لقد ارتضى ربنا سبحانه وتعالى لعباده المؤمنين
الإسلام دينا حنيفا ليعبدوه به , يقول الله تعالى ( إن الدين عند الله ألإسلام ) العمران (19) , وقال تعالى ( ومن يبتغ غير
الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ) العمران (85) , وهذا الدين بني على
أركان عظيمة ورفع بنيانه ذو الثلاث طوابق على أساسات وركائز قوية ومتينة من تمسك بها فقد استوثق من دينه ومن ترك شيئا منها فلا بد لبنيانه من أن يتصدع ثم ينهار ولو بعد حين , فلا يستقر البنيان مستقيما ثابتا وقد أزيل من قواعده بعض ركائزه .
فالطابق الأول كله مكون من قواعد ثابتة تحمل المبنى وترفعه , ففي الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : بني
الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان " , رواه البخاري ومسلم , وهذا الحديث يبين لنا كيف يرتفع مبنى
الإسلام في قلب المسلم , وأن قواعده الأساسية لا بد أن تبنى على الأعمال التالية شهادة إن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وهي مفتاح الدخول إلى مبنى
الإسلام وإقامة الصلاة وهي عمود الدين وإيتاء الزكاة وهي حق المال وصوم رمضان والحج إلى بيت الله الحرام .
فكل واحد من هذه الأركان يشكل قاعدة عظيمة يرتفع عليها بناء
الإسلام ولو شبهنا
الإسلام بمنزل كبير يتكون من ثلاث طوابق وله أسوار عظيمة بحيث لا يتمكن أحد من القفز فوقها , ولا بد لمن أراد أن يدخل بيت
الإسلام الكبير أن يبحث عن بابه الأوحد ليدخل هذا المنزل , وأذن الدخول لتلك البوابة هو قول شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله , وعندنا بعد ذلك أربع قواعد كبيرة في الطابق الأول لمنزل
الإسلام الكبير , فإذا عبرت البوابة ستكون في فناء المنزل ومعك أمان بالدخول وعليك بعد ذلك أن تدخل المبنى وتعمل بأركان
الإسلام , والدور الأول مكون من أربع قاعات كما ذكرنا سابقا ولا بد من دخولها والعمل فيها فهناك قاعة الصلاة التي لا بد من العمل فيها خمس مرات في اليوم الواحد بمواقيت محددة وصفة معينة , وهناك قاعة الزكاة فلا بد من العمل فيها في السنة مرة واحدة إذا كان لديك نصاب المال المستحق , وهناك قاعة الصوم فلا بد من العمل فيها شهرا في السنة بصفة معينة وهناك قاعة الحج فعليك العمل فيها مرة في العمر إن استطعت لذلك سبيلا .
وهذه الأعمال ملزمة لمن أرتضى
الإسلام دينا ودخل من بوابته وأعلن الشهادتين من غير إكراه , ومن دخل من البوابة وبقي في فناء المنزل أي لم يدخل إلى مبنى البيت الإسلامي ليعمل في أركانه فهو ما زال في فناء
الإسلام ولا يملك من
الإسلام إلا لفظ الشهادتين أي في حوزته أذن الدخول وهو في أمان ومعصوم الدم والمال ولكن عليه أن يلتزم بشروط الدخول ويدخل إلى مبنى
الإسلام ويعمل بأركانه فهنا إذا تراجع ولم يقبل العمل فيه فإنه يخيره أهل
الإسلام العاملين على حفظه بعد أن يترك ثلاثة أيام في فناء البيت الإسلامي ليفكر ويختار لنفسه بين أمرين , فإما أن يدخل إلى داخل مبنى
الإسلام ويعمل بأركان
الإسلام التي قبلها على نفسه وهذا هو الاختيار الأمثل , فإن أبى فإن العصمة تسقط عنه وقد تسبب على نفسه أن يقتل في فناء البيت مرتدا ويخرج جثمانه إلى خارج بيت
الإسلام وليس له أي حصانة أو حقوق كباقي المسلمين من غسل وتكفين وصلاة عليه ودفن في مقابر المسلمين بل يعامل كأنه لم يدخل في
الإسلام من قبل حتى لا يكون الدين ألعوبة عند الناس .
إن
الإسلام دين متكامل ولا بد أن تلتزم بأوامره وتنتهي عن نواهيه وإلا فقد وقعت في خلل كبير , ولا يصح من الذي أسلم بهذا الدين أن يختار بعض أركانه ويترك الباقي فإنه دين متكامل لا يقبل التجزئة , ومن أجل ذلك قاتل أبو بكر الصديق رضي الله عنه من فرق بين الصلاة والزكاة والذين منعوا أداء الزكاة سماهم الصحابة مرتدين يحل قتلهم ومحاربتهم , وذلك من أجل أن لا يتفكك بيت
الإسلام ويسقط بإزالة بعض دعائمه , فلا يقبل
الإسلام من بعض المسلمين أن يمتنعوا عن أداء الزكاة مع المحافظة على الصلاة , ولا من آخرين ترك فريضة الحج مع القدرة عليها و لا الذي يترك الصلاة ويظن أن ذلك جائزا في
الإسلام , بل
الإسلام لا بد من تطبيقه كاملا وإلا لا يعد المسلم مسلما بترك ركن من
أركان الإسلام.
وفي الحديث قال الرسول صلى الله عليه وسلم " من بدل دينه فاقتلوه " وقال الله تعالى (وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) البقرة (217) ,وقال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ )الأنعام (159) , أي أن المسلمين في حل من الذين فرقوا دينهم واختاروا منه بعضا وتركوا الباقي فهؤلاء ليسوا من المسلمين في شيء , كل ذلك بسبب هذا التفريق في الدين , ولا يلتقون معهم في شيء بل هم سواسية مثل الكفار وعلى المسلمين محاربتهم حتى يعودوا ويأخذوا بالدين كاملا من غير أن ينقصوا منه شيئا , فمن ترك الصلاة وفعل باقي
أركان الدين فليس هو من المسلمين ومن ترك الزكاة وفعل الباقي فليس منا ولسنا منه حتى يقبل الجميع وهكذا في
أركان الإسلام كلها , فليس الدين هو انتقاء وحرية اختيار بل هو التزام كامل بالدين , فإذا التزمت بكل
أركان الدين وحصل منك تقصير فأنت مسلم من المسلمين وعليك ذنوب وفي جانبك تقصير فإن مت على ذلك فالله هو الذي يحاسبك فإن شاء عذب وإن شاء غفر .
وركن الصلاة هي قاعدة كبيرة في وسط البيت الإسلامي الكبير وعليها يعتمد المبنى وهو عامود ه المتين والذي يمتد مع ارتفاع المبنى الشامخ , فلو سقط هذا العامود تهاوى البيت كله وتهدم , فهو يحمل ثقل الأدوار الثلاثة كلها فلا يتحمل المنزل التعرض لهذا الركن بتكسير أو هدم أو إضعاف فمن حافظ عليه فقد حافظ على الركن الأعظم , فلا تقبل زكاة بغير صلاة ولا صوم بغير صلاة ولا حج بغير صلاة فكل الأركان مرتبطة بقوة بهذا الركن العظيم لذلك هو في وسط المبنى وتتصل به الأركان الأخرى بجسور قوية لا تستغني عنه وزواله هو زوال لباقي الأركان , وهي صلة يومية بين العبد وربه ومن ضيع الصلاة فهو لغيرها أضيع , يقول الله تعالى (وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ) البقرة (43) .
إن كل مبنى يبنى على الأرض لا بد له من قواعد قوية يقف عليها حتى يتماسك ويبقى وإلا صار بناء مشوها وسيتهدم من قريب , وأركان
الإسلام هي قواعده
ومبانيه ثم يرتفع البناء الثاني فوقه وهو بناء الإيمان بقاعاته الستة , ثم يرتفع بعده بناء الإحسان وهي أعلى منزلة في المبنى وفيها برج المراقبة والمحاسبة أي أنك تراقب نفسك وتحاسب نفسك كأنك تنظر إلى الله , فإن لم تكن تراه فإنه يراك ( فاحذر أن يراك على معصية ) .
ولن تصعد من مبنى إلى مبنى فوقه حتى تتمكن من إتقان عمل ذلك المبنى الذي قبله , فعلى من أسلم وحسن أسلامه أن يتدرج في الصعود بعدما يجاهد بالعمل الصالح في إصلاح نفسه ومعالجة قلبه بترك المنكرات وفعل الخيرات واقتداء سيرة النبي صلى الله عليه وسلم , يقول الله تعالى (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21) , فالخير كله في متابعته والعمل بما يأمر به وترك ما نهى عنه وزجر , وأن محبة الله تنال بمتابعة هذا النبي الكريم , يقول الله تعالى ( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) العمران(31) , فمن اقتدى برسول الله صلى الله عليه وسلم وتابعه فيما أمر كان حقا على الله أن يدخله الجنة وينجيه من النار وهذا مطلب كل مسلم .
إن من المسلمين من يمضي حياته كلها ولم يتقن بعد
أركان الإسلام فتراه يشهد أن الله واحد أحد ومع ذلك هو يطوف حول القبور ويدعوا شيخ الطريقة الفلانية ويذبح لهم وينذر ويظن نفسه أنه موحدا في بيت
الإسلام الحنيف ولا يعلم أنه في بيت أخر غير
الإسلام والإسلام منه براء , وهناك من هو مضيع للصلاة ولم يتقن حتى أدائها ويظن نفسه أنه من المحسنين الأتقياء الورعين الذي تنشق عنهم الحجب كما صور لهم إبليس في أذهانهم , فيا من يريد أن يتمكن الإيمان من قلبه فلا تضيع
أركان الإسلام أولا واهتم بها , ويا من يريد أن يصل إلى درجة الإحسان فعليك بمرتبة الإيمان قبلها فتفقد أركانها , أسئل الله أن يجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين متبعين لهدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مقتفين أثره .... والحمد لله رب العالمين