عدد الضغطات : 9,160عدد الضغطات : 6,665عدد الضغطات : 6,383عدد الضغطات : 5,596
التميز خلال 24 ساعة
العضو المميز المراقب المميز المشرف المميز الموضوع المميز القسم المميز
قريبا
قريبا
قريبا

بقلم :
المنتدى الاسلامي العام

العودة   منتديات الحقلة > المنتدى الاسلامي > منتدى الحديث والسنة النبوية الشريفة

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: ضع بصمتك .. واترك أثراً ..~ (آخر رد :عميد القوم)       :: اللهم ... (آخر رد :السموه)       :: لـ نهتف : (يَآرَبْ )مساحة خاصه لكم لتناجون البارئ بماشئتم (آخر رد :السموه)       :: وقع ولو بكلمه (آخر رد :السموه)       :: ثرثرة الواو (آخر رد :السموه)       :: دعاء اليوم ((متجدد بإذن الله)) (آخر رد :ابو يحيى)       :: تهنئة بحلول عيد الفطر المبارك (آخر رد :ابو يحيى)       :: أبي ... (آخر رد :السموه)       :: لِ .. أَحَدُهُم ‘ ..| (آخر رد :السموه)       :: الوجه الاخر لرجل الأعمال سعد التميمي (آخر رد :محمد الجابر)      


إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 02-07-2015   #1


مصراوي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1899
 تاريخ التسجيل :  27 - 04 - 2015
 العمر : 70
 أخر زيارة : 02-09-2020 (09:50 AM)
 المشاركات : 87,984 [ + ]
 التقييم :  246
 MMS ~
MMS ~
 اوسمتي
الإتقان وسام ادارة المنتدى وسام صاحب الحضور الدائم العطاء الذهبي المسابقه الرمضانيه 2 
لوني المفضل : Cadetblue
جوامع الكلم النبوي



النبوي, الكلم, جوامع

النبوي, الكلم, جوامع

مقدمة حول جوامع الكلم النبوي

جوامع الكلم النبوي   جوامع الكلم النبوي جوامع الكلم

خص الله نبيه صلى الله عليه وسلم بجملة من الخصائص , من أهمها , أنه أوتي جوامع الكلم وخواتمه وفواتحه , واختصر له الكلام اختصاراً , فجمع الله له المعاني الكثيرة في ألفاظ يسيرة , وجعل ذلك من أدلة نبوته , وأعلام رسالته , ليسهل على السامعين حفظه , ولا يشق عليهم حمله وتبليغه , وكل هذا من الحفظ الذي تكفّل الله به لهذا الدين .

ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( بعثت بجوامع الكلم , ونصرت بالرعب , وبينا أنا نائم أُتيتُ بمفاتيح خزائن الأرض , فوضعت في يدي ). وفي رواية للترمذي : ( فُضِّلْتُ على الأنبياء بستٍّ , أعطيت جوامع الكلم , ونصرت بالرعب ... الحديث ) . قال الزهري : " وبلغني أن جوامع الكلم أن الله يجمع الأمور الكثيرة التي كانت تكتب في الكتب قبله في الأمر الواحد والأمرين أو نحو ذلك " .

وجوامع الكلم التي بعث بها نبينا عليه الصلاة والسلام , تشمل ما جاء في القرآن من الآيات الجامعة , كقوله عز وجل : {إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي } ( النحل 90 ) ، فإن هذه الآية لم تترك خيراً إلا أمرت به ولا شراً إلا نهت عنه , وهي مما بعث به صلى الله عليه وسلم .

وتشمل أيضا ما جاء في كلامه صلى الله عليه وسلم مما هو مروي في كتب السنة , والمقصود هنا الكلام على النوع الثاني , وهو جوامع الكلم النبوي .

وقد وردت عن الأئمة المتقدمين عدة أقوال في تحديد أصول الأحاديث النبوية أو الأحاديث الجامعة التي يدور عليها الدين , فمن ذلك ما جاء عن الإمام أحمد - رحمه الله - أنه قال : " أصول الإسلام على ثلاثة أحاديث : حديث عمر : ( إنما الأعمال بالنيات ), وحديث عائشة : ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ), وحديث النعمان بن بشير : ( الحلال بيِّنٌ والحرام بيِّن )

وقال الإمام أبو داود : "نظرت في الحديث المسند فإذا هو أربعة آلاف حديث , ثم نظرت فإذا مدار أربعة آلاف الحديث على أربعة أحاديث , حديثِ النعمان بن بشير : ( الحلالُ بيِّنٌ والحرامُ بيِّن ), وحديث عمر : ( إنما الأعمال بالنيات ), وحديث أبي هريرة : ( إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين ... الحديث ) , وحديث : ( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ) , قال : فكل حديث من هذه الأربعة ربع العلم "، وأنشد بعضهم :

عمـدة الـدين عـندنـا كـلمـات أربع من كلام خير البرية
اتق الشبهات وازهد ودع ما ليس يعـنيك واعـملن بنية

ويعني بقوله " ازهد " حديث : (ازهد في الدنيا يحبك الله .. الحديث ) .

وقد اجتهد أهل العلم في جمع تلك الأحاديث الجوامع , وصنفوا في ذلك المصنفات , حتى جاء الإمام النووي - رحمه الله -, فجمع اثنين وأربعين حديثاً جامعاً عليها مدار الدين , وهي التي عرفت فيما بعد "بالأربعين النووية" , واشتهرت هذه الأربعين وأقبل الناس على حفظها ونفع الله بها , ببركة نية صاحبها وحسن قصده , وقد شرحها الحافظ ابن رجب الحنبلي شرحا نفيساً في كتابه جامع العلوم والحكم , وزاد عليها ثمانية أحاديث تمام الخمسين .

فينبغي على المسلم أن يعتني بهذه الأحاديث حفظا وفهما ودراسة , وأن يجعلها من أوائل الأحاديث التي يُربَّى عليها الأطفال والناشئة , وسنعرض في المواضيع القادمة بعض هذه الأحاديث بشيء من التفصيل والشرح , والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل .


ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك


الموضوع الأصلي: جوامع الكلم النبوي || الكاتب: مصراوي || المصدر: منتديات الحقلة

منتديات الحقلة

منتديات الحقلة: منتديات عامة اسلامية ثقافية ادبية شعر خواطر اخبارية رياضية ترفيهية صحية اسرية كل مايتعلق بالمرأة والرجل والطفل وتهتم باخبار قرى الحقلة والقرى المجاوره لها





[,hlu hg;gl hgkf,d hg;gl




[,hlu hg;gl hgkf,d hg;gl [,hlu hg;gl hgkf,d hg;gl



 

رد مع اقتباس
قديم 02-07-2015   #2


مصراوي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1899
 تاريخ التسجيل :  27 - 04 - 2015
 العمر : 70
 أخر زيارة : 02-09-2020 (09:50 AM)
 المشاركات : 87,984 [ + ]
 التقييم :  246
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Cadetblue
رد: جوامع الكلم النبوي



إنما الأعمال بالنيات



المقاصد والنيات هي محل نظر الله جل وعلا , وهي من الأعمال بمثابة الروح من الجسد , فكيف يكون حال الجسد إذا نزعت منه الروح , وكيف يكون حال شجرة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار , وكل عبادة لم تقم على نية صالحة ومقصد شرعي صحيح , فإنها في ميزان الله هباء تذروه الرياح , وسراب إذا طلبه صاحبه لم يجده شيئا , من أجل ذلك عني الشرع عناية عظيمة بإصلاح مقاصد العباد ونياتهم , وورد في ذلك الكثير من النصوص في الكتاب والسنة .
ومن الأحاديث العظيمة التي وضحت هذا المعنى الحديث الذي في الصحيحين عن عمر رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إنما الأعمال بالنيات , وإنما لكل امرئ ما نوى , فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله , فهجرته إلى الله ورسوله , ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها , فهجرته إلى ما هاجر إليه ).
فهذا الحديث أحد الأحاديث التي يدور عليها الدين , ولذلك صدر به أهل العلم كتبهم , وابتدؤوا به مصنفاتهم , قال الإمام الشافعي رحمه الله : ( هذا الحديث ثلث العلم , ويدخل في سبعين بابا من أبواب الفقه , وما ترك لمبطل ولا مضار ولا محتال حجة إلى لقاء الله تعالى ) .
والنية هي القصد الباعث على العمل , ومقاصد العباد تختلف اختلافا عظيما بحسب ما يقوم في القلب .
فقوله صلى الله عليه وسلم : ( إنما الأعمال بالنيات ) يعني أحد أمرين الأول : أن وقوعها واعتبارها شرعا لا يكون إلا بالنية , فكل عمل اختياري يفعله العبد لا بد له من نية باعثة على هذا العمل , والثاني أن صحة هذه الأعمال وفسادها , وقبولَها وردَّها , والثواب عليها وعدمه لا يكون إلا بالنية .
فالعبادات والأعمال الصالحة بأنواعها , من طهارة وصلاة وزكاة وصوم وحج وغيرها لا تصح ولا تعتبر شرعا إلا بقصدها ونيتها ، بمعنى أن ينوي تلك العبادة المعينة دون غيرها , فلا بد من النية لتمييز صلاة الظهر عن صلاة العصر مثلا , ولا بد منها لتمييز صيام الفريضة عن صيام النافلة , وهكذا .
وكما أن النية مطلوبة لتمييز العبادات بعضها عن بعض , فهي مطلوبة أيضا لتمييز العادة عن العبادة , فالغسل مثلاً يقع للنظافة والتبريد ، ويقع عن الحدث الأكبر ، وعن الجمعة ، والنية هي التي تحدد ذلك , وهذا المعنى للنية هو الذي يذكره الفقهاء في كلامهم .
وأما المعنى الثاني , فهو تمييز المقصود بهذا العمل , هل هو الله وحده لا شريك له , أم غيره, ففيه دعوة للعبد إلى إخلاص العمل لله في كل ما يأتي وما يذر , وفي كل ما يقول ويفعل , فيحرص كل الحرص على تحقيق الإخلاص وتكميله ، ودفع كل ما يضاده من رياء أوسمعة ، أوقصد الحمد والثناء من الخلق ، وهذا المعنى هو الذي يرد ذكره كثيرا في كلام النبي صلى الله عليه وسلم وسلف الأمة , ولذلك قال صلى الله عليه وسلم بعد ذلك : ( وإنما لكل امرئ ما نوى ) , أي أنه ليس للإنسان من عمله إلا ما نواه من خير أو شر , فمن نوى نية حسنة تقربه إلى الله , فله من الثواب والجزاء على قدر نيته , ومن نقصت نيته وقصده نقص ثوابه , ومن اتجهت نيته إلى غير ذلك من المقاصد الدنيئة فاته الأجر والثواب , وحصل على ما نواه .
ثم ضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثالا للأعمال التي صورتها واحدة , واختلف صلاحها وفسادها بسبب اختلاف نيات أصحابها , وهو مثال الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام , كما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام , فأخبر أن هذه الهجرة تختلف باختلاف النيات والمقاصد منها , فمن هاجر إلى دار الإسلام حبا لله ورسوله ورغبة في تعلم دين الإسلام , وإظهار شعائره التي يعجز عنها في دار الشرك , فهذا هو المهاجر حقا , وهو الذي يحصل أجر الهجرة إلى الله ورسوله , ومن هاجر لأمر من أمور الدنيا , أو لامرأة في دار الإسلام يرغب في نكاحها , فهذا ليس بمهاجر إلى الله ورسوله على الحقيقة , وليس له من هجرته إلا ما نواه .
وسائر الأعمال الصالحة في هذا المعنى كالهجرة , فإن صلاحها وفسادها بحسب النية الباعثة عليها , وحين سئل صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة أو حمية أو ليُرَى مكانُه , أيُّ ذلك في سبيل الله ؟ قال : ( من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله ) كما في الصحيحين , وقال تعالى في اختلاف النفقة بحسب النيات : {ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنة بربوة ... الآية } (البقرة 265 ) وقال : { والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ... الآية } (النساء 38) وهكذا جميع الأعمال.
فالأعمال إنما تتفاضل ويعظم ثوابها بحسب ما يقوم بقلب العبد من الإيمان والإخلاص ، حتى إن صاحب النية الصادقة يكون له أجر العامل نفسه ولو لم يعمل , ولهذا لما تخلف نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن غزوة تبوك بسبب بعض الأعذار الشرعية التي أعاقتهم عن الخروج قال عليه الصلاة والسلام كما في الصحيح : ( إن بالمدينة أقواماً ما سِرْتُم مسيراً، ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم حبسهم العذر ) .
وكما تجري النية في العبادات فكذلك تجري في المباحات , فإن قصد العبد بكسبه وأعماله المباحة , الاستعانة بذلك على القيام بحق الله والواجبات الشرعية , واستصحب هذه النية الصالحة في أكله وشربه , ونومه وراحته , ومكسبه ومعاشة , أُجر على تلك النية ، ومن فاته ذلك فقد فاته خير كثير , يقول معاذ رضي الله عنه ( إني لأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي ) , وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إنك لن تعمل عملاً تبتغي به وجه الله إلا أجرت عليه ، حتى ما تجعله في فيِّ امرأتِك ) ، وأما الحرام فلا يكون قربة بحال من الأحوال حتى لو ادعى الإنسان فيه حسن النية .
وبذلك يكون هذا الحديث جامعاً لأمور الخير كلها , فحري بالمؤمن أن يفهم معناه وأن يعمل بمقتضاه في جميع أحواله وأوقاته .



 

رد مع اقتباس
قديم 02-07-2015   #3


مصراوي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1899
 تاريخ التسجيل :  27 - 04 - 2015
 العمر : 70
 أخر زيارة : 02-09-2020 (09:50 AM)
 المشاركات : 87,984 [ + ]
 التقييم :  246
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Cadetblue
رد: جوامع الكلم النبوي



من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ



العبادة هي الغاية من وجود الإنسان في هذه الحياة , وهي التي من أجلها أرسل الله الرسل وأنزل الكتب , {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} . ( الذاريات 56) .
والله عز وجل كما أنه لم يخلق هذا الإنسان عبثا بل خلقه لغاية محددة , ووظيفة عظيمة , فكذلك لم يتركه هملا لا يعرف كيف يؤدي هذه الوظيفة التي من أجلها خُلِق , فخلقه وعلمه , ودله على الطريق الموصلة إليه سبحانه , وجعلها طريقا واحدة , دليلها الكتاب , وبابها الرسول , فمن أراد سلوك الطريق من غير دليل تاه , ومن أراد الولوج من غير باب الرسالة وبدون مفتاح النبوة فقد ضل سواء السبيل , فبين سبحانه للناس على ألسنة رسله كيف يعبدوه ويوحدوه , وحدد لهم مجالات هذه العبادة وضوابطها , فلا يعبد إلا الله وحده , ولا يعبد كذلك إلا بما شرعه من الدين .
وجاءت النصوص الكثيرة في الكتاب والسنة تحث على الاعتصام بالوحي واتباعه , وتحذر من اتباع غيره من الأهواء والضلالات قال تعالى: { وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون } ( الأنعام 153) . وحذر سبحانه من مخالفة أمر رسوله وسنته وشريعته فقال عز وجل :{فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} ( النور 63) .
من أجل ذلك كان أحد الأحاديث الجامعة التي وضحت هذا المعنى , ووضعت القواعد والضوابط لهذه القضية , حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) رواه البخاري ومسلم , وفي رواية لمسلم : ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ) .
فهذا الحديث أصل عظيم من أصول الإسلام , وهو مكمِّل ومتمِّم لحديث إنما الأعمال بالنيات , ويدخل في هذين الحديثين الدين كله ، أصوله وفروعه ، ظاهره وباطنه , فحديث عمر ميزان للأعمال الباطنة ، وحديث عائشة ميزان للأعمال الظاهرة , ففيهما الإخلاص للمعبود ، والمتابعة للرسول , اللذان هما شرط لقبول كل قول وعمل ، ظاهر وباطن , فمن أخلص أعماله لله , متبعاً في ذلك رسول الله , فعمله مقبول , ومن فقد الأمرين أو أحدهما فعمله مردود عليه , وقد جمع الله بين هذين الشرطين في قوله جل وعلا : { فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا } ( الكهف 110).
وقد دل الحديث على أن كل عمل ليس عليه أمر الشارع فهو مردود على صاحبه , وفي قوله صلى الله عليه وسلم : ( ليس عليه أمرنا ) إشارة إلى أن أعمال العباد كلَّها ينبغي أن تكون تحت أحكام الشريعة , فتكون الشريعة حاكمةً عليها بأمرها ونهيها , فمن كان عمله جاريا تحت أحكام الشريعة موافقا لها فهو المقبول , ومن كان عمله خارجا عنها فهو المردود .
ولخطورة الابتداع في الدين والإحداث فيه , جاء ذم البدع والنهي عنها , والتنفير من أهلها , فالبدع في الحقيقة مضادة للشريعة , مراغمة لها , والمبتدع ببدعتة قد نصب نفسه منصب المستدرك على الشرع بزيادة أو نقصان , فلم يكتف بما شُرِع له , وهو بلسان حاله , يتهم الرسول ?صلى الله عليه وسلم بالتقصير في أداء الأمانة والرسالة , فإن نبينا عليه الصلاة والسلام لم يترك خيرا إلا دلنا عليه , ولا شرا إلا حذرنا منه , ولذلك قال الإمام مالك رحمه الله : " من أحدث في هذه الأمة شيئا لم يكن عليه سلفها , فقد زعم أن محمدا خان الرسالة , لأن الله يقول : {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} ( المائدة 3 ) فما لم يكن يومئذ دينا فلا يكون اليوم دينا " ، ولا يخفى ما جرته البدع على الأمة قديما وحديثا من الفتن والويلات , والتفرق والاختلاف في الدين .
والبدعة هي كل ما يكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه دينا يُعبد الله به ويتقرب إليه , من اعتقاد أو قول أو عمل , وهي تشمل العبادات والمعاملات , والفعل والترك , فكما تكون بفعل غير المشروع , تكون أيضا بترك ما هو مشروع ومباح , إذا تركه الإنسان بقصد القربة والتدين , ولذلك لما جاء ثلاثة نفر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادته , , فلما أُخبروا كأنهم تقالُّوها , فقالوا : وأين نحن من رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر , فقال أحدهم : أما أنا فإني أصلي الليل أبدا , وقال الآخر : وأنا أصوم الدهر ولا أفطر , وقال الثالث : وأنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا , فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( أنتم الذين قلتم كذا وكذا , أما والله أني لأخشاكم لله وأتقاكم له , لكني أصوم وأفطر , وأصلي وأرقد , وأتزوج النساء , فمن رغب عن سنتي فليس مني ) أخرجاه في الصحيحين .
والبدع جميعُها تشترك في وصف الضلالة , فليس فيها ما هو حسن وما ليس بحسن , فقد جاء في الصحيح من حديث العرباض بن ساريةرضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ) زاد النسائي ( وكل ضلالة في النار ) . إلا أنها ليست على رتبة واحدة في الضلال , فمنها البدع الكبيرة والصغيرة والمكفرة وغير المكفرة .
فهذا الحديث على قلة ألفاظه حوى من المعاني والمسائل الشيء الكثير , فقد بين الضابط العام والقاعدة الكلية التي توزن بها الأعمال , وعلى ضوئها يحكم بمشروعيتها أو عدمها.
ومن خلاله يتبين أن مقتضى العبادة التي خُلِق لها الإنسان , أن يجعل المسلم أقواله وأفعاله وسلوكه وتصرفاته وفق المناهج التي جاءت بها الشريعة , وأن يفعل ذلك طاعة واستسلاما وانقيادا لأمر الخالق جل وعلا , وشعاره في ذلك ما أخبر الله به عن المؤمنين المفلحين في قوله : {إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون}.



 

رد مع اقتباس
قديم 02-07-2015   #4


مصراوي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1899
 تاريخ التسجيل :  27 - 04 - 2015
 العمر : 70
 أخر زيارة : 02-09-2020 (09:50 AM)
 المشاركات : 87,984 [ + ]
 التقييم :  246
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Cadetblue
رد: جوامع الكلم النبوي



الدين النصيحة



للنصيحة شأن عظيم في حياة الفرد والأمة على حد سواء , فهي أساس بناء الأمة , وهي السياج الواقي بإذن الله من الفرقة والتنازع والتحريش بين المسلمين ، هذا التحريش الذي رضيه الشيطان بعد أن يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ,كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه مسلم : ( إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب , ولكن في التحريش بينهم ) . لقد رضي بالتحريش لأنه بداية طبيعية للعداء والتفرق والتنازع , المؤدي إلى الاقتتال وذهاب الريح .
وأعظم حديث جامع يبين مفهوم النصيحة الشرعية وحدودها , الحديث الذي رواه الإمام مسلم عن تميم الدَّاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( الدين النصيحة ثلاثا , قلنا : لمن يا رسول الله ؟ قال : لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامَّتهم ) .
فهذا الحديث له شأن عظيم , فهو ينص على أن عماد الدين وقوامه بالنصيحة , فبوجودها يبقى الدين قائما في الأمة , وبعدمها يدخل النقص على الأمة في جميع شؤون حياتها.
وقد كان منهج أنبياء الله ورسله مع أممهم مبنياً على النصح لهم والشفقة عليهم ، قال نوح عليه السلام مخاطبا قومه : { أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون } ( الأعراف 62ا ) . وقال صالح لقومه : {يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين} ( الأعراف 79ا ) ،وقال هود : { أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين } ( الأعراف 68ا ) .
مفهوم النصيحة :
والنصيحة كلمة يعبر بها عن إرادة الخير للمنصوح له , ولا يمكن أن يعبر عن هذا المعنى بكلمة واحدة تحصرها وتجمع معناها غير هذه الكلمة.
أنواع النصيحة :
أنواع النصيحة خمسة ، وهي التي ذكرت في الحديث :
الأول : النصيحة لله : وتكون بالاعتراف بوحدانيته وتفرده بصفات الكمال ونعوت الجلال , والقيام بعبوديته ظاهراً وباطناً ، والإنابة إليه كل وقت , مع التوبة والاستغفار الدائم , لأن العبد لا بد له من التقصير في شيء من الواجبات والتجرؤ على بعض المحرمات , وبالتوبة والاستغفار ينجبر النقص , ويُسَدُّ الخلل.
الثاني : النصيحة لكتاب الله : وتكون بحفظه وتدبره ، وتعلم ألفاظه ومعانيه , والاجتهاد في العمل به في نفسه وتعليمه غيره .
الثالث : النصيحة للرسول صلى الله عليه وسلم : وتكون بالإيمان به ومحبته ، وتقديمه على النفس والمال والولد ، واتباعه في أصول الدين وفروعه ، وتقديم قوله على قول كل أحد , والاهتداء بهديه ، والنصر لدينه وسنته .
الرابع : النصيحة لأئمة المسلمين : وهم الولاة , من الإمام الأعظم إلى الأمراء والقضاة وجميع من لهم ولاية عامة أو خاصة , وتكون هذه النصيحة باعتقاد ولايتهم , والسمع والطاعة لهم ، وحث الناس على ذلك ، وبذل ما يستطاع في إرشادهم للقيام بواجبهم , وما ينفعهم وينفع الناس .
الخامس : النصيحة لعامة المسلمين : وتكون بمحبة الخير لهم كما يحب المرء لنفسه , وكراهية الشر لهم كما يكره لنفسه .
شروط النصيحة :
ولا بد في النصيحة من ثلاثة أمور :
أولها : الإخلاص لله تعالى في النصيحة لأنه لب الأعمال , ولأن النصيحة من حق المؤمن على المؤمن , فوجب فيها التجرد عن الهوى والأغراض الشخصية والنوايا السيئة التي قد تحبط العمل , وتورث الشحناء وفساد ذات البين .
وثانيها : الرفق في النصح , وإذا خلت النصيحة من الرفق صارت تعنيفا وتوبيخا لا يقبل ، ومن حرم الرفق فقد حرم الخير كله كما أخبر بذلك نبينا عليه الصلاة والسلام .
وثالثها : الحِلْم بعد النصح , لأن الناصح قد يواجه من يتجرأ عليه أو يرد نصيحته , فعليه أن يتحلى بالحلم , ومن مقتضيات الحلم : الستر والحياء وعدم البذاءة , وترك الفحش .
وإن من الحكمة والبصيرة في النصيحة معرفة أقدار الناس , وإنزالهم منازلهم ، والترفق مع أهل الفضل والسابقة , وتخير وقت النصح المناسب , وتخير أسلوب النصح المتزن البعيد عن الانفعالات , وانتقاء الكلم الطيب والوجه البشوش والصدر الرحب ، فهو أوقع في النفس وأدعى للقبول وأعظم للأجر عند الله .

فهذه هي حدود النصيحة الشرعية , وخلاف ذلك هو الإرجاف والتعيير والغش الذي هو من علامات النفاق عياذا بالله , قال على رضي الله عنه : " المؤمنون نصحة والمنافقون غششة " ، وقال غيره : " المؤمن يستر وينصح والفاجر يهتك ويعير" .

فالنبي صلى الله عليه وسلم فسر النصيحة بهذه الأمور الخمسة , التي تشمل القيام بحقوق الله ، وحقوق كتابه ، وحقوق رسوله ، وحقوق جميع المسلمين على اختلاف أحوالهم وطبقاتهم , فشمل ذلك الدين كله ، ولم يبق منه شيء إلا دخل في هذا الكلام الجامع المحيط , فكان لزاما على المسلمين أخذ النصيحة خلقا بينهم , فهي القاطعة لفساد ذات البين والتحريش , والموصلة لمعاني الأخوة والمحبة في الله , وهي العامل الأهم في تماسك الجماعة والأمة , والله الموفق.



 

رد مع اقتباس
قديم 02-07-2015   #5


مصراوي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1899
 تاريخ التسجيل :  27 - 04 - 2015
 العمر : 70
 أخر زيارة : 02-09-2020 (09:50 AM)
 المشاركات : 87,984 [ + ]
 التقييم :  246
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Cadetblue
رد: جوامع الكلم النبوي



الحلال بيِّن والحرام بيِّن



من الأحاديث الجامعة التي يذكرها أهل العلم , ويولونها المزيد من العناية والاهتمام , حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن الحلال بيِّنٌ وإن الحرام بيِّنٌ , وبينهما أمور مشتبهاتٌ لا يعلمهن كثير من الناس , فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعِرضه , ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام , كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه , ألا وإن لكل ملك حمىً , ألا وإن حمى الله محارمُه , ألا وإن في الجسد مضغةً إذا صلَحت صلَح الجسد كله , وإذا فسَدت فسَد الجسد كله : ألا وهي القلب ) رواه البخاري ومسلم .
قاعدة عظيمة
فهذا الحديث قاعدة عظيمة من قواعد الشريعة , وأحد الأحاديث التي يدور عليها الدين وقد عدّه بعض أهل العلم ثلث الإسلام أو ربعه , ويعنون أن الإسلام يدور على ثلاثة أحاديث أو أربعة منها هذا الحديث .

فقوله صلى الله عليه وسلم : ( إن الحلال بين وإن الحرام بين ) يعني أن الحلال والحرام الصريح الواضح قد بُيِّن أمره للناس بحيث لا يحتاجون معه إلى مزيد إيضاح وبيان , وليس لهم عذر في مخالفة الأمر والنهي بدعوى نقص البيان وعدم الوضوح , فإن الله عز وجل قد أنزل على نبيه الكتاب , وبين فيه للأمة ما تحتاج إليه من أحكام , قال تعالى : { ونزَّلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء } (النحل 89) وقال تعالى في آخر آية من سورة النساء بعد أن ذكر فيها كثيرا من الأحكام الشرعية : { يبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شيء عليم } ( النساء 176) . وقال عز وجل : { ومالكم أن لا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم ما حرم عليكم } ( الأنعام119) . وهذا هو مقتضى عدل الله ورحمته بعباده فلا يمكن أن يعذب قوما قبل البيان لهم وقيام الحجة عليهم , ولذلك قال سبحانه : {وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون } ( التوبة 115) .

وما لم يرد بيانه مفصلاً في كتاب الله تعالى فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد بينه في سنته تحقيقا لقوله تعالى : { وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم } ( النحل 44) .
ولكن هناك أمور تشتبه على كثير من الناس , فلا يعرفون حكمها هل هي من الحلال أم من الحرام ؟ , وأما الراسخون في العلم فلا تشتبه عليهم , ويعلمون من أي القسمين هي , وهذه هي الأمور المشتبهات التي قال عنها صلى الله عليه وسلم ( وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس ) .

ثم قسَّم النبي صلى الله عليه وسلم الناس بالنسبة إلى هذه الأمور المشتبهة إلى قسمين:

القسم الأول : من يتقي هذه الشبهات ويتركها , طلبا لمرضاة الله عز وجل , وتحرزا من الوقوع في الإثم , فهذا الذي استبرأ لدينه وعرضه , أي طلب البراءة لهما , فحصل له البراءة لدينه من الذم الشرعي , وصان عرضه عن كلام الناس فيه , وفيه دليل على أن من ارتكب الشبهات , فقد عرض نفسه للقدح والطعن , كما قال بعض السلف : "من عرَّض نفسه للتُّهم فلا يلومنَّ من أساء الظن به " .

والقسم الثاني : من وقع في هذه الشبهات مع علمه بأن هذا الأمر فيه شبهة , فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من فعل ذلك فقد وقع في الحرام , بمعنى أن الإنسان إذا تهاون وتسامح في الوقوع في الشبهات , وأكثر منها , فإن ذلك يوشك أن يوقعه في الحرام ولا بد , وهو لا يأمن أن يكون ما أقدم عليه حرامًا في نفس الأمر , فربما وقع في الحرام وهو لا يدري .

المثل المضروب
ثم ضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثلا لمن يقع في الشبهات , وهو أن كل ملك من ملوك الدنيا له حمى يُضرب حول ملكه , ويُمنع الناس من دخوله أو انتهاكه , ومن دخله فقد عرض نفسه للعقوبة , فمن رعى أغنامه بالقرب من هذا الحمى فإنه لا يأمن أن تأكل ماشيته منه , فيكون بذلك قد تعدى على حمى الملك , ومن احتاط فابتعد ولم يقارب ذلك الحمى فقد طلب السلامة لنفسه , وهذا مثل حدود الله ومحارمه , فإنها الحمى الذي نهى الله عباده عن الاقتراب منه أو تعديه , فقال سبحانه : { تلك حدود الله فلا تقربوها } (البقرة 187) , وقال : { تلك حدود الله فلا تعتدوها } ( البقرة 229 ) , فالله عز وجل قد حدَّ للعباد حدودا بين فيها ما أَحَلَّ لهم وما حَرَّم عليهم , ونهاهم عن الاقترب من الحرام أو تعدي الحلال , وجعل الواقع في الشبهات كالراعي حول الحمى أو قريبا منه يوشك أن يدخله ويرتع فيه , فمن تعدى الحلال ووقع في الشبهات , فإنه قد قارب الحرام وأوشك أن يقع فيه .

ثم ختم النبي صلى الله عليه وسلم الحديث بذكر السبب الذي يدفع العبد إلى اتقاء الشبهات والمحرمات أو الوقوع فيهما , ألا وهو صلاح القلب أو فساده , فإذا صلح قلب العبد صلحت الجوارح والأعمال تبعا لذلك , وإذا فسد القلب فسدت الجوارح والأعمال , فالقلب أمير البدن , وملك الجوارح , وبصلاح الأمير أو فساده تصلح الرعية أو تفسد , فإذا كان القلب سليما حرص العبد على اجتناب المحرمات وتوقي الشبهات , وأما إذا كان القلب فاسدا قد استولى عليه اتباع الهوى والشهوات , فإن الجوارح سوف تنبعث إلى المعاصي والمشتبهات تبعا له , فالقلب السليم هو عنوان الفوز عند الله عز وجل قال تعالى : {يوم لا ينفع مال ولا بنون . إلا من أتى الله بقلب سليم } (الشعراء 88-89) .

ففي هذا الحديث العظيم حث للمسلم على أن يفعل الحلال ، ويجتنب الحرام ، وأن يجعل بينه وبين الحرام حاجزا وهو اتقاء الشبهات ، وأن يحتاط المرء لدينه وعرضه ، فلا يقدم على الأمور التي توجب سوء الظن به , وفيه أيضا تأصيل لقاعدة هامة من قواعد الشريعة , وهي قاعدة سد الذرائع إلى المحرمات وتحريم الوسائل إليها , وفيه كذلك تعظيم أمر القلب , فبصلاحه تصلح أعمال الجوارح وبفساده تفسد , نسأل الله أن يصلح قلوبنا وأن يثبتها على دينه.



 

رد مع اقتباس
قديم 02-07-2015   #6


مصراوي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1899
 تاريخ التسجيل :  27 - 04 - 2015
 العمر : 70
 أخر زيارة : 02-09-2020 (09:50 AM)
 المشاركات : 87,984 [ + ]
 التقييم :  246
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Cadetblue
رد: جوامع الكلم النبوي



من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه



ي حديث عظيم من جوامع الكلم , بيّن النبي صلى الله عليه وسلم مَعْلما من معالم النجاة , وأمارة من أمارات حسن الإسلام , ليزن العبد بها نفسه , ويعرف مدى قربه أو بعده عن الطريق المستقيم , والحديث رواه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ).
فهذا الحديث قد جمع معانٍ عظيمة لا غنى للمسلم عن فهمها وامتثالها ، وهو أصل عظيم من أصول الأدب , ولذا عدَّه بعض أهل العلم ثلث الإسلام أو ربعه , وذكر ابن القيم رحمه الله أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع الورع كله في هذا الحديث , فهو يضع للعبد قاعدة عظيمة فيما يأتي وما يدع ، وفيه تنبيه على الركن الأول في تزكية النفس وتربيتها ، وهو جانب التخلية بترك ما لا يعني ، الذي يلزم منه الركن الثاني وهو التحلية بالانشغال بما يعني .
الناس قسمان :
فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن ترك ما لا يعني من أسباب حسن إسلام المرء , وهذا يعني أن الناس ينقسمون في الإسلام إلى قسمين كما دل عليه الحديث : فمنهم المحسن في إسلامه ومنهم المسيء , فمن قام بالإسلام ظاهراً وباطناً فهو المحسن الذي قال الله فيه : { ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا } ( النساء 125) , ومن لم يقم به ظاهرا وباطنا فهو المسيء , ومن علامات حسن الإسلام انشغالُ المرء بما يعنيه وتركُه ما لا يعنيه , ومفهوم الحديث : أن انشغال الإنسان بما لا يعنيه من علامات سوء إسلامه .
ومما يدل على معنى الحديث , أن الله وصف الله المؤمنين بالإعراض عن اللغو في غير ما آية من كتابه قال سبحانه : {والذين هم عن اللغو معرضون } ( المؤمنون 3) . واللغو هو الباطل , ويشمل الشرك والمعاصي وكل ما لا فائدة فيه من الأقوال والأفعال والاهتمامات , ومن اللغو الاشتغال بما لا يعني من أمور الناس .
وقد جاءت الأحاديث بفضل منزلة حسن الإسلام ، ومن ذلك ماجاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إذا أحسن أحدكم إسلامه فكل حسنة يعملها تكتب بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، وكل سيئة يعملها تكتب بمثلها حتى يلقى الله ) .
فقوله صلى الله عليه وسلم : ( ما لا يعنيه ) أي : ما لا يهمه ولا يفيده في دينه ولا دنياه , ويدخل في الأمور التي لا تعني المحرمات والمشتبهات والمكروهات وفضول المباحات التي لا يحتاج إليها الإنسان .
والضابط في معرفة ما يعني الإنسان مما لا يعنيه هو الشرع , وليس الهوى , فإن كثيرا من الناس قد يحلو له أن يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , بدعوى أن ذلك من التدخل في خصوصيات الآخرين , وأن ذلك مما لا يعني الإنسان , وقد يستدل بهذا الحديث على فهمه السيئ , وهذا من الخطأ واختلاط المفاهيم في هذه القضية , روى أبو داود أن أبا بكر رضي الله عنه قام في الناس خطيبا , فحمد الله وأثنى عليه , ثم قال : يا أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية وتضعونها على غير مواضعها {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم } ( المائدة 105) , وإنا سمعنا النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب )، وفي رواية: وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي ثم يقدرون على أن يغيروا ثم لا يغيروا إلا يوشك أن يعمهم الله منه بعقاب ) , ومما يعني الإنسان أيضا شؤون المسلمين وقضاياهم , ومن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم .
فهذا الحديث معيار وعلامة يُعرف بها حسن الإسلام من ضده ، وأسباب كل منهما , وتزداد الحاجة لفهم هذا الحديث والعمل بمقتضاه , في زمن تزاحمت فيه الواجبات ، واختلطت فيه الأولويات ، فكانت الخطوة الأولى , هي تركيز الاهتمام فيما ينفع ، وترك كل ما لا يعني ، وهو ملحظ تربوي مهم , ينبغي أن يراعيه العبد في تربية نفسه والآخرين.



 

رد مع اقتباس
قديم 02-07-2015   #7


مصراوي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1899
 تاريخ التسجيل :  27 - 04 - 2015
 العمر : 70
 أخر زيارة : 02-09-2020 (09:50 AM)
 المشاركات : 87,984 [ + ]
 التقييم :  246
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Cadetblue
رد: جوامع الكلم النبوي



الحياء لا يأتي إلا بخير



لحياء خلق الإسلام , وقرين الإيمان , ومفتاح كل خير , وهو من أعظم الأخلاق التي تنأى بالعبد عن الرذائل , وتحجزه عن الوقوع في سفاسف الأمور , كما أنه من أقوى البواعث على الفضائل , وطلب معالي الأمور , ومن الأحاديث الجامعة التي تحث على هذا الخلق العظيم , وتبين منزلته وآثاره , حديث أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى : إذا لم تستح فاصنع ما شئت ) رواه البخاري.
فهذه الوصية العظيمة بالحياء , مما أثر عن الأنبياء المتقدمين , وتوارثه الناس عنهم , وتداولوه فيما بينهم قرنا بعد قرن وجيلا بعد جيل , حتى وصلت إلى هذه الأمة .
وقوله عليه الصلاة والسلام ( إذا لم تستح فاصنع ما شئت ) قال بعض العلماء : إنه أمر جاء على سبيل التهديد والوعيد , فيكون المعنى إذا لم تستح من الله فاصنع ما شئت , فإنه سيجازيك ويحاسبك عليه , كقوله تعالى : { اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير } (فصلت 40) . ويحتمل أن يكون على سبيل الإخبار , ويكون المعنى أنك إذا فقدت الحياء فستفعل ما يحلو لك , ولن يكون هناك ما يمنعك من فعل القبائح بعد ضياع الحياء .
وحقيقة الحياء أنه خلق يبعث على ترك القبائح , ويمنع من التفريط في حق صاحب الحق , وهو مما ميز الله به الإنسان عن سائر المخلوقات , لكي لا ينساق وراء دواعي الشهوة , ونوازع الهوى , التي تدعوه إلى الوقوع فيما يُسْتَقْبَح , فإن البهائم هي التي تهجم على ما تشتهي دون حياء أو روِيَّة , ولذلك فإن بين اقتراف الذنوب وبين قلة الحياء وعدم الغيرة تلازم وارتباط وثيق , وكل منهما يدعو إلى الآخر , فإذا قل حياء المرء لم يبال بما اقترف من ذنوب , ومن عقوبات الذنوب نزع الحياء وقلته .
والحياء نوعان :
النوع الأول : حياء جِبِلِّيّ فطري : وهو ما كان فطرة وجبلة في الإنسان , وهو من أعظم النعم التي يمن الله بها على من يشاء من عباده , لأنه لا يأتي إلا بالخير للعبد , فإن بعض الناس قد يكف عن القبائح والمعاصي ابتداءً لما فطر عليه من الحياء , ومنه قوله عليه الصلاة والسلام لأشجِّ بني عصر : ( إن فيك خُلَّتين يحبهما الله عز وجل , قلت : ما هما ؟ قال : الحلم والحياء , قلت : أقديما كانتا فيَّ أم حديثا ؟ قال : بل قديما , قلت : الحمد لله الذي جبلني على خُلَّتين يحبهما الله عز وجل ) رواه أحمد .
النوع الثاني : حياء مكتسب : وهو من أعلى خصال الإيمان , ودرجات الإحسان , وهو الذي يمنع المؤمن من ارتكاب المعاصي خوفا من الله عز وجل , وهو الذي بينه النبي صلى الله عليه وسلم في حديث حسن رواه الترمذي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( استحيوا من الله حق الحياء , قلنا : يا رسول الله , إنا نستحيي والحمد لله , قال ليس ذاك , ولكن الاستحياء من الله حق الحياء , أن تحفظ الرأس وما وعى , والبطن وما حوى , ولتذكر الموت والبلى , ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا , فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء ) .
وإذا فقد العبد الحياء بنوعيه لم يبق له ما يمنعه من الوقوع في القبائح المعاصي , قال مالك بن دينار رحمه الله : "ما عاقب الله تعالى قلبا بأشد من أن يسلب منه الحياء " .
ومما يبعث على الحياء , ترادف نعم الله على العبد , وتوالي إحسانه إليه , فإن الكريم لا يقابل الإحسان بالإساءة , ولو تفكر العبد في نعم الله عليه لمنعه ذلك من عصيانه حياء منه , يقول الجنيد رحمه الله : " الحياء رؤية الآلاء ورؤية التقصير فيتولد بينهما حالة تسمى الحياء " , وإذا كان الواحد منا يستحيي ممن صنع إليه معروفا أن يقابله بالنكران والإساءة , فكيف لا يستحيي من ربه واهب النعم التي لا تحصى , وفي ذلك يقول القائل :
هــب الـبعث لم تأتـنا رُسْله وجـاحمة النار لم تُضرَمِ
أليس من الواجب المستحق حياء العباد من المنعم ؟!

والحياء منه الممدوح ومنه المذموم , وإنما يُعْرَفُ ذلك بثمرته , فإذا دعاك إلى الخير فهو المحمود , وإذا دعاك إلى غير ذلك , فهو العجز والخور والضعف والمهانة , وهو من خداع الشيطان وتلبيسه , كالحياء الذي يترتب عليه كتمان الحق , أو ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , أو القعود عن طلب العلم والدعوة إلى الله , وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشدَّ حياء من العذارء في خِدْرها , ومع ذلك لم يمنعه حياؤه من القيام بتكاليف الدين والدعوة والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خير قيام .
بذلك تكون هذه الوصية بالحياء قد جمعت الخير من أطرافه , فعلى المسلم أن يفهم معنى الحياء الشرعي , وأن يجعله خلقا وسلوكا في حياته , وإن كان قد جُبِل عليه فليحمد الله على هذه النعمة , وإن لم يكن فيه فليحرص على اكتسابه وتحصيله.



 

رد مع اقتباس
قديم 02-07-2015   #8


مصراوي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1899
 تاريخ التسجيل :  27 - 04 - 2015
 العمر : 70
 أخر زيارة : 02-09-2020 (09:50 AM)
 المشاركات : 87,984 [ + ]
 التقييم :  246
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Cadetblue
رد: جوامع الكلم النبوي



حديث جبريل الطويل



من الأحاديث العظيمة التي بين النبي صلى الله عليه وسلم فيها أصول الدين , حديث جبريل المشهور , عندما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم , على هيئة رجل يسأله ويستفتيه عن بعض المسائل الهامة , والحديث رواه الإمام مسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم , إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب , شديد سواد الشعر , لا يُرى عليه أثر السفر , ولا يعرفه منا أحد , حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم , فأسند ركبتيه إلى ركبتيه , ووضع كفيه على فخذيه.
وقال: يا محمد , أخبرني عن الإسلام ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله , وتقيم الصلاة , وتؤتي الزكاة , وتصوم رمضان , وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا ) . قال : صدقتَ , قال : فعجبنا له يسأله ويصدقه . قال : فأخبرني عن الإيمان ؟ قال : ( أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر , وتؤمن بالقدر خيره وشره ) . قال : صدقت . قال فأخبرني عن الإحسان ؟ قال : ( أن تعبد الله كأنك تراه , فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) . قال : فأخبرني عن الساعة ؟ قال : ( ما المسئول عنها بأعلم من السائل ) . قال : فأخبرني عن أمارتها ؟ قال : ( أن تلد الأمة ربَّتها , وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاءَ الشاء يتطاولون في البنيان ) . قال : ثم انطلق , فلبثتُ ملِيَّا , ثم قال لي : ( يا عمر , أتدري من السائل ؟ ) . قلت : الله ورسوله أعلم . قال : ( فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم ) .
فهذا الحديث قد اشتمل على بيان أصول الدين وقواعده , ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في آخره ( هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم ) , فجعل ما في هذا الحديث بمنزلة الدين كله .
الإسلام
بدأ جبريل بسؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام , والإسلام هو إظهار الخضوع للشريعة و التزام ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من عند ربه , وقد فسره النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بأعمال الجوارح الظاهرة , ومن هذه الأعمال ما هو بدني كالصلاة والصوم , ومنها ما هو مالي كإيتاء الزكاة , ومنها ما هو مركب منهما كالحج فهو عبادة مالية وبدنية .
الإيمان
وأما الإيمان فقد فسره النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بالأعمال الباطنة , فقال : أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله , والبعث بعد الموت , وتؤمن بالقدر خيره وشره , وهذه هي أصول الإيمان الخمسة التي ذكرها الله عز وجل في مواضع من كتابه , كقوله تعالى : { ومن يكفر بالله وملا ئكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيداً } (النساء 136). وقال سبحانه :{ إنا كل شيء خلقناه بقدر } (القمر 49) .
وإنما فرق النبي صلى الله عليه وسلم بين الإسلام والإيمان , فجعل الإسلام خاصا بأعمال الجوارح الظاهرة , وجعل الإيمان خاصا بالأعمال الباطنة , لاجتماع هذين الاسمين معاً في سياق واحد , فكان لكل واحد منهما معنى خاصا , وأما إذا ذكر كل واحد منهما على انفراد فإن أحدهما يدخل في الآخر , فيدخل في الإسلام الاعتقادات والأمور القلبية , كما قال عز وجل : { إن الدين عند الله الإسلام } (آل عمران 19) , وكذلك الإيمان إذا ذكر مفردا فإنه تدخل فيه أعمال الجوارح الظاهرة , قال صلى الله عليه وسلم : ( الإيمان بضع وسبعون شعبة , فأفضلها قول لا إله إلا الله , وأدناها إماطة الأذى عن الطريق , والحياء شعبة من الإيمان } أخرجه مسلم .
وأما الإيمان بالقدر فهو على أربع مراتب كما بين أهل العلم :
الأولى : مرتبة العلم , وهي الإيمان بأن الله تعالى سبق في علمه ما كان وما سيكون من أفعاله وأفعال عباده , وأن الله تعالى قد أحاط بكل شيء علما .
والثانية : مرتبة الكتابة , وهي الإيمان بأنه تعالى كتب في اللوح المحفوظ ما سيكون إلى يوم القيامة , وذلك قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة , وكان عرشه على الماء .
والثالثة : مرتبة المشيئة , وهي الإيمان بأن ما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن ، وأنه لا يخرج شيء في هذا الكون عن إرادته الكونية ومشيئته جل وعلا .
والمرتبة الرابعة : الخلق والإيجاد , وهي الإيمان بأن الله خالق كل شيء , فالعباد مخلوقون ، وأفعالهم مخلوقة , قال عز وجل : { والله خلقكم وما تعملون } (الصافات 37) وكل ما سوى الله مخلوق مفتقر إليه سبحانه وتعالى .
الإحسان
وأما درجة الإحسان فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن العبد لن يستطيع أن يصل إليها إلا بأن يعبد الله كأنه يعاينه وينظر إليه , فإنه إذا استحضر ذلك عند أداء العبادة , فلن يترك شيئا يقدر عليه من الخضوع والخشوع وحسن السمت واجتماع القلب والاعتناء بإتمام العبادة إلا أتى به , ومن شق عليه ذلك فليعبده عبادة من يعلم أن الله يراه ويطلع عليه , والمقصود هو الحث على الإخلاص في العبادة , ومراقبة الله عز وجل في السر والعلن , وهي درجة رفيعة ومقام عال , لا يصل إليه إلا القليل من الناس , وقد دل القرآن على هذا المعنى في مواضع متعددة كقوله تعالى : { وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه } ( يونس 61) .
علامات الساعة
ثم سأل جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة , فأخبره أن السائل والمسؤول علمهم عنها سواء , فالساعة علمها عند ربي في كتاب , وهي أحد مفاتيح الغيب الخمسة التي لا يعلمها إلا الله عز وجل , فسأله عن علاماتها فذكر له النبي صلى الله عليه وسلم علامتين :
العلامة الأولى : أن تلد الأمة ربتها وسيدتها , فإن السيد إذا وطئ أمته فأنجبت له أولادا كان هؤلاء الأولاد بمنزلة أبيهم في الحرية والسيادة , فكأنه صلى الله عليه وسلم يشير إلى أنه في آخر الزمان , ستفتح البلاد على المسلمين , ويكثر الرقيق والإماء حتى يكون للأمة أولاد من سيدها , فإذا وقع ذلك كان علامة على قرب الساعة ودنو أجلها .
العلامة الثانية : أن ترى الحفاة العراة الفقراء رعاة الغنم والشياة , الذين كانوا لا يملكون شيئا من حطام الدنيا , يتطاولون ويشيدون المباني العالية , مباهاة ومفاخرة , والمقصود أن الأسافل والأراذل يصيرون رؤساء على الناس , وأن الأمر سيوسد إلى غير أهله .
فمن تأمل هذا الحديث وجد أن قد اشتمل على شرح جميع وظائف العبادات الظاهرة والباطنة , من عقود الإيمان , وأعمال الجوارح , وإخلاص السرائر , والتحفظ من آفات الأعمال , فصلوات الله وسلامه على من أوتي جوامع الكلم .





 

رد مع اقتباس
قديم 02-07-2015   #9


مصراوي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1899
 تاريخ التسجيل :  27 - 04 - 2015
 العمر : 70
 أخر زيارة : 02-09-2020 (09:50 AM)
 المشاركات : 87,984 [ + ]
 التقييم :  246
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Cadetblue
رد: جوامع الكلم النبوي



إن لك ما احتسبت



يستطيع المؤمن أن يجعل لكل ثانية من عمره ثوابًا وأجرًا، وأن يجعل كل عمل من أعماله فضيلةً وبرًّا، إذا احتسب ذلك عند الله جل وعلا، فعن أبيّ بن كعب رضي الله عنه قال: كان رجل من الأنصار بيته أقصى بيت في المدينة، فكان لا تُخطئه الصلاة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: فتوجعنا له، فقلت له: يا فلان لو أنك اشتريت حمارا يقيك من الرمضاء ويقيك من هوام الأرض، قال: أما والله ما أحب أن بيتي مطَّنَبٌ ببيت محمد - صلى الله عليه وسلم -، قال: فحمَلتُ به حِملا حتى أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته، قال فدعاه، فقال له مثل ذلك وذكر له أنه يرجو في أثره الأجر، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( إن لك ما احتسبت ) رواه مسلم، أي لك أجر ما احتسبت.
هذا الحديث العظيم جامعٌ في باب الاحتساب، دالٌّ على أن من احتسب عملَه كُتبَ له أجر عملِه وأجر حِسْبته.
والمقصود بالاحتساب هو احتساب الأجر من الله تعالى عند القيام بعمل الطاعات أو العادات المباحة، فإذا استحضر الإنسان ذلك فإنه سيدفع عن نفسه خواطر السوء من السمعة والرياء وطلب المدح والثناء من الناس، إلى غير ذلك من الآفات التي تُحبط العمل أو تنقص الأجر، وكذلك تجعله يصبر على البلايا والمكاره عند وقوعها ويطلب الأجر من الله تعالى على ذلك.
صنوف الاحتساب
من صنوف الاحتساب وأنواعه ما يلي:
1- الصبر على المصيبة وتحمل البلاء:يتحصل العبد المؤمن على أجور عظيمة إذا صبر عند نزول البلاء به، يقول الله تعالى: {الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون} (البقرة: 156-157)، أي أن ذلك فعل المحتسبين الصابرين، وقد روى البخاري في صحيحه أن ابنة النبي - صلى الله عليه وسلم - أرسلت إليه تخبره أن ابنا لها قبض، فأرسل لها يقرئها السلام ويقول لها: ( إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكلٌ عنده بأجل مسمى، فلتصبر ولتحتسب )، وذلك حتى تحصل على أجر الصابرين.
2- إتقان العبادة وإجادتها: إذا استشعر المرء مراقبة الله جل وعلا فإن ذلك سيدفعه إلى الإحسان والقيام بالعبادة على أحسن وجه، ومن ذلك أن يسبغ الوضوء على المكاره، وأن يمشيَ في الظلم إلى المساجد، روى مسلم في صحيحه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ( إذا توضأ العبد المؤمن أو المسلم فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء - أو مع آخر قطر الماء -، فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كان بطشتها يداه مع الماء - أو مع آخر قطر الماء -، فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء - أو مع آخر قطر الماء - حتى يخرج نقيًّا من الذنوب )، وإنما يحصل له ذلك باستحضار النية واحتساب الأجر، ومثله أيضًا قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ) رواه أحمد ، وفيه أعظم حافز لكل داعية إلى الله جل وعلا أن يُخلِص في دعوته ويحرص على هداية الناس للخير، ويحتسب ذلك عند الله.
3- فعل أو ترك المباح بنية القُربة: يؤجر المرء على ما يفعله من المباحات إذا احتسب ذلك عند الله تعالى، روى البخاري في صحيحه أن معاذ بن جبل وأبا موسى الأشعري رضي الله عنهما تذاكرا قيام الليل، فقال أحدهما: "أما أنا فأقوم وأنام وأرجو في نومتي ما أرجو في قومتي" أي أنه يحتسب الأجر في نومه لكي يتقوى به على طاعة الله جل وعلا، وروى الإمام أبو داود في سننه عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ( إن الله عز وجل يُدخل بالسهم الواحد ثلاثةُ نفرٍ الجنة، صانعه يحتسب في صنعته الخير، والرامي به، ومُنبله )، وحين قال الصحابة للنبي - صلى الله عليه وسلم - : ( أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر، قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر) رواه مسلم، وأما ترك المباح من الشهوات (الطعام والشراب ونحوهما) فقد قيل للإمام أحمد: "يؤجر الرجل في ترك الشهوات؟ قال: كيف لا يُؤجر وابن عمر يقول: ما شبعت منذ ثلاثة أشهر".
4- اجتناب المعاصي والآثام: إذا ترك العبد المعصية امتثالاً لأمر الله وخوفًا من عقابه فإنه يؤجر على نيته، روى مسلم في صحيحه أن الملائكة قالت: ربِّ ذاكَ عبدك يريد أن يعمل سيئة - وهو أبصر به -، فقال: ( ارقبوه، فإن عملها فاكتبوها له بمثلها، وإن تركها فاكتبوها له حسنة، فإنما تركها من جرّاي ) أي تركها من أجلي.
ثمرات الاحتساب
الاحتساب يُعزِّز الإخلاص لله تعالى ويورث محبته، ويحوِّل العادات إلى عبادات، كما أنه يمنع تحول العبادات إلى عادات، ويدعوا إلى الصبر والتصبر، ويهوِّن المشاق ويلذِّذ المكاره، ويدفع الحزن ويجعل العبد راضيا بقضاء الله محسنا الظن به سبحانه وتعالى.
ومن الأسباب التي تدفع المرء للاحتساب: علمه بأجور العمل، وحرصه على مضاعفة الأجر، فالاحتساب تجارة المخلصين، وكلما علم العبد أجر العمل زاد احتسابه للعمل، كما أن الاحتساب يُكسب محبة الله تعالى، وكلما استشعر العبد محبة الله له في العبادة زاد من احتسابه لها وأدائها على الوجه الأكمل.
وإذا كانت رغبة المرء صادقة ولديه إرادة جازمة في اتخاذ الأسباب الدافعة للاحتساب، فإن الله جل وعلا يوفقه لذلك، قال تعالى: {ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها} (آل عمران: 145)، وقال تعالى: {ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا} (الإسراء: 19).



 

رد مع اقتباس
قديم 02-07-2015   #10


مصراوي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1899
 تاريخ التسجيل :  27 - 04 - 2015
 العمر : 70
 أخر زيارة : 02-09-2020 (09:50 AM)
 المشاركات : 87,984 [ + ]
 التقييم :  246
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Cadetblue
رد: جوامع الكلم النبوي



استعاذة النبي صلى الله عليه وسلم من علم لا ينفع



روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: لاَ أَقُولُ لَكُمْ إِلاَّ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ، كَانَ يَقُولُ: (اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ، وَالْهَرَمِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ، اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِى تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلاَهَا، اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لاَ يَنْفَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ لاَ يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لاَ تَشْبَعُ، وَمِنْ دَعْوَةٍ لاَ يُسْتَجَابُ لَهَا)، وروى الإمام الترمذي في جامعه من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ من أربع، وكان يقول: (اللهم إني أعوذ بك من قلبٍ لا يخشع، ونداء لا يسمع، ومن نفس لا تشبع، ومن علم لا ينفع).
لا شك أن العلم النافع هو العلم الذي ينفع صاحبه في الدنيا والآخرة، ومن علامات ذلك: أن يزهّده في التعلق بأحبال الدنيا، ويرغَّبه في الآخرة، ويحثه على طاعة الله تعالى وتقواه، ويبعد عنه أنواع الهموم والكَدَرِ، ولهذا ينبغي على المسلم أن يقصد من تعلّم العلم الأجر والثواب من الله تعالى، الأجر المترتب على تعلّم العلم وتعليمه، فمن تعلّم علماً من علوم الشرع فينبغي أن يعمل به، لأن الثمرة الحقيقية من العلم هي العمل، فالعالم الذي لا يعمل بما عنده من علمٍ، ولا يأتمر بأوامر الله تعالى، ولا ينتهي عن نواهيه ليس بعالم، وما يحمله من علم إنما هي مجرد معلومات، مثالها كمثال الشجرة التي لا تثمر، ذلك أن تحصيلَ العلوم إنما هو للانتفاع بها، فإذا لم يُنتفع به يكون وبالاً، ولذلك استعاذ منه صلى الله عليه وسلم.
أهمية طلب العلم
تكمن فائدة أي علم في العمل به، وحول هذا المعنى جاء عند الإمام الدارمي في مسنده من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال: (تعلموا العلم تعرفوا به، واعملوا به تكونوا من أهله) فإن العلمَ بدون العمل يكون حسرةً على صاحبه يوم القيامة، فالمسلم عندما يتعلَّم العلم ويعمل به فإن أعماله وعباداته تكون على بصيرة، أما إذا لم يعمل بما تعلّمه من علمٍ، فإن عِلمه يكون حجةً عليه، لا حجةً له، وقد يكون الجاهل أحسن منه حالاً، فلا يستوي العاصي الجاهل مع العاصي العالم، وقد نقل الحافظ ابن حجر في فتح الباري عن سفيان الثوري قوله: أولُ العلم الاستماع، ثم الإنصات، ثم الحفظ، ثم العمل، ثم النشر.
في هذا الحديث حثٌّ للأمة وتعليمٌ للمسلمين على اختيار وتعلم العلم النافع، ذلك أن معنى (علمٍ لا ينفع) أي: لا نفع فيه لصاحبه ولا لغيره، لا في الدنيا ولا في الآخرة، وهو العلم الذي لا يقترن به التقوى، وهو العلم لا يعمل به صاحبُه ولا يُعلّمه، هو العلم الذي لا يُساهم في تحسين أخلاق صاحبه وأقواله وأفعاله، هو العلم الذي لا يُحتاج إليه، ولا يوجد إذنٌ شرعيٌّ في تعلّمه، ولا تصل بركته إلى قلب صاحبه، ومثل عليه بعض العلماء بعلم النجوم أو الفلسفة أو السحر.
وينبغي على المسلم أن يتعوذ من كل علم لا ينفع؛ لأنه سيكون وبالاً على صاحبه، فإذا ترك المسلم ما أمر الله به وهو عالمٌ بحكمه، أو ارتكب ما نهاه الله عنه بعد أن بلغه النهي وعرفه، فهو ليس بعالمٍ، فإن العلم هو الخشية، فالذي يحمله الفسّاق والزنادقة والمنافقين من علوم الشرع ليس بعلم، وإن سماه الناس علماً، قال صلى الله عليه وسلم: (يحمل هذا العلم من كل خلفٍ عُدوله) أي إنما يحمل العلمَ الشرعي العدولُ من الناس، فإن من طلب العلم ليجاري به العلماء أو يماري به السفهاء، أو يصرف به وجوه الناس إليه، أدخله الله النار. إنما العلم النافع هو الذي يزيد في الخوف من الله تعالى، ويُنقص من الرغبة في الدنيا، وكل علم شرعي لا يوصل صاحبه إلى الإيمان بالله تعالى وحسن التوكل عليه، وزيادة الاهتمام بالآخرة، وترك التعلق بالدنيا فالجهل أفضل منه، وهو علم لا ينفع.

وقد يحتمل أن يكون هذا العلم نافعاً في نفسه وذاته، ولكن صاحبه لم ينتفع به، كالذي أتاه الله آياته فانسلخ منها، ومن هنا فقد تكون الاستعاذة من ميل النفس وحبها في تعلم أنماط هذه العلوم، التي لا تنفع، وقد تكون الاستعاذة متوجهة إلى النوع المقيد منه في قوله: أعوذ بك من عدم الانتفاع بالعلم. قال الإمام الشوكاني في نيل الأوطار: "إنما قيد العلم بالنافع، والرزق بالطيب، والعمل بالمتقبل، لأن كلّ علمٍ لا ينفع فليس من عمل الآخرة، وربما كان ذرائع الشقاوة"، ولهذا كان صلى الله عليه وسلم يتعوذ من علم لا ينفع، وكل رزق غير طيب موقعٌ في ورطة العقاب، وكل عمل غير متقبل إتعابٌ للنفس في غير طائل، اللهم إنا نعوذ بك من علم لا ينفع، ورزق لا يطيب، وعمل لا يتقبل.

ونقل صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ عن أبي طَالِب الْمَكِّيِّ قال: قَدْ اِسْتَعَاذَ صلى الله عليه وسلم مِنْ نَوْع مِنْ الْعُلُوم كَمَا اِسْتَعَاذَ مِنْ الشِّرْك وَالنِّفَاق وَسُوء الْأَخْلَاق، وَالْعِلْم الَّذِي لَمْ يَقْتَرِنْ بِهِ التَّقْوَى فَهُوَ بَاب مِنْ أَبْوَاب الدُّنْيَا وَنَوْع مِنْ أَنْوَاع الْهَوَى، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: اِعْلَمْ أَنَّ فِي كُلّ مِنْ الْقَرَائِن الْأَرْبَع مَا يُشْعِرُ بِأَنَّ وُجُودَهُ مَبْنِيّ عَلَى غَايَته وَأَنَّ الْغَرَض مِنْهُ تِلْكَ الْغَايَة وَذَلِكَ أَنَّ تَحْصِيل الْعُلُوم إِنَّمَا هُوَ لِلِانْتِفَاعِ بِهَا، فَإِذَا لَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ لَمْ يَخْلُص مِنْهُ كَفَافًا بَلْ يَكُونُ وَبَالًا، وَلِذَلِكَ اِسْتَعَاذَ.

ويمكن أن نحصي من أنواع العلوم التي لا تنفع تلك العلوم التي ليس لها ثمرة، فاليهود زمن النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل المثال كانوا يعلمون أن محمداً هو رسول الله، ولكن علمهم هذا لم ينفعهم حيث لم يعملوا بمقتضى الشهادتين، وإن كانوا يزعمون أنهم مؤمنون بالله، فلا ينفعهم إيمانهم بالله حتى يؤمنوا برسوله صلى الله عليه وسلم، فلا تُقبل إحدى الشهادتين دون الأخرى، فمن شهد أن لا إله إلا الله ولم يشهد أن محمداً رسول الله لم تُقبل منه هذه الشهادة.

ومن أهم مظاهر أو صفات العلم الذي لا ينفع أن تجد صاحبه يطلب الفخر والرفعة، والمنافسة في الدنيا، ويطلب مباهاة العلماء ومماراة السفهاء، ويسعى إلى صرف وجوه الناس إليه، وعدم قبول الحق والانقياد إليه، فليس العلم بكثرة الكلام أو إجادته، ولكنه نورٌ يُقذف في القلب، يميز به المسلم بين الحق والباطل.

أهم مواصفات العلماء من أهل العلم النافع
لا يحبون المدح ولا يسعدون به، ولا يتكبرون على الناس بعلمهم، ولا يحرصون على الوصول بعلمهم إلى أي من مناصب الدنيا، فإن حصل لهم من ذلك شيء، لا يغيرهم عن مقصدهم أو أهدافهم، التي تكمن في طلب رضا الله سبحانه والفوز بجنته والنجاة من ناره، وذلك الفوز العظيم، فالعلم النافع هو العلم الذي يتعلمه صاحبه ليرفع الجهل عن نفسه أولاً، ثم عن غيره ثانياً، ويعمل به ويعلّمه، أما إذا تعلم العلم من أجل الرياء والسمعة، أو من أجل أن يماري به السفهاء ويباهي به العلماء، فإنه على خطرٍ عظيم، وقد جاء الوعيد الشديد في حقه كما جاء في العديد من الأحاديث النبوية الشريفة.
ويعرف العلم النافع بدلالته على أمرين:
- تعظيم اللَه تعالى وإجلاله وخشيته وحسن التوكل عليه، والرضا بقضائه والصبر على بلائه.
- اتباع ما يحبه الله سبحانه تعالى ويرضاه من الاعتقادات والأقوال والأعمال.
فإذا أثمر العلم لصاحبه فهو علم نافع، فمتى كان العلم نافعاً ووقر في القلب أدى إلى خشوع القلب للَّه وانكساره له سبحانه، وذلّ هيبة وإجلالاً وخشية ومحبة وتعظيماً، ومن فاته ذلك وقع في الأربع التي استعاذ منها النبي صلى الله عليه وسلم، وصار علمه وبالاً وحجةً عليه، فلم ينتفع به.
قال ابن عطاء اللّه السكندري في الحِكم: "العلمُ النافعُ هو الذي يَنْبَسِط في الصدر شعاعُه، ويُكْشَفُ به عن القلبِ قناعُه، خَيرُ العلم ما كانت الخشيةُ مَعَه؛ والعلم إن قارَنَتْهُ الخشيةُ فَلَكَ؛ وإلا؛ فَعَلَيْكَ". يعني أن العلم النافع هو ما كان صاحبه ملازماً للخشية، وهي خوف مع إجلال ينشأ عنه العمل، وقد أثنى الله تعالى على العلماء بذلك فقال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} (فاطر: 28)، وأما العالم الذي لا خشية معه فليس عالماً على الحقيقة، خصوصاً إذا كان همه الجمع والادخار والمباهاة والاستكبار، فإن علم هذا حجةٌ عليه وسببٌ في جر وبال العقوبة إليه، لأنه لا يكون من ورثة الأنبياء إلا إذا كان بصفة المورث عنه من الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة وتمكن التقوى منه.



 

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
النبوي, الكلم, جوامع


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
من أطيب الكلم ابو يحيى قسم الصوتيات والفلاشات الاسلاميه 2 31-05-2015 09:50 PM
من جوامع الكلم فى فضائل العمل ابو يحيى منتدى الحديث والسنة النبوية الشريفة 10 09-02-2015 10:47 PM
أُعْطِيتُ جوامع الكلم خديج المنتدى الاسلامي العام 1 31-01-2014 10:03 PM
*أُعْطِيتُ جوامع الكلم .. ابو يحيى المنتدى الاسلامي العام 2 28-01-2014 04:53 PM
من روائع الكلم ..من تجميعي ابو يحيى المنتدى الاسلامي العام 9 09-05-2012 06:07 PM

Facebook Comments by: ABDU_GO - شركة الإبداع الرقمية

الساعة الآن 08:03 AM

أقسام المنتدى

الاقسام العامة | المنتدى الاسلامي العام | المنتدى العام | منتدى الترحيب والتهاني | الاقسام الرياضية والترفيهية | العاب ومسابقات | الافلام ومقاطع الفيديو | منتدى الرياضة المتنوعة | الاقسام التقنية | الكمبيوتر وبرامجه | الجوالات والاتصالات | الفلاش والفوتوشوب والتصميم | منتدى التربية والتعليم | قسم خدمات الطالب | تعليم البنين والبنات | ملتقــــى الأعضـــــاء (خاص باعضاء المنتدى) | المرحله المتوسطه | منتدى الحقلة الخاص (حقلاويات) | منتدى الاخبار المحلية والعالمية | اخبار وشـؤون قرى الحقلة | اخبار منطقة جازان | الاقسام الأدبية والثقافية | الخواطر وعذب الكلام | منتدى الشعر | عالم القصة والروايات | اخبار الوظائف | منتديات الصحة والمجتمع | منتدى الصحة | منتدى الأسرة | منتدى السيارات | منتدى اللغة الانجليزية | منتدى الحوار والنقاشات | منتدى التراث والشعبيات والحكم والامثال | منتدى التعليم العام | منتدى السفر والسياحة | الثقافه العامه | منتدى تطوير الذات | كرسي الإعتراف | منتدى عالم المرأة | عالم الطفل | المطبخ الشامل | منتدى التصاميم والديكور المنزلي | المكتبة الثقافية العامة | شعراء وشاعرات المنتدى | مول الحقلة للمنتجات | الخيمة الرمضانية | المـرحلـة الابتدائيـة | استراحة وملتقى الاعضاء | المرحله الثانويه | الصور المتنوعة والغرائب والعجائب | المنتدى الاسلامي | منتدى القرآن الكريم والتفسير | سير نبي الرحمة واهم الشخصيات الإسلامية | قصص الرسل والانبياء | قسم الصوتيات والفلاشات الاسلاميه | اخبار مركز القفل | منتدى الابحاث والاستشارات التربوية والفكرية | افلام الانمي | صور ومقاطع فيديو حقلاويات | البلاك بيري / الآيفون / الجالكسي | بوح المشاعر وسطوة القلم(يمنع المنقول ) | مناسك الحج والعمرة | منتدى | ارشيف مسابقات المنتدى | منتدى الحديث والسنة النبوية الشريفة | المنتدى الاقتصادي | منتدى عالم الرجل | اعلانات الزواج ومناسبات منتديات الحقلة | تراث منطقـة جــــازان | كرة القدم السعوديه | منتدى الرياضة | كرة القدم العربيه والعالمية | ديـوان الشـاعـر عمـرين محمـد عريشي | ديـــوان الشــاعـر عـبدة حكمـي | يوميات اعضاء منتديات الحقلة | تصاميم الاعضاء | دروس الفوتوشوب | ارشيف الخيمة الرمضانية ومناسك الحج والعمرة الاعوام السابقة | منتدى الاخبار | نبض اقلام المنتدى | ديـــوان الشــاعـر علـي الـدحيمــي | الاستشارات الطبية | الترحيب بالاعضاء الجدد | قسم الاشغال الايدويه | قسم الاشغال اليدويه | مجلة الحقله الالكترونيه | حصريات مطبخ الحقله | ديوان الشاعر ابوطراد |



Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
TranZ By Almuhajir
Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

Ramdan √ BY: ! Omani ! © 2012
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
Forum Modifications Developed By Marco Mamdouh
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.

جميع المواضيع والمُشاركات المطروحه في منتديات الحقلة تُعبّر عن ثقافة كاتبها ووجهة نظره , ولا تُمثل وجهة نظر الإدارة , حيث أن إدارة المنتدى لا تتحمل أدنى مسؤولية عن أي طرح يتم نشره في المنتدى

This Forum used Arshfny Mod by islam servant