وذهب أبو يوسف في رواية مشهورة عنه( ) إلى التفريق بين الشهادة والإقرار، فيرى أن الدعوى والخصومة شرط في الشهادة دون الإقرار، لأن المقصود وهو ظهور سبب القطع لا يظهر في الشهادة إلا بحضور المسروق منه ومطالبته، أما في الإقرار فسبب القطع ظاهر لا شك فيه( ).
ولعل الراجح -والله أعلم- هو القول الأول لوضوح ما استدلوا به من دليل العقل. ويجاب عن ما استدل به المالكية أن الآية جاءت لبيان الحكم العام، ولم تتعرض لبيان الشروط والأحكام الجزئية، وإنما جاء بيانها في السنة، ويُجاب عما استدل به أبو يوسف: أن أشترط الخصومة ليس لأجل التهمة في الشهادة، وإنما لإثبات ملكية المسروق منه لعين المسروق، إذ يحتمل أن يأخذ شخص مالاً على وجه السرقة، ثم يتضح له أنه مالك لهذا المال عن طريق الهبة أو الإرث أو ما أشبه ذلك، فاشتُرطت حتى ينتفي.
المطلب الثاني: الإرث بحق الدعوى والشكوى
ومن الآثار والنتائج التي تترتب على تقسيم الجرائم حسب مساسها بحق الله أو حق الفرد، هو حق ورثة المجني عليه في إرث حق المخاصمة عند وفاة موِّرثهم أو انتفاء ذلك الحق.
فنقول في هذه المسألة: الجرائم التي تمثل اعتداءً على حق الأفراد أو يكون حقهم هو القوي والغالب فإنه يرث فيها ورثة المجني عليه حق تحريك الدعوى الجنائية في هذه الجريمة عند موت مورثهم.
وهذه هي جرائم القصاص والدية وجريمة القذف، فينتقل فيها حق الدعوى والشكوى من المجني عليه إلى ورثته في صورة وفاته( ) .
أما الجرائم التي تعتبر اعتداءً على حق الجماعة (أو حق الله) فإن انتقال حق الخصومة إلى الورثة غير وارد أصلاً، إذ أن الجريمة فيها تقع ضد الجماعة، ولا يُتصور انقضاء حياة الجماعة( ) .
وكذلك جريمة السرقة التي غلب فيها جانب الاعتداء على حقوق الجماعة لا ينتقل فيها حق الدعوى والخصومة إلى ورثة المسروق منه لا في حياته ولا بعد وفاته، لأنه يحتمل أن يكون المسروق منه قد عفا عن السارق، أو يكون قد وهبه ذلك المال، أو أذن له في الدخول إلى حرزه، أو أباحه للسارق، ولا يكون للورثة العلم بذلك كله مطلقاً .
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك