هذه رسالة من محب يحبك ويخاف عليك من عذاب الله : أخواني وأخواتي تعلمون أن من عظيم نعمة الله تعالى علينا نعمة البصر ، وبها امتن الله تعالى على خلقه في آياتٍ كثيرة كقوله سبحانه : ( وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (النحل:78) وقال تعالى : ( وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ) (المؤمنون:78) وقال تعالى : ( ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ) (السجدة:9) وقال تعالى : ( قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ) (الملك:23) ،إذا عُلم هذا أخواني وأخواتي – بارك الله فيهم – تحتم علينا جميعاً أن نستحي من صاحب هذه النعمة ، وأن نراقبه فيها فلا ننظر إلى ما حرّم الله ، وأن نسخرها فيما يرضي الله عنا ، ونعلم أننا غداً سوف نُسئل عما رأيناه بأبصارنا . قال تعالى : ( إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ) (الإسراء: من الآية36) وقال تعالى : ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) الآية (النور:30-31) وهذا أمر رباني عام للرجال والنساء بغض الأبصار عمّا حرّم الله تعالى . يأمرهم أن يغضوا من أبصارهم عما حرم عليهم ، فلا ينظروا إلا إلى ما أباح لهم النظر إليه ، وأن يغمضوا أنظارهم وأبصارهم عن المحرمات والأجنبيات ، فإن اتفق أن وقع النظر على محرم من غير قصد ، فليصرف بصره عنه سريعا ، كما رواه مسلم في صحيحه عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال ( سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة ؟ فأمرني أن أصرف بصري) وقال صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ( يا علي لا تتبع النظرة النظرة ، فإن لك الأولى ، وليس لك الآخرة ) رواه الترمذي .فكيف يليق بالمسلم أن يطلق النظر إلى الماجنين والماجنات ، أو إلى صور المنكرات ، أو الفواحش بأنواعها : استمتاعاً ، وتلذذاً ، وهو مأمور بأن يجانب أرض الفساد وأهله ! فكيف بالتلذذ والاستمتاع به ، فكيف بمن يستأنس بذلك الساعات الطوال في التلفاز وتصفح المجلات أو اكتنازها وربما تعليقها على عرض الحائط ! فكيف بحال من : تعشق صور مشاهير الرجال ، وتتمعن في جمال هذا وذاك ، وتراهن على أن زيداً أجمل من عمرو ، وربما علّقت صورته في بيتها أو حفظتها في جهاز الكمبيوتر وجعلتها خلفية لشاشتها أو رمزاً لتوقيعها !! أو على شاشة هاتفها الجوال ، وغير ذلك من سخافات العقول قبل أن تكون مصادمة المنقول ، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العظيم " فأمر الله عز وجل فى هاتين الآيتين الكريمتين المؤمنين والمؤمنات بغض الأبصار وحفظ الفروج وما ذاك إلا لعظم فاحشة الزنا ، وما يترتب عليها من الفساد الكبير بين المسلمين ؛ ولأن إطلاق البصر من وسائل مرض القلب ووقوع الفاحشة وغض البصر من أسباب السلامة من ذلك .ـ وانظرى أيتها الأخت الكريمة كيف أن الله ختم الآية بقوله : ] إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ] وذلك ليعلم كل إنسان أن الله خبير بما يصنعه الناس ، وأنه لا تخفى عليه خافية ، وفى ذلك تحذير للمؤمنين والمؤمنات من ركوب ما حرم الله عليهم والإعراض عما شرعه لهم . وتذكير لهم بان الله سبحانه يراهم ويعلم أفعالهم وأحوالهم كما قال تعالى : {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ } (غافر19) فإذا عرفوا ذلك فيجب أن يكونوا على تقوى وحذر منه فى كل حركة وسكون . وينبغي على العبد أن يستحي من الله أن يراه على معصية .. ولتعلم الأخت أن النظر إلى ما حرم الله هو من زنا العين - فقد أخرج الإمام مسلم من حديث أبى هريرة ـ رضى الله عنه ـ عن النبي r قال " كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محالة . فالعينان زناهما البصر , والأذنان زناهما الاستماع واللسان زناه الكلام , واليد تزني وزناها البطش , والرجل تزني وزناها الخطا , والقلب يهوى ويتمنى والفرج يصدق ذلك أو يكذبه " إن حظ القلب من الزنا التمني والرغبة ، فلتحذر الأخت المؤمنة ذلك ولا تترك للقلب فرصة فقد يدفعها إلى معصية ، ولتستزيد دائماً من الحذر لأن حياتنا اليوم وظروف عصرنا جعلت الشهوات والمثيرات محيطة بنا متربصة محدقة بها , فلتغلق المؤمنة أبواب الشر وذرائع التهلكة ولا تترك لقلبها العنان , فإن القلب متقلب كاسمه وإن النفس مهلكة من اتبعها ] وما أُبرِىُْ نفسي إن النفسَ لأمارةٌ بالسوءِ] ولتعلم الأخت المسلمة أنها ستسأل عن هذا النظر ، هل كانت تصرفه فيما يرضى الله ؟ أم كانت تنظر إلى ما يغضب الله . قال تعالى : ]وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ] بل ستشهد عليك هذه العين يوم القيامة فقال تعالى :] حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ] - وفى صحيح مسلم من حديث أنس t قال " كنا مع النبي r فضحك , فقال أتدرون مما أضحك ؟ فقلت : الله ورسوله أعلم , فقال : من مخاصمة العبد ربه .. فيقول يا رب ألم تجرني من الظلم ؟ فيقول رب العزة: بلى . فيقول العبد : فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهدٌ منى . فيقول رب العزة : كفي بنفسك اليوم عليك حسيبا وبالكرام الكاتبين شهودا . قال :فيُختَمُ على فيهِ ، فيقال لأركانه : انطقي فتنطق بأعماله . قال : ثم يُخلَى بينه وبين الكلام فيقول – يعنى لأعضائه – بعداً وسحقاً لكُّن فعنكن كنت أجادل .ونسأل الله لنا ولكم إخواني وأخواتي صلاح القول والعمل ، وسلامة الظهار والباطن ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك