تتعجب أحيانا من بعض المسلمين حينما تنظر إلى يديه فتجد أظافره قد طالت وهي تحمل الأوساخ تحتها , وتراه يأكل بها ويتطهر بها ويحك بها جلده وكأنها مخالب قط , وتتسأل هل يجهل هذا المسلم أن تقليمها من سنن
الفطرة , بل بعض النساء يتنافسن في إطالتها وتهذيبها وتلوينها بالمناكير رعاية لها وكأن الذي تفعله هو السنة , وهذا الفعل مخالفة صريحة وترك لسنن
الفطرة .
فعن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "
الفطرة خمس أو خمس من
الفطرة الختان والاستحداد وتقليم الأظفار ونتف الإبط وقص الشارب " رواه مسلم .
وفي الحديث الآخر , " عشر من
الفطرة : قص الشارب وإعفاء اللحية والسواك واستنشاق الماء وقص الأظفار , وغسل البراجم ( مفاصل أصابع اليد) , ونتف الإبط وحلق العانة وانتقاص الماء قال مصعب : ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة, رواه مسلم , أما قوله - صلى الله عليه وسلم - : (
الفطرة خمس ) فمعناه خمس من
الفطرة كما في الرواية الأخرى ( عشر من
الفطرة ) ، وليست منحصرة في العشر ، وقد أشار - صلى الله عليه وسلم - إلى عدم انحصارها فيها بقوله : " من
الفطرة " .
سنن
الفطرة هي السنة القويمة والخلقة المبتدأة ، والسنة فيها هو ما شرع لك في كيفية التعامل مع ما وجدته من أشياء جاءت بالفطرة من خلق الله , فما دلك الشارع على قصه فعليك قصه كالأظافر والشارب والختان وشعر الأبط والعانة وغيره وما طلب منك بتركه كمثل شعر اللحية فيجب عليك تركه مع العناية بها من نظافة وغيره , وما أمرت بغسله وتنظيفه كمثل البراجم والأنف بالأستنشاق فعليك فعله , وهذه الأمور لا تنتهي بفعلها مرة واحدة بل هي تعود اليك بالفطرة وتتجدد إلا الختان فلا يفعل إلا مرة واحدة , فعليك تعهد تلك السنن .
أما تفصيلها ( فالختان ) وهي واجبه عند الشافعي وكثير من العلماء ، وسنة عند مالك وأكثر العلماء ، وهي عند الشافعي واجبه على الرجال والنساء جميعا ، ثم إن الواجب في حق الرجل أن يقطع جميع الجلدة التي تغطي الحشفة (رأس الذكر) حتى تنكشف استدارة الحشفة ، وفي المرأة يجب قطع أدنى جزء من الجلدة التي في أعلى الفرج ، والصحيح من مذهبنا ( وهذا قول النووي) الذي عليه جمهور أصحابنا أن الختان جائز في حال الصغر أي ليس بواجب ، ولنا وجه أنه يجب على الولي أن يختن الصغير قبل بلوغه ، والصحيح أنه يستحب أن يختن في اليوم السابع من ولادته .
ولو أسلم وهو كبير أختتن في أي وقت تطبيقا للسنة ومفارقة لما كان عليه من سنن الكفر وطريقتهم , والختان هو طهارة للرجل فلا يعيقه في بوله ولا يجتمع تحته من نجاسات , فكان إزالتها هو السنة المؤكدة التي واظب
عليها المسلمون قرون طويلة وما زالوا يفعلون بأبنائهم ذلك , أما الفتيات فيستحب لهن ذلك ولا يتأكد عليهن مثل الرجال .
وأما ( الاستحداد ) فهو حلق العانة ، سمي استحدادا لاستعمال الحديدة وهي الموسى ، وهو سنة ، والمراد به نظافة ذلك الموضع ، والأفضل فيه الحلق ، ويجوز بالقص والنتف والنورة ، والمراد ( بالعانة ) الشعر الذي فوق ذكر الرجل وحواليه ، وكذاك الشعر الذي حوالي فرج المرأة , وأما وقت حلقه فالمختار أنه يضبط بالحاجة وطوله ، فإذا طال حلق ، وكذلك الضبط في قص الشارب ونتف الإبط وتقليم الأظفار . وأما حديث أنس المذكور في الكتاب , وقت لنا في قص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط وحلق العانة لا يترك أكثر من أربعين ليلة , فمعناه لا يترك تركا يتجاوز به أربعين لا أنهم وقت لهم الترك أربعين .
وأما ( تقليم الأظفار ) فسنة ليس بواجب ، وهو تفعيل من القلم وهو القطع ، ويستحب أن يبدأ باليدين قبل الرجلين فيبدأ بمسبحة يده اليمنى (أي السبابة ) ، ثم الوسطى ثم البنصر ثم الخنصر ثم الإبهام ثم يعود إلى اليسرى فيبدأ بخنصرها ثم ببنصرها إلى آخرها ثم يعود إلى الرجلين اليمنى فيبدأ بخنصرها ويختم بخنصر اليسرى .
أما (نتف الإبط ) فسنة بالاتفاق ، والأفضل فيه النتف لمن قوي عليه ، ويحصل أيضا بالحلق وبالنورة ، وحكي عن يونس بن عبد الأعلى قال : دخلت على الشافعي - رحمه الله - وعنده المزين يحلق إبطه فقال الشافعي : علمت أن السنة النتف ، ولكن لا أقوى على الوجع ، ويستحب أن يبدأ بالإبط الأيمن, والإبط هو مجمع العرق ومنبع الروائح الكريهة إذا لم يتعاهد نفسه بالنظافة , ومن النظافة إزالة الشعر الموجود في الإبطين .
وأما ( قص الشارب ) فسنة أيضا ، ويستحب أن يبدأ بالجانب الأيمن وهو مخير بين القص بنفسه وبين أن يولي ذلك غيره لحصول المقصود . وأما حد ما يقصه فالمختار أنه يقص حتى يبدو طرف الشفة ولا يحلقه من أصله بل القص وتخفيف الشارب كثيرا هو ألأولى حتى لا يتعلق به أوساخ عند تنظيف الأنف بالإستنثار ، وأما روايات أحفوا الشوارب فمعناها : أحفوا ما طال على الشفتين وجاء في رويات أخرى " جزوا " وكلها تدل على القص الشديد المقارب للحلق .
وأما ( إعفاء اللحية ) فمعناه توفيرها وهو معنى ( أوفوا اللحى ) ، وكان من عادة الفرس قص اللحية فنهى الشرع عن ذلك وأمرنا بتركها وعدم قصها وهي من زينة الرجال , ويحرم حلقها أو أخذ شيء منها في جميع الأوقات بل يجب إعفاؤها وتوفيرها لما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خالفوا المشركين وفروا اللحى واحفوا الشوارب " وأخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " جزوا الشوارب وأرخوا اللحى خالفوا المجوس " , وقد عظمت المصيبة في هذا العصر بمخالفة كثير من الناس هذه السنة ومحاربتهم للحى ورضاهم بمشابهة الكفار والنساء ولا سيما من ينتسب إلى العلم والتعليم فإنا لله وإنا إليه راجعون ، ونسأل الله أن يهدينا وسائر المسلمين لموافقة السنة والتمسك بها ، والدعوة إليها ، وإن رغب عنها الأكثرون ، وحسبنا الله ونعم الوكيل .
وأما ( الاستنشاق ) فهو إدخال الماء في فتحات الأنف باستنشاقه ثم دفعه للخارج بالاستنثار حتى ينظف مجرى الأنف من أي عوالق والمعلوم أن الشيطان يبيت على خيشوم النائم فكان من السنة المبالغة في الاستنشاق إلا أن تكون صائما حتى لا يفسد عليك صيامك بنفاذ الماء إلى الحلق .
وأما (غسل البراجم ) فسنة مستقلة ليست مختصة بالوضوء ( والبراجم ) بفتح الباء وبالجيم جمع برجمة بضم الباء والجيم وهي عقد الأصابع ومفاصلها كلها . قال العلماء : ويلحق بالبراجم ما يجتمع من الوسخ في معاطف الأذن وهو الصماخ فيزيله بالمسح لأنه ربما أضرت كثرته بالسمع ، وكذلك ما يجتمع في داخل الأنف ، وكذلك جميع الوسخ المجتمع على أي موضع كان من البدن بالعرق والغبار ونحوهما . والله أعلم .
وأما ( انتقاص الماء ) فهو بالقاف والصاد المهملة ، وقيل : هو الانتضاح ، وقد جاء في رواية ( الانتضاح ) بدل انتقاص الماء قال الجمهور : الانتضاح نضح الفرج بماء قليل بعد الوضوء لينفي عنه الوسواس ، وقيل : هو الاستنجاء بالماء .
وعن جعفر بن سليمان عن أبي عمران الجوني عن أنس - رضي الله عنه – قال " : وقت لنا في قص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط وحلق العانة أن لا نترك أكثر من أربعين ليلة " رواه مسلم ." وأن معناه : أن لا نترك تركا يتجاوز الأربعين يوما , ومن تعهد تلك السنن كل أسبوع كان خيرا له ومن تعهدها كل عشرة كان خير ا ولكن لا يزيد عن أربعين يوما .
إن سنن
الفطرة من الأمور التي تدل على نظافة المسلم وأنه يعتني بجسده ويزيل عنه كل ما يجلب الروائح الكريهة , وهذه التوجيهات لا يعتني بها غير المسلمين , ولكن أصبحنا نرى من بعض المسلمين من يتهاون بها ويتشبه بالكفار الذي لا يعتنون بالنظافة العامة للجسد ويتخذهم قدوة له , ومع هذه العناية يكافأ الله
عليها بالأجر لأنه طبق سنن ومستحبات تزيده طهارة , فإذا أقبل على ربه أقبل وهو طاهر نظيف , نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا للعمل بسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وأحياء ما أندرس منها .....والحمد لله رب العالمين .