إن
الزمن ينقسم إلى زمن عام وزمن خاص , أي أن
الزمن الذي خصصه الله للحياة الدنيا قد بدأ من يوم أن خلق الله أدم عليه السلام ثم أنزله إلى الأرض بعد خطيئته , قال تعالى (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ) البقرة (36) , فكان نزولهما على الأرض هو بداية اختبار أدم وحواء عليهما السلام وذريتهما , وإن النهاية العامة للحياة على الأرض ولكل الخلائق هو وقت النفخة الأولى , قال تعالى (وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ ) النمل(87) , وقال تعالى في آية أخرى(وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ ) الزمر(68) , فكانت النفخة ساعة التوقف ونهاية زمن الاختبار والعمل .
أما
الزمن الخاص فهو زمن ينفرد به كل مخلوق عن الأخر , أي أن لكل إنسان وقت بداية خاص به وهو وقت الولادة وله وقت نهاية وهو وقت القبض أي قبض الروح , وهذا ما خصصه الله لكل مخلوق من الأنس والجان , قال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا ) الأنبياء (5) , فزمن
الإنسان يمر بمراحل من ولادته حتى يشيب ويكبر ثم يتوفاه الله , ووقت قدومه ورحيله من الأمور الغيبية التي لا يعلمها إلا الله.
إن
حياة الإنسان الحقيقية هي
حياة العمل للآخرة , وتبدأ
حياة العمل من سن البلوغ حتى يقبضه الله إلا أن يصيبه ما يعوقه عن العمل من جنون أو خرف أو غياب وعي طويل بسبب مرض أو غيره , وقد أوقف الله له ملكان يسجلان عليه كل صغيرة وكبيرة ولا يتركانه لحظة حتى ينزل به قدر الموت ثم ينتهي عمله , قال تعالى (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18) وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ ) ق(19) , فكل ما تقوله وتلفظه مسطر عند الله في كتاب فإن كان من أهل الخير فسيقول بعدما يأخذ كتابه , قال تعالى (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ (19) إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24) الحاقة , وإن كان من أهل الشر فسيقول , قال تعالى (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ (26) يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27) مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ ) الحاقة (29).
إن زمن الحياة لكل فرد قصير جدا إذا قورن بزمن الحياة العام أو قورن بأعمار الأمم التي سبقت كأمة نوح عليه السلام فكان الواحد منهم يعمر لآلاف السنين , أما أعمار هذه الأمة فهم بين الستين والسبعين سنة وقليل منهم من يتجاوز ذلك , وليعلم العاقل أن العد في العمر قد بدأ من يوم أن ولد وأن عداد العمل قد بدأ من يوم أن بلغ ولا يعلم أحد متى سينتهي وقته المتاح ومتى سيحضر الأجل , فهل قدمت لنفسك شيئا قبل الرحيل , أم كنت ممن يؤمل لعيش
حياة رغدة طويلة على هذه الأرض فإن كنت كذلك فقد أخطأت التقدير, إن الله يقول لنبيه إنك ميت وإنهم ميتون , قال تعالى (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ (30) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ ) الزمر(31), وقال تعالى (كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ ) ال عمران(185) , ولا تكن ممن يؤمل في العيش كثيرا كما يؤمل الكافر, قال تعالى (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ) البقرة(96) .
فليسأل الواحد نفسه ألم يكن له أصدقاء قد انتقلوا إلى الدار الآخرة , أين ابتساماتهم التي يعرفها أين ضحكهم ومزاحهم أين قد تواروا , أليس لنا أقارب نحبهم قد ماتوا أين مودتهم لنا أين حرصهم علينا إلى أين قد ارتحلوا , أخي المسلم أعمل لنصرة هذا الدين قبل مفاجئة الموت وأعمل لإنقاذ نفسك وإنقاذ غيرك ودعوة من تستطيع لنور الإسلام , فلما لا تعمل في نشر الخير بين الناس قبل أن يحل زمن رحيلك فحينئذ لا ينفع الندم , قال تعالى (حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) المؤمنون(100) .
لا تحقر أخي المسلم من المعروف شيئا فإن الأعمال الصغيرة تصبح عند الله كالجبال الرواسي إذا أحسنت النية فيها , فنبيك محمد صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث " بلغوا عني ولو آية " , ومجال العمل في هذا
الزمن كثير لا يحصى , فإن الأرض تعج بغير المسلمين وآخرون أشباه المسلمين الذين لا يعلمون من الإسلام إلا أسمه , فمن يستطيع أن يصل إليهم ويبلغهم سماحة الدين وعدل الإسلام .
إن الكثير من الدعاة يعملون ليل نهار ليدونوا في صحائفهم هداية الكثير من غير المسلمين فقد كانوا سببا في نقل الهداية إليهم , وأفواج آخرين من العصاة التائبين , وأنت ما زلت في غفلة عن هذا الخير في لهو ولعب وعبث تضحك هنا وتمزح هناك لتطوي به زمن عملك , وتنسى أن
الزمن يطوي في عداد عمرك وهو يمضي إلى أجله , أنظر كيف كنت من قبل شابا غضا طريا ثم انظر كيف تغير اليوم شبابك , فلماذا تهدر هذا
الزمن فيما لا يعود عليك بمنفعة عند الله , أعمل أخي المسلم وجد في العمل فإن
الزمن قصير والوقت ينسل منك سريعا , أسأل الله أن يحيي في قلبك جذوة الإيمان لتحمل مشعل الإسلام لتضيء به قلوبا مظلمة تنتظر منك كلمة أو أشارة للخير ... والحمد لله رب العالمين .