يشهد مسار العلاقات الإماراتية - التركية تصاعد إيجابيا تعززه رغبة من حكومتي البلدين في تدارك تبعات اختلاف رؤى البلدين الإقليمية على العلاقات الثنائية وخاصة الاقتصادية بينهما. فقد توترت العلاقات بين أنقرة وأبوظبي منذ قيام الانتفاضات العربية عام 2011م على إثر اختلاف مواقف البلدين من التطورات السياسية في بعض البلدان العربية خاصة مصر وليبيا. كما نتج عن هذا الاختلاف توقف مشروع أفشين – البستان الإماراتي لتوليد الكهرباء من الفحم والذي بلغت قيمته 12 مليار دولار عقب تدخل تركيا في الشأن المصري عقب انتفاضة 30 يونيو 2013م بالإضافة إلى عدم تواجد السفير الإماراتي في أنقرة حتى عودته في الأسبوع الأول من شهر مايو 2016م.
لعبت بعض وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي طوال فترة توتر العلاقات دورا في تصعيد وتطوير الاختلاف بين رؤية البلدين للتطورات الإقليمية وعملت على خلق انطباع يوحي بأن حكومة البلدين في صراع مفتوح ضد بعضهما إقليميًا. حيث تداولت بعض وسائل الإعلام التركية والعربية المحسوبة على بعض التيارات السياسية تقارير إخبارية تحاول تصعيد الموقف وهو ما أوجد حالة من عدم الثقة بين الطرفين وخلق انطباع سيئ في الأوساط السياسية والإعلامية الإماراتية والتركية خاصة المقربة من حزب العدالة والتنمية الحاكم.
مؤخرًا شهدت العلاقات الإماراتية - التركية محاولات لاستعادة العلاقات بينهما إلى المسار التصاعدي الذي كانت تسلكه قبل عام 2011م والذي كان يتميز بالتركيز على الاستثمار في مشروعات البنية التحتية والطاقة ومجال العقارات والتعاون في المجال العسكري كأبرز سماته. ظهرت أولى مظاهر هذة المحاولات عبر تصريح الرئيس التركي أردوغان في ديسمبر 2015م بأنه لا توجد مشكلة مع شعب الإمارات وأن أي خلاف يجب أن يحل عبر الطرق الدبلوماسية، فيما جاء الرد الإماراتي على لسان وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي د. أنور قرقاش بأن هذة الإشارات مرحب بها ويجب البناء عليها. وتجددت المحاولات عبر محاولات إعداد زيارة لوزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو إلى أبوظبي في فبراير 2016م تأخرت حتى تمت في أبريل 2016م نتج عنها تعيين السفير خليفة شاهين سفيرًا لدولة الإمارات في أنقرة وعودة السفير لممارسة مهام عمله في مطلع شهر مايو 2016م.
وكمؤشر جديد على اتخاذ مسار العلاقات منحى تصاعديا، افتتح الرئيس التركي رسميًا عبر الفيديو كونفرانس في 13 مايو 2016م محطة موانئ دبي (ياريمجا) على خليج إزميت في مدينة كوجيلي بحضور وزيري الخارجية والنقل التركيين ورئيس شركة موانئ دبي العالمية. حيث تعتبر شركة موانئ دبي العالمية أول شركة دولية تدير محطة في هذا الخليج، كما تعمل رافعات المحطة بنظام التحكم عن بعد وهو نظام يتم تشغيله لأول مرة في الموانئ التركية. وقد بلغت قيمة المشروع 600 مليون دولار والذي تم البدء في تنفيذه في مارس 2014م وتم تشغيله في ديسمبر 2015.
يدعم المنحى التصاعدي لمسار العلاقات الإماراتية - التركية مجموعة من المستجدات ذات الطابع الداخلي والإقليمي داخل البلدين. فقد أصبح أي نقاش حول الموضوع المصري غير مجدٍ في ظل إتمام الحكومة المصرية خطوات خارطة الطريق المتعلقة بتعديل الدستور وإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، والمساندة الخليجية المستمرة للحكومة المصرية والشعب المصري. من ناحية أخرى، وفي ظل انتقال مراكز القوة والتأثير في السياسات العربية إلى العواصم الخليجية خاصة مع تصاعد مخاطر وتهديدات النفوذ الإيراني، تحاول الحكومة التركية تدارك توتر علاقاتها مع الدول العربية (بعد انتفاضات عام 2011م) عبر السعي لتطوير العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية مع دول مجلس التعاون الخليجي والذي يندرج في إطار محاولات تركيا استعادة التهدئة مع الدول الإقليمية المؤثرة في المنطقة.
كما تتواجد مستجدات داخلية تدعم تطور العلاقات الإماراتية - التركية تتمثل في المنافع الاقتصادية على البلدين من جراء أي استثمارات متبادلة. حيث تتزامن التهدئة الإماراتية - التركية مع وجود سعي تركي لجذب الاستثمارات الأجنبية لمشروعات البنية التحتية والطاقة والعقارات التي تدر عملات أجنبية للاقتصاد التركي وترفع معدلات التشغيل وتنمي الحركة التجارية بين تركيا والدول المجاورة لها. في المقابل، يلتقي السعي التركي مع وجود فكر إماراتي متأصل يقوم على ضرورة تنويع مصادر الدخل القومي غير النفطي واستثمار عوائد النفط في مشروعات كبرى وآمنة تركز بالأساس على مجال البنى التحتية والطاقة. فقد صرح سلطان أحمد بن سليم رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لمجموعة موانئ دبي العالمية أثناء افتتاح محطة موانئ دبي العالمية «ياريمجا» بأن مقاربة تطوير البنية التحتية التي ينتهجها الرئيس التركي وحكومته موضع تقدير بالنسبة لنا وأن الإمارات تتبنى الاستراتيجية نفسها من أجل دعم الاقتصادات والمجتمعات وتمكين التجارة العالمية وتنويع الاقتصاد وتوفير فرص العمل.
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك