الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المصطفى الأمين وآله الطيبين الطاهرين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين.
وبعد، فهذه محصِّلة بحوث أعددتُها في السيرة النبوية، حاولتُ فيها تقديمدراسة شاملة للسيرة النبوية، وإبراز فروعها ومراحلِها الزمنيَّة وعلاقتهابمختلف العلوم الشرعية والاجتماعية، وذِكر أهمِّ الأحداث التي غيَّرَت مجرىحياة الناس، وأبرز المشاهير الذين عاصروا رسولَ الله صلى الله عليه وسلموشاركوا في صُنع التاريخ، أو كانت لهم مواقف إيمانيَّة خالدة، كُتبَتبأحرفٍ من ذهب في صفحات السيرةالنبوية.
تعريف السيرةالنبوية:
السيرة في اللغة: هي الطريقة والحالة، وهي مشتقَّة مِن فعل: سار يسير سيرًاوسيرة، يقال: فلان سار سيرة حسَنة؛ أي: سلك طريقةً حسنة، ومنه قوله تعالى: ﴿ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى ﴾ [طه: 21]، واصطلاحًا: هي قصَّةالحياة وتاريخها.
والسيرة النبويةُ: "هي مجموعُ وقائع النبيِّ صلى الله عليه وسلم وشمائله الخِلقيَّة والخُلقية".
تاريخ تدوين السيرةالنبوية:
اعتنى الصحابة ومِن بعدهم التابعون بنقلِ السيرةالنبويَّة؛ لما لها منارتباطٍ وثيقٍ بالسنة المطهرة، إلاَّ أن تدوينَ السيرةلم يحدُث إلاَّ فيالقرنِ الثاني الهجري.
ويُعتبر محمد بن إسحاق الرائد في هذا المجالِ؛ فهو من أول من ألَّف فيالسيرةِ، ولذا قال عنه محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله: "من أراد أنيتبحَّر في المغازي؛ فهو عيالٌ على محمد بن إسحاق"، ثم كثر التأليفُ بعدذلك، وأشهر ما عُرف من كتب السيرة: "سيرة ابن هشام"، و"الطبقات"؛ لابن سعد،و"المغازي"؛ للواقدي، و"الرحيق المختوم"؛ للمباركفوري، و"فقه السيرة"؛لمحمد الغزالي، وعندنا في موريتانيا: "نظم الغزوات"؛ للبدوي، و"عمودالنسب"، و"نظم قرة الأبصار".
من أين تبدأ السيرة وأين تنتهي؟
لم يتَّفق العلماء على تاريخٍ محدَّد يبدؤون منه كتابَةَ السيرة؛ فبعضهميرى أن سيرةَ النبي بدأَت مع نشأة الخليقة، وبعضهم يبدؤها مع بِناء إبراهيمالكعبة وقصة هاجر وإسماعيل الذي هو جدُّ قريش وكلِّ العرب المستعربة،وبعضهم يبدؤها من عند جدِّ النبيِّ "عدنان"؛ الذي ينتهي عنده نسب النبيِّالمتفَق عليه، وآخر يبدؤها من ميلاد النبيِّ صلى الله عليه وسلموالإرهاصاتِ التي حدثَت عند ميلاده، ولكلٍّ منهم أدلَّته التي يركنُ إليها،إلا أنهم يتَّفقون على أنها تنتهي عند وفاتِه صلى الله عليه وسلم، وبدايةعصر الخلفاءِ الراشدين.
أهمية تعلُّم السيرة النبوية:
كان الصحابةُ يعلِّمون السيرةَ النبويةلأبنائهم، وأهمَّ الدروس والعِبَرالمستخلصة من أحداثها، ولذا كان يقول إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص: "كان أبي يعلِّمنا المغازِيَ، ويعدُّها علينا، ثم يقول: "يا بَنيَّ، هذهمآثِرُ أجدادِكم، فلا تضيِّعوها"، وكان زين العابدين علي بن الحسين يقول: "كنا نُعلَّمُ مغازي النبي صلى الله عليه وسلم، كما نُعلَّم سُوَر القرآن"،وقد نظم عبدالرحمن بن حسان مغازي الرسول صلى الله عليه وسلم في قصيدةٍ له؛لمَّا رأى حرصَ أبناء الأنصار على تعلُّمها، ومن هنا يتَّضح وجوب تعلُّم السيرةوالاختصاص بها؛ لِما لها من ارتباطٍ وَثِيق بكتابِ الله تعالى وسنةرسوله صلى الله عليه وسلم.
شبكة الألوكة
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك