قد لا يدرك بعض الآباء قدر المهمة العظيمة التي يقومون بها عند تربية بناتهم , وقدر الرسالة السامية التي يحفظون بها القيم والأخلاق في المجتمع المسلم إن أحسنوا تلك التربية فضلا عن الأجر والثواب المرجوين لأنها قربى إلى الله سبحانه.
ففي الحديث يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ” من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين وضم أصابعه ”
ولعظيم هذا الأجر تستحق تربية البنات أن يوليها الآباء عناية كبيرة خاصة إذا تيقنا بالعاقبة السيئة على الفرد والمجتمع إن أُهمل في تلك التربية
ولكن بعض الناس قد يستسهل أمر التربية عموما للبنين والبنات على حد سواء , ويقلل من شأنها , بل ويعتبر أن تربية البنات يسيرة ولا تستحق أن يُجهد لها , فيعتقد أنه لا بديل في معاملة البنات عن الشدة والحزم والضغط الذي يصل أحيانا إلى الضرب والحرمان وكافة أنواع الإيذاء البدني والنفسي , وذلك من خلال توارث الناس لتلك المفاهيم في تراثهم الشعبي .
ولنا مع تربية البنات وقفات
- في تربية البنات شرف كبير للمسلم لأنه حينذاك يتأسى بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إذ كان أبا لأربع بنات فرباهن وأدبهن وأحسن تربيتهن حتى أثمرت تلك التربية النبوية بنتا مثل السيدة فاطمة رضي الله عنها التي روى البخاري قول رسول الله لها قبيل وفاته ” أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة أو نساء المؤمنين ”
- البنات بفطرتهن رقيقة ضعيفة لا يصلح معها ما قد يصلح من الشدة والغلظة التي ربما يتعامل بها بعض الآباء مع الذكور من أبنائهم , فهي التي تنشأ في الحلية والزينة ولا تمتلك القدرة على المجادلة والخصومة قال الله عز وجل ” أومن ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين ” ولذلك تحتاج تربيتهن إلى وسائل أخرى تتناسب مع رقتهن وتكوينهن الفطري الذي خلقهن الله به
- قد يظن بعض الآباء أن دورهم التربوي للبنات ينحصر في توفير الملبس والمأكل والمال وفي وضع المحاذير ومعاقبة البنت إن خالفت أو وقعت في محظور ويلقي بتبعة التربية على عاتق الأم وحدها ويظن انه قد أدى كل ما عليه , ونحن إذ لا ننكر قيمة دور الأم التربوي في حياة أبنائها وبناتها فإننا نتحدث عن مرحلة تحتاج فيها البنت إلى أبيها ليقوم بدوره التربوي الذي لا تستطيع الأم مهما فعلت أن تقوم به , فتربية البنات عملية مشتركة بين الأب والأم لا يغني أحدهما عن الآخر
- في مرحلة الطفولة تحتاج البنت لأمها لتقوم بأمرها ولكنها في مرحلة المراهقة تحتاج احتياجا مباشرا وشديدا لأبيها ليمارس دورا هاما لاستقامة حياتها بعد ذلك , وإذا تقاعس الأب عن أداء الدور أو كان غير متفهم له أو غير مقدر لخطورته سيكون هو معول الهدم الأول في حياة ابنته وسيحدث أزمة داخلها لا عاصم بعد الله من آثارها المدمرة
- يتعلم المربون من خير من ربى البنات صلى الله عليه وسلم كيفية معاملته للبنت الصغيرة وهو يضرب المثل للرجال جميعا كي يحسنوا إلى بناتهم في مجتمع كانت سمته وأد البنات
وسمح الرسول لعائشة رضي الله عنها باللعب على كتفيه
- من سمات النساء عموما لاسيما البنات أنهن ضعيفات وعاطفيات يبحثن دائما عن الأمان وأول من تنشد البنت عنده الأمان هو الأب وأول مكان تأوي إليه البنت عند شعورها بالخوف في أي مرحلة من مراحل حياتها هو بيت أبيها ولهذا لابد للأب أن يوفر الأمان النفسي لابنته قبل الأمان المادي وحينما يقصر في ذلك وتشعر البنت أنها قد افتقدت الأمان عند أبيها وفي بيت أسرتها ستطلب الأمان خارجه وقد تتلقفها الأيدي الكاذبة الخادعة الماكرة ذات المنطق المعسول وما أكثرها , وحينها لا يلومن الأب إلا نفسه بعد فوات الأوان لأنه هو الذي دفع ابنته للانحراف بسبب سلوكه
- في فترة المراهقة تحدث تغيرات جسمانية ونفسية معلومة للكثير في حياة البنت المراهقة , فبعض الآباء يهتم في تلك الفترة بالبحث عن وسيلة لتعليم ابنته الأحكام الفقهية وربما يلقي بالمهمة على الأم لتعلم ابنتها سرا ما يُستحيا من ذكره على العلن , والأحكام –على أهميتها الكبيرة – ليست كل ما يجب الاهتمام به , فالمراهق يشعر بنوع من الانجذاب الانفعالي للجنس الآخر ويرغب في تواجد الآخر إلى جانبه بشكل دائم والتحدث والاستماع إليه , والبنت المراهقة ترى أول رجل تقع عليه عيناها هو أبوها الذي يختزل في نظرها كل الرجال وعليه تبني مقياسها للحكم على الرجال في باقي حياتها , فإن كان أبا متفهما لدوره التربوي مقدرا لمشاعرها ازداد إعجابها بأبيها وصار مثلا لها ومعيارا لتقييم الرجال , وحين تتمنى زوجا لها تتمناه يشبه أباها في صفاته وسلوكه ولهذا قيل ” كل فتاة بأبيها معجبة ”
وفي المقابل فالأب القاسي أو المتسلط أو المشغول الذي لا يعلم عن أهله شيئا يفقد القدرة على التأثير في ابنته المراهقة وربما تبحث في الفراغ الذي خلفه عمن يملؤه بدلا منه وحينها يكمن الشر والضرر
- تحتاج البنت المراهقة بوجه عام إلى الشعور بأنوثتها من الطرف الآخر والشعور بالاهتمام منه وأيضا بالشعور بجمالها وتحتاج لسماع كلمات الرفق والتقدير وتحتاج للمسة الحانية وتعتبر البنت أباها كرجل من ذلك الطرف , فان استطاع الأب أن يقدم لابنته ذلك الشعور بعطفه وحنانه الأبوي أقام عندها خطا للدفاع قويا لا يجعلها هشة إن سمعت كلاما معسولا أو لُوح لها بلمسة حانية أو نظرة إعجاب , وقد يتعجب البعض من هذا الطرح
ولكن ما وجدت في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في تعامله مع بناته يؤكد ذلك فقد كان يعظم شأن بناته ويشعرهن بوافر حبه ورحمته بهن , فتوضح ذلك أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها
فتقول: ما رأيت أحداً كان أشبه سمتاً وهدياً ودلاً برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من فاطمة, كانت إذا دخلت عليه قام إليها فأخذ بيدها وقبَّلها وأجلسها في مجلسه, وكان إذا دخل عليها قامت إليه فأخذت بيده فقبَّلته وأجلسته في مجلسها. رواه أبو داود والترمذي
فرسول الله كأب يهش لابنته ويقربها إليه ويقوم لها ويجلسها في مجلسه وهي تبادله رفقا برفق ورحمة برحمة في قمة سامية في الخلق الرفيع والتربية الكاملة
إن هذا التصرف من الأب يؤمن ابنته ضد الخطر الداهم من كل شيطان يلتف حولها أو يحاول إغواءها بنظرة مغرضة ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب أو كلمة براقة تخطف الأبصار أو اهتمام زائف يلغي العقول ويُذهب بالثوابت
إن مسئوليتكم – أيها الآباء – عظيمة نحو بناتكم فهن أمانة بين أيديكم , فكم من صالحة أنشأت جيلا عظيما كانت نتاج تربية صالحة من أبيها وأمها , وكم من منحرفة أفسدت أمة بأسرها كانت نتاجا لأب ظن أنه بالمال والطعام والشراب قد أدى كل ما عليه نحو بناته
مشرفات المنتدى الاسلامي
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
رد: دور الاباء في حماية الفتاة من الانحراف(حملة تاج الفضيلة)
حديثنا اليوم إن شاء الله حول عمل صالح، يفوز من يؤديه على وجه وبشروطه بثلاثة أمور:
أولها: يُحْجب عن النار، فلا يدخلها.
ثانيها: يحشر يوم الفزع الأكبر مع المصطفى صلى الله عليه وسلم
ثالثاً: تجب له الجنة، بل ويكون فيها مع النبي صلى الله عليه وسلم
فما أعظم هذا الأجر، وما أجلّ هذا الثواب، الذي لا يحرمه إلا محروم.
وهذا الجزاء العظيم أيها المؤمنون مقيد بشروط، لابد للحصول عليه أن تؤدى شروطه وتكمل جوانبه.
فما هو هذا العمل، وما هي شروطه؟
فأقول مستعينةً بالله عز وجل:
هذا العمل أيها المؤمنون:
هو رعاية البنات، والقيام عليهن وعلى مصالحهن، وحمايتهن وهذا شأن ديننا مع المرأة يكرمها ويصونها ويحفظها ويرغب الرجال في الجنة وعظيم الثواب، إن هم قاموا على رعايتها وحفظها.
فما أعظم نعم الله عز وجل على بنات حواء،
يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها: ((من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كُنّ له ستراً من النار)).
ويقول أيضاً: ((من كان له ثلاث بنات فصبر عليهن وكساهن من جدته كن له حجاباً من النار)).
فهذا هو الجزاء الأول، الذي تناله يا عبد الله، ستر وحجاب من النار، فمن زحزح عن النار وادخل الجنة فقد فاز.
جعلني الله وإياكم من الفائزين.
وأما الجزاء الثاني وهو الحشر مع النبي فعن أنس رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه مسلم: ((من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين وضم أصابعه)) [رواه مسلم].
وأما الجزاء الثالث: فتأمل معي هذه النصوص:
عن جابر: ((من كان له ثلاث بنات يُؤويهن ويكفيهن ويرحمهن فقد وجبت له الجنة البتة، فقال رجل بعض القوم: وثنتين يا رسول الله، قال: وثنتين)) [أحمد / والبخاري في الأدب المفرد].
عن أبي سعيد: ((لا يكون لأحد ثلاث بنات أو ابنتان أو أختان فيتقي الله فيهن ويحسن إليهن إلا دخل الجنة)).
عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه مسلم ((من كان له أختان أو ابنتان فأحسن إليهن ما صحبتاه كنت أنا وهو في الجنة، وفرق بين إصبعيه)).
فما أعظم هذا الأجر، وما أجلّ هذه المنزلة؟
ولكنها قيدت بقيود ثقال ومهمّات، تحتاج إلى جهاد وصبر حتى يحققها العبد، فيفوز بهذا الجزاء والأجر. فحرص اخي ان تنال هذ الاجر العظيم