قال ابن كثير رحمه الله:(..قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ) أمر بتقواه ، وهي تشمل فعل ما به أمر ، وترك ما عنه زجر .
وقوله : ( ولتنظر نفس ما قدمت لغد ) أي : حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وانظروا ماذا ادخرتم لأنفسكم من الأعمال الصالحة ليوم معادكم وعرضكم على ربكم ، ( واتقوا الله ) تأكيد ثان ، ( إن الله خبير بما تعملون ) أي : اعلموا أنه عالم بجميع أعمالكم وأحوالكم لا تخفى عليه منكم خافية ، ولا يغيب عنه من أموركم جليل ولا حقير . وقال ( ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم ) أي : لا تنسوا ذكر الله فينسيكم العمل لمصالح أنفسكم التي تنفعكم في معادكم ، فإن الجزاء من جنس العمل ; ولهذا قال : ( أولئك هم الفاسقون ) أي : الخارجون عن طاعة الله ، الهالكون يوم القيامة ، الخاسرون يوم معادهم ، كما قال : ( يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون ).
وقوله : ( لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة ) أي لا يستوي هؤلاء وهؤلاء في حكم الله يوم القيامة ، كما قال : ( أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون ) ( أصحاب الجنة هم الفائزون ) أي : الناجون المسلمون من عذاب الله عز وجل)أ.هـ
عن قتادة رحمه الله قوله: ( اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ) : (ما زال ربكم يقرّب الساعة حتى جعلها كغد، وغدٌ يوم القيامة).
قال الشيخ السعدي رحمه الله:( وهذه الآية الكريمة أصل في محاسبة العبد نفسه، وأنه ينبغي له أن يتفقدها، فإن رأى زللا تداركه بالإقلاع عنه، والتوبة النصوح، والإعراض عن الأسباب الموصلة إليه، وإن رأى نفسه مقصرا في أمر من أوامر الله، بذل جهده واستعان بربه في تكميله وتتميمه، وإتقانه، ويقايس بين منن الله عليه وإحسانه وبين تقصيره، فإن ذلك يوجب له الحياء بلا محالة)أ.هـ
قال الماوردي رحمه الله :(محاسبة النفس أن يتصفح الإنسان في ليله ما صدر من أفعاله نهارَه، فإن كان محمودًا أمضاه، وأتبعه بما شاكله، وضاهاه، وإن كان مذمومًا استدركه إن أمكن، وانتهى عن مثله في المستقبل).
قال القرطبي رحمه الله:( فأنساهم أنفسهم أن يعملوا لها خيرا ; قاله ابن حبان .
وقيل : نسوا حق الله فأنساهم حق أنفسهم ; قاله سفيان .
وقيل : نسوا الله بترك شكره وتعظيمه . فأنساهم أنفسهم بالعذاب أن يذكر بعضهم بعضا ; حكاه ابن عيسى .
وقال سهل بن عبد الله : نسوا الله عند الذنوب فأنساهم أنفسهم عند التوبة..)أ.هـ
قال ابن القيم رحمه الله:( دلت الآية على وجوب محاسبة النفس، فيقول تعالى: لينظر أحدكم ما قدَّم ليوم القيامة من الأعمال، أَمِنَ الصالحات التي تنجيه؟ أم من السيئات التي توبقه؟).
قال*الحسن البصري رحمه الله:(لا تلقى المؤمن إلا يحاسب نفسه، ماذا أردتِ تعملين؟ وماذا أردتِ تأكلين؟ وماذا أردتِ تشربين؟ وإن الفاجر يمضي قدمًا ما يعاتب نفسه).
يامسلمون:
ربنا وهو العليم الخبير المطلع على الظواهر والبواطن وماتخفي الصدور سيحاسبنا على الصغير من أمورنا والكبير والجليل والحقير ، ( فَوَرَبِّكَ لَنَسأَلَنَّهُم أَجمَعينَ عَمّا كانوا يَعمَلونَ) ، فحاسبوا أنفسكم قبل ذلك
فمن حاسب نفسه قبل أن يحاسب خف في القيامة حسابه وحضر عن السؤال جوابه وحسن منقلبه ومأبه ومن لم يحاسب نفسه دامت حسراته وطالت في عرصات القيامة وقفاته وقادته إلى الخزي والمقت سيئاته.
اللهم اجعلنا ممن خافك واتقاك واتبع رضاك ففاز بمغفرتك وجنتك.
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك