حينما ندرك أنّ الحجاب هو رمز العفة والطهارة.. فلا بد أنّنا ندرك أيضا أنّ الميل عن الحجاب هو ميل عن العفة.. وإيذان بحلول الفواجع! فتمام العفة مع تمام الحجاب!
وتأملي أختي المسلمة في قول الله جلّ وعلا: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً} [سورة الأحزاب: 59] ففي الآية ما يدل دلالة واضحة أنّ العفة تعلرف بالحجاب.. وأنّ المسلمة العفيفة الحيية إنّما تعرف بكمال حجابها، وكمال تسترها كما شرع الله وأمر!
"فهذه الآيةنص على ستر الوجه وتغطيته، ولأنّ من تستر وجهها لا يطمع فيها طامع بالكشف عن باقي بدنها وعورتها المغلطة، فصار في كشف الحجاب عن الوجه تعريض لها بالأذى من السفهاء، فدل هذا التعليل على فرض الحجاب على نساء المؤمنين لجميع البدن والزينة بالجلباب؛ وذلك حتى يعرفن بالعفة، وأنّهن مستورات محجبات بعيدات عن أهل الريب والخنا، وحتى لا يفتتن ولا يفتن غيرهن فلا يؤذين.
ومعلوم أنّ المرأة إذا كانت غاية في الستر والانضمام، لم يقدم عليها من في قلبه مرض، وكفت عنها الأعين الخائنة بخلاف التبرجة المنتشرة الباذلة لوجهها، فإنّها مطموع بها.
واعلم أنّ الستر بالجلباب، وهو ستر النساء العفيفات يقتضي أن يكون الجلباب على الرأس لا على الكتفين.
ويقتضي أن لا يكون الجلباب ـ العباءة ـ زينة في نفسه، ولا مضافا إليه ما يزينه من نقش او تطريز، ولا ما يلفت النظر إليه وإلاّ كان نقضا لمقصود الشارع من إخفاء البدن والزينة، وتغطيتها عن عيون الأجانب". (حراسة الفضيلة للعلامة بكر أبو زيد ص 55 ـ 56).
إنّ العفاف المنشود من الحجاب لا يمكن أن تظفر به الأخت المسلمة إلاّ إذا أدركت جيدا المفهوم الشامل للحجاب.. وعرفت مدلوله ومعناه.. وما يقصد منه!
فحتى لو أدنت المسلمة جلبابها كما أمر الله، لكنّها لم تقر في بيتها.. وامنت الخروج صخبا في الشوارع والأسواق.. فإنّها بذلك الحال بعيدة عن العفاف لا لأنّها تعرض ذاتها وحجابها للفتنة بخروجها الذي لا ضرورة له!
ولذا فإنّ عفة الحجاب أشمل من مجرد لبس العباءة.. إنّها الحد الفاصل بين الفضيلة وما يخدشها.. سواء كان ما يخدشها: تبرج.. أو خروج.. أو كلام.. أو رفقة سيئة أو غير ذلك من قوادح العفاف.
يقول الله عزّ وجل لنساء نبيه صلى الله عليه وسلم وهنّ القدوة، وهنّ أعف النساء وأكرمهن وأرفعهن قدرا، يقول لهن: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [سورة الأحزاب: من الآية 33]". (نصائح وتوجيهات للبيوت ص 31).
ولذلك كانت البيوت من الحجاب الواجب في حق النساء.. فكما أنّ العباءة تحجب العيون الأجنبية عن النظر إلى النساء فكذلك البيوت تحجبها. ولا يعدل عن حجاب البيوت إلى غيره إلاّ لحاجة داعية!
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان وأقرب ما تكون من رحمة ربها وهي في قعر بيتها» [رواه الترمذي].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "المرأة يجب أن تصان وتحفظ بما لا يجب مثله في الرجل، ولهذا خصت بالاحتجاب وترك إبداء الزينة، وترك التبرج، فيجب في حقها الاستتار باللباس والبيوت ما لا يجب في حق الرجل؛ لأنّ ظهورها للرجال سبب الفتنة، والرجال قوامون على النساء". (مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية 15/697).
إنّ الرجال الناظرين إلى النساء *** مثل السباع تطوف باللحمان
إن لم تصن تلك اللحوم أسودها *** أكلت بلا عوض ولا أثمان
إنّ قرار المرأة في بيتها يحميها من سموم العيون المريضة.. وفتن الاختلاط.. والأنفاس العليلة.. كما يمكنها من استثمار وقتها.. وأداء مسؤوليتها الأسرية.. فهي فتاة البيت وبهجته.. وهي الزوجة.. والأم المسؤولة عن أبنائها.. كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها» [رواه البخاري ومسلم].
أمّا حال خروج الأخت المسلمة لحاجة داعية، فإنّها ملزمة وقتئذ بالحجاب الذي يسترها.. ويعلن للناظرين عفافها ونظافتها.. وهو لن يكون كذلك إلاّ إذا استوفى شروطه ونعوته المبينة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهي:
1- أن يكون ساترًا لجميع بدن المرأة: لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً} [سورة الأحزاب: 59].
قالت عائشة رضي الله عنها: "يرحم الله نساء المهاجرات الأول لما أنزل الله {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [سورة النور: من الآية 31] شققن مروطهن فاختمرن". [رواه البخاري].
وقال رحمه الله: "والصحيح أنّه (أي الجلباب) الثوب الذي يستر جميع البدن". (الجامع لأحكام القرآن 14/ 643 – 644).
2- أن لا يكون الحجاب زينة في نفسه: لأنّ المقصود منه هو لستر الزينة، وقطع دابر الفتنة، فإذا كان الحجاب مبديًا للزينة أو كان هو نفسه كذلك لم يحصل المقصود منه، وقد قال تعالى: {لَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [سورة النور: من الآية 31]، فظاهر العباءة يستحيل إخفاؤه عقلاً فهو لذلك ليس من الزينة ما دام لا يحتوي على زينة ملفتة للنظر كالتطريز والصور والكتابات ونحو ذلك مما يعلم منه أنّه زينة مثيرة.
3- أن يكون فضفاضا: لا يبرز بدن المرأة ولا يصفه بل فيه من الاتساع والشمول ما يستر حجمها، فعن أسامة بن زيد قال: كساني رسول الله صلى الله عليه وسلم قبطية كثيفة كانت مما أهداها دحية الكلبي، فكسوتها امرأتي، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مالك لا تلبس القبطية؟» قلت: يا رسول الله كسوها امرأتي، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مرها فلتجعل تحتها غلالة إنّي أخاف أن تصف حجم عظامها».
4- أن يكون غير شفاف: فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صنفان من أهل النار لم أراهما، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها النّاس، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لايدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإنّ ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا» [رواه أحمد].
5- أن لا يكون معطرًا: لما رواه أبو موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيّما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا من ريحها فهي زانية» [رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح].
6- أن لا يشبه لباس الرجال: لقوله صلى الله عليه وسلم: «ليس منّا من تشبه بالرجال من النساء ولا من تشبه بالنساء من الرجال» [رواه أحمد].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يلبس لبسة المرأة والمرأة تلبس لبسة الرجل».
7- أن لا يشبه لباس الكافرات: لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «من تشبه بقوم فهو منهم» [رواه أبو داود].
ولقوله صلى الله عليه وسلم أيضا: «رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليّ ثوبين معصفرين فقال: إنّ هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها» [رواه النـسائي].
8- أن لا يكون لباس شهرة: لقوله صلى الله عليه وسلم: «من لبس ثوب شهرة في الدنيا ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة، ثم ألهب فيه نارًا» [رواه أبوداود].
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك