( حوارٌ مع ابني حذيفة في يومه الخامس والعشرين من عمره قبل أن يبلغ شهراً )
وأنا في الطريق إلى البيت راجعٌ من العمل تخيلت ابني حذيفة وهو لابسٌ عمامة ً بيضاء ، وثوبا ً صوفيا ً فضفاضا ً ، وحول خصره قطعة من قماش بنية ، وفي يده عصا من شجر السمر يتكأ عليها .
طرق الباب وفتحت له وجدته متغيرا ً شاحب الوجه يذرف بعض الدمعات ، فدار بيننا هذا الحوار :
محمد " الوالد " : ما بالك يا ولدي ! هكذا شاحب الوجه تذرف الدمع .
حذيفة : يا أبتي لـِم َ ألبستني العمامة والثوب الفضفاض .
محمد : أريد أن أصنع منك رجلاً أصيلاً يا ولدي !
حذيفة : خرجت إلى الدنيا ي أبي ووجدت أناسا ً يحدقون النظر فيَّ .
من أي عصر هذا قادم ٌ ؟
انظروا لباسه عمامة وثواباً فضفاضاً و شعراً كثيفاً ، و عصا يتكأ عليها .
وأنا أراهم يلبسون سراويل " برميده .. طيحني .. جنز .. "
أبي سألني أحدهم وقال : ما اسمك ؟
أجبته : حذيفة بن محمد .
ضحكوا بسخرية شديدة .. قلت : ما يضحككم ؟
قالوا اسمك .
قلت لأحدهم : ما اسمك أنت ؟ قال " جورج " .. وقال أخر اسمي " وسيم " يا أبي أجدني أخرج فأستحي من نظرات الناس حولي .
محمد : حذيفة يا ولدي ، لا عليك .
أسميتك حذيفة على صحابي جليل وصاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم " حذيفة بن اليمان "
ولدي . ألبستك العمامة لأنها كانت لبس الرجال عمامة و ثوباً فضفاضاً ، لتقتدي بهم .
أما " طيحني " يا ولدي و " البرميدة " لباس الغرب .
حذيفة : و لماذا يا أبي أسميت أختي " فاطمة " ولم تختار لها اسماً لا معاً يناسب هذا العصر ؟ مثل : جمانا ... أو دارين ...
محمد : أختك " فاطمة " مثل جدتها وهي أغلى إنسانة لها الفضل علي في تربيتي حتى أصبحت رجلاً .
و أيضاً محمد صلى الله عليه وسلم أسمى ابنته فاطمة ، و قدوتنا .
سكت حذيفة . ثم بكى بكاءً شديداً .
محمد : ولدي حذيفة . مالك ! تكلم . أجبني ...
حذيفة : أبي ! أتذكر ذلك اليوم ! أعني الجمعة الخامس من شهر ذي الحجة عصراً عندما أذنت في أذني ؟
محمد : نعم ، أسعد الأيام يا ولدي عند أبيك و هو يستقبلك أنت وأختك .
حذيفة : لكن يا أبي لم تجدني أضحك ، و إنما أبكي يا أبي .
محمد : نعم . هكذا الأطفال يا ولدي دوماً يبكون .
حذيفة : أما أنا يا أبي كنت أبكي خوفاً من الدنيا ، وخاصة هذا الزمن الأليم .
أبي أريد دشاً وقنوات فضائية أتسلى بمشاهدتها حتى لا أخرج ويضحك مني الآخرون .
محمد : ل. يا ولدي ، الفضائيات لا تتناسب مع العمامة .
حذيفة : و ما يناسبها يا أبي ؟
محمد : يناسبها ! أني سوف ألحقك بحلقة عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه كي تحفظ القرآن .
حذيفة : أختي ( فاطمة ) ماذا سوف تلبسها ؟
محمد : فاطمة يا ولدي أيضاً سوف نفتح داراً للفتاة وسوف تلتحق بها ، و ألبسها العباءة و الشراب و القفاز وإذا ( مت ُ ) أنت سوف تعلمها و تحرص عليها .
حذيفة : وإذا أرادت أن تلبس ثوباً عرياناً أو ثوباً عصرياً .
محمد : يا ولدي انصحها ، ثم ازجرها .
حذيفة : جارنا مات وورث لأبنائه عقارات وأموالاً طائلة .
محمد : و أنا سأورث لك أغلى منها و أكثر يا ولدي .
حذيفة : حقاً يا أبي .
محمد : نعم يا ولدي سأورث لك ، مصحفاً ومكتبة صغيرة تأوي إليها .
لأن الإنسان إذا مات انقطع عمله إلا من ثلاث منها : ( ولد صالح يدعو له )
حذيفة : أبي ، لا أستطيع وحدي أن أقاوم هذا العصر ، عصر العولمة و الانفتاح .
هل أستطيع بعمامتي هذه أن أقاوم ؟
محمد : نعم . يا ولدي في ظل القرآن ، والتمسك بتعاليم الدين ، وبدعاء والديك أن تكون صالحاً .
أبو حذيفة
أ. محمد أحمد عاتي
29 / 12 / 1428هـ
( * ) هذا حوارٌ يعالج قضية اجتماعية هي صعوبة تربية الأبناء في ظل عصر الفضائيات وتلاطم الفتن و الانفتاح .
أسأل الله الهداية لكل أبناء المسلمين .
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك