادر الآن وغير كل ما وجدته مخالف لأمر الله , فإنك لا تعلم ما أخفي لك من قدر , قال تعالى (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) لقمان (34) , فلعل الموت قريب منك وأنت لا تعلم ثم لا تتمكن من التغيير , أسأل الله أن يبصرنا بصراطه المستقيم ويجعلنا له من السالكين وأن يدلنا على الهدى وأن يشرح صدورنا للحق ... والحمد لله رب العالمين .