فهذا الإحياء من حيث الأصل العام أرجى ما يكون بالقيام ، فأفضل ما يكون في إحياء الليل إحياؤه بالصلاة لأن الله امتدح القائمين والمتهجدين بناديه الذين يرجون رحمته ويخافون عذابه ، { أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ } فأخبر سبحانه وتعالى أنهم يرجون رحمته ويخافون عذابه فقال لنبيه عليه الصلاة والسلام يدله على فضل القيام والعبادة والصلاة بالليل وأنه طريق لحصول كرائم الدنيا والآخرة ، فجعل كرائم الآخر التي هي من أعظم المكرومات وأجلها جعلها مقرونة بقيام الليل فقال سبحانه { وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَىٰ أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا}
فجع المقام المحمود الذي يحمده عليه الأولون والآخرون مقرواناً بقيام الليل ولذلك قام صلي الله عليه وسلم حتى تورمت قدماه ، فدلت هذه النصوص على أن الأفضل في إحياء الليل الصلاة ولذلك قال( صلي الله عليه وسلم )( إستقيموا ولن تحصلوا واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة ) فجعلها أفضل القروبات وأجل الطاعات فأفضل ما تحيا به ليلة القدر الصلاة ، ولأنه في الصلاة يحصل الفضائل في غيرها ففي الصلاة قراءة القرآن والتسبيح والتكبير والتمجيد للعظيم الرحمن ، فقد جمعت الخير الموجود في غيرها وأفضل ما يكون في الصلاة كثرة تلاوة القرآن لأن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عندما سأل عن أفضل الصلاة قال : طول القنوت ، وطول القنوت أي طول القيام اشتمالها علي تلاوة القرآن ، فأفضل ما يكون أن يصلي ، ثم إذا أرهق في الصلاة وأراد أن يتقوى عليها وجلس فالأفضل أن يذكر الله بتلاوة القرآن لأنه أفضل ما ذكر به سبحانه وتعالى كلامه وأفضل ماتقرب به إلى الله عز وجل من الحكم قراءة القرآن قال ( صلى الله عليه وسلم ) { إن فضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه } فهو الرحمة والنعمة والنور والخير والبركة فإذا أراد الإنسان أن يصيب الطاعة في ليلة القدر فليكن بتلاوة كتاب الله عز وجل ولا يسئم ولا يمل ، فعليه أن يجد ويجتهد ويفرح بتفضيل الله عز وجل له وتيسير الذكر له فيجتهد في ذلك ما استطاع إليه سيبلا ، ثم بعد ذلك بعد تلاوة القرآن هذا الأمران الصلاة وتلاوة القرآن ثبت بهم النص .
بقيت أنواع أخرى منها الدعاء : وأفضل ما يكون في ليلة القدر منالدعاء سؤال الله عز وجل العفو وإذا عفا الله عز وجل عن عبده فقد أمنه من عقوبته وأصابه برحمته ومن عفا الله عنه فقد زحزحه عن النار ، وأمنه من سخطه وعقابه ، لأن لا سبيل لعقوبة إلا بالذنب ، وإذا عفا الله عن الذنب فقد قفل عنه أسباب البلاء وحجبه عن طريق الشقاء ، فلذلك سأل الله العفو ، ويدل على ذلك الحديث الصحيح { يا رسول الله لو أني أريت ليلة القدر ماذا أقول ) قال : قولي ( وحي من السماء عى رسول الأمة ( صلى الله عليه وسلم ) يعلم به أم المؤمنين وهو تعليم للأمة جمعاء ) إذا أريت ليلة القدر اللهم أيا الله إنك عفو هذه صفة من صفاته سبحانه وتعالى إنك عفو وهي صفة كمال وجلال لله سبحانه وتعالى لأنه لا تضره معصة العاصين ولا تنفعه طاعة المطيعين ، إنك عفو تحب العفوفهذا من كرمه سبحانه يحب العفو فيعفو للعبد ذنوب العمر في طرفة عين ، ولربما عمل العبد حسنة واحدة كفر الله بها عن وجهه النار ، ولربما عمل العبد حسنة واحدة كتب الله له بها الجنة ، ولربما عمل حسنة واحدة فكتب له بها سادة الدنيا والآخرة . فهوكريم سبحانه وتعالى ، تحب العفو فهو يحب العفو لأنه كريم وقد بلغ غاية الكرم فلا منتهى لكرمه سبحانه وتعالى تحب العفو فاعف عني ، اعتراف بالتقصير واعتراف بالإساءة ، وما من عبد ولو عظمت منزلته وارتفعت درجته إلا وعنده السيئات والخطيئات ، فمن مستقل ومن مستكثر .
فخير ما يدعي به ليلة القدر أن يقول العبد وقد وقف على باب أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين مستشعراً ذنوبه وتقصيره وعيوبه وإساءته في جنب الله جل جلاله يناديه من كل قلبه وملء لسانه اللهم إنا عفو تحب العفو فاعف عني ، فينادي وهو يعتقد في قرارة قلبه أن من ينادي عفو يحب العفو ، ما أجملها من كلمات من أشرف الخلق وسيد الكائنات صلوات الله وسلامه عليه وهو يقول : قولي اللهم إنك عفو ، فبدأ بالوسيلة وهي التوحيد وهذا يدل علي شرف التوحيد وأنه هو وسيلة العبد إلى ربه أول ما بدأ في ليلة القدر التي يرجى فيها الإجابة بدأ بهذه الوسيلة الشافعة النافعة للعبد وهي توحيد الله وما استفتح عند دعاءه بوحيد الله وتمجيده إلا رجيت له الإجابة ، لأنه إذا استفتحوا بتوحيد الله والثناء علي الله فتحت له أبواب السماوات .
اللهم أنك عفو فصيغة التوكيد والجزم والإعتقاد الجازم إنك عفو فهو العفوسبحانه تحب العفو ، انظر كيف العبد يتقرب إلى ربه ، والرب سبحانه يفتح للعبد باب الرجاء يقول سبحانه ( يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم ) أعطاه العذر قبل أن يعاتبه ( ما غرك بربك الكريم ) وكأنه يقول كرمك يارب هو الذي غرني ، يعلمه حتي كيف يعتذر ، وكأن الإجابة في السؤال .
فما أعظمه من رب وما أجله سبحانه من خالق كريم .
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجعلنا من رحماته وبركاته وإحسانه أوفر حظ المؤمنين .
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك