أكد الكاتب حسن مشهور أنه من المعيب جداً أن نجد دول العالم تمارس سياسة الانتخاب في العمل المؤسساتي، انطلاقاً من القاع وانتهاء بالقمة، في ذات الوقت الذي نبدأ نحن فيه مع النخب الفكرية في أنديتنا الأدبية، ومن ثم عندما نجابه بالفشل في أول تجربة فإننا نفكر بالتراجع.
وقال: فلتتحلَّ وزارة ثقافتنا بالصبر وبالمحاولة مرة تلو الأخرى؛ لتحقيق التغيير، خاصة وأنها لا تزال "ديلما" الفصل بين المثقف الفاعل والمثقف الصوري قائمة، بل وتتعزز من خلال الممارسات المشاهدة يوماً بعد آخر.
وأضاف: ليس أدل على ذلك من مشكلات الأندية الأدبية التي برزت للسطح عقب تطبيق تجربة الانتخابات في اختيار مجالس الأندية الأدبية الحالية؛ إذ كان من المتوقع أن تطبيق تجربة الانتخاب للمجالس وبشكل كلي لجملة أعضاء مجلس الإدارة سيكون مسألة ناجعة. وكيف لا؟ ونحن نتعاطى مع النخب الفكرية التي تُعتبر الأكثر وعياً، والأكثر مطالبة بالتعددية وبتطبيق الانتخابات على أغلب مجالس مؤسسات المجتمع المدني.
واستدرك: بيد أن المفاجأة التي كانت صاعقة لي ولغالبية المراقبين، أن الطبقة المثقفة كانت هي الأكثر رفضاً لنتائج الانتخاب، بل والأكثر تشكيكاً في نزاهة تلك الممارسة الانتخابية التي على إثرها تم اختيار مجالس إدارات الأندية الحالية.
واعتبر "مشهور" تلك الانتخابات واختيار مجالس الأندية الأدبية مصدراً لنشوب عديد من الخلافات بين أعضاء مجالس إدارات الأندية الأدبية، وباقي أعضاء الجمعيات العمومية، وفي بعض الأحايين كان الخلاف بين أعضاء المجلس الواحد، بل وفي حالات استثنائية كادت الأمور تصل لمرحلة العراك والتشابك بالأيدي لولا لطف الله، إلا أن الأمر لم يمنع من وصول بعضها (الخلافات) لساحات المحاكم، وهو الأمر الذي أعدُّه سبة ووصمة عار في وجه الثقافة والمثقف السعودي بشكل عام.
وأكمل: يعد تأكيداً على تلك المقولات الشائعة التي من ضمنها أن المثقف لدينا لم ينتقل فهم الثقافة إليه من الجانب المعرفي إلى الجانب التطبيقي؛ أي أن فعل الثقافة لديه متموضع في الذهنية الفردية فقط، وغير قابل لمفارقتها عند محاولة تأصيله إجرائياً.
واستشهد "مشهور" بالمقولة الأخرى التي تقول إن المواطن السعودي غير مؤهل لممارسة أي تجربة ديمقراطية فاعلة ونزيهة؛ نتيجة عدم وصوله لمرحلة النضج المعرفي والعقلي المنشود؛ إذ يظل يعيش في فلك الأنا، تحكمه النفعية الوقتية، وتطغى عليه أنانية مفرطة إن لم نقل مستبدة.
وأكد أنه لا يرجِّح أي القولين، بل ولا يعنيني الإجابة عن هذين السؤالين، وإنما همي أولاً وأخيراً منصبٌّ وبشكل كلي على الثقافة كحالة معاشة على المستوى الفردي، وأيضاً كتجربة ممارسة من خلال القنوات الرسمية.
وأشار "مشهور" إلى أنه في الآونة الأخيرة شاع خبر عن نية وزارة الثقافة والإعلام اعتماد آلية جديدة في تشكيل مجالس إدارة الأندية الأدبية في المرحلة المقبلة، التي تقوم على فكرة تقسيم مجلس الإدارة إلى نصفين، الأول وهو النصف المنتخب ويشكل قرابة 50% من أعضاء المجلس، والآخر هو النصف المعين -مباشرة- من قبل الجهة المختصة في الوزارة ويشكل الـ 50% الأخرى، خاصة وأن هناك توجهاً من الوزارة لإعادة ممارسة "التعيين"، وبمعنى آخر أن الوزارة تسعى لاستعادة حق سابق مكتسب قد مُنح لمن "لا يستحق، ولا يثمّن أهمية أن يمنح الحرية المطلقة في تشكيل جملة أعضائه".
وأضاف الكاتب: على الرغم من نفي الوزير "خوجة" لذلك -في حديثه مؤخراً- وقصره دور الوزارة على الإشراف فقط على انتخابات الأندية الأدبية، إلا أنه لو صدق ما يتردد حالياً عن توجُّه وزارته لإعادة تبني استراتيجية التعيين فهو -في نظري- سيعيدنا للمربع الأول في قضية الإصلاح والتطوير. نعم أقرُّ بأن عدم قدرة المثقفين على التكيف وعلى النجاح في تجربة الانتخابات قد فوَّت عليهم فرصة أن يكونوا عرّابين لتغيير المسار في العمل المؤسساتي لينتقل من مرحلة التعيين لمرحلة الانتخاب، ولتعمم التجربة لاحقاً لتشمل أغلب مؤسساتنا الرسمية. ويكون ذلك تدشيناً لمرحلة جديدة من الممارسة العملية في طريق الإصلاح التي دشَّنها خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- مع بداية تسنُّمه الحكم في هذا البلد المبارك.
وأكد أنه ينبغي على الوزارة أن تدرك أن فشل من يمارس التطبيق لا يعني بالضرورة فشل الممارسة ذاتها، كما ينبغي عليها أن تدرك أن التغيير لا يحل بين ليلة وأخرى في الذهنية الفاعلة للفرد، وأن ليس كل من يطلق على نفسه مثقفاً هو بالضرورة يمثل بشخصيته الآنية تجسيداً لكل الأبعاد المشكّلة لفكرة الثقافة. وأن تعيد النظر في فكرة التعيين وتعمل من خلال تبني استراتيجية قوامها: "التوعية والتأهيل والتدريب"؛ لزرع أهمية الانتخاب كفكرة خلّاقة وممارسة منتجة في عقلية كل من يتصدى للمناصب الإدارية في الأندية الأدبية ويسمي نفسه في ذات الوقت "مثقفاً".
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك