ما أجمل رؤية الحجاج محرمين وملبيِّن، ولله درُّهم يبتغون فضلاً ورضواناً من ربهم.
قال علماؤنا رحمهم الله تعالى إنّ لحج بيت الله آداباً إذا روعيت وقام الحاج بها، عاد - بإذن الله - موفور الحسنات، مقبول الأعمال.
من الآداب المستحبة أن يجتهد الحاج في إرضاء والديه ومن يتوجب عليه بره وطاعته من أستاذ ومعلم ورحم قريب.
إذا حججت بمال أصله سحتُ فما حججت ولكن حجتْ العير
لا يقبل الله إلا كل خالصةٍ ما كل من حج بيت الله مبرور على الحاج أن يستكثر من الزاد، والنفقة من المال، ليواسي من كان محتاجاً من القاطنين في تلك البقاع المباركة، ويأخذ بيد البائسين.
على الحاج أن يترك المماحكة والمشاححة فيما يشتريه، بأن يكون سموحاً في البيع والشراء سموحاً في الأخذ والعطاء.
من الآداب في الحج، أن يتعلم الحاج كيفية الحج وأحكامه وما يحرم عليه وما يحل له، وما يجب وما يُسن.
على الحاج أن يستصحب معه كتاباً واضحاً في مناسك الحج، جامعاً لأحكامه ومقاصده، يُديم مطالعته مع سؤاله لأهل العلم والفتوى في جميع أعمال الحج.
من الآداب أن يطلب الحاج له رفيقاً صالحاً موافقاً راغباً في الخير كارهاً للشر، إن نسي ذكره وإن ذكر أعانه.
من الآداب أن يستعمل الحاج الرفق وحسن الخلق مع الرفقة والأصحاب ويتجنب المخاصمة مع الناس، والمخاشنة والمزاحمة في الطريق وموارد الماء.
على الحاج أن يصون لسانه من الشتم والغيبة والألفاظ القبيحة.
قال صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ حجّ فلم يرفث ولم يفسق، خرج من ذنوبه ليوم ولدته أمه)).
إن الحج والزكاة هما الركنان الاجتماعيان من أركان الدين، يقوم عليهما الأمر بين الفرد والفرد، وبين الفرد والجماعة.
لقد كان الحج ولا يزال مطهر الدنيا، يزيل عن جوهرها أوزار الشهوات وأوضار المادة.
كان الحج ولا يزال ينبوع السلامة تبرد عليه الأكباد الصادية العطشى وتهدأ لديه الأعصاب المرهقة.
كان الحج ولا يزال مثابة الأمن، تأنس فيه الروح إلى موطن الإلهام، ويسكن الوجدان إلى منشأ العقيدة.
كان الحج ولا يزال موعد المسلمين في أقطار الأرض على عرفات يجتمعون على الوداد، ويتآلفون على البعاد.
هنالك في مشعر عرفات يقف المسلمون حيث وقف صاحب الرسالة وحواريو النبوة وخلفاء الدعوة وأمراء العرب وملوك الإسلام وملايين الحجيج من مختلف الألوان والألسن.
الحج مؤتمر جامع للمسلمين قاطبة وهو موسم عبادة وموسم تجارة، تصفو فيه النفوس والأرواح، وتروج فيها السلع والبضائع.
قال العلماء: والمنافع التي يشهدها الوافدون إلى بيت الله الحرام كثيرة ومتنوعة، تختلف حظوظ الناس منها.
في الحج منافع روحية، تفيض من جلال المكان وروعته وبركته، وهناك منافع مادية تجارية، وهناك منافع أخروية.
العبادات في الإسلام جانب مهم من جوانب الدِّين، تحمل في حقيقتها معان كثيرة، وأخلاقيات حسنة، تعود على المسلم فرداً وجماعة بالخير.
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
يعتبر الحج مؤتمراً إسلامياً لحل مشكلات المسلمين الاقتصادية.
يعتبر الحج فرصة لعقد المؤتمرات والندوات في سبيل التوصل إلى تكامل وتنسيق اقتصادي مشترك بين الدول الإسلامية.
في الحج رواج اقتصادي للمسلمين، إذ يتسم موسم الحج بالرواج الاقتصادي لما يتطلبه من سلع وخدمات ومنتجات لازمة لأداء مناسك الحج.
في الحج كم من ملايين الريالات تنفق على وسائل الانتقال والسكنى وشراء المأكولات والمشروبات والملابس والذبائح.
في موسم الحج تتجلى الدعوة الصادقة لتطبيق الاقتصاد الإسلامي بمبادئه وقواعده المثلى، من تطهير للمعاملات من الخبائث، وتجنبٍ للإسراف والتبذير والإنفاق البذخي، وأكل لأموال الناس بالباطل.
إنَّ التجارة والعمل وكسب العيش في أيام الحج مباحة بنص القرآن الكريم، كما في قوله تعالى: ﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ [البقرة: 198].
إن في موسم الحج فرصة للتعارف والتشاور، والتكافل والمواساة، وتنسيق الخطط وتوحيد القوى، وتبادل المنافع والمعارف والتجارب.
تُعدُّ ظاهرة الافتراش في الشوارع والطرقات في مناطق المشاعر المقدسة من أبرز الظواهر التي تعيق حركة الحجيج والأجهزة الضرورية الخدمية في الحج من المرور وسيارات الإسعاف والدفاع المدني.
من أسباب افتراش الحجاج للطرق والممرات، ارتفاع نسبة التخلف سواء من عمرة أو من الأعوام السابقة أو عدم ارتباط كثير من الحجاج بحملات الحجيج، وهناك الجهل وعدم الوعي.
يا ليت يكون وعيٌ للحجاج من بلادهم قبل قدومهم بأنَّ موتهم تعمداً ليس بشهادة بل انتحار.
انتشار البيع في كل مكان من المشاعر، يُعدُّ ظاهرة غير حضارية، وله ضرره على الحجاج.
إنَّ الافتراش مشكلة متعددة الرؤوس أشبه بالحلقة المفرغة (الحلزونية)، الجميع يشترك فيها، كلٌ بحسبه وإن تفاوت حِدّة وأثر كل جانب.
إنَّ التنظيمات الإدارية وخاصة لحملات الحج في حاجة ماسة إلى فعالية وكفاءة وسيطرة فائقة لتكون أكثر اتقاناً ومرونة.
إنَّ الجانب السلوكي لدى بعض الحجاج عامل مؤثر بشكل كبير في ظاهرة الافتراش، إذ يعم الجهل ويغلب وخاصة عند كبار السن والنساء.
إنَّ لفريضة الحج وفي موسمه وأيامه من الروائع والفضائل ما يعجز عن العدّ والوصف.
يقول أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: حججنا مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه في أول خلافته، فدخل المسجد الحرام حتى وقف على الحجر ثم قال: إنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبـّلك ما قبـّلتك.
رأى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما رجلاً يحمل امرأة عجوزاً على ظهره ويطوف بها البيت الحرام. فسأله: مَنْ هذه؟ قال له: إنها أمي، أتراني قد وفيتها حقها يا ابن عمر؟ فقال له ابن عمر: والله مهما فعلت بها فلن يعدل ذلك طلقة واحدة طلقتها فيك ساعة ولادتها.
حجّ عبد الله بن جعفر رضي الله عنه ومعه ثلاثون راحلة وهو يمشي على رجليه حتى وقف بعرفات فأعتق ثلاثين مملوكاً وحملهم على ثلاثين راحلة وأمر لهم بثلاثين ألفاً، وقال: اعتقهم لله تعالى، لعله سبحانه يعتقني من النار.
حُكي عن معروف القاضي أن الحجيج كانوا يجتهدون في الدعاء وفيهم رجل من التركمان ساكت لا يحسن أن يدعو، فخشع قلبه وبكى فقال بلغته: اللهم إن كنت تعلم أني لا أحسن شيئاً من الدعاء، فأسألك ما يطلبون منك بما دعوا، فرأى بعض الصالحين في منامه أن الله قبل حجّ الناس بدعوة ذلك التركماني لما نظر إلى نفسه بالفقر والفاقة والعجز.
قال ابن قيم الجوزيه رحمه الله:
عندما كنت مقيماً بمكة، كان يعرض لي آلام مزعجة بحيث تكاد تنقطع الحركة مني، وذلك في أثناء الطواف، وغيره فأبادر إلى قراءة الفاتحة وأمسح بها على محلّ الألم فكأنه حصاة تسقط، جرّبت ذلك مراراً عديدة وكنت آخذ قدحاً من ماء زمزم، فأقرأ عليه الفاتحة مراراً فأشربه فأجد من النفع والقوة ما لم أعهد مثله في الدواء.
في لباس الإحرام المتحد الخالي عن التجمل والتباهي، وفي التشعث والتغبّر يقضي المؤمن على أنانيته والتفاخر والتعالي.
إنَّ أداء فريضة الحج يؤدي شكر نعمة المال وسلامة البدن، وهما أعظم ما يتمتع به الإنسان من نعم الدنيا.
إنَّ الحج يربي النفس على روح الجندية، بكل ما تحتاج إليه من صبر جميل وتحمل الأذى ونظام عسكري منظم.
مَنْ تأمل مناسك الحج وشعائره وأعماله وجدها في جملتها تربي في المسلم مكارم الأخلاق وجلائل الخصال، وتعمّق فيه نوازع البر والتقوى وتزرع فيه وازع الدِّين.
من جلائل الدروس والعظات التي يتضمنها الحج استشعار المسلم بعظم حرمة أخيه المسلم.
ذكر علماؤنا أنّ من علامات قبول الحجّ تبدُّل حال الحاج إلى الأحسن والأفضل في أمور الدِّيانة.
حسب الحاج فضلاً ومنـّة ما ينتفع به في رحلة الحج الميمونة من الفوز بمرضاة الله تعالى وغفرانه.
فرض الله الحج على المسلمين ليحققوا الحكمة الجليلة، والسر المجيد في قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ﴾ [الحجرات: 13].
إنَّ بياض الحجاج يدل على بياض نفوسهم، شعارهم الدائم هو التلبية (لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك).
لقد شبّه أحد المفكرين مكة في موسم الحج بمقر هيئة الأمم للمسلمين.
إنَّ في فريضة الحج درساً عملياً يدعو إلى النظام والترتيب وضبط الميعاد.
هذا هو الحج، حِلّ وترحال، وسفر وانتقال، وطواف وسعي فيهما إسراع ثم تمهل.
إنَّ القرآن الكريم يتحدث عن دعوة المسلمين إلى الحج ويعللها بقوله عز وجل: ﴿ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ ﴾ [الحج: 28].
إنَّ الحج فرصة كبرى للصلاح الفردي والإصلاح الجماعي.
قيل: إن الصلاة والنحر الذي يجتمع في عيد النحر أفضل من الصلاة والصدقة الذي يجتمع في عيد الفطر. وفي كل خير وبركة.