إن العلاقة بين الوقف والاستثمار علاقة أساسية ومتينة، والاستثمار يشمل أصول الأوقاف، وبدل الوقف، وريع الوقف وغلته. وهذه هي الحكمة من مشروعية الوقف التي بيّنها العلامة الدهلوي، حيث قال: "ومن التبرعات الوقف، وكان أهل الجاهلية لا يعرفونه، فاستنبطه النبي صلى الله عليه وسلم لمصالح لا توجد في سائر الصدقات، فإن الإنسان ربما يصرف في سبيل الله مالًا كثيرًا، ثم يفنى، فيحتاج أولئك الفقراء تارة أخرى، ويجيء أقوام آخرون من الفقراء فيبقون محرومين، فلا أحسن ولا أنفع للعامة من أن يكون شيء حَبْسًا للفقراء وأبناء السبيل وسائر وجوه الخير تصرف عليهم منافعه، ويبقى أصله على ملك الواقف، وهذا على رأي الإمام أبي حنيفة -رحمه الله-، وهو قوله صلى الله عليه وسلم لعمر -رضي الله عنه-: "إن شئت حبّست أصلها، وتصدقت بها" فتصدق بها عمر؛ أنه لا يباع أصلها ولا يوهب ولا يورث([1])، إلى آخر كلامه([2]). وإن استثمار الوقف لاستمرار الريع يتفق مع أصل مشروعية الوقف، ويحقق أهدافه وغاياته في صرف الريع إلى الموقوف عليهم، مع ضرورة الاستمرار والبقاء للمستقبل. وهذا يوجب البحث الاقتصادي في أموال الأوقاف واستثمارها في أحسن السبل المضمونة، والتي تعطي أعلى دخل للريع، وتوجب منع تعطيلها المؤدي إلى فقدان مبرر وجودها. وإن الهدف الاقتصادي المباشر لاستثمار أموال الأوقاف هو تأمين الدخل المرتفع بقدر الإمكان لصرفه في مواطنه المحددة، دون التهاون في الأصل والعين الموقوفة، وهذا يوجب أيضًا التوسع في الاستغلال وإعادة الاستثمار، وينتج أن القصد من استثمار الموقوف هو استغلاله واستعماله بطريقة تدر ريعًا إضافيًا يستفيد منه الوقف والموقوف عليه، وذلك بحسب العين الموقوفة، فقد تكون مما لا يجوز استثماره كالمسجد، والمقبرة، والآلات والأواني المخصصة للاستعمال، وقد يكون مما لا يمكن استثماره لنص الواقف؛ كالمستشفى التي يعالج بها مجانًا، وقد يكون الاستثمار حتميًا في النقود عند من أجاز وقفها، والتي توسعت في عصرنا الحاضر، فيكون استثمارها بالمضاربة أو التجارة بالمرابحة، ومثلها الأسهم وصكوك الاستثمار الإسلامية، وقد يكون الموقوف لا ينتفع به إلا باستثماره والاستفادة من ريعه الثابت كالعقارات التي تؤجر، فيكون استثمارها بالإجارة، أو المساقاة للأراضي الزراعية، والإدارة للمصانع.
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك