اختلف أهل العلم في حكم الأضحية على قولين:
القول الأول: الأضحية سنة مؤكدة، وهذا مذهب جمهور الفقهاء: المالكية في المشهور (1) ، والشافعية (2) ، والحنابلة (3) ، والظاهرية (4) ، وهو إحدى الروايتين عن أبي يوسف (5) ، واختارهابن المنذر (6) ، والصنعاني (7) ، وابن باز (8) ، واللجنة الدائمة (9) ، وبه قال أكثر أهل العلم (10) .
الأدلة:
أولاً: من السنة:
1- عن أم سلمة رضي الله عنها قالت قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا دخل العشر، وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره ولا من بشره شيئا)) (11) .
وجه الدلالة:
أنه علق الأضحية بالإرادة، والواجب لا يعلق بالإرادة (12) .
2- عن عائشة رضي الله عنها: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بكبش أقرن، يطأ في سواد، ويبرك في سواد، وينظر في سواد فأتي به ليضحي به. فقال لها: يا عائشة هلمي المدية. ثم قال: اشحذيها بحجر. ففعلت: ثم أخذها وأخذ الكبش فأضجعه، ثم ذبحه، ثم قال: باسم الله. اللهم تقبل من محمد وآل محمد، ومن أمة محمد. ثم ضحى به)) (13) .
وجه الدلالة:
أن تضحيته صلى الله عليه وسلم عن أمته وعن أهله تجزئ عن كل من لم يضح، سواء كان متمكنا من الأضحية أو غير متمكن (14) .
ثانياً:الآثار عن الصحابة رضي الله عنهم:
عن حذيفة بن أسيد قال : ((لقد رأيت أبا بكر وعمر رضى الله عنهما وما يضحيان عن أهلهما خشية أن يستن بهما فلما جئت بلدكم هذا حملني أهلي على الجفاء بعد ما علمت السنة)) (15) (16) .
قال عكرمة: ((كان ابن عباس يبعثني يوم الأضحى بدرهمين أشتري له لحما، ويقول: من لقيت فقل هذه أضحية ابن عباس)) (17) .
عن تميم بن حويص يعنى المصري قال: (اشتريت شاة بمنى أضحية فضلت فسألت ابن عباس رضى الله عنهما عن ذلك فقال : لا يضرك) (18)
عن أبى مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: (إني لأدع الأضحى وإني لموسر مخافة أن يرى جيراني أنه حتم علي) (19) وفي رواية: ((لقد هممت أن أدع الأضحية وإني لمن أيسركم مخافة أن يحسب الناس أنها حتم واجب)) (20) .
عن سويد بن غفلة قال: ((قال لي بلال: ما كنت أبالي لو ضحيت بديك, ولأنْ آخذ ثمن الأضحية فأتصدق به على مسكين مقتر فهو أحب إلي من أن أضحي)) (21) .
ثالثاً: أنها أضحية لا تجب على المسافر فلم تجب على الحاضر (22) .
رابعاً: أنها ذبيحة لم يجب تفريق لحمها، فلم تكن واجبة، كالعقيقة (23) .
القول الثاني: أن الأضحية واجبة على الموسر وهذا مذهب الحنفية (24) ، وهو قول للمالكية (25) ،وقول مخرج في مذهب الحنابلة (26) ،وبه قال طائفة من السلف (27) واختاره ابن تيمية (28) والشوكاني (29) ، واستظهره ابن عثيمين (30)
الأدلة:
أولاً: من القرآن:
قوله عز وجل فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الكوثر: 2].
وجه الدلالة:
أن المراد بالنحر ذبح الأضحية (31) ، والأصل في الأمر الوجوب، ومتى وجب على النبي عليه الصلاة والسلام يجب على الأمة لأنه قدوة للأمة (32) .
أحكام القرآن لابن العربي (ص120).
ثانياً: من السنة:
1- عن جندب بن سفيان البجلي قال:((ضحينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أضحية ذات يوم فإذا أناس قد ذبحوا ضحاياهم قبل الصلاة فلما انصرف رآهم النبي صلى الله عليه وسلم أنهم قد ذبحوا قبل الصلاة فقال من ذبح قبل الصلاة فليذبح مكانها أخرى، ومن كان لم يذبح حتى صلينا فليذبح على اسم الله)) (33) .
وجه الدلالة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإعادة الذبح، ولولا أنه واجبٌ لما أمر بذلك (34) .
2 - عن البراء بن عازب، قال: ((خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر بعد الصلاة، فقال: من صلى صلاتنا، ونسك نسكنا، فقد أصاب سنة المسلمين، ومن نسك قبل الصلاة، فتلك شاة لحم، فقام أبو بردة بن نيار، فقال: يا رسول الله، والله لقد نسكت قبل أن أخرج إلى الصلاة، وعرفت أن اليوم يوم أكل وشرب، فتعجلت، وأكلت، وأطعمت أهلي، وجيراني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تلك شاة لحم قال: فإن عندي عناق جذعة هي خير من شاتي لحم، فهل تجزي عني؟ قال: نعم، ولن تجزي عن أحد بعدك)) (35) .
وجه الدلالة:
أن قوله: ((ولن تجزي عن أحد بعدك)) أي لن تقضي، والقضاء لا يكون إلا عن واجب فقد اقتضى ذلك الوجوب (36) .
المبحث الثاني: حكم الأضحية المنذورة
من نذر أن يضحي، فإنه يجب عليه الوفاء بنذره سواء كان النذر لأضحية معينة أو غير معينة، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية (37) ، والمالكية (38) ، والشافعية (39) ، والحنابلة (40) .
الدليل:
عن عائشة، رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه)) (41) .
وجه الدلالة:
أن التضحية قربة لله تعالى فتلزم بالنذر كسائر القرب.
هل تتعين الأضحية بالنية مع الشراء أو بالقول أو بالذبح؟
المبحث الثالث: بم يحصل تعيين الأضحية؟
اختلف الفقهاء في السبب الذي يحصل به تعيين الأضحية على ثلاثة أقوال:
القول الأول: تتعين الأضحية بالقول كأن يقول هذه أضحية، وهذا مذهب الشافعية (42) ، والحنابلة (43) ، واختاره ابن عثيمين (44) .
الأدلة:
أولاً: أنه إزالة ملك على وجه القربة فلا تؤثر فيه النية المقارنة للشراء كالعتق والوقف (45) .
ثانياً: أن الشراء موجب للملك وكونها أضحية مزيل للملك، ولا يصح أن يكون الشيء الواحد في حالة واحدة موجبا لثبوت الملك وإزالته، فلما أفاد الشراء ثبوت الملك امتنع أن يزول به الملك (46) .
القول الثاني: تتعين الأضحية بشراء الأضحية مع أالنية، وهو مذهب الحنفية (47) ،وقول للحنابلة (48) ، وبه قال ابن القاسم من للمالكية (49) ، واختاره ابن تيمية (50) ، واللجنة الدائمة (51) .
الأدلة:
أولاً: من السنة:
1- عن عمر بن الخطاب رضي الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرىء ما نوى)) (52) .
2- عن أبي حصين أن ابن الزبير رأى هدياً له فيه ناقة عوراء فقال: إن كان أصابها بعدما اشتريتموها فأمضوها، وإن كان أصابها قبل أن تشتروها فأبدلوها.
ثانياً: أن الفعل مع النية يقوم مقام اللفظ إذا كان الفعل يدل على المقصود كمن بنى مسجدا، وأذن في الصلاة (53) .
ثالثاً: أنه مأمور بشراء أضحية، فإذا اشتراها بالنية وقعت عنه كالوكيل (54) .
القول الثالث: لا تتعين الأضحية إلا بالذبح، وهذا مذهب المالكية في المشهور (55) ، واختاره الشوكاني (56) .
دليل ذلك:
أنه ليس في اعتبار تعيين الأضحية بمجرد الشراء بالنية دليل يقوم به الحجة، والظاهر أنه إذا ذبحه بنية الأضحية وفى بما عليه وصار فاعلاً لما شرعه الله تعالى لعباده من الضحايا (57) .
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك