” الكسوف والخسوف آيةُ تخويفٍ مِن الله لعباده لعلَّهم يتوبون “. الكسوف والخسوف آيةُ تخويفٍ مِن الله لعباده لعلَّهم يتوبون
الخطبة الأولى: ـــــــــ
الحمد لله الذي خلق الشمس والقمر وأجراهما بقدرته ومشيئته في السماء إلى المشارق والمغارب، فسبحانه مِن إله ما أعظمه، خضَعَت له جميع مخلوقاته العلوية والسُّفلية، وأشهد أنْ لا إله إلا هو سبحانه، أظهر لعباده مِن آياته دليلًا، وهَدى مَن شاء مِن خلقه فاتخذ ذلك عبرة، وابتغى إلى نجاته سبيلًا، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، أبلغُ الخلق بيانًا، وأصدقهم قيلًا، وأتقى مأمور، وأهدى آمِر، فصلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه أولي الألباب والبصائر والتوبة والإنابة، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الحشر والمآب، وسلَّم تسليمًا مزيدًا.
أمَّا بعد، أيها الناس:
فكم مِن الآيات المُفزِعات، والعِظات الزَّاجرات، والعِبر المتتابعات، والمُنذِرات المتعاقبات، تمُرُّ علينا في كون خلق الأرض والسماوات، لا يَخاف عندها قلب، ولا تَدمع لها عين، ولا يَحصل حينها توبة، ولا معها وبعدها إكثار مِن طاعة، وإقلاع عن معصية، وقد حذَّرَنا ربُّنا ــ جلَّ وعلا ــ أنْ نكون كالكافرين في الإعراض عن آياته الحادثة والمشاهدة، فقال سبحانه: { وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ }.
وفي الأمس القريب ــ يا عباد الله ــ قد أحدث الله في سماء أرضه آية يُخوِّف بها عباده، ألا وهي خسوف القمر، وقد قال ــ عزَّ شأنه ــ مُرهبًا مِن آياته: { وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا }.
وصحَّ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال حين خطب الناس بعد صلاة الكسوف: (( إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ، يُخَوِّفُ اللهُ بِهِمَا عِبَادَهُ، وَإِنَّهُمَا لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهَا شَيْئًا فَصَلُّوا، وَادْعُوا اللهَ حَتَّى يُكْشَفَ مَا بِكُمْ )).
فهل يا تُرى حصل لنا المقصود مِن حدوث هذه الآية العظيمة؟ آية الخسوف والكسوف، فخافت القلوب وفزِعت، وتغيَّرت الوجوه واضطربت، وأقلعت النفوس عن الذنوب وتابت، وزادت الأعمال الصالحة وحَسُنت.
وفي هذا يقول الإمام العابد العثيمين ــ رحمه الله ــ: إنَّ الشمس والقمر آيتان مِن آيات الله، ومخلوقان مِن مخلوقات الله، ينجليان بأمره، وينكسفان بأمره ورحمته، فإذا أراد الله تعالى أنْ يُخوِّف عباده مِن عاقبة معاصيهم ومخالفتهم كسفهما باختفاء ضوئهما كله أو بعضه، إنذارًا للعباد، وتذكيرًا لهم، لعلهم يُحدِثون توبة، فيقومون بما يجب عليهم مِن أوامر ربهم، ويُبعِدون عمَّا حرَّم عليهم، ولذلك كثر الكسوف في هذا العصر، فلا تكاد تمضي السَّنة حتى يَحدث كسوف في الشمس أو القمر أو فيهما جميعًا، وذلك لكثرة المعاصي والفتن في هذا الزمن، فلقد انغمس أكثر الناس في شهوات الدنيا، ونسوا أهوال الآخرة، وأترَفوا أبدانهم، وأتلفوا أديانهم، أقبلوا على الأمور المادية المحسوسة، وأعرضوا عن الأمور الغيبية الموعودة التي هي المصير الحتميُّ والغاية الأكيدة، وإنَّ كثيرًا مِن أهل هذا العصر تهاونوا بأمر الكسوف فلم يُقيموا له وزنًا، ولم يحرِّك منهم ساكنًا، وما ذاك إلا لضعف إيمانهم، وجهلهم بما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، واعتمادهم على ما عُلِم مِن أسباب الكسوف الطبيعية، وغفلتهم عن الأسباب الشرعية والحكمة البالغة التي مِن أجلها يُحدِث الله الكسوف بأسبابه الطبيعية، وإنَّ الكسوف في الشمس أو القمر تخويف مِن الله لعباده، يُخوِّفهم مِن عقوباتٍ قد تَنزِل بهم، انعقدت أسبابها، ومِن شرورٍ مُهلكة انفتحت أبوابها، والكسوف نفسه ليس عقوبة، ولكنه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (( يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ عِبَادَهُ ))، فهو تخويفٌ مِن عقوبات وشُرور تَنزِل بهم لمخالفة أمر الله وعصيانه، ولقد ضلَّ قوم غفلوا عن هذه الحكمة، فلم يروا في الكسوف بأسًا، ولم يرفعوا به رأسًا، ولم يرجعوا إلى ربِّهم بهذا الإنذار، ولم يقفوا بين يديه بالذُّلِّ والإنكسار، وقالوا: هذا الكسوف أمر طبيعي، يُعلم بالحساب، فو الله ما مثل هؤلاء إلا مثل مَن قال الله عنهم مِن الكفار المعاندين: { وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ }.اهـ
أيها الناس:
إنَّ كسوف الشمس أو خسوف القمر لَحَدَثٌ عظيم مُخيف، وتنبيه جسيم مِن الله لعباده وتحذير، وواعظ لهم وزاجر شديد، ويؤكد ذلك أيضًا ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كسفت الشمس في زمنه، في السَّنَّة العاشرة مِن الهجرة، في يومٍ شديد الحَرِّ، وما حصل له مِن أحوال، وما عُرض عليه في صلاته مِن أمور الآخرة، حتى إنَّه صلى الله عليه وسلم مِن شِدة فزعه وخوفه مِن كسوف الشمس خشي أنْ تكون الساعة قد حانت، إذ صحَّ عن أبي موسى الأشعري ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: (( خَسَفَتِ الشَّمْسُ، فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَزِعًا يَخْشَى أَنْ تَكُونَ السَّاعَةُ، فَأَتَى المَسْجِدَ فَصَلَّى بِأَطْوَلِ قِيَامٍ وَرُكُوعٍ وَسُجُودٍ مَا رَأَيْتُهُ قَطُّ يَفْعَلُهُ )).
بل ومِن فزعه صلى الله عليه وسلم أخطأ في لباسه، فأخذ درع أهله بدَل الرِّداء، وخرج وهو يجُره جرًّا ولم ينتظر ليلبسه حتى أتى المسجد، فصحَّ عن أسماء ــ رضي الله عنها ــ أنَّها قالت: (( كَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفَزِعَ فَأَخْطَأَ بِدِرْعٍ حَتَّى أُدْرِكَ بِرِدَائِهِ بَعْدَ ذَلِكَ )).
وصحَّ عن أبي بكرة ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: (( خَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى المَسْجِدِ )).
ولمَّا وصل صلى الله عليه وسلم المسجد أمر مناديًا ينادي: “الصلاة جامعة”، فاجتمع الناس، فصلَّى بهم صلاة غريبة لا نظير لها في الصلوات المعتادة، حيث صحِّ عن عائشة – ــ رضي الله عنها ــ: (( أَنَّ الشَّمْسَ خَسَفَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَعَثَ مُنَادِيًا: «الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ»، فَاجْتَمَعُوا، وَتَقَدَّمَ فَكَبَّرَ، وَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي رَكْعَتَيْنِ، وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ )).
ومِمَّا ثبت في شأن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم للكسوف مِن أمور:
أولًا ــ أنَّ قراءته صلى الله عليه وسلم فيها كانت طويلة جدًا، حتى إنَّ قيامه الأوَّل فيها قُدِّر بنحو سورة البقرة، فصحَّ عن ابن عباس ــ رضي الله عنهما ــ أنَّه قال: (( فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ مَعَهُ، فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا نَحْوًا مِنْ سُورَةِ البَقَرَةِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا، ثُمَّ رَفَعَ، فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا، وَهُوَ دُونَ القِيَامِ الأَوَّلِ )).
بل إنَّ بعض أصحابه تجلَّاه الغَشْيُ بسبب طول القراءة، فصحَّ عن أسماء ــ رضي الله عنها ــ أنَّها قالت: (( فَأَطَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِيَامَ جِدًّا، حَتَّى تَجَلَّانِي الْغَشْيُ، فَأَخَذْتُ قِرْبَةً مِنْ مَاءٍ إِلَى جَنْبِي، فَجَعَلْتُ أَصُبُّ عَلَى رَأْسِي )).
وثانيًا ــ أنَّ ركوعه وسجوده كان فيها طويلًا جدًا، حيث صحَّ عن أبي موسى الأشعري ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: (( فَقَامَ يُصَلِّي بِأَطْوَلِ قِيَامٍ وَرُكُوعٍ وَسُجُودٍ، مَا رَأَيْتُهُ يَفْعَلُهُ فِي صَلَاةٍ قَطُّ )).
وثالثًا ــ أنَّه صلى الله عليه وسلم جهر بالقراءة فيها، حيث صحَّ عن عائشة ــ رضي الله عنها ــ أنَّها قالت: (( جَهَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلاَةِ الخُسُوفِ بِقِرَاءَتِهِ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَتِهِ كَبَّرَ، فَرَكَعَ وَإِذَا رَفَعَ مِنَ الرَّكْعَةِ قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ، ثُمَّ يُعَاوِدُ القِرَاءَةَ فِي صَلاَةِ الكُسُوفِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ )).
أيها الناس:
لقد عُرِض للنبي صلى الله عليه وسلم في مقامه بصلاة الكسوف مِن أمور الآخرة ما يزيد المؤمن مِن ربِّه خوفًا ورهَبًا، ورجاء فيما عنده وطعًا، وحبًا له وإجلالًا وتعظيمًا، ولرسوله صلى الله عليه وسلم تصديقًا وتسليمًا وانقيادًا، ومِن ذلك:
أولًا ــ أنَّه صلى الله عليه وسلم رأى الجنة والنار، حيث صحَّ أنَّ الصحابة ــ رضي الله عنهم ــ قالوا: (( يَا رَسُولَ اللهِ رَأَيْنَاكَ تَنَاوَلْتَ شَيْئًا فِي مَقَامِكَ هَذَا، ثُمَّ رَأَيْنَاكَ كَفَفْتَ، فَقَالَ: «إِنِّي رَأَيْتُ الْجَنَّةَ، فَتَنَاوَلْتُ مِنْهَا عُنْقُودًا، وَلَوْ أَخَذْتُهُ لَأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتِ الدُّنْيَا، وَرَأَيْتُ النَّارَ فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ مَنْظَرًا قَطُّ، وَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ )).
وثانيًا ــ أنَّه صلى الله عليه وسلم رأي بعض الناس يُعذَّبون في النار، حيث صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( مَا مِنْ شَيْءٍ تُوعَدُونَهُ إِلَّا قَدْ رَأَيْتُهُ فِي صَلَاتِي هَذِهِ، لَقَدْ جِيءَ بِالنَّارِ، وَذَلِكُمْ حِينَ رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرْتُ، مَخَافَةَ أَنْ يُصِيبَنِي مِنْ لَفْحِهَا، وَحَتَّى رَأَيْتُ فِيهَا صَاحِبَ الْمِحْجَنِ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ، كَانَ يَسْرِقُ الْحَاجَّ بِمِحْجَنِهِ، فَإِنْ فُطِنَ لَهُ قَالَ: إِنَّمَا تَعَلَّقَ بِمِحْجَنِي، وَإِنْ غُفِلَ عَنْهُ ذَهَبَ بِهِ، وَحَتَّى رَأَيْتُ فِيهَا صَاحِبَةَ الْهِرَّةِ الَّتِي رَبَطَتْهَا فَلَمْ تُطْعِمْهَا، وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ، حَتَّى مَاتَتْ جُوعًا، وَرَأَيْتُ أَبَا ثُمَامَةَ عَمْرَو بْنَ مَالِكٍ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ )).
وثالثًا ــ أنَّه أوحي إليه صلى الله عليه وسلم بفتنة الناس في قبورهم، حيث صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( مَا مِنْ شَيْءٍ كُنْتُ لَمْ أَرَهُ إِلَّا قَدْ رَأَيْتُهُ فِي مَقَامِي هَذَا، حَتَّى الجَنَّةَ وَالنَّارَ، وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي القُبُورِ مِثْلَ ــ أَوْ قَرِيبَ مِنْ ــ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ، يُؤْتَى أَحَدُكُمْ، فَيُقَالُ لَهُ: مَا عِلْمُكَ بِهَذَا الرَّجُلِ؟ فَأَمَّا المُؤْمِنُ أَوِ المُوقِنُ فَيَقُولُ: هُوَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَالهُدَى، فَأَجَبْنَا وَآمَنَّا وَاتَّبَعْنَا، فَيُقَالُ لَهُ: نَمْ صَالِحًا، فَقَدْ عَلِمْنَا إِنْ كُنْتَ لَمُؤْمِنًا، وَأَمَّا المُنَافِقُ أَوِ المُرْتَابُ فَيَقُولُ: لاَ أَدْرِي، سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْتُهُ )).
وسبحان ربك رب العِزَّة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية: ـــــــــ
الحمد لله المحمود على كل حال، والصلاة والسلام على النبي محمد وعلى الصَّحب والآل.
أمَّا بعد، أيها الناس:
فلمّا انتهى النبي صلى الله عليه وسلم مِن صلاة الكسوف تكلم في الناس وخطبهم، فحمد الله وأنثى عليه، وكان مما قاله وصحَّ عنه: (( إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ مِنْ آيَاتِ اللهِ، وَإِنَّهُمَا لَا يَنْخَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ، وَلَا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَكَبِّرُوا، وَادْعُوا اللهَ وَصَلُّوا وَتَصَدَّقُوا، يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ إِنْ مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرَ مِنَ اللهِ أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ، أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ، يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ وَاللهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا، وَلَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَتَعَوَّذُوا مِنْ عَذَابِ القَبْرِ )).(( إِنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ الَّتِي يُرْسِلُ اللهُ لَا تَكُونُ لِمَوْتِ أَحَدٍ، وَلَا لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنَّ اللهَ يُرْسِلُهَا، يُخَوِّفُ بِهَا عِبَادَهُ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهَا شَيْئًا، فَافْزَعُوا إِلَى ذِكْرِهِ، وَدُعَائِهِ، وَاسْتِغْفَارِهِ )).
أيها الناس:
لقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم عند الكسوف الأمْرُ بالفزع إلى الصلاة، وإلى ذكر الله، ودعائه، واستغفاره، وتكبيره، وتهليله، وحمده، حتى يُكشف ما بِنا، وأمَر بالصدقة، وعتق الرقاب، فصحَّ عن عبد الرحمن بن سمرة ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: (( لَأَنْظُرَنَّ إِلَى مَا يَحْدُثُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي انْكِسَافِ الشَّمْسِ الْيَوْمَ، فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ رَافِعٌ يَدَيْهِ يَدْعُو، وَيُكَبِّرُ، وَيَحْمَدُ، وَيُهَلِّلُ، حَتَّى جُلِّيَ عَنِ الشَّمْسِ )).
وفي هذا يقول الإمام الزاهد العثيمين ــ رحمه الله ــ: فأسباب البلاء والانتقام عند حدوث الكسوف قد انعقدت، والفزع إلى الصلاة والدعاء والاستغفار والصدقة والعتق تدفع تلك الأسباب.اهـ
أيها الناس:
إنَّ الكسوف والخسوف لا علاقة لهما بحياة أو موت أحد مِن الناس ولو عظُم ونبُل، وإنما ذلك مِن اعتقاد أهل الكفر والجاهلية الأولى، وقد صحَّ عن المغيرة بن شعبة ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: (( انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ يَوْمَ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ، فَقَالَ النَّاسُ: انْكَسَفَتْ لِمَوْتِ إِبْرَاهِيمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، لاَ يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا، فَادْعُوا اللَّهَ وَصَلُّوا حَتَّى يَنْجَلِيَ )).
وإبراهيم هو ابن النبي صلى الله عليه وسلم مِن مَارِيَة الْقِبْطِيَّة ــ رضي الله عنه وعنها ــ.
فجعلني الله وإياكم مِمَّن إذا ذُكِّر ادَّكَر، وإذا وعِظ اعتبر، وإذا أُعطِي شكر، وإذا ابتُلي صبر، وإذا أذنب استغفر، رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين، واغفر لنا ولوالدينا ولباقي أهلينا ولجميع المسلمين، الأحياء مِنهم والميِّتين، وأدخلنا معهم في جنانك، وأعتقنا مِن عذابك والنار، إنك واسع الفضل غفور رحيم، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
باقات من الورد الجوري لروحك النقية بارك الله فيك وأرضاك واصل اتحافنا بكل جديد ومفيد شكرا من الاعماق على رووعة اقتنائك للطرح ويعطيك ربي العافية أنشودة الامل