عدد الضغطات : 9,176عدد الضغطات : 6,681عدد الضغطات : 6,399عدد الضغطات : 5,609
التميز خلال 24 ساعة
العضو المميز المراقب المميز المشرف المميز الموضوع المميز القسم المميز
قريبا
قريبا
قريبا

بقلم :
المنتدى الاسلامي العام

العودة   منتديات الحقلة > المنتدى الاسلامي > منتدى القرآن الكريم والتفسير

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: ذات مساء مساحه خاصه لكم (آخر رد :محمد الجابر)       :: مؤلم ... (آخر رد :محمد الجابر)       :: ...بم‘ـــآآآذآ تفــكــــر الآن ... (آخر رد :محمد الجابر)       :: لِ .. أَحَدُهُم ‘ ..| (آخر رد :محمد الجابر)       :: ضع بصمتك .. واترك أثراً ..~ (آخر رد :السموه)       :: وقع ولو بكلمه (آخر رد :السموه)       :: اللهم ... (آخر رد :السموه)       :: لـ نهتف : (يَآرَبْ )مساحة خاصه لكم لتناجون البارئ بماشئتم (آخر رد :السموه)       :: ثرثرة الواو (آخر رد :السموه)       :: دعاء اليوم ((متجدد بإذن الله)) (آخر رد :ابو يحيى)      


موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع
قديم 29-08-2015   #1


طالبة العلم غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1561
 تاريخ التسجيل :  20 - 06 - 2014
 أخر زيارة : 15-06-2023 (11:13 AM)
 المشاركات : 24,997 [ + ]
 التقييم :  17
 الدولهـ
Morocco
 الجنس ~
Female
 اوسمتي
وسام العطاء وسام صاحب الحضور الدائم العطاء الذهبي المسابقه الرمضانيه عطاء بلاحدود 
لوني المفضل : Green
تفسير قول الله تعالى ﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِ



﴿, لَكَبِ, الله, تعالى, تفسير, بِالصَّبْرِ, وَالصَّلاةِ, وَاسْتَعِينُوا, وَإِنَّهَا, قول

﴿, لَكَبِ, الله, تعالى, تفسير, بِالصَّبْرِ, وَالصَّلاةِ, وَاسْتَعِينُوا, وَإِنَّهَا, قول

تفسير قول الله تعالى

﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ
بسم الله الرحمن الرحيم
قول الله تعالى ذكره: ﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ [البقرة: 45-46].
طلب الله تعالى إلى بني إسرائيل في الآيات السابقة أموراً عظاماً: أن يوفوا بعهده الذي عاهدوه عليه، فيعبدوه وحده مخلصين له الدين، ويطيعوه ويطيعوا رسله – وخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم -، ويتركوا ما يهوونه من الرياسات الباطلة وحب الدنيا الزائلة، ويبتعدوا عن الأخلاق المرذولة والصفات الذميمة التي عنوانها: لبس الحق بالباطل، وكتمان الحق البين الواضح، وبيع آيات الله بالثمن القليل؛ وفسوق قلوبهم عن طاعة والله وتحجرها، وجرأتها على محارم الله وتعدي حدود. وطلب إليهم غير ذلك من أعمال وأخلاق يقتضيها ذكر نعمائه، ويستدعيها الشكر على آلائه سبحانه.

ولما كان هذا الذي دعاهم سبحانه وتعالى إليه ذا خطر عظيم وذا شأن كبير، كان الذي يتحمله بأشد الفقر والحاجة إلى معونة يقوى بها على حمله، ويستطيع بها القيام به على وجهه اللائق به؛ فلهم العليم الحكيم وأوصاهم بأفضل ما يستعينون به. وخيرهم ما يقويهم على القيام بتلك الأمور الجسام، وأدائها على خير الوجوه التي تكفل لهم سعادة الدنيا والآخرة. ذلك هو الاستعانة بالصبر والصلاة.

وإن قارئ القرآن ومتدبره ليجد أن الله سبحانه وتعالى قد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم والذين آمنوا معه في هذه السورة – سورة البقرة – بعد تفصيل حادثة تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة؛ وما لقي المسلمون فيها من أذى اليهود وسفههم، وما حاولوه من فتنة المؤمنين عن دينهم، لولا عناية الله بالمسلمين لكانت عظيمة، ولولا لطف الله وهدايته لانقلب بها كثير على عقبيه ﴿ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ﴾ [البقرة: 143]، يدلك أيها القارئ على خطرها وشدة عناية اليهود بها وحرصهم على استغلالها، وذهابهم في إشعال نارها كل مذهب -: أن الله سبحانه قد فصل القول فيها، وساق فيها آيات طويلة ختمها بتهوين شأن أولئك اليهود الفاتنين، وأنهم أحقر من أن تخافوهم، وأبعد من أن يردوكم عن دينكم بعد أن أنعم الله بما سيتمه عليكم من نعمة الدين، ويسبغ عليكم منه ثوباً يقيكم به فتن الدنيا والآخرة.

اقرأ قوله تعالى ﴿ َلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ * فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ ﴾ [البقرة: 150-152]، وكل تلك أمور عظيمة يحتاج العبد في الوفاء بها والاستجابة إلى ما دعاه الله منها إلى معونة تقويه عليها وتعينه على تحملها. لذلك قال بعد ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 153]، كما حكى سبحانه في سورة الأعراف عن موسى عليه السلام حين أوصى حزب فرعون وملؤه أن يشدد فرعون على موسى وبني إسرائيل في التضييق عليهم والتنكيل بهم، وأن يضاعف العذاب عليهم فأجابهم فرعون على ذلك. فقال موسى لقومه ﴿ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا ﴾ أوصاهم بما يهون عليهم شدة ما يلقون من فرعون وحزبه حتى يحكم الله بنيهم وهو خير الحاكمين، ويعينهم على ذلك البلاء العظيم حتى يقضي الله بأمره وهو خير الفاصلين. وهكذا نجد الله سبحانه وتعالى يعظم من شأن الصبر، ويشيد به أعظم إشادة بما يكرر من ذكره، وبما يسوقه في صور مختلفة؛ ويتحدث عنه بأساليب متعددة؛ فيذكره الله في القرآن حوالي المائة مرة، ثم هو يذكره مرة آمراً به، ويذكره مرة بالنهي عن ضده ويذكره مرة بالترغيب فيه والثناء على أهله، ومرة يإيجابه على نفسه سبحانه محبة أهله؛ ومعيته لهم معية خاصة متضمنة حفظهم ونصرهم وتأييدهم؛ ومرة بأخباره أن الصبر خير للصابرين، وأنه يجزيهم أحسن ما كانوا يعملون وأنه يجزيهم أجرهم بغير عد ولا حساب، وأن لهم البشرى، ولهم المدد من الله والمعونة والنصر على أعدائهم وأن الصابرين هم أولو العزم وأنه لا يلقى الأمور العظيمة والأعمال الصالحة وجزاءها في الدنيا والآخرة إلا الذين صبروا، وأنه لا ينتفع بالآيات والعبر إلا أهل الصبر ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴾ [ابراهيم: 5]، وأن الملائكة تتلقاهم يوم القيامة بأعظم تحية وأحبها إلى قلوبهم ﴿ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ﴾ [الرعد: 24]، وأنه يورث صاحبه درجة الإمامة في الدين والدنيا ﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ﴾ [السجدة: 24]، وقد قرنه الله باليقين والإيمان والتقوى والتوكل، والشكر والعمل الصالح والرحمة.

واتل سورة ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [العصر: 1-3]، وتأملها حق التأمل تجد أن الله سبحانه جعل الصبر من أقوى أسباب النجاة من الخسر، ومن أوضح سبل الفلاح وسعادة الدنيا والآخرة. لذلك ما كان اثنان من السلف يتفرقان حتى يقرآ هذه الوصية العظيمة – سورة العصر – وقال الشافعي "لو ما أنزل الله إلا هذه السورة للناس لكفتهم".

وقد جعله النبي صلى الله عليه وسلم نصف الإيمان، ونصفه الآخر الشكر. وهو من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فلا إيمان لمن لا صبر له، كما أنه لا حياة لمن قطعت رأسه وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه "خير عيش أدركناه بالصبر" في الحديث الصحيح "والصبر ضياء" وفيه أيضاً "عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير. وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن. إن أصابته سراء شكر. فكان خيراً له. وإن أصابته ضراء صبر. فكان خيراً له" وقال صلى الله عليه وسلم "ما أعطي أحد عطاء خيراً له وأوسع من الصبر".

وروى البخاري تعليقاً أن عمر قال "نعم العدلان، ونعم العلاوة" الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون" فالعدلان: الصلاة من الله والرحمة: والعلاوة: الاهتداء.

والصبر وصية الله تعالى للإنسان في كل طور من أطوار حياته. على لسان كل نبي من أنبيائه، بل هو من أهم وصايا الله لعباده بما يوفر لهم حظهم من السعادة في حياتهم الأولى والأخرى، وبما يعطيهم من القوة ما يمكنهم من القيام بأعباء الحياة على ما يحب الله لهم من الخير والرشاد والحكمة والسداد.

الصبر: أصله من المنع والحبس. يقال: قتل فلان صبراً، يعني حبسه عليه حتى قتله فالمقتول مصبور. والقاتل صابر. فهو حبس النفس عن الجزع، ومنعها عن هواها، وكفها عن محابها التي فيها تلفها وشقاؤها. وأصل الكلمة من الشدة والقوة، فيها معنى الضم والجمع. ففي الصبر تلك المعاني الثلاثة: المنع؛ والشدة، والضم. فهو أن تجمع النفس كل قوى الخير والثبات والعزيمة واليقين وأن تقوم بها بشدة قوة لنمنع بها عن الهلع وتنكف عن الطيش والحمق والجزع. فالنفس مطمئنة بالسكينة الوقار، واللسان ذاكر لربه مسبح بحمده، والجوارح منصرفة في طاعة النفس إلى ما يحقق الوقار والمهابة والحكمة.

الصبر حقيقة خلقية كاملة فاضلة متولدة من مجموعة أخلاق كمالية: من الثبات، وقوة العزيمة، واليقين، وصدق الإيمان، وسعة العلم بالله وآياته؛ وشدة الوثوق بفضله ورحمته ولطفه وحكمته. بهذه الحقيقة الخلقية الكاملة صلاح شأن الإنسان وقوام أمره، وتمام رشده. وبهذه الحقيقة الخلقية الكاملة ترتبط أمور الدين كلها من أولها إلى آخرها، بل والنجاح في أمور الدنيا أيضاً. فهو سر نجاح السلف في كل شأنهم، ذلك النجاح الذي بهر العالم كله، وضرب أعلى الأمثال لثبات العزيمة؛ وقوة اليقين؛ وعظيم التضحية في سبيل رضي الله واطمئنان النفس لمحبوبها الذي اشتراها بأوفر الأثمان، ووفاها أربح البيعات. وذلك هو الفوز العظيم.

سئل الجنيد رحمه الله عن الصبر. فقال: تجرع المرارة من غير تعبس. وقال ذو النون المصري: هو التباعد عن المخالفات، والسكون عند تجرع غصص البليات وإظهار الغنى مع حلول الفقر بساحات المعيشة. وقال عمرو بن عثمان المكي: الصبر هو الثبات مع الله؛ وتلقي بلائه بالرحب والدعة. وقيل: الصبر ثبات القلب عند موارد الاضطراب. وقيل: الصبر ثبات باعث العقل والدين أمام باعث الهوى والشهوة. ومعنى ذلك: أن الطبع الحيواني في الإنسان يطلب أبداً ملا يلائمه، لا يميز فيه بين طيب وخبيث وفاسد وصالح، ونافع وضار. ويعاونه على تحصيل مطلوبه النفس الأمارة وحزبها من الشيطان وجنده. والعقل يمنع من الخبيث الضار، ويرغب في الطيب النافع، ويطلبه لأنه هو الذي يملائمه ويوافق ويوافق طبيعته الروحية التي هي من نفخ الله في الإنسان. ويعين العقل والروح على ذلك العلم والدين والنفس اللوامة والمطمئنة؛ وأولياؤها من الملائكة. ولا تزال الحرب بينهما كذلك. والغلبة لمن استكثر من جنده، وتهيأ للحرب بسلاحها وقام على قدم الحذر واليقظة، وثبت لخصمه. والعاقبة للتقوى.

الصبر: ضد الجزع. لذلك يقابل الله بينهما في مثل قوله على لسان المعذبين من المستكبرين الذين طلب إليهم أتباعهم من الضعفاء أن يغنوا عنهم نصيباً من النار فقالوا ﴿ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ ﴾ [ابراهيم: 21].

والصبر قرين الكيس والحكمة، كما أن الجزع قرين العجز والطيش والحمق والسفه. والصبر ثمرة الإيمان القوي، واليقين الصادق، والثقة بالله ثم بالنفس وبما وهبها الله به من أسباب الحياة الطيبة والعيش الرغد في العزة والكمال والعظمة، والعزيمة النافذة السلطان والإرادة القوية التأثير في غيرها، والصبر ملاك كل هذا وأكثر من هذا، والجزع آية الخور والضعف؛ والنفاق وعدم الثقة بالله، والتشكك والارتياب، وكل ما يجرد الإنسان من كل صفات الكمال الإنساني، ليتدلى به إلى ما لا يحبه الله له من دركات.

بالصبر يحكم الإنسان أمر نفسه، ويحسن قيادها في شأنه كله: الديني والدنيوي والأخروي، فيحقق الله له سعادة الدارين، وإذا ما حرم الصبر، وكان هلوعاً حزوعاً شردت نفسه في كل مذهب وعاثت في كل أرض، وضاع منها كل خير، فكانت مرذولة في الدنيا، ثم انتهت في الآخرة إلى عذاب السعير.

في النفس قوتان: قوة إحجام، وقوة إقدام. فالصبر: أن تقدم النفس على ما ينفعها، وأن تحجم عما يضرها. ولا بد لذلك من العلم والحكمة، لمعرفة النافع وتقديره، والضار وتحديده. والناس في العلم ولحكمة متفاوتون، لذلك كانوا في الصبر على المكاره والمصاعب والشدائد متفاوتون بقدر علمهم بهذه الشدائد وتقديرهم لنتائجها وآثارها، وما يجنون منها من ثمرات دنيوية أو دينية.

فأنت قد تجد – لهذا – صابراً على متاعب الدنيا، والعمل لها والكد فيها. وتحمل صعابها في سبيل اكتسابها، ولكنه غير صابر على طاعة الله والعمل للدار الآخرة. وهذا من نتيجة علمه بالدنيا وجهله بالله والآخرة. وقد تجد صابراً على الطاعة فيما يبدو للناس، محافظاً على الصلاة في وقتها مثلاً؛ لكنه غير صابر عن المعصية وهذا من أثر جهله وطيشه، وأن الصلاة – مثلا – لا تصل في حقيقتها إلى قرارة نفسه، فلا تصقله ولا تهذبه ولا تطهر قلبه. ولو أنه يصلي صلاة الخاشعين لصبر عن معاصي الله كما صبر على طاعته، ولوجد اللذة ومتعة النفس في هذا كما وجدها في ذاك. لذلك كلما توفر العلم والحكمة وجد الصابرون على درجاتهم ومنازلهم من العلم والحكمة.

وباعث الدين له مع باعث الهوى ثلاث حالات.
الحالة الأولى: غلبة باعث الدين باعث الهوى، وقهره إياه؛ وردّه جيش الهوى مذموماً مدحورا؛ وهذا لا يوصل إليه إلا بدوام تمرين جيش الدين على القهر والغلبة، وتعويده اليقظة دائماً، حتى لا يأخذه عدوه على غرة، ويدعوه دائماً إلى الاستكثار من العدد والعدة، والتمكن أبداً من أسباب الظفر والنصر والقيام بعين اليقظ الحذر على سور مدينته وحصونها وتعهد السور في جميع فتراته، لا يدع لعدوه ثغرة ولا ثلمة يدخل منها على مدينته، ولا يجد حارساً على تلك الثغور ضعيفاً إلا أمده بالقوة التي تعينه على حفظ المدينة من قبله، وأولئك هم ﴿ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا ﴾ [فصلت: 30]، فهم بقيامهم في خدمة الله ونهوضهم على قدم الاستقامة والانتصاب في مرضاة سيهم على أكمل وجه وأتمه استحقوا من سيدهم دوام رعايتهم وحفظهم معونتهم؛ فهم في كل أوقات جهادهم ﴿ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ ﴾ [فصلت: 30]، مدداً من ربهم لجيش إيمانهم وتقواهم على جيش هواهم وعدوهم، ليثبتوا أقدامهم ويقووا يقينهم في الصنر، ويقولون لهم ﴿ أَلَّا تَخَافُوا ﴾ [فصلت: 30]، من كثرة عدوكم فنحن معكم فاصبروا وصابروا ﴿ وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ﴾ [فصلت: 30-31]، وهؤلاء هم الذين فازوا بالنصر الأكبر، وسعدوا بتحقيق وعد ﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 153].

الحالة الثانية: غلبة داعي الهوى والشيطان بكثرة جيشه وتيقظه وقوة سلاحه وكثرته، وقهره لداعي الدين وباعثه لقلة جيشه وغفلته وضعفه، وضآلة سلاحه ووهنه فلا يزال يوالي الهوى هجماته وضرباته حتى يقع الدين في الميدان قتيلاً أو أسيراً للهوى يستخدمه حيث شاء وكيف أرد، ويتخذه آلهة لقضاء مآربه ونيل مقاصده، ويجعل منه دريئة وستاراً لكل شر وفساد. وهذا هو الذي غلبت عليه شقوته واشترى الحياة الدنيا والآخرة والضلالة بالهدى. وإنما انتهى إلى هذه النتيجة السيئة كل السوء لأنه أفلس من الصبر؛ فصار إلى جهد البلاء ودرك الشقاء، وسوء القضاء وشماتة الأعداء. وجنده حينئذ: المكر والخداع، والأمني الباطلة، والغرور والتسويف بالعمل وطول الأمل، وإيثار العاجل على الآجل، وهو "العاجز الذي أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني".

وأصحاب هذه الحال أنواع شتى. فمنهم المحاد لله ورسوله والمشاق لهما؛ والمتبع غير سبيل المؤمنين؛ الصاد عن سبيل الله بما يزين من البدع والخرافات والشركيات يزعمها عملا صالحاً ويدعوها قربة؛ فهو يبغي السبيل إلى الله عوجاً فيحرف لذلك قول الله وقول الرسول عن موضعه، ويسعى جهده في إبطال ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم بتحكيم قول مشايخه ورأيهم وقياساتهم وعادات آبائه وتقالي العامة وأهواء الجمهور ومرضاة الرؤساء الذين بيدهم الدنيا. فكل أولئك عنده أولى بالاتباع وأحق بالاستماع من قول الله وقول رسوله صلى الله عليه وسلم.

ومنهم المعرض كلية عن الدين وعما جاء به الدين؛ فهو مقبل بكليته إلى دنياه وشهواتها وزينتها وغرورها، كل همه في قضاء شهوة بطنه وفرجه؛ وكل فكره وعمله لتحصيل تلك الشهوة من أي سبيل. ومنهم المفتون بالرياسة وحب المال والوجاهة في الدنيا، لا يفتر ليله ونهاره يعمل لذلك ويسلك إليه كل سبيل.

ومنهم المنافق ذو الوجهين الذي يأكل بالكفر والإسلام، ويصطاد بالزندقة والتدين؛ ويلبس لكل غرض لبوسه. ومنهم الماجن المتلاعب الذي يقطع أنفساه باللهو واللعب. ومنهم من إذا وعظ قال: واشوقاه إلى التوبة، ولكنها قد تعذرت على سبيلها لكثرة ما ربطني من حبال الشهوات. ومنهم من يقول: ولماذا أصلي وأصوم؟ والله غني عن صلاتي وعن صيامي، والنجاة عنده ليست بالعمل وإنما تكون بالعفو والرحمة، والله غفور رحيم. ومنهم من يقول: سوف أتوب، ولكن حين يحل الشيب بساحتي، ويهن عظمي، وأحس بدنو أجلي. وغير هؤلاء من أصناف المغتربين الذين صارت عقولهم في أسر شهواتهم وأهوائهم؛ فلا يستعمل أحدهم عقلهم إلا في دقيق الحيل الموصلة إلى قضاء شهوته؛ فهو مع شيطانه وهواه كالأسير في يد الكافر، يستخدمه في رعاية الخنزير وحمل الصليب. وهذه حال أكثر الناس اليوم لغلبة الجهل والسفه وضياع العلم والحكمة.

الحالة الثالثة: أن يكون الحرب بين الحزبين سجالاً، والأيام بينهما دولا؛ فتارة تكون الغلبة لحزب الدين والعقل، ومرة تكون لحزب الشيطان والهوى؛ وساعة يقوى حزب الله فيستقيم العبد في مرضاة ربه؛ وأخرى ينهض حزب الشيطان فيفسق العبد عن أمر ربه. والأعمال بخواتيهما.

الصبر: إما صبر على طاعة الله فيحرص عليها ويحبها، أو صبر عن معاصيه فيبغضها وينفر منها، أو صبر على أقداره وأقضيته فلا يتسخطها. وهذه الثلاثة هي التي عناها لقمان حين وصى ابنه بقوله ﴿ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ [لقمان: 17]، وهي المعنية في قوله تعالى ﴿ الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ * وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ * وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ ﴾ [الرعد: 20-22].

وكذلك كل موضع في القرآن قرن فيه الصبر بالتقوى، فإن حقيقة التقوى: حب القلب وشغفه بطاعة الله، وكرهه ونفوره من معصيته. وأحمد الصبر وأعلاه عند الله درجة هو الصبر على طاعة الله والصبر عن معاصيه، لأن ذلك هو الذي يكون للعبد فيه عمل واختيار، وقلّ أن يتحلى به إلا عباد الله المخلصون.

أما الصبر على قضاء الله وقدره فهو اضطراري لا عمل للعبد فيه، ولذلك يكون من غير المؤمنين وتجده عند كثير من الفاسقين. ومن أجل ذلك كان صبر يوسف عليه السلام عن مطاوعة امرأة العزيز واحتماله في سبيل ذلك السجن والمكروه والأذى أعظم من صبره على ما ناله من إخوته إذ ألقوه في الجب وباعوه بيع العبيد وفرقوا بينه وبين أبيه. فجازاه الله على صبره هذا أن جعله أميناً على خزائن الأرض وكذلك صبر الخيل إبراهيم على هجر أبيه وقومه واعتزالهم في الله؛ فكافأه الله بأن وهب له إسماعيل وإسحاق، وجعل كلاً منهما نبياً. وهكذا صبر كل رسول الله كان على مجاهدة أعداء الله؛ وكان أقواهم في ذلك وأعظمهم صبراً خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك سماهم الله تعالى أولي العزم. قال تعالى ﴿ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ﴾ [الاحقاف: 35].

الصبر – بعد هذا - هو القوة الروحية الجامعة لكل عناصر الحياة الخيرية الطيبة الرابحة، والعيشة الهانئة الراضية، كما أن الجزع هو تحلل هذه العناصر وتلاشيها. فحاجة العبد إلى الصبر في كل أمره أشد حاجة، ومصيبته بغلبة الهلع والجزع عليه أعظم مصيبة. وخسارة يا لها من خسارة. وتأل قول الله تعالى ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [العصر: 1-3]، يقسم الله سباه هذا القسم العظيم أن الإنسان خاسر في سعيه لدنياه، خار في سعيه لآخرته، خاسر في سعيه لراحة جسمه، خاسر في سعيه لراحة ضميره خاسرة في سعيه لوطنه، خاسر في سعيه لرياسته، خاسر في كل أمر يسعى إليه من كان سعيه على أساس الإيمان بالله وملائكته ورسله واليوم الآخر وعمل الصالحات وعلم الحق ومعرفته وحبه والدعوة إليه والدفاع عنه وصبر على ذلك فلم تزعزعه الحوادث، ولم تمل به عن الإيمان والعمل الصالح والحق فتن شبهات ولا شهوات ولا مغريات فأولئك هم المفلحون وأولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون.

فالصبر لكل ما قرأت أفضل ما يعين العبد على كل خير، وأقوى ما يساعده على أن يكون براً تقياً، بعيداً عن الإثم والعدوان. فهو من أجل ما يتفضل الله به على عبده والصابرون هم الفائزون. جعلنا الله منهم.

(والصلاة) هي الصلة بين العبد وبين ربه، هي آية حب العبد لسيده وقيامه بخدمته وفاء بحقه، وتقديراً لفضله؛ وشكراً لنعمه، وإجلالاً له ورغبة ورهبة إليه. هي خلوة الحبيب بحبيبه؛ والانقطاع إليه ليروي غلته ويطفي أوامه بكلامه ومناجاته هي متعة نفس المحب لله ولذة روحه؛ وأسعد أوقات حيته، وفيها يزداد الحب قوة وبها يزداد المحب من حبيبه قربا، وهي قرة عين المؤمن، وروضة قلوب المحبين، وهي بحر الرضا يسبح فيه المحب فيخرج وليس عليه من آثار الغضب شيء، بل يخرج وقد تحلى من درره ولآلئه بما يغبطه عليه الألوان والآخرون، بل هو لا يخرج منه إلا ظاهراً فقط. وهو في الحقيقة والمعنى سابح أبداً في أنوار بحار القرب والاتصال و المراقبة والخشية. ومن عرف الصلاة على ذلك اتضح له جيداً حقيقة قول المحب الأعظم صلى الله عليه وسلم "جعلت قرة عيني في الصلاة" و "يا بلال أرحنا بالصلاة" لا أرحنا من الصلاة؛ كما يقول المحجوبون- بعد أن يلعبوا بما يسمونه صلاة- قد استرحنا منها فقد كانت حملاً على كواهلنا. نسأل الله العافية من ظلمة القلوب وقسوتها. فالله الكريم الرؤف الحريم بعباده قد تفضل عليهم في كل طور من أطوار حياتهم هذه بمنحة الصلاة هدية على يد كل رسول، وعطية يبعثها مع كل نبي، كشأن منحه وعطاياه سبحانه في نعمة الدين كله؛ لكنها هي رأس كل ذلك، وذروة هذه المنح والعطايا. وجوهرتها المختارة. ولبها النقي المصفى. يتجلى لك هذا واضحاً إذا وقفت بتأمل وإمعان وشهود عند منح الله سبحانه وخلعه خلعة الصلاة على حبيبه الأكرم صلى الله عليه وسلم في ليلة الوصل الأعظم، في ليلة الشهود الأعلى، في ليلة التخلي، في ليلة الإسراء ليلة دعا المحب حبيبه إليه، وأقام ملائكة الأرض والسموات في استقباله، والاحتفاء، وتقديم التحيات إليه "مرحب به ونعم المجيء جاء" ليعطيه جائزة نجاحه العظيم، وسبقه الذي لم يدركه فيه نبي ولا ملك؛ يوم امتحنه بأهل الطائف أشد امتحان، فكان الفوز الأعظم العفو والصفح عنهم وعدم الانتقام للنفس، بل نسيناها في رضا الرب وطاعته في ذلك الوقت الذي ليس أعصبت ولا أشد منه على أعظم النفوس البشرية. إلى على نفس المصطفى المصفى المختار المجتبى محمد صلى الله عليه وسلم.

قف يا أخي عند ذلك طويلاً وتأمل وسافر بروحك إلى تلك المشاهد إن استطعت لترى كيف دعاه ربه ليجيزه على ذلك الحلم والإيمان بجائزة الصلاة، وليحيه بتحية الصلاة، وليكرمه بمنحة الصلاة، ويستبغ عليه من الصلاة أقوى درع يلقى به عدوه، ويقيم له منها في قلبه أقوى حصن يدفع به كيد عدوه ويرده عليه في نحره؛ وليهيئ له الفرصة كلما اشتاق إلى لذة تلك الليلة؛ ونعم هذا التجلي أن يعود إليها عوداً يستذكر فيها ما كان تحية الحبيب ومناجاة الحبيب لذا كانت قرة عين رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة. ولذا كان إذا حزبه أمر وأهمه فزع إلى الصلاة. وفي يوم يدركان الجمعان مشتبكان في أحر القتال، وهو قائم في عريشه يقاتل عدوه أشد من قتال كل أحد، ومحاهدهم أشد من جهاد كل أحد، اتصل بحبيبه الذي وعده النصر في ليلة الجائزة، وأخذ يناجيه ويناديه: يا حي يا قيوم، نصرك الذي وعدتني، إن تهلك هذه العصابة لن تعبد في الأرض بعد. فكان النصر نصر الفئة القليلة الضعيفة على الفئة الكثيرة القوية بعدتها وسلاحها وغيظها. وكذلك في غزوة الأحزاب، كما روى حذيفة، وفي كل موطن كان يشتد الأمر على رسول الله وعلى المسلمين يفزع ويلجأ إلى الصلاة. فلا يخرج منها إلا وقد بلغ غايته، ونال أمنيته، وأعطاه حبيبه كل طلباته.

فلله كم حرم المضيعون لصلاة من نعيم ونعماء، وكم استجلبوا على أنفسهم ومن حولهم من بؤس وسخط وشقاء. وكم أعلنوا على سيدهم والمسدى إليهم كل النعم من حرب وعداء. فمن أعدل العدل وأحكم القول، ما قال سيد المتمتعين بنعيم الصلاة أخشى الناس لربهم وأتقاهم له "من ترك الصلاة فقد كفر؛ ومن ترك الصلاة فقد أشرك".

وما أوضح هذا وأجلاه وأعدله عند المصلين ﴿ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾ [المؤمنون: 2]، وما أثقل هذا الحكم وأبعده عن الصواب عند ﴿ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ﴾ [الماعون: 5]، وما أعرف أبابكر بصدق الرسول وعدله في هذا الحكم فإنه يقول "ومن ضيع الصلاة فهو لغيرها أضيع".

ليست الصلاة – كما ين ويتوهم أولئك الساهون المحجوبون بظلمات قلوبهم وغلف أهوائهم وشبهاتهم – هي تلك الحركات، حتى تكلفوا فيها ولها من مستحدثات آرائهم، ومبتكرات عقولهم ما وسوس لهم به شيطانهم. وزين لهم به سوء أعمالهم. وقطعهم به عن ربهم، وأفقدهم به كل خير وبر جاءت به الشرائع من أرحم الرحمين، إنما الصلاة عمل روحاني قبل أن يكون عملاً جسمياً، وعبادة قلبية قبل أن تكون حركات جوارحية ورسوماً ظاهرية. فإذا ما ضيعت الروحانيات، وحرم القلب من المعنويات فقدت حقيقة العبادة، وعادة كالميتة الجائفة المنتنة.

الصلاة غذاء القلب ومادة قوته وحياته قبل أن تكون قياماً وقعوداً وركوعاً وسجوداً، وقراءة وتسبياً وتكبيراً.

فإذا حرم القلب من ذلك الغذاء، وحيل بينه وبين هذه الحياة، وذهب سارحاً تائهاً في مهامه الدنيا؛ وغفل لاهياً بحظوظ النفس وشهواتها من النساء والبنين والمال – مرض، ثم كلما استمر به ذلك ازداد مضه وازدادت كآبته وحزنه، ولا يزال حتى يموت ثم يقسو ويتحجر ويكون ﴿ كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ [الحديد: 16]، فليس يمكنه ولا يتيسر له أبداً الاستغاثة بالصبر ولا بالصلاة على شيء مما أهمه لأمر دينه أو لأمر دنياه، بل كان أمره فرطا وذهب أمره بددا، وأضاع الصلاة واتبع الشهوات ولقاه الله غياً. وجعل عيشه ضنكاً، وحشره يوم القيامة أعمى. نسأل الله العافية. ولا حول ولا قوة إلا بالله.

أما الذين هم في صلاتهم خاشعون، والذين هم على صلاتهم دائمون، حاضرة قلوبهم مائدة الصلاة تأخذ حظها من غذائها وقتها ومتعتها. الذين رزقهم الله العلم النافع والقلب الخاشع، فأيسر شري عليهم تلك الاستعانة بالصبر والصلاة، واقرب شيء إليهم هو معونة الله سبحانه وتعالى على كل ما يهمهم ويعينهم من مرضاته وطاعته ومحابه التي فيها فوزهم وسعادتهم وقرة عيونهم وهناءة عيشهم في الدنيا والآخرة.

(وإنها) الاستعانة (لكبيرة) صعبة عسيرة (إلى على الخاشعين) الذين أذل العلم بالله قلوبهم له، وأخضعت له نفوسهم معرفتهم بعدله وجزائه وخوفهم من عذابه وغضبه. فقلوبهم دائماً وجلة؛ ونفوسهم أبداً تكوى بنيران هذا الخوف، فتتجافى عن مضاجع الراحة وتنبو عن مطارح الغفلة، وتفر مشتدة إلى دار السلام، وتعوذ برضاه من سخطه، وبمعافاته من عقوبته؛ وبرحمته من غضبه؛ وبمثوبته من عقابه. فهي أبداً مسافرة إلى الله، لا تحط رحلها في مفازة هذه الحياة الدنيا لأنها تراها ملأى بالمهالك والمتالف؛ قد تزودت في سفرها بزاد التقوى، وتسلحت بالصبر والصلاة، وتدرعت بدرع ربنا الله، واستقامت على طريقها لا تتلفت ذات اليمين ولا ذات الشمال، وشمرت تريد اللحاق بمن تلمح أنوارهم تسعى بين أيديهم وقد تقدموها في الطريق وقطعوا شوطاً بعيداً حتى قعد بها تهاونها وتراخيها، واستأنست بأولئك السابقين وملأها الأمل في رفقتهم أنساً وشوقاً إلى لقائهم عند سيدهم؛ وقد شاهدوا المآب، وعاينو المصير، فدوا المسير حتى قيل لهم ﴿ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي ﴾ [الفجر: 27-30]، أولئك هم ﴿ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ [البقرة: 46]، أي يوقنون ويؤمنون بما قام لديهم من البراهين الساطعة القاطعة أنهم لا بد سيلقون ربهم الذي ما خلقهم في هذه الدنيا عبثاً وإنما خلقهم لعبادته؛ وأنه ما جعلها لهم دار مقام، بل جعلها دار عبور وسفر إلى دار القرار وإنهم سيرجعون إليه، ويقفون بين يديه في ﴿ وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ﴾ [المرسلات: 14-15]، ﴿ إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا * يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا * وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا * وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا * إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا ﴾ [النبأ: 17-21].

فمن أوتي العلم الذي ينزله الله من عنده هدى ورحمة – والحكمة، وهدى إلى اقتطاف ثمرتها؛ والانتفاع بخيرهما، واستكملت نفسه مجموعة الأخلاق الفاضلة، والخصال المجيدة، واكتسب القلب من كل ذلك خشية وخشوعا؛ واتصالاً دائماً بربه، وحضوراً وشهوداً لعدله وفضله. كان من أولئك الفائزين المفلحين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، أما الذين ملأوا أدمغتهم من قشور جافة وحثالات من أفكار الرجال وآرائهم وتخريجاتهم، واستدراكاتهم على بعضهم، ومماراتهم التي يحاولون الحظوة بها عند معظميهم من أتباعهم، ونيل شهوة من الرياسة أو المال. أما أولئك الذين شغلونا بحفظ هذه التخريجات والاستدراكات والاعتراضات والجدليات التي جرت إلى افتراء كثيرا من القول على الله وعلى كتبه وعلى رسله. أما أولئك الذين ضحك عليهم الشيطان فشغلهم بذلك وصرفهم عن الهدى والرحمة والعلم الذي أنزله الحكيم الخبير شفاء لما في الصدور، وفرقانا بين الظلمات والنور، وداعياً إلى دار السلام. أما أولئك الذين ماتت قلوبهم من طول الأمد على حرمانها من غيث السماء الذي نزل بالحق وللحق وهو الحق؛ ومن طول ما كرهت من غسالات الأفكار وحثالات الآراء. وكلما حاولوا إحياءها بتلك الغسالات زادتهم موتاً وقسوة وفسوقاً عن أمر الله. أما أولئك فهم علماء السوء وهم أعداء الرسل، وقتلة الأنبياء وكل من يأمر بالقسط من الناس. وهم أشد الناس عداوة وحسداً للمؤمنين ولشدة محبتهم للدنيا وعبادتهم لها لا يعظمون علماً ولا ديناً. وإنما يعظمون المال والجاه والتقدم عند أهل الدنيا ومترفيها. وهم الذين غضب الله عليهم. وتأذن ليبعثن عليهم من يسومهم سوء العذاب إلى يوم القيامة. إن ربك لسريع العقاب. وإنه لغفور رحيم. أسأل الله العافية لي ولإخواني. وأن يسلك بنا سبيل الذين هم في صلاتهم خاشعون.

المصدر: مجلة الهدي النبوي - المجلد الرابع
العدد 41 - أول ربيع الأول سنة 1359هـ


الالوكة

ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك



منتديات الحقلة

منتديات الحقلة: منتديات عامة اسلامية ثقافية ادبية شعر خواطر اخبارية رياضية ترفيهية صحية اسرية كل مايتعلق بالمرأة والرجل والطفل وتهتم باخبار قرى الحقلة والقرى المجاوره لها





jtsdv r,g hggi juhgn ﴿ ,QhsXjQuAdkE,h fAhgw~QfXvA ,Qhgw~QghmA ,QYAk~QiQh gQ;QfA gQ;QfA hggi juhgn jtsdv fAhgw~QfXvA ,Qhgw~QghmA ,QhsXjQuAdkE,h ,QYAk~QiQh




jtsdv r,g hggi juhgn ﴿ ,QhsXjQuAdkE,h fAhgw~QfXvA ,Qhgw~QghmA ,QYAk~QiQh gQ;QfA gQ;QfA hggi juhgn jtsdv fAhgw~QfXvA ,Qhgw~QghmA ,QhsXjQuAdkE,h ,QYAk~QiQh jtsdv r,g hggi juhgn ﴿ ,QhsXjQuAdkE,h fAhgw~QfXvA ,Qhgw~QghmA ,QYAk~QiQh gQ;QfA gQ;QfA hggi juhgn jtsdv fAhgw~QfXvA ,Qhgw~QghmA ,QhsXjQuAdkE,h ,QYAk~QiQh



 

قديم 29-08-2015   #2
مشـرفه قسم الصحه والمجتمع


سلسبيل غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1894
 تاريخ التسجيل :  25 - 04 - 2015
 أخر زيارة : 02-06-2019 (10:51 AM)
 المشاركات : 19,279 [ + ]
 التقييم :  179
لوني المفضل : Cadetblue
رد: تفسير قول الله تعالى ﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِ



بين مواضيعكم نجد
المتعة دائما
وفقكم الله لقادم اجمــــــــــل



 

قديم 30-08-2015   #3


طالبة العلم غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1561
 تاريخ التسجيل :  20 - 06 - 2014
 أخر زيارة : 15-06-2023 (11:13 AM)
 المشاركات : 24,997 [ + ]
 التقييم :  17
 الدولهـ
Morocco
 الجنس ~
Female
لوني المفضل : Green
رد: تفسير قول الله تعالى ﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِ



اسعد الله قلوبكم وامتعها بالخير دوماً
أسعدني كثيرا مروركم وتعطيركم هذه الصفحه
وردكم المفعم بالحب والعطاء
دمتم بخيروعافية



 

قديم 31-08-2015   #4
*****ه بالقسم الاسلامي


قلب أم غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1853
 تاريخ التسجيل :  02 - 04 - 2015
 أخر زيارة : 02-05-2020 (01:07 PM)
 المشاركات : 28,108 [ + ]
 التقييم :  222
لوني المفضل : Cadetblue
رد: تفسير قول الله تعالى ﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِ



تقبل حضوري في صرحك الجميل مع خالص الاحترام



 

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
﴿, لَكَبِ, الله, تعالى, تفسير, بِالصَّبْرِ, وَالصَّلاةِ, وَاسْتَعِينُوا, وَإِنَّهَا, قول


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
تفسير قوله تعالى: ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَ طالبة العلم منتدى القرآن الكريم والتفسير 4 29-08-2015 02:33 PM
تفسير قوله تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ طالبة العلم منتدى القرآن الكريم والتفسير 2 29-08-2015 02:33 PM
تفسير قوله تعالى: ﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً طالبة العلم منتدى القرآن الكريم والتفسير 4 05-08-2015 09:54 AM
تفسير قوله تعالى: ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ طالبة العلم منتدى القرآن الكريم والتفسير 5 30-07-2015 09:20 AM
تفسير قوله تعالى: ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ .. طالبة العلم منتدى القرآن الكريم والتفسير 3 10-07-2015 06:27 PM

Facebook Comments by: ABDU_GO - شركة الإبداع الرقمية

الساعة الآن 08:52 AM

أقسام المنتدى

الاقسام العامة | المنتدى الاسلامي العام | المنتدى العام | منتدى الترحيب والتهاني | الاقسام الرياضية والترفيهية | العاب ومسابقات | الافلام ومقاطع الفيديو | منتدى الرياضة المتنوعة | الاقسام التقنية | الكمبيوتر وبرامجه | الجوالات والاتصالات | الفلاش والفوتوشوب والتصميم | منتدى التربية والتعليم | قسم خدمات الطالب | تعليم البنين والبنات | ملتقــــى الأعضـــــاء (خاص باعضاء المنتدى) | المرحله المتوسطه | منتدى الحقلة الخاص (حقلاويات) | منتدى الاخبار المحلية والعالمية | اخبار وشـؤون قرى الحقلة | اخبار منطقة جازان | الاقسام الأدبية والثقافية | الخواطر وعذب الكلام | منتدى الشعر | عالم القصة والروايات | اخبار الوظائف | منتديات الصحة والمجتمع | منتدى الصحة | منتدى الأسرة | منتدى السيارات | منتدى اللغة الانجليزية | منتدى الحوار والنقاشات | منتدى التراث والشعبيات والحكم والامثال | منتدى التعليم العام | منتدى السفر والسياحة | الثقافه العامه | منتدى تطوير الذات | كرسي الإعتراف | منتدى عالم المرأة | عالم الطفل | المطبخ الشامل | منتدى التصاميم والديكور المنزلي | المكتبة الثقافية العامة | شعراء وشاعرات المنتدى | مول الحقلة للمنتجات | الخيمة الرمضانية | المـرحلـة الابتدائيـة | استراحة وملتقى الاعضاء | المرحله الثانويه | الصور المتنوعة والغرائب والعجائب | المنتدى الاسلامي | منتدى القرآن الكريم والتفسير | سير نبي الرحمة واهم الشخصيات الإسلامية | قصص الرسل والانبياء | قسم الصوتيات والفلاشات الاسلاميه | اخبار مركز القفل | منتدى الابحاث والاستشارات التربوية والفكرية | افلام الانمي | صور ومقاطع فيديو حقلاويات | البلاك بيري / الآيفون / الجالكسي | بوح المشاعر وسطوة القلم(يمنع المنقول ) | مناسك الحج والعمرة | منتدى | ارشيف مسابقات المنتدى | منتدى الحديث والسنة النبوية الشريفة | المنتدى الاقتصادي | منتدى عالم الرجل | اعلانات الزواج ومناسبات منتديات الحقلة | تراث منطقـة جــــازان | كرة القدم السعوديه | منتدى الرياضة | كرة القدم العربيه والعالمية | ديـوان الشـاعـر عمـرين محمـد عريشي | ديـــوان الشــاعـر عـبدة حكمـي | يوميات اعضاء منتديات الحقلة | تصاميم الاعضاء | دروس الفوتوشوب | ارشيف الخيمة الرمضانية ومناسك الحج والعمرة الاعوام السابقة | منتدى الاخبار | نبض اقلام المنتدى | ديـــوان الشــاعـر علـي الـدحيمــي | الاستشارات الطبية | الترحيب بالاعضاء الجدد | قسم الاشغال الايدويه | قسم الاشغال اليدويه | مجلة الحقله الالكترونيه | حصريات مطبخ الحقله | ديوان الشاعر ابوطراد |



Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
TranZ By Almuhajir
Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

Ramdan √ BY: ! Omani ! © 2012
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
Forum Modifications Developed By Marco Mamdouh
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.

جميع المواضيع والمُشاركات المطروحه في منتديات الحقلة تُعبّر عن ثقافة كاتبها ووجهة نظره , ولا تُمثل وجهة نظر الإدارة , حيث أن إدارة المنتدى لا تتحمل أدنى مسؤولية عن أي طرح يتم نشره في المنتدى

This Forum used Arshfny Mod by islam servant