هذا العنوان هو مضمون قاعدة ذكرها العلامة الفقيه الأصولي المفسر عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله في كتابه الماتع "القواعد الحسان لتفسير القرآن"، الذي اختتمه بهذه القاعدة:
القاعدة الواحدة السبعون: "في اشتمال كثير من ألفاظ القرآن على جوامع المعاني"، وقال شارحاً: "اعلم أن ما مضى من القواعد السابقة هي المقصود بوضع هذا الكتاب، وهو بيان الطرق والمسالك والأصول التي يرجع إليها كثير من الآيات، وأنها وإن تنوعت ألفاظها، واختلفت أساليبها وتفاصيلها، فإنها ترجع إلى أصل واحد، وقاعدة كلية.
وأما نفس ألفاظ القرآن الحكيم فإن كثيراً منها من الألفاظ الجوامع، وهي من أعظم الأدلة على أنها تنزيل من حكيم حميد وعلى صدق من أعطي جوامع الكلم، واختصر له الكلام اختصاراً.
فهذه الآيات الكريمات وما أشبهها كل كلمة منها قاعدة، وأصل كلي يحتوي على معان كثيرة.
وقد تقدم في أثناء القواعد منها شيء كثير، وهي متيسرة على حافظ القرآن، المعتني بمعرفة معانيه ولله الحمد. انتهى كلامه رحمه الله.
صدق هذا العالم الكبير في وصفه ما جمعه من الآيات بأن :"كل كلمة منها قاعدة، وأصل كلي يحتوي على معان كثيرة". فلو طبقنا ذلك في حياتنا لوجدنا الخير الكثير فعند الخلاف والخصومة يكون قولنا: ﴿ وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ﴾ [النساء: 128]. وعند ظهور الظلم والطغيان وعلو الفساد يكون قولنا: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [يونس: 81]، وعندما نجد في معاملات الناس ظهور البخس وهو: النقص، ويكون بالتعييب للسلعة أو التزهيد فيها أو المخادعة لصاحبها والاحتيال، وأموال الناس محترمة، وأنه لا يجوز لأحد أن يبخس أحداً شيئاَ، ولا أن ينقصه شيئاً، يكون قولنا: ﴿ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ ﴾، وعند تكدر صفو العلاقات بين الناس بظهور خشونة القول بينهم، فيكون قولنا: ﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ﴾ ومن القول الحسن أمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، وتعليمهم العلم، وبذل السلام، والبشاشة وغير ذلك من كل كلام طيب. وعند تفشي هجر القرآن بأنواعه في الأمة من هجر سماعه والإيمان به والإصغاء إليه، إلى هجر العمل به والوقوف عند حلاله وحرامه، إلى هجر تحكيمه والتحاكم إليه في أصول الدين وفروعه، إلى هجر تدبره وتفهمه، إلى غير ذلك من أنواع الهجر، فيكون قولنا: ﴿ وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً ﴾، وعندما يقوى تسلط الأعداء علينا، يكون قوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا ﴾ [النساء:45]، تسلية لنا وتقويه لعزائمنا، وتهديد لأعدائنا؛ لأن الله إذا كان أعلم بأعدائنا وأنه ناصر لنا وولي لنا فسوف يقينا شرهم وفي المقابل إن تولينا عن الله سلط علينا هؤلاء الأعداء[1]. وعلى ذلك فقس. ادعو الله أن أكون قد أحسنت العرض. والله الموفق. وصلى الله على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم.
[1] ما جاء من الكلام على توجيه لبعض الآيات هو مقتبس من كلام لبعض المفسرين، وما كان مني هو الاختيار والتصرف فيه بما يتناسب مع المراد.
الالوكة[/read]
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك