لإنكار المنكر ثلاث مراتب دل على ذلك ماأخرجه الإمام مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (من رأى منكم منكراًُ فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ). (1) 1/ أن يكون لدية القدره على التغيير باليد :-
وقد قيد العلماء الإنكار باليد بقيود هي : قال سماحه الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله : (الإنكار باليد مع القدره ,وذلك بإراقه أواني الخمر, وكسرآلات اللهو, ومنع من أراد الشر بالناس وظلمهم من تنفيذ مراده , وإن استطاع ذلك؛ كالسلطان ونحوه , ومن أهل القدرة ؛كإلزام الناس بصلاة , وبحكم الله الواجب اتباعه ممن يقدر على ذلك إلى غير هذا مما أوجب الله , وهكذا المؤمن مع أهله وولده يلزمهم بأمر الله ,ويمنعهم مما حرم الله باليد إذا لم ينفع فيهم الكلام ؛ وهكذا من له ولاية من أمير أو محتسب ,أو شيخ قبيلة أو غيرهم ,مما له ولاية من جهة ولي الأمر , أو من جهة جماعته , حيث ولوه عليهم , وعند فقد الولاية العامة يقوم بهذا الواجب حسب طاقته ).
وقال الشيخ عبد الله الجبرين رحمه الله: (حد القدره باليد : كونه المغير عنده صلاحية لإزالة هذا المنكر ,وأهلية لإزالة هذا المنكر, وتمكن من القضاء عليه دون خوف من ضرب أو سجن أو إهانه ). 2/ لايترتب عليه منكر أشد منه :-
قال القاضي عياض رحمه الله في شرح حديث من رأى منكم منكراً: (هذا الحديث أصل في صفه التغيير فحق المغير أن يغيره بكل وجه أمكنه زواله به قولاً كان أو فعلاً , فيكسرآلات الباطل , ويريق المسكر بنفسه أو يأمر من يفعله وينزع الغصوب ويردها إلى اصحابها بنفسه , أو بامره إذا أمكنه , ويرفق في التغيير جهده بالجاهل, وبذي العزه الظالم المخوف شره , إذ ذلك أدعى إلى قبوله قوله , كما يستحب أن يكون متولي ذلك من أهل الصلاح, والفضل لهذا المعنى ,ويغلظ على التمادي في غيه والمسرف في بطالته إذا أمن أن يؤثر إغلاظه منكراً أشد مما غيره؛ لكون جانبه محميا عن سطوة الظالم , فإن غلب على ظنه أن تغييره بيده يسبب منكراً أشد منه من قتله أو قتل غيره بسببه كف يده واقتصر على القول باللسان, والوعظ ,والتخويف ,فإن خاف أن يسبب قوله مثل ذلك غير بقلبه , وكان في سعه ,وهذا هو فقه المسألة ,وصواب العمل فيها عند العلماء والمحققين).
فأشترط ألا يترتب على إنكار منكر أشد منه ,ففي مسألة التغيير باليد خاصة, إذا جعل ذلك لكل أحد وفي كل منكر , فإن ذلك قد يؤدي إلى مفاسد اخرى ؛ كإلحاق الضرربالمحتسب ؛أيضا يجب الاتغيب عن فتنه العوام وتأويلهم المعوج لإنكاره باليد , ولهذا امتنع النبي صلى الله عليه وسلم من قتل أو عقاب عبد الله بن أُبي , كي لايقول الناس : إن محمداً صلى الله عليه وسلم يقتل أصحابه فيسبب ذلك نفور الناس من الدخول بالإسلام ففي الصحيحين عن جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما- قال: (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة فكسع رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار ,فقال الأنصاري ياللأنصار !وقال المهاجري :ياللمهاجرين ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مابال دعوى الجاهلية ؟ قالوا: يارسول الله كسع رجل من المهاجرين رجل من الأنصار ,فقال دعوها فإنها منتنه ؛ فسمعها عبد الله بن اُ بيّ فقال: قد فعلوها والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل, قال عمر : دعني أضرب عنق هذا المنافق ,فقال: دعه لايتحدث الناس الناس أن محمداً يقتل أصحابه ).(2)
وقال النووي : وفيه ترك بعض الأمور المختاره ,والصبر على بعض المفاسد خوفاً من أن تترتب على ذك مفسدة أعظم منه.
وكذلك امتناعه صلى الله عليه وسلم أيضاً عن هدم الكعبة, وإعاده بنائها على أسس إبراهيم , لخوفه من تأويل الناس الخاطئ لذلك ففي الصحيحين عن أم المؤمنين عائشه رضي الله عنها قالت : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لولا حداثه قومك بالكفر لنقضت البيت ثم لبنيته على أساس إبراهيم عليه الصلاة والسلام فإن قريشا استقصرت بناءه وجعلت له خلفا ). (3)
وقال الإمام النووي عند شرحه للحديث السابق: ( وفي هذا الحديث دليل لقواعد من الأحكام منها:- إذا تعارضت المصالح أو تعارضت مصلحه ومفسدة وتعذر الجمع بين فعل المصلحة وترك المفسده بدئ بالأهم ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن نقض الكعبة وردها إلى ماكانت علية من قواعد إبراهيم صلى الله عليه وسلم مصلحة , ولكن تعارضه مفسده أعظم منه , وهي من خوف فتنه بعض من أسلم قريباَ, وذلك لما كانو يعتقدونه من فضل الكعبه , فيروون تغييرها عظيماً ,فتركها صلى الله عليه وسلم ). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : (فإن الأمر والنهي وإن كان متضمنا لتحصيل مصلحة ودفع مفسدة,فينظر في المعارض له , فإن كان الذي يفوت من المصالح , أو يحصل من المفاسد أكثر , لم يكن مأمورا به ؛ بل يكون محرما,إذا كانت مفسدته أكثرمن مصلحته ).(4) وقال الشيخ عبد الله الجبرين في هذ القيد : (وهكذا أيضاَ يرد كل عاص عن معصيته ؛ فهذا إذا كان له هذه القدرة , وجب عليه التغيير باليد , لكن يكون ذلك بالتي هي أحسن لا بالشده والعنف , التي تكون منفره , أو موقعه لإولئك الذين يغير عليهم في إساءة الظن بهؤلاء الدعاة , وهؤلاء المغيرين , فإن أدى ذلك إلى إساءة الظن بهم , وإلى رميهم مثلاً بالتسرع أو ماأشبه ذلك , أنتقل الأصل الى التغيير باللسان). (5) 3/ لايلجأ إليها إلا عند تعذر الاحتساب بغيرها : -
وذلك بأن يستخدم المحتسب جميع درجات الإنكار التي أقل من اليد, وهي كما عدها العلماء خمس درجات : -
اولها : التعريف.
الثاني: الوعظ بالكلام اللطيف.
الثالث: السب, والتعنيف .
الرابع : المنع بالقهر بطريق المباشرة ؛ ككسر الملاهي .
الخامس : التخويف , والتهديد بالضرب .
فيستخدم التعريف , ثم الوعظ بالكلام اللطيف , ثم السب والتعنيف , ولا يلجأ إلى التغير باليد إلا عند تعذر ذلك كله . قال في الآداب الشرعيه : ( ويبدأ في إنكاره بالأسهل ويعمل بظنه في ذلك , فإن لم يزل المنكر الواجب , زاد بقدر الحاجه ), وقال ايضاَ : ( وله كسر آله اللهو , وصور الخيال , ودف الصنوج, وشق وعاء الخمر , وكسر دنه إن تعذر الإنكار بدونه )
وكذا قال في معالم القربه في أحكام الحسبة: ( ويبدأ في الإنكار بالأسهل فإن زال وإلا أغلظ ) فيفهم من هذا أن الإنكار باليد له أصل في الشرع ولكن له قيود وهي: -
القيد الأول : ألا يحتسب بهذه الوسيلة إلا من عنده القدرة على ذلك ؛ك صاحب البيت فيما يقدر عليه, وكالسلطان ومن يفوضه ؛ كهيئه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيما حدد لها .
والقيد الثاني: ألا يترتب على أحتسابه منكر أشد منه .
القيد الثالث: ألا يلجأ إلى استخدام اليد إلا عند إستنفاذ جميع درجات الاحتساب الأقل والأسهل .
(1)اخرجه مسلم في كتاب الإيمان . (2)أخرجه البخاري في كتاب المناقب . (3)أخرجه البخاري في كتاب الحج . (4)الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لشيخ الإسلام ابن تيميه ص 47. (5)حاجه البشر إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للشيخ عبد الله بن جبرين ص79.
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك