بسم الله الرحمن الرحيم روى البخاري في صحيحه (1385) ومسلم في صحيحه (2658)– واللفظ للبخاري – عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النَبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "كلُّ مولود يُولَد على الفطرة، فأبواه يُهوِّدانه أو يُنصِّرانه أو يُمجِّسانه. . . " الحديث.
وفي صحيح مسلم (2865) من حديث عياض بن حمار المجاشعي رضي الله عنه: ". . . وإنِّي خلقتُ عبادي حنفاء كلّهم، وإنَّهم أتتهم الشياطينُ فاجتالتهم عن دينهم، وحرَّمت عليهم ما أحللتُ لهم، وأمرتهم أن يُشركوا بي ما لم أُنزل به سلطاناً" الحديث.
وهذان الحديثان يدلاَّن على أنَّ دينَ الإسلام هو دينُ الفطرة، وعقيدةَ أهل السُّنَّة والجماعة مطابقةٌ للفطرة، ولهذا جاء في حديث معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه في صحيح مسلم (537) في قصة جاريته، وفيه أنَّه قال: "أفلا أُعتقها؟ قال: ائتنِي بها، فأتيتُه بها، فقال لها: أين الله؟ قالت: في السماء، قال: مَن أنا؟ قالت: أنت رسول الله، قال: اعتقها فإنَّها مؤمنة".
فهذه الجاريةُ بفطرتها أجابت بأنَّ الله في السماء، وقد قال الله عزَّ وجلَّ: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ}، والمراد بالسماء العلو، أو تكون (في) بمعنى (على) كما في قوله تعالى: {وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} أي: على جذوع النخل.
وأمَّا الذين ابتُلوا بعلم الكلام، فإنَّهم يقولون: إنَّ علوَّ الله عزَّ وجلَّ علُوُّ قدر وقهر، وأهلُ السَّنَّة والجماعة يقولون إنَّ علُوَّ الله عزَّ وجلَّ علُوُّ قدر وقهر وذات، وقد جاء عن بعض المتكلمين وغيرهم عباراتٌ تدلُّ على أنَّ السلامةَ والنجاةَ إنَّما هي في عقيدة العجائز المطابقة للفطرة، وقد نقل شارحُ الطحاوية عن أبي المعالي الجوينِي كلاماً ذمَّ فيه علمَ الكلام، وقال فيه عند موته: "وهَا أنا ذا أموت على عقيدة أمِّي، أو قال: على عقيدة عجائز نيسابور".
وفي ترجمة الرازي - وهو من كبار المتكلِّمين - في لسان الميزان (4/427): "وكان مع تبحُّره في الأصول يقول: من التزم دينَ العجائز فهو الفائز".
وقال أبو محمد الجويني والد إمام الحرمين في نصيحته لمشايخه من الأشاعرة (1/185 – مجموعة الرسائل المنيرية): "فمن تكون الراعية أعلم بالله منه لكونه لا يعرف وجهة معبوده، فإنَّه لا يزال مظلمَ القلب، لا يستنيرُ بأنوار المعرفة والإيمان".
وروى ابن سعد في الطبقات بإسناد صحيح على شرط مسلم (5/374) عن جعفر بن بُرقان قال: "جاء رجلٌ إلى عمر بن عبد العزيز فسأله عن شيء من الأهواء، فقال: الزَم دينَ الصبِيِّ في الكُتَّاب والأعرابيِّ، والْهُ عمَّا سوى ذلك"، وعزاه إليه النووي في تهذيب الأسماء واللغات (2/22).
قطف الجنى الداني شرح مقدِّمة رسالة ابن أبي زيد القيرواني
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك