كثير من عامة الناس يحافظون على العبادات في أيام رمضان، و كأنهم يستنكرون أن
يتركوا العبادتين: الصوم و الصلاة، أو يفعلوا عبادة دون عبادة.
فتراهم يستنكرون أن يتركوا الصوم و الصلاة، و يستنكرون أن يؤدوا الصوم دون
الصلاة، أو يفعلوا شيئاً من المحرمات.
تجدهم في رمضان يتوبون و لكن توبة مؤقتة، فهم في أنفسهم عازمون على العودة
إلى المعاصي. ففي رمضان يحافظون على الصلاة، و يتوبون عن الخمر أو عن
الدخان مثلاً، أو عن الاستماع إلى الأغاني و الملهيات و نحو ذلك، أو عن بعض
الشعارات الباطلة أو عن الصور الخليعة، أو ما أشبه ذلك، و لكن يحدثون أنفسهم
أنهم بعد شهر رمضان سيعودون إلى ما كانوا عليه و لهذا يتمنون انقضاء هذه الأيام
و إذا أقبل رمضان حثوا أنفسهم، و تناولوا ما قدروا عليه من الخمر و من غيرها
حتى قال بعضهم:
دعاني شهر الصوم لا كان من شهر و لا صمت شهراً بعده آخر الدهر
و العياذ بالله… فهؤلاء ربما يفرقون بين رمضان و ما بعد رمضان؛ فيستكثرون
من تناول الحرام و فعله قبل أن يأتي شهر رمضان؛ لأنهم سيتركونه مدة هذا
الشهر فقط، ثم يعودون إليه، حتى قال بعضهم:
إذا العشرون من شعبان ولّت فبادر بالشراب إلى النـــهارِ
و لا تشرب بأقداحٍ صغـارٍ فإن الوقتَ ضاق على الصغارِ
فمثل هؤلاء لم يتأثروا بصومهم، فالإنسان يستعيذ بالله أن يكون من هؤلاء الذين
ما نفعهم صومهم و لا زجرهم عن المحرمات، و إذا فعلوا شيئاً من العبادات
فعلوها بنية الترك و إذا تركوا شيئاً من المعاصي تركوها بنية الفعل بعد أن
ينفصل الشهر، كما قال شاعرهم و أميرهم:
رمضان ولّى هاتها يا ساقي مشتاقة تسعى إلى مشتاقِ
فهو ينادي ساقي الخمر بأن يأتي إليه بالشراب مسرعاً؛ لأن رمضان قد انقضى
و ولَّى و كأن الخمر حرام في رمضان حلال في غيره.
فالصوم الصحيح هو الذي يحفظ فيه الصائم صيامه؛ فيحفظ البطن و ما حوى،
و الرأس و ما وعى، و يذكر الموت و البلى، و يستعد للآخرة بترك زينة الحياة
الدنيا، و يترك الشهوات التي أساسها شهوة البطن و الفرج، و يذكر بعد ذلك
ما نهاه الله عنه من الشهوات المحرمة في كل وقت. و يذكر أيضاً أن الصوم
هو في ترك هذه الشهوات،
فما شرع الله الصوم إلا لتقويم النفوس و تأديبها.
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك