للشيخ الدكتور عبد العزيز بن فوزان الفوزان عرض: فضل الله ممتاز
عنوان كتاب لمؤلفه فضيلة الشيخ الدكتور عبد العزيز بن فوزان الفوزان أستاذ الفقه المشارك بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وعضو هيئة حقوق الإنسان بالمملكة العربية السعودية والمشرف العام على شبكة مواقع ومنتديات وقنوات رسالة الإسلام،والكتاب كما هو واضح من عنوانه يتحدث عن فقه التعامل مع أصناف الناس ، ويبين أن للأخلاق أهمية كبيرة ، فالأخلاق جزء لا يتجزأ عن الشريعة الإسلامية،كما قال الله تعالى لرسوله محمد: "وإنك لعلى خلق عظيم" وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما بُعثت لأتـمِّم مكارم الأخلاق" .
وانطلاقا من هذه الأهمية قد تناول المؤلف أحكام التعامل مع الناس وبدأ مقدمة كتابه بقوله:
المتأمل في أحوال كثير من المسلمين اليوم يجد تناقضا ظاهرا بين ما أوصاهم به ربهم من رعاية حقوقه وحقوق عباده، وبين ما هم عليه من تفريط في جنب الله وعدم رعاية لحقوق عباد الله بل كثير من الناس يظنون أن التقوى هي القيام بحقوق الله تعالى دون حقوق عباده، وأن الدين قاصر على معاملة الخالق دون المخلوق، فيهملون حقوق العباد بالكلية أو يقصرون فيها ويستهينون بظلم الناس وبخسهم أشياءهم.
وإنك لتعجب من أناس يحرصون على أداء الشعائر التعبدية، ويلتزمون بالمظاهر الشرعية ويجتهدون في نوافل العبادات من صلاة وصيام وتلاوة وذكر وغيرها ولكنهم لا يولون جانب المعاملة للخلق اهتماما يذكر ولا يرون لحسن الخلق مكانة تعتبر فتجد عند بعضهم مع الأسف من الحقد والحسد والعجب والكبر والظلم والبخس والبغضاء والشحناء والتهاجر والتدابر والكذب والتدليس والغش والمخادعة وإخلاف الوعود ونقض العهود والقطيعة والعقوق ومطل الحقوق وأكل أموال الناس بالباطل وخيانة الأمانة والولوغ في أعراض الناس والسعي بالنميمة والإفساد وتتبع العورات والتدخل فيما لا يعني ما يتنافى وكمال الإيمان ويتناقض مع ما هم عليه من مظاهر الصلاح والديانة!! وكأن معاملة الخلق ليست من الدين أو أن صاحب الخلق الحسن ليس بمأجور ولا مشكور، وصاحب الخلق السيئ ليس بمذموم ولا مأزور. أو كأن ظلم الناس لا حرج فيه ولا بأس مع أن ظلمهم أشد من ظلم العبد لنفسه إذ حقوق العباد مبنية على المشاحة والمقاصة وحقوق الله تعالى مبنية على المسامحة ، ومن فرط في جنب الله كان بإمكانه أن يستعتب ربه متى شاء، لكنه إذا ظلم الناس لم يضمن أن يحلوه ويسامحوه في ظلمه لهم وتعديه على حقوقهم، بل إن حقوق العباد يجتمع فيها حق الخالق وحق المخلوق، فالله تعالى لا يرضى لعباده الظلم، وأحب الناس إليه أنفعهم لعباده، وأرعاهم لحقوقهم، وأقومهم بمصالحهم.
الدين المعاملة
وأضاف فضيلته : حياة الإنسان في هذه الدنيا دائرة بين معاملة الحق سبحانه ومعاملة الخلق من الإنس والجن والحيوانات والنباتات والجمادات وغيرها وعلى حسب هذه المعاملة يكون جزاء الإنسان في الدنيا والآخرة فإذا أحسن في معاملة الله عز وجل بأن أحبه وعظمه وشكر آلاءه ونعمه وأطاع أوامره واجتنب نواهيه وأحسن في معاملة الخلق كما أمره الله فاجتهد في النصح لهم والإحسان إليهم والعدل في معاملتهم والرفق بهم والتلطف معهم واحتمال الأذى منهم وكف الظلم عنهم فإنه يفوز بسعادة الدنيا والآخرة وترتفع منزلته عند الله تعالى وعند الناس ويطرح له القبول في الأرض والمحبة في قلوب الخلق.
ويبين فضيلته أن الله تعالى قرن حق الخلق بحقه وأمر بالإحسان إليهم بعد الأمر بعبادته وذلك في آيات كثيرة من كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.
قال الله تعالى: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً} (الإسراء 23 )إلى قوله: {وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل} (الإسراء 26) فأمر بعبادته وحده لا شريك له وبالإحسان إلى الوالدين اللذين هما أقرب الناس نسباً وأمسهم رحماً وأحقهم بالبر وحسن الصحبة وأمر بإيتاء القرابة والمحتاجين حقوقهم.
وقال سبحانه: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم} فأوصى بعبادته وبالإحسان إلى خلقه من الوالدين والقرابة والجيران والأصحاب والضعفاء والمساكين. والآية عامة في جميع المذكورين من المسلمين والكافرين والصالحين والفاسقين والقريبين والبعيدين فكلهم يجب العدل في معاملتهم والإحسان إليهم وإن كان حق المسلم أعظم من حق الكافر، وحق القريب آكد من حق البعيد، فكل يجب له من البر والإحسان بحسب قربه ومنزلته، وعلى قدر حاجته وما يناسبه.
ويتابع فضيلته قائلا : وعلى هذا تواطأت رسالات السماء وأوصت به جميع الأنبياء، قال الله تعالى: {وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحساناً وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسنا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} (البقرة 83)، أي:أخذ الميثاق عليهم على ألسنة أنبيائهم أن يعبدوه وحده لا شريك له، وأن يحسنوا إلى الوالدين والأرحام واليتامى والمساكين بكل قول وفعل جميل، ثم أمر بالإحسان إلى الناس عموماً فقال: {وقولوا للناس حسناً} (البقرة 83) أي: قولا حسنا لطيفا رفيقا طيبا مفيدا وهذا عام في القريب والبعيد والبر والفاجر والمسلم والكافر إلا أن يكون محارباً قال الله تعالى: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين} (الممتحنة 8).
الإحسان إلى الوالدين
ويتحدث الدكتور الفوزان عن حقوق الوالدين والإحسان إليهما فيقول:
لقد أمر الله تعالى في آيات كثيرة ببر الوالدين والإحسان إليهما وشكرهما بالقول والفعل، وبين كيفية ذلك في آيتين جامعتين بليغتين فقال عز من قائل: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا} (الإسراء 23-24).
فأمر بالإحسان إلى الوالدين وحذف المعمول ليعم جميع أنواع الإحسان بالأقوال والأفعال والبدن والمال.
ثم أكد على أهمية ذلك في حال كبرهما؛ لأنهما حينذاك أحوج إلى البر والإحسان واللطف والرفق والاحترام والتوقير.
ثم نهى عن إساءة الأدب معهما وإظهار التبرم والتأفف لهما فضلا عن رفع الصوت عليهما، أو سبهما وشتمهما أو احتقارهما والتعالي عليهما، فقال سبحانه: {فلا تقل لهما أف} أي: لا تؤذهما أدنى أذية، ولا يصدر منك أدنى شيء يدل على التضجر منهما أو الاستثقال لهما ووطن نفسك على احتمال ما قد يصدر عنهما من جهل أو خطأ. ثم قال: {ولا تنهرهما} أي لا ترفع صوتك عليهما، ولا تكلمهما ضجرا صائحا في وجهيهما ولا تنظر إليهما شزرا وتحد الطرف إليهما، ولا تنفض يدك عليهما زاجرا لهما ومعترضا عليهما.
ولما نهى عن القول القبيح والفعل القبيح أمر بمعامتهما بالحسنى قولا وفعلا فقال: {وقل لهما قولا كريما} أي لينا طيبا لطيفا بتأدب واحترام وإكرام وذلك يختلف باختلاف الأحوال والعوائد والأزمان.
ثم قال: {واخفض لهما جناح الذل من الرحمة} أي تواضع لهما بفعلك رحمة بهما وتذللا لهما وعرفاناً بفضلهما وعاملهما معاملة الخادم الذي ذل أمام سيده فتطيعهما في المعروف وتجيب دعوتهما وتخدمهما وتقضي حاجاتهما وتغض الطرف عن أخطائهما وتحرص على كل ما يسعدهما ويريحهما وتبتعد عن كل ما يؤذيهما ويسخطهما.
رأى أبو هريرة رضي الله عنه رجلاً يمشي خلف رجل فقال: "من هذا؟ قال: أبي قال: لا تدعه باسمه، ولا تجلس قبله، ولا تمش أمامه".
ويخاطب فضيلته المسلم قائلا : يجب عليك التلطف معهما، والتودد إليهما بالقول والفعل، وأن تبدأهما بالسلام وتدعوهما بأحب الأسماء إليهما، وتتأدب معهما في كلامك وجلستك وطعامك وجميع أحوالك.
مراتب الناس في صلة الرحم
يقسم الشيخ الفوزان الناس في صلة الرحم على ثلاث مراتب:
1- واصل: وهو الذي يصل من قطعه ويعطي من منعه.
2- مكافئ: وهو الذي يعطي من يعطيه ويصل من يصله.
3- قاطع: وهو الذي لا يصل ولا يوصل، ولا يعطي ولا يعطى وأشد منه من يصله غيره وهو يقاطعه، ويعطيه وهو يمنعه، ويحسن إليه وهو يسيء إليه، ويحلم عنه وهو يجهل عليه. وكما تقع المكافأة بالصلة من الجانبين كذلك تقع المقاطعة من الجانبين، ومن بدأ بالقطيعة فهو القاطع، ومن بدأ بالصلة بعد القطيعة فهو الواصل، فإن جوزي سمي من جازاه مكافئاً.
ثمرات صلة الرحم
ثم يتناول ثمرات صلة الرحم ويعتبرها عبادة من أجل العبادات، ومن أعظم أسباب تنزل الرحمات، والفوز بالجنات ورفعة الدرجات، وحصول البركة في الأعمار والأوقات، والزيادة في الأرزاق والخيرات، والذكر الحسن في الحياة وبعد الممات، مع ما يحصل لصاحبها من النصر والعزة والمودة والمحبة وامتلاء القلوب منه إجلالا وهيبة.
آداب التعامل بين الزوجين
وفي سياق حديثه عن آداب التعامل بين الزوجين يقول الدكتور الفوزان: الحياة الزوجية ليستْ لهوًا ولعبًا، ولا لذةً عابرة، أو علاقةً مؤقتة، أو مجردَ شهوة واستمتاع؛ بل هي مسؤوليةٌ عظيمة، وتَبِعة ثقيلة، تحتاج إلى صبر ومجاهدة، وحكمةٍ ورويَّة، وتوطينٍ للنفس على القيام بحقوق النِّكاح وتبعاته، وحرصٍ على التوافُق مع الطرف الآخر واحتمال زلاَّته، والتغاضي عن أخطائه وهفواته، والقيام بمسؤولية تربية الأولاد وحسن إعدادهم. ولكنَّ الله - تعالى - برحمته جَعَلَ ذلك الميلَ الشديد بين الرجل والمرأة، وخَلَقَ الشهوة الجنسيَّة، والرغبةَ في تحصيل الأهل والذريَّة، وجعل هذه الدوافعَ من القوة والإلحاح، بحيث يجد الإنسانُ عنتًا ومشقة في تجاهلها، ولا يملك إلا أن يستجيب لها بما شرعه الله - تعالى - من النكاح.
ويتابع فضيلته قائلا : وبهذا يحصل التزاوُج، وتتحقَّق مقاصد النكاح، من تحقيق العفاف والصيانة للزوجين، وسكون كلٍّ منهما إلى الآخر، وحصول الرحمة والمودة بينهما، وتعاونهما على القيام بمصالحهما الدينية والدنيوية، وعلى تربية الأولاد ورعايتهم، وبه يحصل التناسل والتكاثر، ويستمر النوع الإنساني، ويُحفظ الأولاد من الهلاك والضياع، مع ما يحصل بذلك من زيادة أعداد المسلمين، وتكثير سوادهم، وتقوية شوكتهم، واستغنائهم بأبنائهم عن أعدائهم.
وما يحصل به كذلك من تنمية الروابط الأسريَّة وتعزيزها، وتوسيع دائرتها، وتوثيق عُرى الأخوَّة والمحبة بين المسلمين؛ لأن النِّكاح ينشئ علاقاتٍ جديدةً بين الزوجين وأهليهما، ويربط الأسر المتباعدة برباط النكاح والمصاهرة.
القناعة كنز لا يفنى
ويؤكد فضيلة المؤلف أنَّ التطلُّع إلى استكمال جميع الصفات في الزوج أو الزوجة، ضربٌ من الخيال، وأمر بعيدُ المنال، ولله وحده الكمال، والإنسان مجبول على النقص والتقصير، وما من لذة في هذه الحياة إلا وهي مشوبة بشيء من التنغيص والتكدير، واللذةُ التامة إنما تكون للمؤمنين في جنات النعيم.
وإنَّ من أكثر الناس توفيقًا، وأرجحهم عقلاً: مَن يرضى بما قسم الله له، ويقنع بما آتاه الله، وقديمًا قالت الحكماء: "القناعة كنز لا يفنى"، وأبلغ منه قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "قد أفلح مَن أسلم، ورُزق كفافًا، وقنَّعه الله بما آتاه".
لا بد من التطاوع والتسامح:
ويقدم فضيلته نصائح للزوجين ويشير إلى مسألة مهمة ألا وهي : أنه لابد من التطاوع والتسامح في الحياة الزوجية فكل إنسانٍ عالَمٌ بذاته، له نظراتُه وتصوراته، وحاجاته ورغباته، وله مزاجه الخاص، الذي قد لا يتَّفق مع مزاج صاحبه، وهذا حاصل في الأمور الحسية والمعنوية.
فينبغي لكلٍّ من الزوجين أن يتطاوعا ولا يختلفا، وييسِّرا ولا يعسِّرا، وأن يحسن كلٌّ منهما صحبةَ الآخر، ويحرص على إسعاده وتحقيق رغباته فيما أذن الله - تعالى - فيه، وأن يتنازل عن شيء من مراداته ورغباته، من أجل عشيره وشريك حياته، وأن يوطِّن نفسه على قبول بعض الهفوات، والتغاضي عن بعض المنغصات.
ويحث فضيلته الزوجين على التعاون على البر والتقوى قائلا: إذا كان حقًّا على الزوجينِ أن يتعاونا على البرِّ والتقوى، والفوز في الحياة الأخرى، فإنَّ حقًّا عليهما كذلك أن يتعاونا على ما يهمهما من أمور الحياة الدنيا، وأن يكون كلٌّ منهما عضدًا للآخر، ومساندًا له، ومعايشًا لآلامه وآماله، ومعاونًا له على القِيام بمصالحه وأعماله، وأنْ يتعاونا على تربية الأولاد، والقِيام عليهم بحُسْن التربية والإعداد.ولمَّا كانت العَلاقة الزوجيَّة من أقوى العَلاقات الإنسانيَّة، وفيها تميُّز وخصوصية، وكلٌّ من الزوجين أقرب إلى الآخر، وأكثر معاملةً له والتصاقًا به، ومعرفة بأحواله وأسراره، وحاجاته وخصوصياته، وآلامه وآماله، ممَّن عداه من سائر الناس، كما أنَّه يحصل بينهما من المعاشرة والمؤانسة، والمداعبة والاستمتاع، ما لا يرضى أحدٌ منهما بكشفه للآخرين، لمَّا كان الأمر كذلك كان حفظ كلٍّ منهما لعورة صاحبه، وستر عيوبه، وكَتْم أسراره، وخصوصياته، حقًّا واجبًا لكلٍّ منهما على الآخر.
كما تحدث فضيلته عن معاملة الوالد لولده ومعاملة الجار لجاره ومعاملة القريب لقريبه وتناول أحكام تعامل المسلمين مع بعضهم.
التحذير من الظلم
كما حذر فضيلته عن الظلم وقال: إنه خلق ذميم، وذنب جسيم،وأذى عظيم،ووصف لئيم،يحلق الدين،ويأكل الحسنات،ويجلب الويلات،والنكبات، ويورث العداوات والمشاحنات، ويثمر الأحقاد والضغائن، ويسبب القطيعة والعقوق، ويحيل حياة الناس إلى جحيم وشقاء، وكدر وبلاء.موردا قول الشاعر في التحذير من عاقبة الظلم:
أما والله إن الظلم لؤم ومازال المسيء هو الظلوم
إلى ديان يوم الدين نمضي وعند الله تجتمع الخصوم
ستعلم يا ظلوم إذا التقينا غدا عند الإله من الملوم
وقد أجاد المؤلف وأفاد فجزاه الله خيرا عن الإسلام والمسلمين، وقدم مادة علمية بها أصالة، ورجع فيها إلى مصادر ومراجع أصيلة ومتنوعة وأثراها بالنقول العلمية من أقوال العلماء ، وظهرت فيها شخصيته العلمية كعالم جليل وفقيه موسوعي وداعية إلى الله والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر .
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك