ي معركة
عمورية سنة 223 هـ حينما استغل الروم انشغال الخليفة المعتصم في القضاء على فتنة بابك الخرمي، وجهزوا جيشا ضخماً قاده ملك الروم، بلغ أكثر من مائة ألف جندي، هاجم شمال الشام والجزيرة، ودخل مدينة \"زِبَطْرة\" التي تقع على الثغور، وكانت تخرج منها الغزوات ضد الروم، وقتل الجيش الرومي من بداخل حصون المدينة من الرجال، وانتقل إلى \"ملطية\" المجاورة فأغار عليها، وعلى كثير من الحصون، ومثّل بمن صار في يده من المسلمين، وسَمَلَ أعينهم، وقطع آذانهم وأنوفهم، وسبى من المسلمات فيما قيل أكثر من ألف امرأة. روى المؤرخ الكبير ابن الأثير في \"الكامل\" أن المعتصم بلغه أن امرأة هاشمية صاحت وهي أسيرة في أيدي الروم: \"وامعتصماه\" فأجابها وهو جالس على سريره: لبيك، لبيك، ونهض من ساعته، وصاح في قصره: النفير النفير، ثم ركب دابته، وسمط خلفه شكالأن وسكة حديد، وحقيبة فيها زاده، فلم يمكنه المسير إلا بعد التعبئة، وجمع العساكر، فجلس في دار العامة، وأحضر قاضي بغداد وهو عبد الرحمن بن إسحاق، وشعبه بن سهل، ومعهما ثلاثمائة وثمانية وعشرون رجلاً من أهل العدالة، فأشهدهم على ما وقف من الضياع، فجعل ثلثاً لولده، وثلثاً لله تعالى، وثلثاً لمواليه.ولما ظفر المعتصم ببابك قال: أي بلاد الروم أمنع وأحصن؟ فقيل:
عمورية لم يعرض لها أحد منذ كان الإسلام، وهي عين النصرانية، وهي أشرف عندهم من القسطنطينية.فغزا \"عمورية\" وأمر بها فهدمت وأحرقت. ويذكر بعض الرواة أن امرأة ممن وقعت في أسر الروم قالت: وامعتصماه فنقل إلى الخليفة ذلك الحديث، وفي يده قَدَح يريد أن يشرب ما فيه، فوضعه، ونادى بالاستعداد للحرب.وصلت هذه الأنباء المروعة إلى أسماع الخليفة، وحكى الهاربون الفظائع التي ارتكبها الروم مع السكان العزل؛ فتحرك على الفور، وأمر بعمامة الغزاة فاعتم بها ونادى لساعته بالنفير والاستعداد للحرب. وأرسل رسالة إلى ملك الروم قال فيها من عبد الله المعتصم بالله إلى كلب الروم إن لم تطلق صراح هذه المرأة بعثت لك جيشاً أوله عندك وأخره الموت أحب إلى احدهم من الحياة.وخرج المعتصم على رأس جيش كبير، وجهّزه بما لم يعدّه أحد من قبله من السلاح والمؤن وآلات الحرب والحصار، حتى وصل إلى منطقة الثغور، ودمّرت جيوشه مدينة أنقرة ثم اتجهت إلى
عمورية في (جمادى الأولى 223هـ= أبريل 838م) وضربت حصارا على المدينة المنيعة دام نصف عام تقريباً، ذاقت خلاله الأهوال حتى استسلمت المدينة، ودخلها المسلمون في (17 من رمضان سنة 223هـ= 13 من أغسطس 838م) بعد أن قُتل من أهلها ثلاثون ألفا، وأسر مثلهم وغنم المسلمون غنائم عظيمة، وأمر الخليفة المعتصم بهدم أسوار المدينة المنيعة وأبوابها. انظر : الكامل في التاريخ 3/ 197 , مقدمة ابن خلدون 88 , مختصر تاريخ دمشق 7/166 .
وكان لهذا الانتصار الكبير صداه في بلاد المسلمين، وخصّه كبار الشعراء بقصائد المدح. وقيل إن المنجمين حاولوا إثناءه عن القتال في هذا الوقت فرفض فكتب أبو تمام قصيدته الرائعة :
أَلسَّيْفُ أَصْدَقُ أَنْباء مِنَ الكُتُبِ * * * في حَده الحَدُ بَين الجد واللعِبِ
بِيضُ الصَفَائحِ لا سُودُ الصحَائِفِ فِي * * * مُتُونِهِنَّ جَلاءُ الشّك والريَبِ
والعْلِمُ في شُهُبِ الأَرْمَاحِ لاَمِعة * * * بَين الخَمِيسَينِ لاَ في السَّبْعَةِ الشُّهُبِ
أَيْنَ الروَايَةُ بَلْ أَيْنَ النُّجُومُ وَمَا * * * صَاغُوهُ مِنْ زُخْرُفٍ فِيهَا وَمِنْ كذِبِ
تخَرُصا وَأَحَادِيثاً مُلَفَّقَة * * * لَيْسَتْ بِنَبْعٍ إِذَا عُدَتْ وَلاَ غَرَبِ
فَتْح الفُتُوحِ تَعَالَى أَنْ يُحِيطَ بِهِ * * * نَظْمٌ مِنَ الشعْر أَوْ نَثْرٌ مِنَ الخُطَبِ
فَتْحٌ تَفَتَّحُ أبوابُ السماءِ لَهُ * * * وَتَبْرُزُ الأَرْضُ في أَثْوابِهَا القُشُبِ