الدعاء بعد السلام مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ أَوِ الْمَأْمُومِينَ، فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ من هديه أصلا وَعَامَّةُ الْأَدْعِيَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالصَّلَاةِ إِنَّمَا فَعَلَهَا فِيهَا وَأَمَرَ بِهَا فِيهَا. وَهَذَا هُوَ اللَّائِقُ بِحَالِ المصلي، فإنه مقبل على ربه، فإذا سلم زال ذلك. ثُمَّ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَعَنْ يساره كذلك» ، هذا كان فعله الراتب، وروي عنه أنه كان يسلم تسليمة واحدة من تلقاء وجهه، لكن لم يثبت، وأجود ما فيه حديث عائشة وهو في " السنن "، لكنه في قيام الليل، وهو حديث معلول، على أنه لَيْسَ صَرِيحًا فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى التَّسْلِيمَةِ الْوَاحِدَةِ.
وكان يَدْعُو فِي صَلَاتِهِ فَيَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ» وَكَانَ يَقُولُ فِي صَلَاتِهِ أَيْضًا: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، وَوَسِّعْ لِي فِي داري، وبارك لي في ما رَزَقْتَنِي» وَكَانَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الْأَمْرِ، وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ، وَأَسْأَلُكَ شُكْرَ نعمتك، وحسن عبادتك، وأسألك قلبا سليما، وأسألك لسانا صَادِقًا، وَأَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا تَعْلَمُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا تعلم»
والمحفوظ في أدعيته كلها في الصلاة بلفظ الإفراد.
«وكان إِذَا قَامَ فِي الصَّلَاةِ طَأْطَأَ رَأْسَهُ» ، ذَكَرَهُ أحمد، «وَكَانَ فِي التَّشَهُّدِ لَا يُجَاوِزُ بَصَرُهُ إِشَارَتَهُ» ، وقد جعل الله قرة عينه ونعيمه في الصلاة، فكان يقول: «يا بلال أرحنا بالصلاة» ولم يشغله ذلك عن مراعاة المأمومين مع كمال حضور قلبه.
«وَكَانَ يَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ يُرِيدُ إِطَالَتَهَا، فَيَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ، فَيُخَفِّفُهَا مَخَافَةَ أَنْ يَشُقَّ على أمه» ، وَكَذَلِكَ «كَانَ يُصَلِّي الْفَرْضَ وَهُوَ حَامِلٌ أمامة بنت ابنته عَلَى عَاتِقِهِ، إِذَا قَامَ حَمَلَهَا، وَإِذَا رَكَعَ وسجد وضعها» ، «وكان يصلي فيجيء الحسن والحسين فيركبان على ظَهْرَهُ، فَيُطِيلُ السَّجْدَةَ كَرَاهِيَةَ أَنْ يُلْقِيَهُ عَنْ ظهره» ، «وكان يصلي فتجيء عائشة فيمشي، فيفتح لها الباب، ثم يرجع إلى مصلاه» .
«وكان يرد السلام بالإشارة» (1) . وأما حديث «من أشار في صلاته فليعدها» فحديث باطل. وكان ينفخ في صلاته، ذكره أحمد وكان يبكي فيها، ويتنحنح لحاجة.
«وكان يصلي حافيا تارة، ومنتعلا أخرى» (2) وأمر بالصلاة في النعل مخالفة اليهود وَكَانَ يُصَلِّي فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ تَارَةً، وَفِي الثَّوْبَيْنِ تَارَةً وَهُوَ أَكْثَرُ.
وَقَنَتَ فِي الْفَجْرِ بعد الركوع شهرا ثم ترك، وكان قنوته لعارض، فلما زال تركه، فكان هديه الْقُنُوتَ فِي النَّوَازِلِ خَاصَّةً، وَتَرْكَهُ عِنْدَ عَدِمِهَا، وَلَمْ يَكُنْ يَخُصُّهُ بِالْفَجْرِ، بَلْ كَانَ أَكْثَرُ قنوته فيه لأجل ما يشرع فيه من الطول، ولقربها من السحر وساعة الإجابة، والتنزل الإلهي.
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك