خديجة بنت خويلد بن أسد القرشية (68 ق.هـ - 3 ق.هـ/ 556م - 620م) أم المؤمنين وأولى زوجات النبي محمد وأم كل أبنائه ما عدا ولده إبراهيم،[1] عاشت خديجة مع النبي فترة ما قبل البعثة، وكانت تستشعر نبوة زوجها، فكانت تعتني ببيتها وأبنائها، وتسير قوافلها التجارية، وتوفر للنبي مُؤونته في خلوته عندما كان يَعتَكف ويَتعَبد في غار حراء، وعندما أنزل الله وحيه على النبي كانت خديجة أول من صدقته فيما حَدّث، وذهبت به إلى ابن عمها ورقة بن نوفل الذي بَشَّره بأنه نبي الأُمّة، فكانت أول من آمن بالنبي من الرجال والنساء، وأول من توضأ وصلّى،[2] وظلت بعد ذلك صابرة مُصابرة مع الرسول في تكذيب قريش وبطشها بالمسلمين، حتى وقع حصار قريش على بني هاشم وبني المطلب في شِعب أبي طالب، فالتحقت بزوجها في الشِعب، وعانت ما عاناه بنو هاشم من جوع ومرض مدة ثلاث سنين، وبعد أن فُك الحصار عن الرسول ومن معه مرضت خديجة، وما لبثت أن توفيت بعد وفاة عم النبي أبي طالب بن عبد المطلب بثلاثة أيام وقيل بأكثر من ذلك، في شهر رمضان قبل هجرة الرسول بثلاث سنين عام 629م وعمرها خمس وستون سنة، وكان مقامها مع الرسول بعدما تزوجها أربعاً وعشرين سنة وستة أشهر، ودفنها الرسول بالحجون (مقبرة المعلاة).
تحظى خديجة بنت خويلد بمكانة كبيرة ومنزلة عظيمة عند جميع الطوائف الإسلامية،[1][3] فقد روى أبو هريرة: «قال رسول الله: خير نساء العالمين أربع: مريم بنت عمران، وابنة مزاحم امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد»،[4] وأتى جبرائيل إلى النبي مرة فقال: «يا رسول الله، هذه خديجة قد أتتك معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربّها عزّ وجل ومنّي، وبشّرها ببيت في الجنّة من قصب لا صخب فيه ولا نَصَب».
فهي أول من آمنت به، وهي حصنه الداخلي، وركنه الشديد، وكانت بمثابة الوزير الصادق له، والرفيق الساعي له، تخفف عنه، وتواسيه ، وتسعى في قضاء حوائجه، وكانت – رضي الله عنها – قد أكرمت رسول الله بالعمل الكريم في تجارتها، وتزوجته – رضي الله عنه – رغم فقره، وأسكنته بيتها حيث لا بيت له يملكه ، وكانت تُنفق على رسول الله من مالها حين تفَرغ لأمر الرسالة، وآمنت به حين كفر الناس، وصدّقته حين كذبه الناس، وآوته حين طرده الناس .
فإذا دخل بيته إليها – بعد يوم شاق في الدعوة والتلبيغ – سرعان ما ينسى الألم والحزن، إذا تمسح بيدها الحانية على قلبه . وكانت – رضي الله عنها – امرأة حاذقة صَنَاعٌ في إدخال السرور على زوجها والتخفيف عنه . ولقد ضُرب بها المثل في طهارتها، وضُرب بها المثل في حكمتها وضُرب بها المثل في حصافتها.
الطُهر والعفة:
أما طهارتها، فقد كان لقبها في الجاهلية " الطاهرة "
والمرأة التي تحمل هذا اللقب في مجتمع جاهلي أكلته الفواحش، وجازت فيه الدعارة، واشتهرت فيه البغايا .. لهي امرأة بلغت من العفة والنقاء مبلغًا رفيعًا؛ أهْلَهَا لهذا الاصطفاء الرباني، أن اختارها الله زوجةً لخاتم الأنبياء .
ولله در العفة، بَلَّغَت أهلها الدرجات العلى !
الحكمة :
وأما حكمتها فهي صاحبة قولة تُعد من أبلغ ما دونه العرب في الحكمة، تلك التي قالت فيها - مخففة من خشية رسول الله على نفسه يوم نزلت " اقرأ " –
" كَلَّا أَبْشِرْ فَوَاللَّهِ لَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا فَوَاللَّهِ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ وَتَحْمِلُ الْكَلَّ وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ وَتَقْرِي الضَّيْفَ وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ "[ البخاري : 4572]، ثم انطلقت تمشي به إلى ورقة بن نوفل – وكان عالمًا بالأديان - ، لتَحُلَ لزوجها اللغز الذي أُشكل عليه في أمر النبوة. ولم تكن بالمرأة السلبية التي لا تبالي بشؤون زوجها .
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك