تعريف العاطفة: وهي انفعال يتغلغل في ثنايا النفس الإنسانية متمهلاً ولكنه لا يلبث أن يستولي عليها حتى يصبح الموجه الأساسي في السلوك .
تكوَّن العاطفة: لنأخذ عاطفة الحب مثلاً: فإذا تقابل شخصان لأول مرة كان الوضع الطبيعي بينهما عادياً محايداً فإذا ما تكررت اللقاءات تحت ظروف مختلفة نتج عن ذلك مجموعة من الانطباعات والإيحاءات والتصورات يميل أغلبها إلى السرور حيث يجنح هذا السرور إلى بذر بذور العاطفة التي تتطور إلى عاطفة الاحترام ومن ثم إلى عاطفة الإعجاب إلا أنه قد يكون هذا الاحترام أو الإعجاب المتبادل بين الطرفين دون معرفة مباشرة وهذا ما نراه واضحاً من علاقة الاحترام والإعجاب بين القارئ المتلقي والأديب المبدع وذلك عن طريق كتب هذا الأديب .
وفي مرحلة لاحقة لابد أن يتحول هذا الإعجاب والاحترام إلى مرحلة متقدمة هامة هي مرحلة الصداقة بين الطرفين التي لابد أن تكون متبادلة حتى تستمر .
ومن هنا يتبين لنا بأن العواطف تنظم النشاط الانفعالي حول موضوع معين تحت تأثير عوامل كثيرة منها: البيئة، الثقافة، الاكتساب .
أنواع العواطف: فقد تكون العاطفة حول موضوعات عامة كعاطفة حب شخص معين للأطفال مثلاً أو عاطفة كراهية للغش والخداع أو عاطفة حب سام للحق والواجب والوطن .
إن العاطفة تطبع سلوك الإنسان بنوع من الثبوت والاستقرار ولا شك بأننا نستطيع أن نتبأ بسلوك شخص ما في موقف معين إذا عرفنا نوع عاطفته وعاداته وانفعالاته ... فالطفل يحب أمه ويفرط في التعبير عن ذلك وتظل هذه العاطفة مدى الحياة وحتى لو قل تعبيره عنها في مراحل لاحقة من حياته لأن النقص هنا في التعبير عن العاطفة يعود إلى ظروف وتقاليد اجتماعية معقدة لا إلى ضعف العاطفة نفسها وكثيراً ما يحب الإنسان شخصاً لأنه يشابه آخر كان قد أحبه في الماضي كذلك نلاحظ كيف أن بعض الطلاب يحبون مواد معينة نتيجة حبهم لأساتذتهم في هذه المواد والعكس صحيح .
وعلى هذا نشير إلى أنه كم ساعدتنا العاطفة في ضبط سلوكنا وزيادة مهارتنا لتثير إعجاب ومحبة آبائنا وأصدقائنا وأساتذتنا .
فالعواطف محرك ومحرض للسلوك كما هو الحال مع العقل !! لذلك كان من الضروري أن يكون العقل والعاطفة متعاونين من أجل حياة متزنة وحينئذ ننعم بحكمة العقل وجلال العاطفة معاً .
العاطفة والأدب: وتقدر العاطفة بصحتها واعتدالها أي أن تكون الأسباب التي أثارتها صحيحة جيدة ، يقول أحد النقاد:
(إن الإعجاب قد يثار بعرض ألعاب نارية أو بتنظيم المخازن مثلاً في شارع من الشوارع وهذه العاطفة ليست بعاطفة أدبية لأن الأساس الذي بنيت عليه مزيف لا يستحق الإعجاب ولكن الإعجاب من انعقاد الزهرة ثم تفتحها يعد عاطفة أدبية وكأن ظهور هذه القوة الروحية التي تعمل في تكوين الزهرة وما في ذلك من جمال حي لا ينتهي عند حدود الإعجاب بها) .
فإذا نحن استعرضنا مثلاً عاطفة الحب عند مجنون ليلى أو في رواية "غادة الكاميليا" وجدناها عاطفة باردة نشأت من عاطفة مريضة وهذا ما نلمحه في كثير من شعر لزوميات أبي العلاء فهو شعر متشائم حزين فقد يصب الشاعر غضبه على الدنيا وما فيها لأن إنساناً جنى على الأخلاق وقد يفضل الصخرة على الإنسان لأن الصخرة لا تظلم ولا تكذب .
وتقدر العاطفة أيضاً بقوتها وحيويتها فإذا عرض علينا كتاب أو قطعة أدبية تساءلنا:
هل أثارت هذه القطعة عواطفنا وحركت مشاعرنا ؟ وهل وسعت نظرنا وأحيت قلبنا؟ إن كانت كذلك كانت بالفعل أدباً رفيعاً!! وكلما كان هذا المعنى واضحاً فيها كانت القطعة أقرب إلى الكمال في الأدب .
هذا ويجب أن نعلم أنه من المستحيل أن نجد قياساً عاماً للعواطف المختلفة فهناك عواطف حنان وعواطف جلال وعواطف إعجاب وعواطف كراهية واشمئزاز ومن الصعب أن تقول: إن هذه العاطفة أقوى من تلك .
وكذلك يختلف الناس باختلاف طبائعهم وأمزجتهم في العاطفة التي تهيجهم فإنسان تثيره عاطفة الحزن وآخر عاطفة السرور وثالث عاطفة الإعجاب ....
ولهذا كان من المستحيل وجود مقياس واحد لنعرف أي العواطف هي الأقوى ومع هذا فإننا نستطيع على وجه العموم أن نقول : إن مقياس القطعة الأدبية هو بمقدار ما فيها من قوة العاطفة التي تعتمد على طبيعة الكاتب أو الشاعر فيجب أن يكون الأديب قوي الشعور فيما يكتب وإلا عجز في العادة أن يثير شعور القراء وكثيراً ما يكون الكاتب مزوداً بعوامل ومقومات فنية كثيرة كجودة التعبير وروعة الخيال ثم هو يخفق لأنه يفتقر إلى العاطفة الصادقة وكذلك قد يكون له نظر ثاقب يدرك الجمال وشعور رقيق وفكاهة حلوة ولكن ليست له العاطفة القوية فيفشل بل كثيراً ما نجد له من ثراء العاطفة ما يسد تقصيره في النواحي الأخرى ولسنا نعني بالعاطفة القوية العاطفة الهدامة المعربدة الهائجة المضطربة فقد تكون هذه مظاهر ضعف فيها وتفضلها العاطفة القوية في ثبات .
الأسلوب والعاطفة: وتعتمد قوة العاطفة على قوة الأسلوب الذي له الأثر الكبير في إثارة العواطف ووضوح المعاني ويظهر أن هنالك شعراء وأدباء قد ملئوا شعوراً ومنحوا عواطف جياشة لكنهم لم يمنحوا أسلوباً ينقلون به عواطفهم إلى سامعيهم وقارئيهم وسبب ذلك ضعف أسلوبهم المتبع .
هذا وللعاطفة تأثيران:
الأول: بقاء أثرها في نفوس السامعين زمناً طويلاً فتكون كالقطعة الموسيقية يسمعها السامع ثم ما تزال ترن في أذنيه بعض الأنغام ويتكرر ذلك أمداً طويلاً وكذلك الشأن في الأدب فبعض القطع الأدبية يؤثر تأثيراً مؤقتاً وآخر يبقى في الذاكرة طويلاً .
الثاني: أن تكون القطعة الأدبية تثير شعوراً متجانساً متسلسلاً وبعبارة أخرى أن تكون وحدة مستقلة فلا ينتقل الأديب من شعور إلى آخر من غير صلة ولسنا نعني أن الكاتب أو الشاعر ألا ينتقل مطلقاً من عاطفة إلى أخرى وإنما نعني أن يحكم لكل منهما الربط حتى لا يكون الانتقال فجاً وقلَّ من الأدباء من يستطيع العناية بهذا المعنى وكذلك تقاس العواطف بخصبها وغناها وتنوعها واستمراريتها وثباتها وقلما يوهب الأديب هذه الموهبة!! فقد يشتهر الأديب ويعظم أمره وهو مع ذلك مفتقر إلى هذه الصفة ونعني بها كثرة التجارب التي تجعل بمقدوره إذا تعرض لنوع من العاطفة أن يستوفي التعبير عنها كما يستطيع أن ينوع في كتابته وشعره فيمسُّ مشاعر مختلفة وهو في كل منها غزير .
وأحوج الناس إلى ذلك أصحاب الروايات لأن كتابتهم ليست ذاتية ولا تعبر عن نفوسهم وعواطفهم الخاصة فحسب وإنما هم يخلقون أشخاصاً يمثلون نواحي الحياة المختلفة ويصفونها وصفاً دقيقاً .
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
موضوع في قمة الخيااال طرحت فابدعت دمت ودام عطائكودائما بأنتظار جديدك الشيق لك خالص تقديري وأشواقي سلمت اناملك الذهبيه على ماخطته لنا اعذب التحايا لك لكـ خالص احترامي