الرد على جماعة التكفير والهجرة:
إن جماعة التكفير والهجرة جماعة غالية أحيت فكر الخوارج بتكفير كل من ارتكب كبيرة وأصر عليها وتكفير الحكام بإطلاق ودون تفصيل لأنهم لا يحكمون بشرع الله وتكفير المحكومين لرضاهم بهم بدون تفصيل وتكفير العلماء لعدم تكفيرهم أولئك الحكام. كما أن الهجرة هي العنصر الثاني في تفكير هذه الجماعة، ويقصد بها اعتزال المجتمع الجاهلي عزلة مكانية وعزلة شعورية، وتتمثل في اعتزال معابد الجاهلية ( يقصد بها المساجد ) ووجوب التوقف والتبين بالنسبة لآحاد المسلمين بالإضافة إلى إشاعة مفهوم الحد الأدنى من الإسلام . ولا يخفي مدى مخالفة أفكار ومنهج هذه الجماعة لمنهج أهل السنة و الجماعة في مصادر التلقي والاستدلال وقضايا الكفر والإيمان وغير ذلك . . .
لقد كان للخوارج أثر خطير على المستوى العقدي والفكري عند من قلّ علمه وفقهه لنصوص الشريعة, لكثرة شبهاتهم واستدلالهم بالنصوص هذا من جهة؛ ومن جهة أخرى ظاهر الخوارج وشدة تعبدهم وبعدهم عن المعاصي العملية.. كل هذا قد يفتن فريقًا من المسلمين ؛ بل قد حصل الافتتان بآراء الخوارج على مرّ التاريخ إن جزئيًّا أو كليًّا .
وقد أُتي الخوارج وسائر الغلاة من بعدهم من سوء فهمهم للقرآن والقول بظاهر نصوصه مطلقًا دون النظر إلى ما يقيدها من نصوص مثلها أو من السنة , أو إلى ما يفسرها ويبين حقيقة ذلك الظاهر والمقصود به .
فإطلاقات الوعد والوعيد في نصوص الشرع لها مقيدات ومبينات ومفسرات . . . , وهذا يعرف بالنظر في جميع النصوص, والتوفيق والتأليف بينها حتى لا يظن بها التعارض .
فالخوارج في مسألة تكفير المسلمين بمطلق المعاصي, فهموا من القرآن ما لم يدلّ عليه فظنوا أنه يوجب تكفير أرباب الذنوب، إذ كان المؤمن هو البر التقي، فمن لم يكن برًّا تقيًّا؛ فهو كافر مخلد في النار .
ولذلك نجد الغلاة المعاصرين الذين تأثروا بمنهج الخوارج في فهم القرآن يسلكون المسلك نفسه في تصنيف الناس وتوزيع الأسماء والأحكام عليهم, يقول شكري مصطفى معتمدًا على عمومات النصوص ومطلقاتها: إن لفظة الكفر ما جاءت في الشريعة إلا لتدل على عكس الإيمان وانتفائه, وهي تعبّر عن حكم عام يشتمل على عدة أنواع منه, لكل نوع منها اسم علم خاص به كالظلم والفسق والخبث . . .
وهم يغلون في جماعاتهم و يعتبرونها «جماعة المسلمين» : وهذا ظاهر من اعتبار الخوارج لمعسكرهم أنه معسكر الإيمان, وأن معسكر مخالفيهم هو معسكر الكفر وفسطاطه الذي يوجبون على المسلمين البراءة منه وعداوته, والهجرة منه. كما اعتبروا دارهم دار إيمان, ودار مخالفيهم دار كفر وحرب . . .
وكان من آثار هذا الغلوّ في الجماعة وفكرها وأمرائها: الدعوة إلى اعتزال المجتمع باعتباره كافرًا – عندهم - . . . , كما اعتزلوا مساجد المسلمين, وحرّموا النكاح من بنات المجتمع باعتبارهن مشركات – على منهجهم - .
هذا في العموم, ونظرة على منهجهم في شيء من تفاصيله الدالة على الغلو في جماعتهم ؛ نجد حكم التكفير الخطير على الخارج عن جماعتهم إما ابتداءً أو مآلاً ، ولم يقف الأمر عند أهل الغلوّ من الخوارج وأتباعهم في كل عصر بالضيق من الاجتهادات والتأويلات المخالفة لهم , بل أضافوا إلى ذلك الضيق الاعتقادات الباطلة في المخالف لهم؛ كاعتقاد فسقه وكفره وخلوده في النار! و استحلال دمه وماله وغير ذلك .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : (أول البدع ظهورًا في الإسلام وأظهرها ذمًّا في السُّنة والآثار : بدعة الحرورية المارقة . . . ولهم خاصتان مشهورتان فارقوا بهما جماعة المسلمين وأئمتهم :
إحداهما : خروجهم عن السنة , وجعلهم ما ليس بسيئة سيئة .
الثانية: في الخوارج وأهل البدع : أنهم يكفرون بالذنوب والسيئات . ويترتب على تكفيرهم بالذنوب استحلال دماء المسلمين وأموالهم ) .
ومخالف الغلاة المعاصرين لا يخرج عن هذه الأسماء والأحكام الخارجية؛ إضافة إلى ممارسة استحلال الدم بوسائل مدمرة وفتاكة للمخالف وغيره . . .
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك