يعرف الدين بأنه: وضع إلهي، يحسن الله جل جلاله به إلى البشـر، على لسان واحد منهم – رسول - لا كسب له فيه ولا صنع؛ جاء في التحرير والتنوير: (وقد عرف العلماء الدين الصحيح بأنه: وضع إلهي سائق لذوي العقول باختيارهم المحمود إلى الخير باطنًا وظاهرًا)[1]، وقد استعمل القرآن الكريم كلمة دين بمعانيها اللغوية المتعددة عند العرب؛ فمن معاني الدين التي جاءت في القرآن الكريم:
♦ الجزاء والحساب؛ لقوله تعالى: ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ [الفاتحة: 4]؛ وهو يوم القيامة؛ أخرج الحاكم من طريق السدي عن مرة الهمداني عن ابن مسعود وناس من الصحابة، في قوله تعالى: ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ [الفاتحة: 4]؛ قال: هو يوم الحساب ويوم الجزاء[2].
♦ النظام الخاص بالأحكام وطرائق العبادة؛ وجاء هذا المعنى في قوله تعالى: ﴿ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [الشورى: 21]؛ قال البغوي رحمه الله: "قوله عز وجل: ﴿ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ﴾ [الشورى: 21]؛ يعني: كفار مكة، يقول: أم لهم آلهة سنُّوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله جل جلاله؛ قال ابن عباس رضي الله عنهما: شـرعوا لهم دينًا غير دين الإسلام"[3].
♦ الحكم والسلطان؛ قال تعالى: ﴿ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ﴾ [يوسف: 76]؛ جاء في بحر العلوم: ﴿ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ ﴾ [يوسف: 76]؛ "يعني: في قضاء ملك مصـر؛ لأنه لم يكن في قضائه أن يُستعبد الرجل في سرقته"[4].
فكل الأنبياء عليهم السلام بعثهم الله جل جلاله بعقيدة التوحيد؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء: 25]، والنبي هو الذي يوحى إليه، والرسول من يؤمر بتبليغ قومه، وإن أصابه ما أصابه؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((أنا أولى الناس بابن مريم، والأنبياء أولاد عَلات، ليس بيني وبينه نبي))[5]؛ قال المناوي رحمه الله: "((والأنبياء أولاد علات)) بفتح المهملة، إخوة لأب، وأمهاتهم شتى؛ أي: متفرقة، فأولو العلات أولاد الرجل من نسوة متفرقة؛ أي: أصل دينهم واحد؛ وهو التوحيد وفروع شرائعهم مختلفة"[6].
♦ النظام الكوني الكامل والخالي من النقص، وإن هذا النظام المحكم مخلوق ومختار من قبل ذي قوة وحكمة؛ وهو الله جل جلاله العالم بطبيعة الإنسان وأخلاقه وهواجسه ونزعاته، والله جل جلاله هو الذي يكافئ الإنسان على طاعته لهذا النظام؛ يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ [آل عمران: 19]، وقوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [آل عمران: 85].
وبذلك يكون الدين بمعناه الإجمالي هو النظام العلمي والعملي الكامل، والشامل، والصحيح، والمناسب للناس في الأزمان والأماكن كافة، وللمناحي كافة؛ الدينية، والسياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية، والبيئية ...؛ إلخ.
وقد اختار الخالق سبحانه وتعالى الشـريعة الإسلامية التي بعث بها رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم لتكون خاتمة للشـرائع السماوية، ومكملة لها ومهيمنة عليها، فيكون الدين الإسلامي بما يتضمن من عقائد وأحكام هو منهج الحياة المثالي الذي ينفع الناس؛ قال تعالى: ﴿ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [القصص: 68].
إن اختيار الخالق جل في علاه لهذا النظام الكوني الدقيق والمتكامل إنما هو من أجل رفع الحرج عن الناس، والحفاظ على ضـروريات الحياة الخمس لهم، وهذه الضروريات قد استنبطها العلماء من فهمهم الواعي لمراد الله تبارك وتعالى في تشريعاته؛ وهي: الدين، العقل، النفس، المال، النسل.
وإنَّ البشـرية إنِ انحرفت عن جادة الحق، وبحثت عن شـرائع مِن هنا وهناك، هلكت في الدارين، بوعد حق صادق من ربهم؛ قال تعالى: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ ﴾ [التوبة: 68].
غير أن الحقيقة المرة والمؤلمة هي أن أكثر الناس لا يلتزمون بما ينزل عليهم من ربهم من الشـرائع التي تتضمن الأحكام؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ﴾ [يوسف: 103]، ﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾ [يوسف: 106]، ﴿ المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الرعد: 1].
[1] التحرير والتنوير، الطاهر ابن عاشور، ج3، ص46.
[2] الروايات التفسيرية في فتح الباري، عبدالمجيد الشيخ عبدالباري، ج1، ص124.
[3] معالم التنزيل، الحسين بن مسعود البغوي، ج7، ص190.
[4] بحر العلوم، أبو الليث السمرقندي، ج2، ص203.
[5] صحيح البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله: واذكر في الكتاب مريم، ج3، ص 1270، حديث: 3258.
[6] التيسير بشرح الجامع الصغير، عبدالرؤوف المناوي، ج1، ص766.
الألوكة
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك