جانب الاعتبار والتأمل والتفكير في الكون وما فيه من مظاهر، واضحًا في كثير من آيات القرآن الكريم؛ لأن القرآن الكريم لا يذكر جزءًا من الكون إلّا ويشير ما فيه للإنسان من منافع، وذلك كقوله تعالى: { فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ{24} أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبّاً{25} إلى قوله تعالى: { مَّتَاعاً لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ{32} فالنبات متاع للإنسان ولأنعامه، وقوله تعالى: { وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ{5} إلى قوله تعالى { وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ{7} وغير هذا مما جاء في منافع الأنعام والخيل والحمير والبغال، وتسخير الأرض والبحار والأنهار والرياح والسحاب والأمطار والشمس والقمر النجوم والليل والنهار، وغير ذلك مما أفاض القرآن بذكره، وهذا يدفع بالإنسان إلى استثمار الكون وتسخيره لمنافعه ومصالحه، وبذلك يشعر الإنسان بأنه كائن مكرم ومفضل في هذا الكون، وهذا يلفت نظره إلى هذه النعمة التي خصها بها خالقه، فقد يكون مصدر لهدايته إلى الإيمان بالله تعالى، جميع أجزاء الكون وحوادثه ترد في القرآن الكريم مقرونة بألفاظ دالة على الحواس، كالرؤية والنظر والبصر والسمع، والألفاظ الدالة على التفكير، كلفظ {ﮩ} { لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } { قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ} وغير ذلك مما قدمنا كثيرًا منه، ومن ذلك قوله تعالى: { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاء إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ{27} .
عن طريق هاتين الصلتين يربط الإنسان القرآن بالكون، وعن طريق التأمل والتفكير والتدبر في ملكوت السماوات والأرض وفي نفس الإنسان، قال تعالى: { َفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ{20} وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ{21} وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ{22} فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ{23} يصل الإنسان إلى الإيمان بوجود الله ووحدانيته واتصافه بصفات الجلال والكمال، ويقطع قلبه مذعنًا ومؤمنا صادقًا، وينطق لسانه معترفًا بما جاء به الوحي من أخبار، وتخضع جوارحه لما وجه إليه من خطاب أمر أو نهي، وبذلك لا يدعو مع الله إله آخر، ولا يعبد إلا إياه ، إن الإيمان بالله هو أصل الدين، والإنسان يصل إليه بهداية من الله عن طريق إرشاد الوحي للعقول بشتى الأدلة، وإن القرآن الكريم في أدلته وإرشاده يسلك طرقًا عديدة، ليجد كل من له عقل ما يناسبه من الحجج والبراهين، ولا يترك كبيرة ولا صغيرة من أجزاء الكون إلا أشار إليها، ونبه العقل عليها، وتوجد فيها أنواع من الأدلة التي تسمى بالأدلة الجدلية أو المنطقية، والقرآن الكريم يظل ينتقل بالإنسان من جزء إلى جزء حتى يأخذ بناصية عقله ويقوده إلى الحقيقة الكبرى وهي الإيمان بالله خالق هذا الوجود، وبذلك يوجد الدين، فالإيمان الصادق به يوجد الدين، وأفضل مصالح الدين ما كان شريفًا في نفسه، رافعًا لأقبح المفاسد، جالبًا لأرجح المصالح، وقد سئل ﷺ: ((أي الأعمال أفضل؟ فقال: إيمان بالله)) فجعل الإيمان أفضل الأعمال؛ لجلبه لأحسن المصالح ودرئه لأقبح المفاسد مع شرفه في نفسه، وشرف متعلقه ومصالحه ضربان: أحدهما: عاجلة وهي إجراء أحكام الإسلام وصيانة النفوس والأموال والحرم والأطفال، والثاني: أجلًا وهي خلود الجناة والرضا من الرحمن.
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
23-03-2016
موقف الإنسان في هذا الكون وصلته به
