درس الفقه: حكم من مات وعليه صيام:
قال أهل العلم: إن مَن مات وعليه فوائت من الصلاة، فإن وليه أو غيره لا يصلي عنه، وكذلك الذي يعجِز عن الصيام لا يصوم عنه أحد أثناء حياته.
فإذا مات وعليه صيام أيامٍ لم يتمكن من صيامها قبل موته، فقد اختلف الفقهاء في حكمه:
يرى الإمام الشافعي وأحمد: أنه يستحب لوليه أن يصوم عنه، ويجوز من الأجنبي إذا أذن الولي.
ودليلهم:
• عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((مَن مات وعليه صيامٌ صام عنه وليه))[16].
• عن ابن عباسٍ، قال: جاءت امرأةٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن أختي ماتت وعليها صيام شهرين متتابعين، قال: ((أرأيتِ لو كان على أختك دَينٌ، أكنت تقضينه؟!))، قالت: بلى،قال: ((فحقُّ الله أحقُّ))[17].
فهذان حديثان قويان للاستدلال على من يرى صيام الولي عن الميت.
أما أبو حنيفة ومالك، وقول للشافعي: فيرون أن وليه لا يصوم عنه، بل يطعم عن كل يوم مُدًّا.
ودليلهم:
• الصيام عبادة بدينة، لا تقبل النيابة.
• عن عائشة أنها قالت: "لا تصوموا عن موتاكم، وأطعموا عنهم"[18].
• عن ابن عباسٍ قال: "إذا مرض الرجل في رمضان، ثم مات ولم يصُمْ، أطعم عنه، ولم يكن عليه قضاءٌ، وإن كان عليه نذرٌ قضى عنه وليه"[19].
ويجمَع الإمام النووي بين المذهبين، فيقول: "وللشافعي في المسألة قولان مشهوران: أشهرهما: لا يصام عنه، ولا يصح عن ميت صوم أصلًا، والثاني: يستحب لوليه أن يصوم عنه، ويصح صومه عنه، ويبرأ به الميت، ولا يحتاج إلى إطعام عنه، وهذا القول هو الصحيح المختار الذي نعتقده، وأما الحديث الوارد: (من مات وعليه صيام، أطعم عنه)، فليس بثابت، ولو ثبت أمكن الجمع بينه وبين هذه الأحاديث بأن يحمل على جواز الأمرين؛ فإن مَن يقول بالصيام يجوز عنده الإطعام، فثبت أن الصواب المتعين تجويز الصيام، وتجويز الإطعام، والولي مخيَّر بينهما"[20].
وعليه: فالمسألة مختلَف فيها بين الأئمة الأربعة؛ فلولي الميت أن يرى ماذا يفعل، وله أن يختار الصوم أو الإطعام، والإمام النووي يرجح قضاء الصيام، المهم في المسألة إبراء ذمة الميت، وأداء حق الله.
والله أعلم.
نصْبُ الخِيام في دُروسِ رَمَضَانَ وأَحْكَامِ الصِّيَام لفضيلة الشيخ: أحمد علوان، دار الصفوة بالقاهرة
[1] ابن ماجه (4080)، وصححه الأرناؤوط.
[2] البخاري (6639)، مسلم (1654).
[3] أخذتها عن عدد من العلماء والدعاة، لكن لم أجد لها مصدرًا، وقد يستأنس بها في هذا المقام.
[4] انظر: تهذيب الأسماء واللغات، للإمام النووي، (ج1، ص267)، دار الكتب العلمية، بيروت.
[5] أبو داود (1308)، والنسائي (1610)، وابن ماجه (1336)، ومسند أحمد (7410).
[6] شعب الإيمان للبيهقي (1938)، وذكره الألباني في صحيح الجامع (720).
[7] مسلم (767).
[8] البخاري (990) مسلم (749).
[9] مسلم (756).
[10] البخاري (998)، مسلم (751).
[11] مسلم (746).
[12] سنن الترمذي (447)، وصححه الألباني.
[13] مسلم (757).
[14] مسلم (787).
[15] إحياء علوم الدين، (ج1، ص356) باختصار.
[16] البخاري (1952) مسلم (1147).
[17] السنن الكبرى للنسائي (2926)، سنن ابن ماجه (1758)، وصححه الأرناؤوط.
[18] السنن الكبرى للبيهقي (8232).
[19] أبو داود (2401)، وقال الأرناؤوط: إسناده صحيح موقوفًا.
[20] شرح النووي على مسلم (ج8، ص25، 26) باختصار.
الالوكة