قوله: ﴿ إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا ﴾ بدل اشتمال من قوله: ﴿ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ ﴾ [البقرة: 165] أي: إذ يتبرأ، وجاء التعبير بالماضي لتحقيق وقوعه، و"تبرأ": أظهر البراءة وتخلى وبعد.
﴿ الَّذِينَ اتَّبَعُوا ﴾ أي: المتبوعون من السادة والكبراء والرؤساء والقادة في الشرك والشر ورأسهم إبليس، وأتباعه من دعاة الكفر والضلال كفرعون وأمثاله الذين يدعون الناس إلى متابعتهم على الباطل، كما قال تعالى: عن فرعون أنه قال لقومه: ﴿ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ ﴾ [غافر: 29].
وقال تعالى عن الكفار: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ ﴾ [العنكبوت: 12].
﴿ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا ﴾ أي: من الأتباع والضعفاء، أي: إذ تبرأ المتبوعون من أهل الضلال من أتباعهم وتخلوا عنهم وأنكروهم، وتنصلوا من وعدهم لهم بالشفاعة في الآخرة، كما قال تعالى: ﴿ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [إبراهيم: 22].
﴿ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ ﴾ معطوفة على ما قبلها، أو حال، والضمير المجرور في ﴿ بِهِمُ ﴾ عائد إلى الفريقين، والباء للملابسة، أو للسببية أو بمعنى "عن".
والأسباب: جمع سبب، وهو ما يتوصل به إلى غيره، أي: وتقطعت بهم العلائق والصلات والمودات التي كانت بينهم في الدنيا لغير الله، والحيل وأسباب الخلاص التي يؤملونها.
قال ابن القيم[1]: "وذلك لأن تلك الغايات لما اضمحلت وبطلت اضمحلت أسبابها وبطلت، فإن الأسباب تبطل ببطلان غايتها، وتضمحل باضمحلالها، وكل شيء هالك إلا وجهه سبحانه، وكل عمل باطل إلا ما أريد به وجهه، وكل سعي لغيره باطل ومضمحل"[2].