عدد الضغطات : 9,099عدد الضغطات : 6,597عدد الضغطات : 6,318عدد الضغطات : 5,539
التميز خلال 24 ساعة
العضو المميز المراقب المميز المشرف المميز الموضوع المميز القسم المميز
قريبا
قريبا
قريبا

بقلم :
المنتدى الاسلامي العام

العودة   منتديات الحقلة > المنتدى الاسلامي > المنتدى الاسلامي العام

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: الوجه الاخر لرجل الأعمال سعد التميمي (آخر رد :عميد القوم)       :: احذروا سوء الظن (آخر رد :ابو طراد)       :: من فوائد وفضائل الذكر (آخر رد :فاطمة صلاح)       :: هل تريد نخلة في الجنة (آخر رد :فاطمة صلاح)       :: وانت في مفترق الطرق تذكر... (آخر رد :فاطمة صلاح)       :: غلط يقع فيه بعض المصلين (آخر رد :فاطمة صلاح)       :: علماء الأزهر (آخر رد :فاطمة صلاح)       :: رائعة جداً (آخر رد :فاطمة صلاح)       :: ايمانيات (آخر رد :فاطمة صلاح)       :: رحله العمر (آخر رد :فاطمة صلاح)      


موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع
قديم 30-06-2015   #1


مصراوي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1899
 تاريخ التسجيل :  27 - 04 - 2015
 العمر : 70
 أخر زيارة : 02-09-2020 (09:50 AM)
 المشاركات : 87,984 [ + ]
 التقييم :  246
 MMS ~
MMS ~
 اوسمتي
الإتقان وسام ادارة المنتدى وسام صاحب الحضور الدائم العطاء الذهبي المسابقه الرمضانيه 2 
لوني المفضل : Cadetblue
أدلة وجود الله...



ليلة, الله..., وجود

ليلة, الله..., وجود

أدلة وجود الله...   أدلة وجود الله... أدلة وجود

أدلة وجود الله...كلمة تمهيدية

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
إن معرفة الله سبحانه وتعالى والإقرارَ بوجوده أمر فطري، مستقر في قلوب الخلق، مغروز في فِطَر الناس أجمعين. وقد حكى جماعة من العلماء المتخصصين في مقالات الطوائف والملل، اتفاقَ الناس على الإقرار بوجود الخالق سبحانه، كما سيأتي بيانه لاحقا إن شاء الله.

وكل إنكار لوجود الصانع سبحانه وتعالى، لم يكن عبر التاريخ إلا على إحدى جهتين:

الأولى: جهة المكابرة مع تيقن النفس بالحق في باطنها، كما قال الله تعالى عن فرعون وقومه: { وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعُلوّا } (النمل:14).

والجهة الثانية: تغير الفطرة لسبب خارجي، يؤثر فيها فيفسدها، ويحدث لصاحبها شكوكا تستقر في نفسه إن لم يعالجها بأدوية الوحي.

ولأجل استقرار معرفة الله تعالى في الفِطر، فإنه لم يكثر في كتاب الله تعالى ولا في سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- الحديث عن إثبات وجود الله عز وجل، وكثر فيهما – بالمقابل – الاستدلال على تحريم الشرك ووجوب توحيد الله تعالى في العبادة، وعلى بيان ما يستحقه الله تعالى من أسماء الجلال وصفات الكمال. (مع أن أصول الاستدلال على إثبات وجود الله وكمال ربوبيته موجودة في كتاب الله، الذي اشتمل من ذلك على ما ينفع العقول الباحثة عن الحق، والقلوب المجردة من اتباع الهوى).

وكذلك من تأمل كلام الأئمة المتقدمين، من الصحابة والتابعين، ومن تبعهم من الأئمة المجتهدين، وجد أغلب كلامهم العقدي متعلقا بالأسماء والصفات الإلهية، أو بالتحذير من الشرك في العبادة. ويندر في كلامهم بحث وجود الله أو ربوبيته، والاستدلال على ذلك. مما يدل على أنهم يرون الأمر من المسلّمات المستقرة في الفطرة البشرية.

ومن هذا النادر في كلامهم: ما جاء عن بعضهم في تفسير قوله تعالى: { وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم، قالوا: بلى شهدنا } (الأعراف:172). قال الكلبي والحسن البصري: " وأخذ ميثاقهم أنه ربهم، فأعطوه ذلك، ولا يسأل أحد كافر ولا غيره: من ربك؟ إلا قال: الله " (1) ، وقال السدّي: " ليس في الأرض أحد من ولد آدم إلا وهو يعرف أن ربه الله "(2).

وعلى هذا المنهج مضى الأئمة من بعدهم، إلى عصورنا المتأخرة التي انتشر فيها الإلحاد في العالم الغربي، وتسرّبت آثاره إلى داخل الأمة الإسلامية.

وانتشار الإلحاد وإنكار وجود الله، له أسباب مختلفة، من أهمها:
• الصراع العنيف بين الكنيسة والعلم الحديث، واصطفاف الكنيسة تاريخيا في المعسكر المناوئ للعلم، مما جعل أصحاب العقول المستنيرة بأنوار العلم الحديث يميلون إلى مخالفة الكنيسة في جميع ما تدافع عنه، ولو كان ذلك حقا!

• تقصير علماء اللاهوت النصارى عن تقديم الإجابات العقلية عن الأسئلة الإلحادية حين كانت في طور نشأتها الأول، ولذلك أسباب مختلفة مرتبطة بطبيعة دين النصرانية.

• وقوف الكنيسة إلى جانب الحكام الظلمة الفاسدين، ومواجهتها لجميع أشكال الثورة على الظلم، مما جعل الدين مرادفا للانحطاط الفكري في أذهان الكثيرين.

• نشوء بعض النظريات ''العلمية'' المناوئة للتصورات الدينية، وحصولها على التشجيع المادي والمعنوي في جامعات الغرب ومنابره الإعلامية. وعلى رأس هذه النظريات: نظرية التطور الداروينية.

وهنالك أسباب أخرى متعددة، يصعب حصرها.

ومعرفة هذه الأسباب شيء مفيد جدا، ليعرف الملحدون والمؤمنون – على السواء – من أين جاء الإلحاد، وأن ذلك خاضع لظروف تاريخية وأصول سياسية وحضارية، وليس للاستدلال العقلي المجرد النزيه – كما يروج له بعض دعاة الإلحاد المشهورين.

وبعبارة أخرى، فالإلحاد استثناء في مسيرة الإنسانية الطويلة، أمْلَته تطورات تاريخية معينة، يمكن أن يزول إذا زالت، وهو مستمر مع استمرارها!

ومع إيماننا بقوة الظروف المساعدة على انتشار الإلحاد، فإن إيماننا بضرورة التصدي للباطل، وإزالة العوائق التي تغلق منافذ النفس أمام دعوات الحق، تجعلنا مضطرين إلى الاستدلال على وجود الباري سبحانه، ودحض شبهات المنكرين.
كما أن ثقتنا في العقل الإنساني السليم، وفي وجود من يستخدمه الاستخدام الحسن السالم من الأهواء على الرغم من المؤثرات السلبية للبيئة المحيطة، يجعلنا مطمئنين إلى أن ظاهرة الإلحاد إلى زوال، وأن البشر الضائعين في متاهاته سيعرفون طريقهم إلى الإيمان بالله.

ولأجل هذا كله، فنحن محتاجون اليوم إلى بسط البراهين الدالة على وجود الخالق سبحانه، وبذل الجهد في الاستدلال على هذا الأمر الذي تدركه العقول بداهة، لولا ما يدخل عليها من الفساد.
ولأن الطريق الموصل إلى وجود الله تعالى ليس واحدا، فإن الأدلة التي سنعرضها في سلسلة المقالات هذه متنوعة تنوعَ المتلقين في مؤهلاتهم واهتماماتهم وطبائع نفوسهم. وقد يكون بعض هذه الأدلة مما يرتضيه بعض الناس، ويلائم نفوسهم، ولكنه لا يلائم أناسا آخرين، فلا يرتضونه.

ونحن حين نناقش الإلحاد ونبرهن على ما فيه من خلل وتناقض، فإن ذلك لا يعني أن الخلاف سائغ ممكن، وأن الإلحاد حالة طبيعية مثلها في ذلك مثل حالة الإيمان. بل نقول إن الإلحاد شذوذ فكري، ومرض ينبغي البحث عن علاجه
وهذا الذي سنسعى إليه في المقالات القادمة إن شاء الله.

ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك


الموضوع الأصلي: أدلة وجود الله... || الكاتب: مصراوي || المصدر: منتديات الحقلة

منتديات الحقلة

منتديات الحقلة: منتديات عامة اسلامية ثقافية ادبية شعر خواطر اخبارية رياضية ترفيهية صحية اسرية كل مايتعلق بالمرأة والرجل والطفل وتهتم باخبار قرى الحقلة والقرى المجاوره لها





H]gm ,[,] hggi>>> gdgm hggi>>> ,[,]




H]gm ,[,] hggi>>> gdgm hggi>>> ,[,] H]gm ,[,] hggi>>> gdgm hggi>>> ,[,]



 

قديم 30-06-2015   #2


مصراوي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1899
 تاريخ التسجيل :  27 - 04 - 2015
 العمر : 70
 أخر زيارة : 02-09-2020 (09:50 AM)
 المشاركات : 87,984 [ + ]
 التقييم :  246
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Cadetblue
رد: أدلة وجود الله...



أدلة وجود الله(2)..رهان باسكال وفوائد الإيمان



بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

بيّنت في المقال السابق أن البراهين الدالة على وجود الله عز وجل كثيرة ومتنوعة، وأنها تخاطب أنواعا مختلفة من الملحدين أو من المتشككين، بحيث يمكن أن يجد كل واحد منهم فيها بغيته.

وقبل أن أبدأ بذكر هذه الأدلة، فإن من المناسب – لأسباب سأذكرها لاحقا إن شاء الله - أن أذكر شيئا يشبه الدليل في صياغته المنطقية، وإن كان في حقيقته قاصرا عن درجة البرهان العقلي المنضبط، وهو: رهان باسكال.

رهان باسكـال
اشتهر هذا الرهان في تاريخ الفلسفة، منسوبا إلى الفيلسوف الفرنسي بليز باسكال، الذي ذكره مختصرا في كتابه المشهور: '' أفكار '' (1). ومبناه – بشكل ما - على نظرية الاحتمالات(2) المعروفة في عالم الرياضيات، وثمرته: استنتاج كون الخيار الأفضل للإنسان هو الإيمان بوجود الله، لأن هذا الإيمان يوفر له أكبر ربح ممكن مع خسارة محتملة ضئيلة؛ وهذا بقطع النظر عن الاستدلال العقلي على الأمر.

وملخص الرهان كالآتي:
من آمن بوجود الله وكان الله موجودا حقا، فجزاؤه الخلود في الجنة. وهذا ربح عظيم جدا بل: لانهائي.

ومن لم يؤمن بوجود الله وكان الله موجودا، فجزاؤه الخلود في الجحيم، وهذه خسارة كبيرة جدا، بل: لانهائية.

ومن آمن بوجود الله وكان الله غير موجود، فغاية أمره أنه لن يثاب ولن يعاقب في الآخرة. وأما في الدنيا، فهي ''خسارة'' سببها الالتزام بشرائع الدين وتعاليمه، ولا شك أنها محدودة وضئيلة، إذا قورنت باللانهائي الموجود في الجنة أو النار!
ومن لم يؤمن بوجود الله وكان الله غير موجود، فلا ثواب ولا عقاب في الآخرة أيضا. وهنالك ''ربح'' دنيوي ضئيل، مردّه إلى عدم الالتزام الديني (3).

ونتيجةُ هذه القسمة العقلية الواضحة أن الإيمان بوجود الله هو الخيار الأفضل مقارنة مع عدم الإيمان به!

نقد وبيان
مما ينبغي التنبيه عليه أن هذا الرهان ترد عليه إشكالات كثيرة، من أهمها أن صاحبه يضع احتمالين فقط، هما: وجود الله الخالق كما يعرفه أتباع الديانات السماوية، وعدم وجوده. ويلغي احتمال وجود أرباب أخرى متعددة ومختلفةٍ اختلافَ الأديان المنتشرة بين بني البشر!

وحينئذ فإن حساب الربح والخسارة، يقع أمام تعارض بين ما تطالب به هذه الآلهة المختلفة، خاصة مع اختلاف أوصافها وما تَعِد به من يتبعها!

ومن الإشكالات الورادة على الرهان: أنه يجعل الإيمان أمرا يمكن تكلفه، ولو مع عدم تيقن القلب به. وهذا إشكال عميق في جانبي الإمكان والثمرة معا.

فأما الإمكان: فهل يَقدر الإنسان على أن يصطنع الإيمان، إن لم يقتنع به؟

وأما الثمرة: فهل ينفع هذا الإيمان المصطنعُ صاحبَه أمام ربّه؟ وهل يقبل الربّ سبحانه من الناس الإيمان بوجوده على سبيل الاحتياط؟

وهنالك إشكالات أخرى، تتابع كثير من الفلاسفة على استخراجها، ودمغ الرهان الباسكالي بها، وتوجد أخرى يمكن استخراجها بشيء من التدبّر.

ولا شك أن باسكال حين وضع هذا الرهان، لم يقصد إلى الاستدلال العقلي المنضبط على وجود الله، وإنما قدّم للمتشككين المتحيرين الذين استوت لديهم الأدلة، أو تعارضت فلم يستطيعوا الترجيح والموازنة بينها، خيارا آخر غير خيار الحياد بين الإيمان والإلحاد، الذي صار يسيطر على نفوس الكثيرين.

وبعبارة أخرى، فإن الحياد ''اللاأدري'' لا محل له في قضية خطيرة مثل هذه، هي أساس الوجود، ولبّ أبحاث العقائد والأديان، وما يتفرع عنها.

ومن هذا المنطلق، كان هذا الرهان – على ما يعتريه من نقص حجاجي واضح – صالحا لمخاطبة كثير من النفوس المتحيرة في زماننا هذا، على الأقل كحل مبدئي وشفاء مرحلي، يمكن – بل يجب - تطويره فيما بعد نحو الإيمان الراسخ، المبنيِّ على أسس عقلية ثابتة.

كما أننا يمكن أن نقول إن هذا الرهان يمكن عرضه بأساليب أخرى مختلفة، خاصة في تفصيل قضية الربح والخسارة، وذلك باعتبار الربح المعنوي المتيقن في الحياة الدنيا، بدلا من اعتبار الربح المحتمل في الآخرة.

وبعبارة أخرى: فإن كثيرا من الملحدين لا يجدون في حياة الإلحاد التي يعيشونها غير الحيرة الفكرية، والضيق النفسي، والضياع الأخلاقي، كما قال تعالى: { ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا } (طه:122).

ويتوق كثير منهم إلى حياة الإيمان، التي يرون المؤمنين يعيشونها. وهي الحياة المفعمة بالاستقرار النفسي، والالتزام الأخلاقي المنضبط. فتكون هذه الرغبة دافعا إلى الإيمان الأوّلي ''البراجماتي''، الذي يمكن تطويره فيما بعد نحو إيمان حقيقي.

ولا يمكنني أن أغفل هنا تجربة خاصة لأحد الأفاضل الذين أعرفهم معرفة شخصية.

يحدث عن نفسه أنه كان في مرحلة من مراحل حياته مؤمنا بوجود الله، لا عن اقتناع عقلي ولكن لأن الإيمان – في نظره – مناسب له، وملائم للطمأنينة التي يرجو تحقيقها في حياته، ويفتقر إليها الملحد في معيشته المضطربة المتحيرة.
وكان يعبّر عن هذا بقوله بالفرنسية:

Je crois parce que cela m'arrange de croire!''''
أي: أنا مؤمن لأن الإيمان يلائمني!

ثم ما زال الرجل مستمرا في رحلته الإيمانية، خائضا غمار البحث عن الحقيقة، متنقلا من الإشارات الوجدانية إلى البراهين العقلية المحكمة، حتى صار يخبر عن نفسه بعد سنوات بأنه صار متمكنا من فهم الأدلة العقلية الدالة على وجود الله، والاقتناع التام بها في قرارة قلبه!

ومن هنا تأتي أهمية الرهان الباسكالي - بصيغته الأصلية أو المعدّلة - في زعزعة أركان الشك الإلحادي، وإرشاد كثير من النفوس المتحيّرة إلى آفاق الإيمان الفسيحة.

وهو – كما أسلفتُ – لا يغني عن الأدلة العقلية الأخرى.

وذاك ما سأتناوله – إن شاء الله – في المقالات الآتية.



 

قديم 30-06-2015   #3


مصراوي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1899
 تاريخ التسجيل :  27 - 04 - 2015
 العمر : 70
 أخر زيارة : 02-09-2020 (09:50 AM)
 المشاركات : 87,984 [ + ]
 التقييم :  246
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Cadetblue
رد: أدلة وجود الله...



أدلة وجود الله (3).. برهان ''أنسلم''



بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه.

من أدلة وجود الله المشهورة في تاريخ الصراع بين الديانات والإلحاد: برهان أنسلم، نسبة إلى الراهب النصراني المعروف بـ''القديس أنسلم Anselm of Canterbury ''، المتوفى سنة 1109 لميلاد المسيح عليه السلام.

وسأعرض في هذا المقال مختصراً لهذا الدليل ولبعض الأجوبة عليه، مع التنبيه على أن علماء الإسلام في استدلالهم على وجود الله، لا يسلكون هذه الطرق لما قد يعتريها من الإشكالات المنطقية. وسيأتينا في مقالات لاحقة إن شاء الله، ذكر بعض الأدلة التي اعتمدها علماء الإسلام، لموافقتها لنصوص الوحي، مع ثبوتها في نفسها.

ولكن لا يمكن للمستدل على وجود الله أن يغفل هذا الدليل لمكانته التاريخية وشهرته بين الأدلة الأخرى، ولأنني ارتأيت ذكر أدلة مختلفة في قوتها ومنهجها، نظرا لاختلاف أصناف الملحدين وتوجهاتهم الفكرية ومؤهلاتهم الذهنية، كما سبق لي التنبيه عليه.

عرض الدليل الأنسلمي
يقوم هذا الدليل على مجموعة من الأفكار:
أولها: حين نتفكر في الله فإننا نتصور أعظم شيء، ذلك الشيء الذي بلغ درجة الكمال المطلق، بحيث لا يمكن تصور ما هو أعظم منه. ويمكن التعبير عن هذا بصيغة أخرى، هي: إذا تصوّرت شيئاً، ثم أمكنك أن تتصور في ذهنك ما هو أفضل وأكمل منه، فهذا الذي تصوّرته أولا، ليس هو الله! فتصوّر الكمال المطلق لله جزء من تصور وجود الله.

وهذه الفكرة محورية في الدليل الأنسلمي، ويجعلها من البدهيات التي لا تحتاج إلى نقاش.

الثانية: التفريق بين الوجود الذهني والتحقّق الخارجي. أي أن هنالك أشياء يمكن تصورها في الأذهان، مع أنها قد تكون موجودة في الخارج وقد لا تكون موجودة. بل قد تكون مستحيلة الوجود في الخارج مع أن الذهن يتصوّرها.

مثال ذلك: يمكن للذهن أن يتصور - دون صعوبة - مخلوقاً خرافياً، له رأس بشري وجسم حصان وجناحا طائر، مع أن هذا الكائن غير موجود في حقيقة الأمر!

كما أن الذهن يتصوّر أشياء كثيرة هي موجودةٌ حقاً، أو كانت موجودة من قبل، كتصوّرنا لذواتنا، أو لذوات أسلافنا من عظماء التاريخ!

فدائرة الوجود الذهني – إذن - أكبر وأعمّ من دائرة الوجود الخارجي.

وهذه فكرة واضحة لا إشكال فيها.

الثالثة: الأشياء الموجودة في الذهن مع كونها غير موجودة في الواقع، ستكون أكمل لو كانت موجودة في الواقع أيضا!

ويتضح هذا بمثالين:
المثال الأول: نتصور في أذهاننا - تبعاً لما نطالعه في الروايات أو يشاهده بعضنا في الأشرطة السينمائية – ''المخلوق'' الذي يسمى مصاص الدماء '' vampire ''. ولا شك أنه ''مخلوق'' مرعب. ولكن ألا يكون أكثر إفزاعا لو علمنا أنه موجود في الواقع أيضا؟ لا ريب أن الخوف من هذا الكائن حال علمنا بوجوده يكون أعظم بكثير من الخوف الحاصل منه حال كونه اختراعا روائيا لا حقيقة له!

المثال الثاني: يتصوّر أطفال الغربيين – ومن تبعهم من بني جلدتنا المفتونين بالثقافة الغربية – ''المخلوق'' المسمّى ''سانتا كلوزSanta Claus ''. وهو كائن لطيف بلغ من الطيبوبة مبلغا عظيما! لكن لو أنه كان موجودا في الواقع، لكانت طيبوبته أعظم وأكمل، إذ سيكون لنا بها انتفاع فعلي لا مجرد خيالات لا حقيقة لها.

فتبين لنا إذن: أن الشيء الموجود في الذهن لا في الخارج، كان سيكون أكمل لو أنه وجد في الذهن والخارج معا!

الرابعة: لو طبقنا ما سبق بيانه في الفكرة الثالثة على وجود الله، لقلنا:

لو فرضنا أن الله موجود في أذهان المؤمنين فقط لا في الواقع، فإنه سيكون أعظم وأكمل في حالة ما لو وجد في الذهن والواقع معا.

فنحن في هذه الحالة، نتصوّر إمكانَ كونِه أعظمُ وأكمل. وهذا يتعارض مع ما تقرر في الفكرة الأولى. فقد سبق أن قلنا إن الله لا يمكن تصور ما هو أعظم أو أكمل منه!

فينتج إذن أن الفرض الأصلي – وهو كونه موجودا في الذهن فقط – خطأٌ، لأنه أفضى إلى مناقضة الفكرة البدهية الأولى.

ويلزم من هذا: أنه موجود في الذهن والخارج معا. وهو المطلوب.

نقد برهان أنسلم
لا شك أن البرهان الأنسيلمي لم يسلم من انتقادات كثيرة، تتابع عليها فلاسفة غربيون بيّنوا فيها مكامن الخلل فيه من اعتبارات مختلفة.

وقد يكون الخلل الأساسي في هذا البرهان: أنه مبنيٌّ على أن مجرد التصور الفكري يكفي للاستدلال على الوجود الواقعي!

وتعميم هذا البرهان يقتضي إمكانية البرهنة على وجود ألوان مختلفة من الأشياء شديدة الغرابة، لا لشيء إلا لأن العقل يمكنه تصورها!

وقد كان هذا من الانتقادات التي وجهت للبرهان منذ صدوره، من طرف الراهب ''جونيلو'' المعاصر لأنسلم.

وقد يجاب عن هذا بأن الذهن لا يمكنه تصوّر الكمال المطلق إلا في حق الله تعالى. ولا يمكن للإنسان أن يُجبر ذهنه على تصوّر كمالٍ مطلقٍ في حق غيره. ولو حصل وأمكن تصور ذلك، فالشخص يتصوّر الكمال الإلهي في حقيقة الأمر!

ومن النقد الموجّه للبرهان الأنسلمي أيضا، أنه يخاطب من يؤمن بوجود الله أو يتصوّره في ذهنه على الأقل، وليس موجها للملحد الذي لا يقر بوجود الله أصلا.

فهذا الملحد يمكنه أن يقول: '' أنا لا أقرّ بوجود الله في الواقع، ولا أقر بوجوده حتى في ذهني! فإذا لم أومن بوجوده، فأنا لا أتصوّره أصلا بصفات الكمال التي يزعمها المؤمنون ''.

وقد يجاب بأن في هذا النقد بعض النظر. فالتصور الذهني منفك عن الإيمان بالوجود الفعلي. وادعاء عدم القدرة على التصور الذهني: مكابرة.

وعلى فرض صحّة هذا النقد، فيمكننا أن نقول: إن الدليل يجب تكميله بما تقتضيه الفطرة الإيمانية التي لا تفارق قلب الإنسان، والتي تجعله يتصوّر وجود الله على الأقل، إن لم يؤمن بوجوده فعليا. ولا شك أن الظرف التاريخي الذي وُجد فيه هذا الدليل، له تأثيرٌ واضحٌ في طريقة صياغته. فالإلحاد في تلك الأزمنة كان ساذجاً، ولا يتعدّى بعض التشكيكات العقلية، التي لا تمحو الفطرة ولا تجتثُّ جذورَها من القلب.

أما في زمننا، فإن للإلحاد أوجهًا أخرى تحتاج إلى أدلة أقوى وأرسخ.

وهذا ما سنبسطه – إن شاء الله – في المقالات القادمة.



 

قديم 30-06-2015   #4


مصراوي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1899
 تاريخ التسجيل :  27 - 04 - 2015
 العمر : 70
 أخر زيارة : 02-09-2020 (09:50 AM)
 المشاركات : 87,984 [ + ]
 التقييم :  246
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Cadetblue
رد: أدلة وجود الله...



أدلة وجود الله(4)..الخلق يدل على الخالق



بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه.

سبق لي أن ذكرت أن معرفة الله تعالى معرفةٌ فطرية، وأن العلماء تلمّسوا – مع ذلك – أدلةً مختلفة للبرهنة على وجوده سبحانه وتعالى، سبق لي بيانُ أحدها وهو برهان أنسلم، مع الإشارة قبل ذلك إلى ما يشبه الدليل وهو رهان باسكال.
وقد آن الأوان لأتكلم عن واحدة من أعظم الطرق المتبعة للبرهنة على وجود الله تعالى، وهي: الاستدلال بالمخلوقات وما فيها من الإبداع والنظام، على وجود الخالق. ويتفرع هذا الدليل إلى مباحث كثيرة متكاملة، هي موضوع مقالاتي القادمة.
وغرضي من مقالي الأول هذا: أن أعرض هذا الدليل كما يقرره علماء العقائد الإسلامية المتقدمون، انطلاقا من نصوص الوحي، وبما يناسب معارفهم الكونية، وطبيعة الشبهات المثارة في زمانهم.
ثم سيكون لي وقفة – إن شاء الله – مع شرح الدليل نفسه بأسلوب عصري، يوافق الثقافة الحديثة، وما استجد فيها من علوم طبيعية، وشبهات فكرية، تحتاج إلى خطاب يلائمها.
وقفة من القرآن الكريم
لا يشك المسلم أن القرآن الكريم يحتوي على أصول الهداية، ويشتمل على ما يثبت العقائد الصحيحة في النفس البشرية، ويقتلع منها جذور الحيرة والشك، ويعيد بناء المفاهيم الصحيحة فيها على أسس ثابتة لا تحركها أعاصير الشبهات.
قال تعالى: { قل نزّله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين } (النحل:102).

وهذه الهداية الموجودة في القرآن، قد تكون على شكل إشارات عامة، تحتاج إلى إعمال الفكر والتدبر العميق لاستخلاص الدلائل منها، في صيغةٍ تكون في متناول جميع الناس.
وقد ورد في كتاب الله تعالى أصول البراهين على وجود الله وربوبيته، وإن كان أكثر الحوار القرآني مع المشركين في جانب إثبات الألوهية، واستحقاق الله تعالى للعبادة دون غيره من المعبودات الباطلة.
وتدور البراهين القرآنية على محورين:تدبر فعل الخلق، والتفكر في عظمة المخلوقات. وكلاهما يفضي إلى وجود الخالق سبحانه، واتصافه بصفات الكمال.
فمن المحور الأول قول الله سبحانه وتعالى: { أم خُلقوا من غير شيء أم هم الخالقون } (الطور:35).
فبيّن الله سبحانه أن القسمة لا تخرج عن أحد أمور ثلاثة، أنكر على المخالفين اثنين منها، فما بقي غيرُ الثالث. فإما أن يكونوا من غير خالق خلقهم، وإما أن يكونوا خلقوا أنفسهم، وإما أن يوجد خالق خلقهم، هو الله سبحانه وتعالى.
والأول والثاني، كلاهما مرفوض بضرورة العقل والحس والواقع، التي لا يمكن جحدها، إذ لا يعقل معدوم يَخلُق، ولا مخلوق بغير خالق. فما بقي إلا الثالث، وهو أن خالقهم على تلك الكيفية البديعة، والهيئة المتقنة العجيبة، هو الله الواحد سبحانه. وهذا هو المطلوب.
وهذا الاستدلال يدركه كل أحد من نفسه. واشتهر في كتب التراث قول الأعرابي معبّرا عنه كما استقر في الفطرة التي لم يلحقها تغيير: '' إن البعرة تدلّ على البعير، والأثر يدل على المسير، فسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج ألا تدل على العليم الخبير ''.
وكلام هذا الأعرابي على ما فيه من ''سذاجة'' في التمثيل توافق بيئته ومعارفه البدوية، يلخص – بتركيز شديد – ما سنبسطه بشيء من التفصيل والبيان، مع التمثيل الموافق لعصرنا، في ما يأتي من المباحث، في هذا المقال والمقالات التالية.
ومن المحور الثاني قول الله عز وجل: { وفي الأرض آيات للموقنين * وفي أنفسكم أفلا تبصرون } (الذاريات:20-21).
فأرشد سبحانه إلى أن في خلق الإنسان منذ أن كان في رحم أمه، وتطوره من حال إلى حال، وما في بدنه من الإحكام البديع، والإتقان العجيب، دليلا على وجود الخالق الحكيم. وكذلك فإن ما في الكون من عجائب الإحكام والإتقان، والتنظيم الدقيق الذي يحير الألباب، أعظم برهان على أن له خالقا خلقه بعلم وحكمة.
وحث القرآن في مواضع كثيرة على النظر والتفكر في الكون، والسير في أرجائه للاعتبار، كما في قوله تعالى: { قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق، ثم الله ينشئ النشأة الآخرة، إن الله على كل شيء قدير } (العنكبوت:20)، وفي قوله عز وجل: { سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق } (فصلت:53). ومن تأمل آيات الله في الكون الفسيح، سطعت له أنوار اليقين، وذهبت عنه ظلمات الشك في الربوبية.
وتتداول كتب العقائد أن قوما من الملاحدة أتوا الإمام أبا حنيفة رحمه الله – أو غيره من الأئمة – ليبحثوا معه في تقرير توحيد الربوبية، فقال لهم:
''أخبروني قبل أن نتكلم في هذه المسألة عن سفينة في دجلة تذهب فتمتلئ من الطعام والمتاع وغيره بنفسها، وتعود بنفسها فترسو بنفسها وتفرغ وترجع، كل ذلك من غير أن يدبّرها أحد''
فقالوا:

''هذا محال، لا يمكن أبدا!''.
فقال لهم:
''إذا كان هذا محالا في سفينة، فكيف في هذا العالم كله علوه وسفله؟''(1).
وقد ردّ القرآن الكريم على الذين انحرفت فطرهم، فأنكروا الخالق، وأن يكون لهم رب يفنيهم ويبعثهم، فحكى قولهم: { وقالوا: ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر } (الجاثية:24)، ثم أردف ذلك بقوله سبحانه: { وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون } (الجاثية:24). أي: ليس لهؤلاء دليل يرجعون إليه يمكن تسميته علمًا، لا من خبر ولا من عقل ولا من حس أو تجربة. وغاية أمرهم الشك والارتياب، واتباع الظنون الفاسدة.
وهذا توصيف دقيق لحال الملاحدة في كل زمان! فإن مبنى الإلحاد على محاولة هدم الأديان، ونسف ما تحمله من الحقائق والقيم، مع العجز الكامل عن إقامة بناء معرفي وأخلاقي ثابت في نفسه، وسالم من الحيرة والاضطراب.
وقد ذكر القرآن الكريم أيضا – في سورة الشعراء - محاورة موسى عليه السلام لفرعون الذي يدّعي الربوبية. وفي ضمن هذه المناظرة إشارات للرد على بعض من فسدت فطرته في باب الربوبية، أو كابر فيه اتباعا لهواه.
الدليل بصياغة علماء العقيدة
من المعلوم بضرورة العقل والمشاهدة وجودُ موجودات، لا يمكن الشك فيها.

وهذه الموجودات منها ما هو حادث بعد أن لم يكن، فإننا نرى حدوث البشر والشجر والمطر ونحو ذلك.
وهذه المحدَثات فيها احتمالان: أن تكون قد وُجدت من عدم، أو أن يكون أوجدها مُحدِثٌ لها.
فأما الاحتمال الأول فغيرُ ممكن، لأن العدم ليس بشيء حتى يوجد غيره.
وأما الاحتمال الثاني، ففيه صورتان: أن تكون قد أوجدت نفسها، أو أن يكون أوجدها غيرُها.
والصورة الأولى ممتنعة، فكل إنسان يعلم - بالاضطرار الذي لا يمكن دفعه – أنه لا يستطيع خلق نفسه، فهو قبل خلقها لم يكن شيئا!
والصورة الثانية، وهي أنها وجدت بمُوجد آخر، تشمل وجهين:
أن يكون هذا الـمُوجد حادثا مثلها، فيحتاج حينئذ إلى مُحدِث أيضا، وهذا المحدِث إلى محدِث آخر، فيتسلسل إلى ما لا نهاية. وهذا تسلسل ممتنع بضرورة العقل. وإذا كان المحدَث الواحد محتاجا إلى محدِث، فإذا كثرت الحوادث وتسلسلت كان احتياجها إلى المحدِث أولى!
والوجه الثاني: أن يكون مُوجدُها غيرَ حادث، بل يكون واجب الوجود بنفسه، وهو الله تعالى.
وهذا هو المراد إثباته بهذا الدليل.
وهذا الدليل يمكن أن تسبغ عليه حلّة عصرية جديدة. وهو ما سأتطرق له في المقال المقبل إن شاء الله.
هوامش المقال
1- شرح العقيدة الطحاوية، لابن أبي العز الحنفي: ص 77.



 

قديم 30-06-2015   #5


مصراوي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1899
 تاريخ التسجيل :  27 - 04 - 2015
 العمر : 70
 أخر زيارة : 02-09-2020 (09:50 AM)
 المشاركات : 87,984 [ + ]
 التقييم :  246
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Cadetblue
رد: أدلة وجود الله...



أدلة وجود الله (5)...صانع الساعات



بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه.
برهان الخلق - أو التصميم – الذي ذكرناه في المقال السابق، بصيغته القرآنية أولا، وبأسلوب علماء العقيدة المتقدمين ثانيا، يمكن تقديمه بأسلوب عصري، بالاعتماد أولا على أمثلة تقريبية، توضح مضمون البرهان للقارئ، ثم بصياغة منطقية مكونة من مقدمات تأتي بعدها نتيجة.

وقد عَرف هذا البرهان تطورات متلاحقة في صياغته، تبعا لأمرين اثنين:

أولهما: تقدم المعارف الطبيعية، سواء أكانت حقائق ثابتة بمقتضى المناهج العلمية المعتبرة، أو كانت نظريات مفسرة للظواهر الطبيعية بقطع النظر عن إثباتها العلمي.

والثاني: قوة النقد الإلحادي المثار حول هذا البرهان، وحجم الردود التي تواجهه.

وسأعرض في هذا المقال: صيغة أولى لبرهان التصميم، كان وراءها الفيلسوف اللاهوتي وليم بالي (William Paley)، المتوفى سنة 1805م، في كتاب له صدر عام 1802م(1).

المثال التقريبي: ''صانع الساعات''
لنفرض أن رجلا متمدّنا كان يتجول في صحراء قاحلة، فوجد فجأة أمامه: ساعةً جميلة، مكونةً من أجزاء صغيرة، وشكل هندسي جذاب.

وشرع الرجل في تفقد هذه الساعة، فاكتشف أمرين لهما أهمية بالغة:

الأمر الأول: أن الأجزاء الصغيرة المكوّنة للساعة، بالغة التعقيد والحساسية.

والأمر الثاني: أن هذه الساعة يظهر أن لها غاية تصلح لها (وهي الإشارة إلى الأوقات)، وكل جزء صغير منها له مساهمة دقيقة في تحقيق هذه الغاية. ولو أن أي جزء اختلف حجمه بزيادة طفيفة أو نقص قليل، لأثّر ذلك على عمل الساعة كلها!

ما الذي سيخطر ببال هذا الرجل المسافر في هذه اللحظة، في موضوع كيفية وجود هذه الساعة؟

لا شك أن الرجل – إن كان عاقلا – سيقول: ''إن شخصا ما صنع هذه الساعة''. وسيصل إلى نتيجة واضحة: لا ساعةَ إلا بصانعِ ساعات!

لنفرض الآن: أن هذا الرجل نفسه – أو غيره – كان يتجول في شوارع مدينته، ووجد كائنا حيا أمامه، لنقل: إنه سنجاب مثلا.

وبدأ الرجل رحلة التأمل في هذا الكائن: في تناسق أعضائه، وتناسب أحجامها مع الوظائف التي تقوم بها، وفي مساهمة كل عضو في تحقيق وظيفة الكائن كله، والحفاظ على حياته، وما أشبه ذلك.

ولنفرض أن الرجل تأمل عضوا واحدا كالعين مثلا، وأنه تدبر ما فيها من الأجزاء الدقيقة (كالشبكية والبؤبؤ والعدسة وغيرها) التي تخدم جميعها وظيفة العين، التي هي الإبصار. ولو أن هذه الأجزاء عرفت تغييرا طفيفا في الحجم أو المسافة بينها بمقدار صغير جدا، لما تحقق الإبصار، ولتعسرت حياة الكائن أو انعدمت!

بعد هذا التأمل، سيقول الرجل – ولا بد – كما قال من قبل عن الساعة:

''إن صانعا ما صنع هذا الكائن وأبدعه بهذه الهيئة المتماسكة العجيبة، ولا يوجد فرق مؤثر بين الصورتين!''.

نقد المثال السابق
يتركز النقد الأساسي للبرهان الذي قدّمه وليام بالي، في تلمّس فروق بين صورة الساعة في الصحراء، وصورة السنجاب (الكائن الحي)، وأن الاتفاق على الصورة الأولى لا يعني الموافقة على الصورة الثانية.

الفرق الأول
قد يقول قائل: إن المسافر كان لديه علم سابق بأن الساعات مصنوعة، وقد سبق له غالبا أن زار محلا لصناعتها. وليس الأمر كذلك في حالة السنجاب، فإنه ليس لنا معرفة مسبقة بخلقه!

والجواب: أن هذا الفرق غير مؤثر في صحة قياس صورة على أخرى.

والدليل على ذلك: أن هذا المسافر لو وجد شيئا آخر غير الساعة، لما تغير الحكم!

فلنفرض مثلا أن الحادثة وقعت منذ مائة سنة، وأن المسافر وجد بدلا من الساعة: هاتفا نقالا ذكيا، كالهواتف التي نستعملها اليوم(2)، وأنه قلّب هذا الهاتف واختبره وتدبر أحواله، حتى عرف وظيفته العامة، وعرف كيفية تشكل أجزائه المختلفة، والترتيب الدقيق بينها، ووظيفة كل جزء منها.

لا شك أنه سيقول حينئذ: ''هنالك صانع ما، صنع هذا الهاتف، وأتقن تصميمه''، مع أنه لم يشهد من قبل صناعة الهاتف، ولا كان له علم مسبق بطريقة تصميمه!

الفرق الثاني:
قد يقول قائل: إن الرجل الذي وجد الساعة، أدرك بأن حركات عقاربها تبين الوقت لحاملها، ولا شك أن معرفة الوقت وظيفة عظيمة النفع للإنسان. فاعتقاده بوجود صانع وراء تصميم هذه الساعة، سببه أن لديه علما مسبقا بأهمية وظيفتها، بحيث يغلب على ظنه أن صانعا ما قد صممها لتحقيق هذه الفائدة للبشر. وليس الأمر كذلك في حالة السنجاب، فقد لا يظهر له فائدة ظاهرة سهلة الإدراك(3)!

والجواب: إن هذا الفرق أيضا غير مؤثر.

فلو أن المسافر وجد – قبل مائة سنة – جوالا ذكيا، ولم تكن لديه أدنى فكرة عن فائدته بالنسبة للبشر، لَـحَكم بعد تأمل أضواء شاشته وعجائب ما فيه من الألوان المتناسقة، والأيقونات حسنة الترتيب، ونحو ذلك، بأنه مصنوع. بل لقال: ما أذكى هذا الصانع الذي صمّم هذه الآلة الغريبة!

فمعرفة فائدة الشيء ليست مؤثرة في الحكم بكونه مصنوعا أم لا.

الفرق الثالث:
قد يقول قائل: إن الساعة لا ''تتناسل''، فهذا المسافر سيلحظ أن الساعة لا ''تلد'' مثلها، وليس لها أم وأب، وُلدت منهما. أما السنجاب فهو بعكس ذلك تماما.

والجواب: أن هذا الفرق كذلك غير مؤثر.

فلنفرض أن المسافر بعد تأمله الساعة ومعرفة وظائفها، تبين له أن لها خاصية عجيبة، وهي القدرة على إنتاج نسخ من نفسها!

ألا ترى أن أول خاطر سيخطر بباله هو: ''ما أعظم الصانع الذي صنع هذه الساعة، وما أشد عبقريته!''. ولن يخطر بباله قط، أن الساعة لا صانع لها، ما دامت قادرة على إنتاج نسخ من نفسها.

وإذا صح هذا في صورة الساعة، فهو صحيح أيضا في صورة السنجاب، فتوالده لا يمنع من الحكم بكونه مخلوقا، وأن هنالك صانعا صمّمه، بل إنه مما يدخل في إتقان الصنعة الذي يؤكد ضرورة وجود الصانع.

الصياغة المنطقية للبرهان:
بعد أن ذكرنا – تبعا لوليام بالي – هذا المثال التقريبي، فإننا يمكن أن نعيد صياغة البرهان في صورة مقدمات ونتيجة، لتكون صياغة منطقية مقبولة في حكم العقل.

وهذا يحتاج منا إلى استدعاء أحد المبادئ الفلسفية المعروفة، وهو: مبدأ الاستدلال بأفضل تفسير(4). وملخصه أننا حين نجد أنفسنا أمام حدث معين، يمكن أن يكون له تفسيرات مختلفة، وأن هنالك تفسيرا هو الأفضل، والأقرب إلى أصول العقل، فالواجب اعتقاد هذا التفسير والأخذ به على أنه التفسير الصحيح.

ونحن نعمل بهذا المبدإ في حياتنا اليومية مرارا، دون أن نتفطن له. بل لا تقوم الحياة إلا بذلك!

فلو أنك استيقظت في الصباح، فوجدت العشب أمام المنزل مبتلا، فإنك تحكم بسقوط المطر خلال الليل، لأن هذا هو التفسير الأفضل لما رأيته(5). ولو رأيت أن عيني ابنك محمرّتان، وأن أنفه يسيل، وأن حرارته مرتفعة، فإنك تحكم بأنه مصاب بنزلة برد، لأن هذا هو التفسير الأفضل لتلك الأعراض. وهلم جرا(6).

إذا استقر هذا، فلنذكر برهان التصميم، بحلته الجديدة:

المقدمة الأولى: قاعدة الاستدلال بأفضل تفسير. وقد سبق شرحها.

المقدمة الثانية: أجزاء الكائنات الحية مناسبة للحفاظ على حياتها، وأداء وظائفها على أكمل الوجوه.

المقدمة الثالثة: أفضل تفسير لما جاء في المقدمة الثانية: أن هنالك صانعا صمّم هذه الكائنات على تلك الهيئة المحكَمة.

النتيجة: يجب علينا اعتقاد وجود الصانع المصمّم لهذه الكائنات الحية.

ولا شك أن المقدمتين الأولى والثانية، لا إشكال فيهما، ولا يعترض عليها مؤمن ولا ملحد.

إلا أن المقدمة الثالثة، قد يعترض عليها الملحد بوجود تفسير آخر، غير وجود الصانع. وهذا التفسير هو: نظرية التطور الداروينية، التي تفسر تناسق هيئة الكائن الحي (السنجاب مثلا) وبديع ترتيب أجزائه، بما يسمونه: الانتخاب الطبيعي وبقاء الأصلح.

ولكن الرد على هذه الشبهة، وبيان ما في نظرية التطور من الثغرات العلمية، يحتاج إلى سلسلة من المقالات المخصوصة لذلك. نسأل الله تعالى أن ييسّرها في المستقبل القريب.



 

قديم 02-07-2015   #6


طبيبة ولكن غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1990
 تاريخ التسجيل :  27 - 06 - 2015
 أخر زيارة : 27-07-2015 (07:18 AM)
 المشاركات : 620 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
رد: أدلة وجود الله...



تقبل الله منك سائر الاعمال وجعله في ميزان حسنات حضرتك



 

قديم 02-07-2015   #7


عسولة غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1797
 تاريخ التسجيل :  18 - 02 - 2015
 أخر زيارة : 23-04-2020 (08:20 AM)
 المشاركات : 5,020 [ + ]
 التقييم :  96
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Female
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Crimson
رد: أدلة وجود الله...



جزيتم خيرا
لاخلا ولاعدم : )



 

قديم 02-07-2015   #8


مصراوي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1899
 تاريخ التسجيل :  27 - 04 - 2015
 العمر : 70
 أخر زيارة : 02-09-2020 (09:50 AM)
 المشاركات : 87,984 [ + ]
 التقييم :  246
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Cadetblue
رد: أدلة وجود الله...



تشرفت بمروركم الكريم

بارك الله فيكم

تحياتي



 

قديم 08-07-2015   #9


ريحانة الإسلام غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1979
 تاريخ التسجيل :  17 - 06 - 2015
 أخر زيارة : 02-09-2015 (01:14 PM)
 المشاركات : 1,041 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
رد: أدلة وجود الله...



جَزآك آلمولٍى خٍيُرٍ " .. آلجزآء .. "

و ألٍبًسِك لٍبًآسَ " آلتًقُوِىَ " وً " آلغفرآنَ "

وً جَعُلك مِمَنً يٍظَلُهمَ آلله فٍي يٍومَ لآ ظلً إلاٍ ظله .

~ وً عٍمرً آلله قًلٍبًك بآلآيمٍآنَ .~

علًىَ طرٍحًك آلًمَحِمًلٍ بنًفُحآتٍ إيمآنٍيهً .!



 

قديم 26-07-2015   #10


مصراوي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1899
 تاريخ التسجيل :  27 - 04 - 2015
 العمر : 70
 أخر زيارة : 02-09-2020 (09:50 AM)
 المشاركات : 87,984 [ + ]
 التقييم :  246
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Cadetblue
رد: أدلة وجود الله...



أسعدني مرورك المميز

جزاك الله كل الخير

تحياتي



 

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
ليلة, الله..., وجود


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الرئيس هادي يكشف عن وجود 5 من عناصر حزب الله في السجون اليمنية وأن المطلب الفعلي للحو عبدالجليل منتدى الاخبار المحلية والعالمية 1 25-09-2014 08:42 PM
أدلة وجود الله في ظاهرة الحياة ابو يحيى المنتدى الاسلامي العام 2 21-05-2014 05:36 PM
الزائدة الدوديه .....تشهد على وجود الله ابو يحيى المنتدى الاسلامي العام 2 09-04-2014 05:52 PM
مساجد الله في ليلة (27) لعام 1433هـ مرسول الحب الصور المتنوعة والغرائب والعجائب 3 16-08-2012 08:21 PM
علامات وجود الله المقام السامي المنتدى الاسلامي العام 2 13-04-2012 06:12 PM

Facebook Comments by: ABDU_GO - شركة الإبداع الرقمية

الساعة الآن 07:21 PM

أقسام المنتدى

الاقسام العامة | المنتدى الاسلامي العام | المنتدى العام | منتدى الترحيب والتهاني | الاقسام الرياضية والترفيهية | العاب ومسابقات | الافلام ومقاطع الفيديو | منتدى الرياضة المتنوعة | الاقسام التقنية | الكمبيوتر وبرامجه | الجوالات والاتصالات | الفلاش والفوتوشوب والتصميم | منتدى التربية والتعليم | قسم خدمات الطالب | تعليم البنين والبنات | ملتقــــى الأعضـــــاء (خاص باعضاء المنتدى) | المرحله المتوسطه | منتدى الحقلة الخاص (حقلاويات) | منتدى الاخبار المحلية والعالمية | اخبار وشـؤون قرى الحقلة | اخبار منطقة جازان | الاقسام الأدبية والثقافية | الخواطر وعذب الكلام | منتدى الشعر | عالم القصة والروايات | اخبار الوظائف | منتديات الصحة والمجتمع | منتدى الصحة | منتدى الأسرة | منتدى السيارات | منتدى اللغة الانجليزية | منتدى الحوار والنقاشات | منتدى التراث والشعبيات والحكم والامثال | منتدى التعليم العام | منتدى السفر والسياحة | الثقافه العامه | منتدى تطوير الذات | كرسي الإعتراف | منتدى عالم المرأة | عالم الطفل | المطبخ الشامل | منتدى التصاميم والديكور المنزلي | المكتبة الثقافية العامة | شعراء وشاعرات المنتدى | مول الحقلة للمنتجات | الخيمة الرمضانية | المـرحلـة الابتدائيـة | استراحة وملتقى الاعضاء | المرحله الثانويه | الصور المتنوعة والغرائب والعجائب | المنتدى الاسلامي | منتدى القرآن الكريم والتفسير | سير نبي الرحمة واهم الشخصيات الإسلامية | قصص الرسل والانبياء | قسم الصوتيات والفلاشات الاسلاميه | اخبار مركز القفل | منتدى الابحاث والاستشارات التربوية والفكرية | افلام الانمي | صور ومقاطع فيديو حقلاويات | البلاك بيري / الآيفون / الجالكسي | بوح المشاعر وسطوة القلم(يمنع المنقول ) | مناسك الحج والعمرة | منتدى | ارشيف مسابقات المنتدى | منتدى الحديث والسنة النبوية الشريفة | المنتدى الاقتصادي | منتدى عالم الرجل | اعلانات الزواج ومناسبات منتديات الحقلة | تراث منطقـة جــــازان | كرة القدم السعوديه | منتدى الرياضة | كرة القدم العربيه والعالمية | ديـوان الشـاعـر عمـرين محمـد عريشي | ديـــوان الشــاعـر عـبدة حكمـي | يوميات اعضاء منتديات الحقلة | تصاميم الاعضاء | دروس الفوتوشوب | ارشيف الخيمة الرمضانية ومناسك الحج والعمرة الاعوام السابقة | منتدى الاخبار | نبض اقلام المنتدى | ديـــوان الشــاعـر علـي الـدحيمــي | الاستشارات الطبية | الترحيب بالاعضاء الجدد | قسم الاشغال الايدويه | قسم الاشغال اليدويه | مجلة الحقله الالكترونيه | حصريات مطبخ الحقله | ديوان الشاعر ابوطراد |



Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
TranZ By Almuhajir
Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

Ramdan √ BY: ! Omani ! © 2012
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
Forum Modifications Developed By Marco Mamdouh
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.

جميع المواضيع والمُشاركات المطروحه في منتديات الحقلة تُعبّر عن ثقافة كاتبها ووجهة نظره , ولا تُمثل وجهة نظر الإدارة , حيث أن إدارة المنتدى لا تتحمل أدنى مسؤولية عن أي طرح يتم نشره في المنتدى

This Forum used Arshfny Mod by islam servant