بعد نجاح نور الدين في ضم دمشق وأصبحت عاصمة دولته ومنطلق الحكم وأصبح ملك دمشق وموحد الشام لم يعد أمام الصليبيين للغزو والتوسع سوى طريق الجنوب بعد أن أحكم نور الدين سيطرته على بلاد الشام؛ ولذا تطلع الصليبيون إلى مصر باعتبارها الميدان الجديد لتوسعهم، وشجعهم على ذلك أن الدولة الفاطمية في مصر تعاني الضعف فاستولوا على عسقلان، وكان ذلك إيذانا بمحاولتهم غزو مصر، مستغلين الفوضى في البلاد، وتحولت نياتهم إلى عزم حيث قام عموري الأول ملك بيت المقدس بغزو مصر محتجا بعدم التزام الفاطميين بدفع الجزية له، غير أن حملته فشلت وأجبر على الانسحاب.
أثارت هذه الخطوة الجريئة مخاوف نور الدين، فأسرع بشن حملات على الصليبيين في الشام حتى يشغلهم عن الاستعداد لغزو مصر، ودخل في سباق مع الزمن للفوز بمصر وضمها لمملكته في الشام، فأرسل عدة حملات من دمشق تحت قيادة "أسد الدين شيركوه" وبصحبته ابن أخيه الشاب اليافع (((((صلاح الدين الأيوبي)))))، واستمرت نحو خمس سنوات وفشلت عدة مرات بسبب خيانه شاور الوزير الأول للخليفة الفاطمي وتعاونه مع الصليبيين والفساد المتفشي. ولكن أسد الدين لم يتراجع، ففي كل مرة كان يُعيد تجهيز جيشه وينطلق من جديد بأوامر نور الدين في دمشق حتى نجح بعد سباق محموم مع الصليبيين في الظفر وتولى )شيركوه( الوزارة من العاضد لدين الله آخر حكام الفاطميين، على أنه لم يلبث أن توفي فعين نور الدين زنكي صلاح الدين الأيوبي وزيرا على مصر )))إنطلاقة صلاح الدين ))) وضمها لملكه في الشام. كانت شعلة البداية عندما خلع شاور الوزير الفاطمي على يد ضرغام.
الحملة النورية الأولى (((بعد ما كانت حملات صليبية أصبحت نورية............. قوة)))
بعد أن خُلع شاور من الوزارة، ذهب إلى نور الدين طالبا منه العون في استعادة الوزارة مقابل أن يدفع له مصاريف الحملة، ويتخلى عن المقاطعات الحدودية، ويدفع ضريبة سنوية تعادل ثلث أيرادات البلد. ولم يتخذ نور الدين القرار إلا بعد أن استخار أيات من القرآن. أرسل نور الدين أسد الدين شيركوه عبر الصحراء، وقام هو بهجوم على بانياس للتمويه على تحركات أسد الدين. سرعان ما طالب ضرغام المساعدة من الملك عموري الأول، لكن أسد الدين سرعان ما عبر السويس وواجهة قوات ضرغام وقتله قبل أن تجهز القوات الصليبية. أعيد تنصيب شاور ...
تنكر شاور لوعوده وطالب أسد الدين بالرجوع إلى دمشق، لكن أسد الدين رفض وسيطر على بلبيس، فما كان من شاور إلا أن استعان بعموري الأول واعدا إياه سبع وعشرين ألف دينار وهدايا أخرى. انضمت قوات عموري مع قوات شاور وحاصرت بلبيس لمدة ثلاث أشهر، لكن تدخل نور الدين في الشام وأصداء معركة حارم جعلت الملك عموري الأول يتفاوض على أن يجلي هو وقوات أسد الدين عن مصر...
كانت لمطالبات الخليفة العباسي في بغداد بالقضاء على التشيع الفاطمي في مصر تأثير كبير على إعداد الحملة النورية الثانية. حيث أعطى نور الدين الإذن لأسد الدين بالتوجه إلى مصر ,, تحرك أسد الدين في السنة التالية دون أن يخفي نواياه، ليطلب شاور المساعدة من عموري الأول، الذي استدعى باروناته للتأكيد على الخطر المحدق بالمملكة في حال سيطر نور الدين على مصر. وكان على قوة المملكة كلها المشاركة في القتال وعلى المتخلفين أن يدفعوا عشر إيرادهم السنوي. اتخذ أسد الدين طريقا مغايرا لطريق الصليبيين وعسكر قرب الجيزة. تقابل جيش شاور وعموري في الشمال الشرقي من القاهرة على بعد ميل من أسوار القاهرة، ليتم عقد اتفاق تحالف رسمي بين الطرفين يحصل بموجبه عموري الأول على مبلغ اربعمئة ألف بيزنطية نصفهم في الحال ويوقع هذا الاتفاق العاضد لدين الله في القاهرة.
بعد شهر من تعسكر الجيشين في مقابلة بعضهما البعض نجح عموري من عبور الجزيرة على رأس الدلتا ليفاجئ أسد الدين، والذي وجد أن جيشه قليل العدد فقرر الانسحاب متحركا باتجاه الجنوب وعسكر في الأشمونين ضمن مدينة خمون الفرعونية. حيث لحق به الجيش الصليبي - المصري. بدأ الاشتباك وعلى الرغم من التفوق العددي للجيش الصليبي - المصري استطاع أسد الدين هزيمتهم بأن أوهم جيوش الصليبيين بأن قلب جيشه يتراجع حتى لحقوا بهم وأطبق عليهم من الطرفين. فقد كان جيشه خفيف الحركة بشكل أكثر من الجيش الصليبي- المصري.لينسحب عموري وشاور إلى القاهرة.
توجه أسد الدين إلى مدينة الإسكندرية المعروفة بكرهها لشاور، وفتحت لهم أبوابها. سرعان ما أعاد عموري الأول وشاور ترتيب الجيش، وعلى الرغم من الخسائر الكبيرة التي لحقت بهم فكان لايزال جيشهما أكثر عددا من جيش أسد الدين،وضربوا حصارا قاسيا على الإسكندرية. بدأت ملامح المجاعة تلوح في الأفق فقرر أسد الدين التسلل مع حامية إلى خارج الإسكندرية واستخلف صلاح الدين عليها، متوجها إلى مصر العليا أملا بأن تلحق به جيوش عموري إلا أن شاور أشار بأهمية الإسكندرية،ليستمر الحصار عليها.
(((ترى المصادر الصليبية أن أسد الدين تسلل من الإسكندرية لما ساءت الأمور فيها، وأنه أرسل في التفاوض على أن يخرج كلا الجيشين من مصر، وعن ألا يعاقب أهالي الإسكندرية للدعم الذي قدموه. كان من أهم أسباب موافقة عموري على هذه الصفقة إغارة نور الدين على إمارة طرابلس، مما أدى إلى خوف عموري الأول على أراضيهم في الشام.في حين ترى المصادر العربية أن أسد الدين إفترق عن صلاح الدين مباشرة بعد الدخول إلى الإسكندرية، وراح يغير على صعيد مصر. حين إشتد الحصار على الإسكندرية تحرك نحوها، فلقفه الصليبيين في الصلح ووافق على ذلك. ليخرج الجيش النوري من مصر ...)))
عُقد مجلس للبارونات براعية عموري الأول في القدس للنظر في أمور مصر، نظرا لتخلف شاور من دفع الإتاوة -الجزية- إلى الحامية الصليبية الموجودة في مصر إضافة إلى وجود شائعات تفيد بأن الكامل ابن شاور تقدم للزواج من أخت صلاح الدين. قرر المجمع التحرك نحو مصر ليصل إلى بلبيس. حاول شاور إعادة المعاهدة لكن الملك طلب مليوني دينار إضافيين. قرر شاور المقاومة لكن الجيش الصليبي استطاع دخول قلعة بلبيس بعد أربع أيام وارتكبت مذبحة كبيرة هناك شملت كل من الأقباط والمسلمين.
وقفه
لماذا اشتملت المذبحة على الأقباط ... إذا كان هؤلاء مثلهم مسيح ...؟؟!!
هذا يدل على أن حملتهم لم تكن إبادة المسلمين فقط .. بل أن هناك خلاف بين الكنيسة الكبرى والكنائس الأخرى مثل المصرية والشامية (اقرأ رواية عزازيل للكاتب يوسف زيدان) ولأنهم كانوا يعيشون أيام الظلام فيما كان العرب علماء .... أي انها أيضاً لنهب وسلب العلوم ....
بدأ عموري حصار الفسطاط ، مما دفع شاور إلى حرق الفسطاط وبدأ يهدد بأن سيشعل القاهرة في حال استمر عموري في خطته، كما قام في نفس الوقت بمفاوضة عموري على المبلغ الذي سيدفعه.
عظم حريق الفسطاط على العاضد فأرسل إلى نور الدين طالبا النجدة الذي أرسل أسد الدين إلى مصر. قام شاور بتحذير عموري الأول أثناء المفاوضات من تحرك الجيش النوري باتجاه مصر. فقرر عموري مباغتة جيش أسد الدين عند السويس. لكن أسد الدين ادرك ذلك فاتجه نحو الجنوب متجاوزا الصليبيين. فما كان من عموري إلا الجلاء عن أرض مصر ، ليدخل أسد الدين القاهرة وألقي القبض على شاور وأصدر العاضد أمرا بقتله وعين أسد الدين كوزير.
لم يتبقى من قصة المجاهد الإسلامي الفذ (نور الدين) إلا جزءً أخيراً............................
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
رد: نور الدين .................... الجزء الخامس..................... الحملات النورية
ما شاء الله..بحث رائع ومتميز كالعادة..
بالرغم من أنني لست معتادة على قراءة التاريخ للأمانة..
إلا أن اهتمامكم بهذا المجال وانتقائكم المميز وإسلوب العرض الممتع يدفع القارىء للقراءة والإستفادة بصدق..
نسأل الله سبحانه وتعالى أن ينصر أمتنا وأن يعيد إليها مجدها وعزتها وكرامتها عاجلا غير آجل.اللهم آمين.