( شداد بن عاد )
شداد بن عاد بن عوص بن أرم بن سام بن نوح وكان
شداد بن عاد كثير الأولاد قيل كان له اربعة آلاف ولد وتزوج بألف إمرأة أو عاش
من العمر ألف سنة قال الكسائي لمّا مات عاد أستخلف بعده ثلاثة أولاد شداداً وشديداً
وأرم وكان شداد أكبر أولاده فخضعت له الرقاب لمّا ملك بعد أبيه فلما تزايدت
عظمته قهر ملوك الأرض في الطول والعرض وقتلهم وملك أرضهم وديارهم وصار
ملك الدنيا من مشرقها إلى مغربها في قبضة يده قال وهب بن منبه لم يملك الدنيا
بأسرها غير أربعة مؤمنين وكافرين فأما المؤمنان فهما سليمان بن داوود عليهما السلام
والإسكندر ذو القرنين وأما الكافران فهما شداد بن عاد والنمروذ بن كنعان وقيل
بختنصّر والله سبحانه وتعالى أعلم وقيل في المعنى
كم سمعنا بملوك هلكوا ملكوا الدنيا وما قد ملكوا
كدر الموت عليهم عيشهم تركوا الدنيا وما قد تركوا
قيل للإمام علي رضي الله تعالى عنه صف لنا الدنيا فقال وأي شيء بها أصفه لكم؟
دار أولها عناء وآخرها فناء حلالها حساب وحرامها عقاب من إستغنى فيها فُتن ومن
إفتقر فيها حزن ( وقال ) رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لوكانت الدنيا تزن عند الله
جناح بعوضه ما سقى الكافر منها جرعة ماء ) وقد قيل في المعنى
والله لو كانت الدنيا بأجمعها تبقى علينا ويأتي رزقها رغداً
ما كان من حق حُر أن يُذل لها فكيف وهي متاع يضمحل غداً
قال الكسائي إن شداد بن عاد كان مولعاً بقراءة الكتب القديمة التي أنزلت على
الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم فكان كلما مر عليه سماع أوصاف الجنة ترتاح لها
نفسه فخطر بباله أن يجعل له في الدنيا جنة مثلها وقد قيل في المعنى :
أحببتكم من قبل رؤياكم لحُسن وصف عنكم قد جرى
وهكذا الجنة معشوقـــة لحُسنها من قبل أن تبصــــرا
ثم إن شداداً أمر بعض وزرائه وكان له ألف وزير أن يجمع له الحكماء والمهندسين
وأمرهم أن ينظروا له أرضاً واسعة طيبة الهواء كثيرة الأنهار والأشجار ليبني له جنة
عظيمة فتوجه الوزير بمن معه من أهل الخبره وساروا في الأرض فلما وصلوا إلى
عدن من نواحي اليمن وجدوا هناك أرضاً على هذه الصفة فأخبروه بها فوجه إليها
البنائين والمهندسين فاجتمعوا عند تلك الأرض فوجههوها وخططوها مربعة الجوانب
دورها أربعون فرسخاً في كل جانب عشرة فراسخ فلما حفرا أساس تلك المدينة وبنو
فيها الرخام المجزع وأظهروا من جوانبها مقدار النصف وأخبروه بذلك قال لوزرائه
ألستم تعلمون أني قد ملكت الدنيا جميعها فقالوا نعم فقال أريد أن تجمعوا لي جميع
ما فيها من الذهب ومعادن الجواهر واللآلئ واليواقيت والمسك والكافور والزعفران
وغير ذلك من الأصناف النفيسه فجمعوا له ما في بلادهم وما كان عندهم وما كان في
أيدي الناس وأرسلوا إلى إلى سائر الأقطار وأحضروا ما كان فيها من ذلك جميعه فصارت
الناس يتعاملون بالجلود فيقصونها على هيئة الدراهم ويختمونها بإسم الملك ويتعاملون
بها في كل جهة فلما احضروا الجميع أخذوا يجعلون من الذهب لبنة ومن الفضة لبنة
ويبنونة فوق ذلك الرخام حتى أتموا جوانبها
فلما أحاط ذلك السور بالمدينة أخذوا يجعلون في وسطها غرفاً وقصوراً على صفة
القصور من الذهب والفضة ويجعلون لها قوائم من الزبرجد الأخضر والياقوت
الأحمر وجعلوا تلك القصور والغرف تشرف على أشجار من الجواهر والياقوت
واللؤلؤ والأنهار المتدفقة وحول القصور تلال من المسك والعنبر والكافور وأحكموا
ذلك كله بالصنائع العجيبة المتقنة التي لم يكن في الدنيا مثلها بل ولا في الدنيا مثل بعضها
قال الكسائي كان مدة عمارة هذه المدينة ثلاثمائة سنة فلما كامل بناؤها أخبروا الملك بذلك
فأمر الوزراء والأمراء والحُجّاب بأن ينقلوا إليهم الفرش الفاخرة والآنية الفاخرة
فأقاموا ينقلون ذلك مدة عشر سنين فلما انتهوا من ذلك ركب الملك شداد وأركب
نساءه وخدمه ونساء وزرائه وأمرائه وحُجّابه في هوادج من الذهب المتقنة بصنائع
المهندسين فلما وصلوا إلى باب تلك المدينة وأراد الملك الدخول أولاً وإذا بملك من
الملائكة أرسله الله تعالى إلى شداد فقال الملك يا شداد فقال إن أنت أقررت لله بالوحدانية
مكنتك من الدخول وإن لم تقر لله بالوحدانية أخذت روحك في هذه الساعة فلما سمع
شداد ذلك الخطاب طغى وكفر وفجر فصاح عليهم ذلك الملك صيحة فماتوا أجمعين
عن آخرهم ولم يدخل أحد منهم إلى تلك المدينة ( قال ) وهب ابن منبه لم يكن مثل
هذه المدينة على وجه الأرض وقد قال الله تعالى ( ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم
ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد ) وقد اختلفوا في ذلك إختلافاً كثيراً قال
السدي إن هذه المدينة التي بناها شداد بن عاد باقية إلى الآن وقد دخلها رجل أعرابي
يقال له عبدالله بن قلابة وذلك في خلافة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهم سنة
ثمانية وأربعين من الهجرة النبوية .
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك