انا جايب لكم قصة ((النبي شعيب-عليه الصﻼه والسﻼم)) واتمنى ان تستفيدو منها..دعوه شعيب ((عليه السﻼم)):لقد برز في قصة شعيب أن الدين ليس قضية توحيد وألوهية فقط، بل إنه كذلك أسلوب لحياة الناس.. أرسل الله تعالى شعيبا إلى أهل مدين. فقال شعيب (يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُه) نفس الدعوة التي يدعوها كل نبي.. ﻻ تختلف من نبي إلى آخر.. ﻻ تتبدل وﻻ تتردد. هي أساس العقيدة.. وبغير هذه اﻷساس يستحيل أن ينهض بناء.بعد تبيين هذا اﻷساس.. بدأ شعيب في توضيح اﻷمور اﻻخرى التي جاءت بها دعوته (وَﻻَ تَنقُصُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّيَ أَرَاكُم بِخَيْرٍ وَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ) بعد قضية التوحيد مباشرة.. ينتقل النبي إلى قضية المعامﻼت اليومية.. قضية اﻷمانة والعدالة.. كان أهل مدين ينقصون المكيال والميزان، وﻻ يعطون الناس حقهم.. وهي رذيلة تمس نظافة القلب واليد.. كما تمس كمال المروءة والشرف، وكان أهل مدين يعتبرون بخس الناس أشياءهم.. نوعا من أنواع المهارة في البيع والشراء.. ودهاء في اﻷخذ والعطاء.. ثم جاء نبيهم وأفهمهم أن هذه دناءة وسرقة.. أفهمهم أنه يخاف عليهم بسببها من عذاب يوم محيط.. انظر إلى تدخل اﻹسﻼم الذي بعث به شعيب في حياة الناس، إلى الحد الذي يرقب فيه عملية البيع والشراء. قال: (وَيَا قَوْمِ أَوْفُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَﻻَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَﻻَ تَعْثَوْاْ فِي اﻷَرْضِ مُفْسِدِينَ) لم يزل شعيب ماضيا في دعوته.. ها هو ذا يكرر نصحه لهم بصورة إيجابية بعد صورة النهي السلبية..إنه يوصيهم أن يوفوا المكيال والميزان بالقسط.. بالعدل والحق.. وهو يحذرهم أن يبخسوا الناس أشيائهم.*لنتدبر معا في التعبير القرآني القائل: (وَﻻَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ) كلمة الشيء تطلق على اﻷشياء المادية والمعنوية.. أي أنها ليست مقصورة على البيع والشراء فقط، بل تدخل فيها اﻷعمال، أو التصرفات الشخصية. ويعني النص تحريم الظلم، سواء كان ظلما في وزن الفاكهة أو الخضراوات، أو ظلما في تقييم مجهود الناس وأعمالهم.. ذلك أن ظلم الناس يشيع في جو الحياة مشاعر من اﻷلم واليأس والﻼمباﻻة، وتكون النتيجة أن ينهزم الناس من الداخل، وتنهار عﻼقات العمل، وتلحقها القيم.. ويشيع اﻻضطراب في الحياة.. ولذلك يستكمل النص تحذيره من اﻹفساد في اﻷرض: (وَﻻَ تَعْثَوْاْ فِي اﻷَرْضِ مُفْسِدِينَ) العثو هو تعمد اﻹفساد والقصد إليه فﻼ تفسدوا في اﻷرض متعمدين قاصدين (بَقِيَّةُ اللّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ).. ما عند الله خير لكم.. (إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ).*بعدها يخلي بينهم وبين الله الذي دعاهم إليه.. ينحي نفسه ويفهمهم أنه ﻻ يملك لهم شيئا.. ليس موكﻼ عليهم وﻻ حفيظا عليهم وﻻ حارسا لهم.. إنما هو رسول يبلغهم رساﻻت ربه: (وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ) بهذا اﻷسلوب يشعر شعيب قومه بأن اﻷمر جد، وخطير، وثقيل.. إذ بين لهم عاقبة إفسادهم وتركهم أمام العاقبة وحدهم.رد قوم شعيب:كان هو الذي يتكلم.. وكان قومه يستمعون.. توقف هو عن الكﻼم وتحدث قومه: (قَالُواْ يَا شُعَيْبُ أَصَﻼَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) كان أهل مدين كفارا يقطعون السبيل، ويخيفون المارة، ويعبدون اﻷيكة.. وهي شجرة من اﻷيك حولها غيضة ملتفة بها.. وكانوا من أسوأ الناس معاملة، يبخسون المكيال والميزان ويطففون فيهما، ويأخذون بالزائد ويدفعون بالناقص.. انظر بعد هذا كله إلى حوارهم مع شعيب: (قَالُواْ يَا شُعَيْبُ أَصَﻼَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا)... ؟*بهذا التهكم الخفيف والسخرية المندهشة.. واستهوال اﻷمر.. لقد تجرأت صﻼة شعيب وجنت وأمرته أن يأمرهم أن يتركوا ما كان يعبد آباؤهم.. ولقد كان آباؤهم يعبدون اﻷشجار والنباتات.. وصﻼة شعيب تأمرهم أن يعبدوا الله وحده.. أي جرأة من شعيب..؟ أو فلنقل أي جرأة من صﻼة شعيب..؟ بهذا المنطق الساخر الهازئ وجه قوم شعيب خطابهم إلى نبيهم.. ثم عادوا يتساءلون بدهشة ساخرة: (أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء) تخيل يا شعيب أن صﻼتك تتدخل في إرادتنا، وطريقة تغصرفنا في أموالنا.. ما هي عﻼقة اﻹيمان والصﻼة بالمعامﻼت المادية؟*بهذا التساؤل الذي ظنه قوم شعيب قمة في الذكاء.. طرحوا أمامه قضية اﻹيمان، وأنكروا أن تكون لها عﻼقة بسلوك الناس وتعاملهم واقتصادهم. هذه المحاولة للتفريق بين الحياة اﻻقتصادية واﻹسﻼم، وقد بعث به كل اﻷنبياء، وإن اختلفت أسماؤه.. هذه المحاولة قديمة من عمر قوم شعيب. لقد أنكروا أن يتدخل الدين في حياتهم اليومية، وسلوكهم واقتصادهم وطريقة إنفاقهم ﻷموالهم بحرية.. إن حرية إنفاق المال أو إهﻼكه أو التصرف فيه شيء ﻻ عﻼقة له بالدين.. هذه حرية اﻹنسان الشخصية.. وهذا ماله الخاص، ما الذي أقحم الدين على هذا وذاك؟.. هذا هو فهم قوم شعيب لﻺسﻼم الذي جاء به شعيب، وهو ﻻ يختلف كثيرا أو قليﻼ عن فهم عديد من اﻷقوام في زماننا الذي نعيش فيه. ما لﻺسﻼم وسلوك اﻹنسان الشخصي وحياتهم اﻻقتصادية وأسلوب اﻹنتاج وطرق التوزيع وتصرف الناس في أموالهم كما يشاءون..؟ ما لﻺسﻼم وحياتنا اليومية..؟ثم يعودون إلى السخرية منه واﻻستهزاء بدعوته (إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) أي لو كنت حليما رشيدا لما قلت ما تقول.أدرك شعيب أن قومه يسخرون منه ﻻستبعادهم تدخل الدين في الحياة اليومية.. ولذلك تلطف معهم تلطف صاحب الدعوة الواثق من الحق الذي معه، وتجاوز سخريتهم ﻻ يباليها، وﻻ يتوقف عندها، وﻻ يناقشها.. تجاوز السخرية إلى الجد.. أفهمهم أنه على بينة من ربه.. إنه نبي يعلم وهو ﻻ يريد أن يخالفهم إلى ما ينهاهم عنه، إنه ﻻ ينهاهم عن شيء ليحقق لنفسه نفعا منه، إنه ﻻ ينصحهم باﻷمانة ليخلوا له السوق فيستفيد من التﻼعب.. إنه ﻻ يفعل شيئا من ذلك.. إنما هو نبي.. وها هو ذا يلخص لهم كل دعوات اﻷنبياء هذا التلخيص المعجز: (إِنْ أُرِيدُ إِﻻَّ اﻹِصْﻼَحَ مَا اسْتَطَعْتُ) إن ما يريده هو اﻹصﻼح.. هذه هي دعوات اﻷنبياء في مضمونها الحقيقي وعمقها البعيد.. إنهم مصلحون أساسا، مصلحون للعقول، والقلوب، والحياة العامة، والحياة الخاصة.بعد أن بين شعيب عليه السﻼم لقومه أساس دعوته، وما يجب عليهم اﻻلتزام به، ورأى منهم اﻻستكبار، حاول إيقاض مشاعرهم بتذكيرهم بمصير من قبلهم من اﻷمم، وكيف دمرهم الله بأمر منه. فذكرهم قوم نوح، وقوم هود، وقوم صالح، وقوم لوط. وأراهم أن سبيل النجاة هو العودة لله تائبين مستغفرين، فالمولى غفور رحيم.*تحدي وتهديد القوم لشعيب:لكن قوم شعيب أعرضوا عنه قائلين: (قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا) إنه ضعيف بمقياسهم. ضعيف ﻷن الفقراء والمساكيهم فقط اتبعوه، أما علية القوم فاستكبروا وأصروا على طغيانهم. إنه مقياس بشري خاطئ، فالقوة بيد الله، والله مع أنبياءه. ويستمر الكفرة في تهديهم قائلين: (وَلَوْﻻَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ) لوﻻ أهلك وقومك ومن يتبعك لحفرنا لك حفرة وقتلناك ضربا بالحجارة.*نرى أنه عندما أقام شعيب -عليه السﻼم- الحجة على قومه، غيروا أسلوبهم، فتحولوا من السخرية إلى التهديد. وأظهروا حقيقة كرههم له. لكن شعيب تلطف معهم.. تجاوز عن إساءتهم إليه وسألهم سؤاﻻ كان هدفه إيقاظ عقولهم: (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ اللّهِ) يا لسذاجة هؤﻻء. إنهم يسيئون تقدير حقيقة القوى التي تتحكم في الوجود.. إن الله هو وحده العزيز.. والمفروض أن يدركوا ذلك.. المفروض أﻻ يقيم اﻹنسان وزنا في الوجود لغير الله.. وﻻ يخشى في الوجود غير الله.. وﻻ يعمل حسابا في الوجود لقوة غير الله .. إن الله هو القاهر فوق عباده.ويبدو أن قوم شعيب ضاقوا ذرعا بشعيب. فاجتمع رؤساء قومه. ودخلوا مرحلة جديدة من التهديد.. هددوه أوﻻ بالقتل، وها هم أوﻻء يهددونه بالطرد من قريتهم.. خيروه بين التشريد، والعودة إلى ديانتهم وملتهم التي تعبد اﻷشجار والجمادات.. وأفهمهم شعيب أن مسألة عودته في ملتهم مسألة ﻻ يمكن حتى التفكير بها فكيف بهم يسألونه تنفيذها. لقد نجاه الله من ملتهم، فكيف يعود إليها؟ أنه هو الذي يدعوهم إلى ملة التوحيد.. فكيف يدعونه إلى الشرك والكفر؟ ثم أين تكافؤ الفرص؟ أنه يدعوهم برفق ولين وحب.. وهم يهددونه بالقوة.*واستمر الصراع بين قوم شعيب ونبيهم.. حمل الدعوة ضده الرؤساء والكبراء والحكام.. وبدا واضحا أن ﻻ أمل فيهم.. لقد أعرضوا عن الله.. أداروا ظهورهم لله. فنفض شعيب يديه منهم. لقد هجروا الله، وكذبوا نبيه، واتهموه بأنه مسحور وكاذب.. فليعمل كل واحد.. ولينتظروا جميعا أمر الله.*هﻼك قوم شعيب:وانتقل الصراع إلى تحد من لون جديد. راحوا يطالبونه بأن يسقط عليهم كسفا من السماء إن كان من الصادقين.. راحوا يسألونه عن عذاب الله.. أين هو..؟ وكيف هو..؟ ولماذا تأخر..؟ سخروا منه.. وانتظر شعيب أمر الله.أوحى الله إليه أن يخرج المؤمنين ويخرج معهم من القرية.. وخرج شعيب.. وجاء أمره تعالى:وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مَّنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (94) كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا أَﻻَ بُعْدًا لِّمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ (94) (هود)هي صيحة واحدة.. صوت جاءهم من غمامة أظلتهم.. ولعلهم فرحوا بما تصوروا أنها تحمله من المطر.. ثم فوجئوا أنهم أمام عذاب عظيم ليوم عظيم.. انتهى
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك