اقرا معى يا صديقى كيف يعرض المثقف الاسلام والمسيحية على اطفالنا حتى ينشأوا مثالا للاعتدال وتقبل الاخر الذى هو فى النهاية شريك فى هذا الوطن له ما لنا وعليه ما علينا
***************
ان ابراهيم لايزال يذكر اول سؤال حيره وتوجه به الى أمه وهو لايزال طفلا فى الخامسه من عمره .. فقد كان يرى أباه يصلى صباح كل يوم قبل أن يخرج من البيت وكان يقف خلفه أحيانا ويقلده فى انحناءات الصلاه ولم يكن ابوه يدعوه الى الصلاه معه ولكنه كان يفرح عندما يراه واقفا خلفه يقلده ..وبدأ أبوه يتلو صلاته بصوت مرتفع كأنه يريد من ابنه أن يتلوها وراءه ويحفظها منه بل أنه بلا تعمد وفى فترات متباعده كان يداعبه خلالها ،استطاع أن يلقنه صورة الفاتحه حتى يحفظها . وفى يوم سأل ابراهيم أمه ، كمجرد خاطر طرأ عليه دون تعمد :
- هل الرجال وحدهم هم الذين يصلون ؟
وقالت أمه ضاحكة :
- الرجال والنساء كلهم يصلون .. وقالت فى دهشة :
- ولماذا لا تصلين انت مع بابا ؟ ..
واحتضنته تقبله وتقول ..
-انى أصلى مع خالك لبيب :
وقال فى دهشه :
-لماذا تصلين مع خالى لبيب ولا تصلين مع بابا ؟
وقالت وهى تمسح بيدها على شعر رأسه :
- هكذا تعودت .. وتعود بابا .. ونحن الاثنان نصلى لربنا .. وربنا واحد ..
وقال وهو يضحك لها كعاده الاطفال عندما يطلبون شيئا :
- اريد ان اراك وانت تصلين مع خالى ..
قالت وهى تبعده عنها فى حنان كأنها لا تريد ان يطيل معها الكلام :
-اننا لا نصلى فى البيت ..
وسأل بدهشه :
- اين تصليان ؟
قالت فى رفق وهى تنظر اليه فى لوم كأنها تتمنى عليه ان يرحمهامن هذه الاسله :
- فى الكنيسه ..
ورنت الكلمه فى رأسه بطنين مرتفع .. انها المرة الاولى التى يسمع فيها لفظ كنيسه .ترى ما هى الكنيسه ؟ وقال ولهجته تحمل رنه اصرار :
-اريد ان ارى الكنيسه ..
وقالت امه وهى تقوم مبتعده عنه :
- حاضر
وتركته وهو يسقط فى بحر الحيره التى عاش فيها طوال حياته .. وقد انتظر يومها حتى عاد والده الى البيت وانتهز فرصه اختلائه به وقال له وهو يلقى بنفسه على صدره ويقبله :
- بابا.. لماذا لا تصلىفى الكنيسه .
ورده ابوه وهو يضحك ويحتضنه :
- انى اصلى فى البيت او فى الجامع ..
ورن لفظ الجامع فى رأسه بنفس الطنين الذى رن به لفظ الكنيسه وقال وقد اشتدت به الحيره :
- ولكن ماما تصلى فى الكنيسه ..
وسكت الاب برهه وهو ينظر فى عينى ابنه وعيناه تفيضان بالحنان ثم قال كأنه قرر ان ابنه وصل الى السن التى يمكن ان يواجهه فيها بواقع لم يكن يعلمه بعد :
- ان ماما مسيحيه وانا مسلم ..
- وما الفرق ؟
وفقال الاب وهو يحتضن ابنه بأبتسامه :
- بالنسبه لنا نحن الاتنين فلا فرق .. كلانا سعيد ومرتاح بايمانه ..
وقال وهو غارق فى الحيره :
- وانا .. هل انا مسلم ام مسيحى .
وقال الاب فى عجله :
-انت مسلم لان أباك مسلم ..
وقال من خلال حيرته : - هل لو كنت فتاه كنت أكون مسيحيا كماما ..
وقال الاب بسرعه ..
- لا.. الابناء اولاد وبنات كما يحملون اسم الاب يحملون صفته كمسلم او مسيحى ..
وقال وكأنه يهم بالبكاء :
- ولكنى أحبك وأحب ماما .. وسأكون مسلما مثلك ومسيحيا مثلما ..
وقال الاب وهو يبتلع ريقه كأنه بدأ يعانى من ابنه :
- مستحيل فأنا ايضا أحب ماما وماما تحبنى وكل منا يعيش ايمانه دون ان يكون فيه ما يعكر حبه .. ولا تشغل نفسك بهذا الموضوع .. ودعها على الله ..
وقال الصبى بسرعه كأنه يدافع عن نفسه :
ماما قالت لى ان الله واحد ..
وقال الاب وهو يبتعد عن ابنه :
لا اله الا الله .. وعندما تكبر ستعرف أكثر ..
وتركه والده وهو يغوص أكثر فى بحر الحيره وقد أخذ يلح على أمه حتى صحبته صباح يوم أحد الى الكنيسه ووالده يعلم دون أن يعترض وكأنه أمر طبيعى ان تصحبه الى الكنيسه . وقد جلس جانبها يستمع الى التراتيل ويقلدها فى كل حركاتها ثم يتطلع الى السقف والى الجدران بعينه مأخوذا بالصور المعلقه وخرج دون ان يفهم شيئا وليس فيه ما ينبض احساسه الا انه بجانب امه وقد عاد الى البيت وبدأ يلح على ابيه قائلا :
- لقد رأيت امى فى الكنيسه وأريد ان اراك فى الجامع ..
وكان ابوه يرد عليه قائلا :- افضل ان تنتظر حتى تكبر وتذهب الى الجامع وحدك وحتى تكون دوافعك من ايمانك لا من ايمانى ..
ولكن ابراهيم الذى كانوا يدللونه باسم ( برهم )،أخذ يلح حتى صحبه معه فى صلاه الجمعه .. وامه تعلم انه صحبه الى الجامع دون ان تعترض او تعلق بكلمه وكأنه من الطبيعى ان يصحب اباه الى الجامع وقد جلس بجانب ابيه يسمع القران ثم بدأ يقلده فى كل حركاته بعد ان اقيمت الصلاه ويردد مع امام الجامع الفاتحه التى كان حفظها ويدير عينيه بين السقف والجدران وبين المصلين كأنه يحاول ان يكتشف شيئا يفهمه وان كان كل ما أكتشفه وفهمه هو ان أباه كان فخورا به بين المصلين كأنه يتباهى بلأنه أنجب مسلما ..
وقد سأل اباه يومها وكان هذا هو كل ما خرج به من الصلاه فى الجامع :
- لماذا يجلس المصلون فى الكنائس على مقاعد ويجلسون فى الجوامع على الارض ..
وقال الاب مشفقا فى حنان :
- انك لم تكن فى الجامع جالسا على الارض ولكن على سجاد . وكل الاديان تركع لله ويكون ركوعها على الارض .واحساسك بالله يغلب احساسك بكيف تكون وانت موجه اليه لانه احساس يرفعك الى السماء .
ولم يستطع برهم ان يتخلص من الحيره التى يعيش فيها وربما كان مما يعشش هذه الحيره فى نفسه ان ليس حوله ما يخرجه منها او يعينه عليها فأبوه وأمه عاشا كل حياتهما فى أقوى وأرقى حالات الحب لم يسمع منهما يوما خلافا او نقاشا حول اسلامه او مسيحيتها بل ان كلا منهما كان حريصا على رعايه ايمان الاخر ، فأمه تطوى سجاده صلاه ابيه بيديها وتهتم بحفظها ورعايتها .. بل انها اشترت له أكثر من سجاده أعجبتها وكانت تتباهى بها كأنها اشترت تحفه مقدسه . وكانت فى أيام رمضان تطبق على البيت كله تقاليد الصيام وهى نفسها كانت تصوم أياما ولا تأكل الا مع العائله ساعه الافطار وان كانت فى معظم الايام لا تستطيع ان تحرم نفسها من فناجين القهوه ومن السجائر ., وكل اعياد المسلمين يحتفل بها فى البيت حتى ان أمه كانت تشترى بنفسها الخروف وتشرف على ذبحه فى عيد الاضحى وتشترى لزوجها وأولادها الملابس الجديده فى العيد الصغير ،وابوه أيضا كان حريصا على رعايه مظاهر ايمان زوجته . انه يتركها تتردد على الكنيسه كلما أرادت وهو فرح بايمانها ويتركها تحتفظ بالصليب الصغير فوق صدرها ولا تتخلى عنه ابدا ، بل انه سافر مره الى الخارج وعاد يحمل بين الهدايا صليبا ذهبيا موشى بالفصوص ليعلقه فوق صدر حبيبته متباهيا به .. وكل الاعياد المسيحيه يحتفل بها البيت وعيد اميلاد .. وعيد القيامه المجيد .. واحد السعف .. و.. و.. وان كانت امه نفسها تعفيهم من التمسك بكل ايام الصيام التى لا تقدم لهم فيها اى شئ تدب فيه الروح ولا يأكلون الا ما أعد بالزيت لا بالسمن ولا بالزبد . انها أيام طويله تصل فى عيد القيامه الى خمسه وخمسين يوما وفى عيد الميلاد الى اربعين يوما فكان يكفى ان يصوموا يوما أو يومين فى كل عيد ، كما أعفتهم مما يتبعه المغالون فى التدين بالصيام كل يوم اربعاء وكل يوم جمعه طوال السنه ..
وكل منهما كان حريصا على زياره عائله الاخر خصوصا فى المناسبات ، ابوه يذهب مع ؟أمه لزياره عائلتها وأمه تذهب مع ابيه لزياره عائلته زكانا يصحبان معهما دائما ابراهيم . وقد أحس ابراهيم أنه رغم السنوات الطويله التى مرت على زواج أبيه وأمه فان أباه يبدو غريبا وهو وسط عائله أمه متحفظا مراعيا كل كلمه ينطق بها وأمه كذلك تبدو غريبه وسط عائله أبيه .. هى أيضا متحفظه تفرط فى الترحيب بهما وتدليلهما وغمرهما بالهدايا بل كانت كل عائله تدعوا احيانا الاولاد دون دعوه الاب والام .. كأن كلا منهما تسعى لتأخذ هؤلاء الاولاد من العائله الاخرى ..
وقد عرف فيما بعد ان العائلتين كانتا تعارضان بعنف زواج أبيه وأمه .. ولكن جبهما قاوم العائلتين حتى انتصر عليهما وتم زواجهما .. كانت امه تهدد احيانا بالهروب من العائله واحيانا تهدد بالانتحار .. وكان أبوه يتحدى كل عائلته ويردد فى هدوء.. سأتزوج مارى . وتركتهما العائلتان يتزوجان دون اى احتفال بهذا الزواج بل ان العائلتين قاطعتا حضور توقيع العقد الذى تم فى مكتب الشهر العقارى , ولكن لم تمض سوى ثلاثه او اربعه شهور حتى بدأت العائلتان تعترفان بهذا الزواج .. خصوصا بعد أن تأكدت كل عائله من سعاده الابن والابنه وان كان الاعتراف قد ظل حتى اليوم اعترافا من تحت الضرس وفى حدود الرسميات العائليه ..
ويبتسم برهم بينه وبين نفسه وكأنه يسخر من نفسه .. لقد كان اول ما رزقهما الله ولعلهما أسمياه ابراهيم حرصا على ان يرضيا العائلتين .. عائله أمه وعائله أبيه . فاسم ابراهيم يجمع بين المسيحيه والاسلام .. فلم يسمياه جرجس مثلا كما لم يسمياه محمد او احمد ..
وقد مرت بابراهيم مراحل متعدده وهو يقاوم حيرته .. مرت مرحله قرر فيها انه مسلم .. ويجب ان يتفرغ بايمانه وبشخصيته للاسلام وكان يتعمد ان يواظب على الصلاه ويصلى كل جمعه فى المسجد ويفكر فى اداء فريضه الحج .. ولم يكن فى ذلك مجرد مؤمن بالاسلام ولكنه كان كأنه يتعمد ان يفرض شخصيه اختارها على كل الناس وعلى امه وعلى عائلتها ولكنها بعد فتره بدأ حبه لامه يشق قلبه كأنه يظلمها ويضهدها ووجد نفسه وهو حريص على اداء ل شعائر الاسلام يذهب الى الكنيسه وحده بل انه صادق القسيس ولكنها صداقه كان لها طابع خاص فقد كان يناقشه فى الدين لا لحاجته الى الايمان به ولكن فقط ليعلم بماذا تؤمن امه .. وكان يترك القسيس ويذهب ليجلس مع الشيخ مصطفى رجل الازهر الشريف وصديق والده ويحادثه طويلا وهو يريد ان يعلم ما يؤمن به ابوه .. ولكنه كان دائما أكثر صراحه وجرأءه وهو يناقش أباه .. وقد قال له يوما :
ان الاسلام يهدينا الى ان الله واحد والمسيحيه ايضا تهدى الى ان الله واحد فلماذا لا أكون مسيحيا مسلما .. وقال له ابوه فى اشفاق : ان شهاده الاسلام لا تقتصر على ان الله واحد ولكنها تنص على ان محمدا هو رسوله . وأشهد ولو كان الله قد ارسل محمدا قبل موسى لكان الانجيل قد نص ايضا على ان محمدا هو رسول الله .. كان من تلقى الوحى وحمل الرساله ذكرهم القرأن .. وكلهم انبياء.. فلماذا لا نجتمع كلنا حولهم كلهم ..وقال الاب وهو يزداد اشفاقا على ابنه :
ان لله حكمه فى التطور بالبشريه وهدايتهم .. وبين المسلمين من كانوا مسيحين وبين المسيحين من كانوا يهودا وكانوا يتطورون وفقا لاراده الله وكان النبى محمد هو أخر الانبياء اى اخر مراحل التطور التى أرادها الله هدايه للبشر .. وقال ابراهيم فى جزع :
ولكن امى لم تتطور الى الاسلام .. وقال الاب فى هدوء . الله لا يكلف نفسا الا وسعها .. ولم تتسع نفس أمك للتطور وعاشت نفسها هادئه مرتاحه مزدحمه بايمانها بالمسيحيه ولكنها لا ترفض حكمه الله .. فلم ترفض الاسلام كحكمه أرادها الله .. وتزوجت مسلما وانجبت مسلما وقال ابراهم فى حده :
هل تزوجتك ماما لانك مسلم :
تزوجتنى لان اان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله .. فان لم تؤمن بان محمدا صلى الله عليه وسلم هو وحده نبيك فأنت لست مسلما . وقال ابراهيم مجادلا وكأنه يجادل نفسه .. ولكن القرأن الكريم يؤكد ان عيسى ايضا هو رسول الله .. لله جمع بيننا لنتزوج .. الله الواحد الاحد ..
وابراهيم لا يتحرر ابدا من حيرته يسير فى الحياه وكأنه تائها لا يكف عن مناقشه نفسه فى اختيار الطريق الى ان انتقل الى مرحله اخرى .. مرحله الطمأنينه .. أنه ليس فى حاجه الى دين سواء كان الاسلام او المسيحيه كل ما يحتاج اليه هو العلم .. والحياه كلها علم والاديان نفسها ليست سوى قواميس للعلم .. وقد انتهى من دراسه على الاسلام وعلم المسيحيه .. فلينتقل متفرغا للعلوم الاخرى ويدرس تكنولوجيا الحياه . انه ليس مسلما ولا مسيحيا . أنه عالم يبحث فى اسرار الدنيا وخيل اليه انه ارتاح ..
ولكن المعاناه بدأت تعاوده ، معاناه الحيره .. ووجد نفسه يهرب من أمام ابيه وهو يراه يصلى الصباح .. ويهرب من أمام أمه وهو يراها متوجهه الى الكنيسه يهرب مقاوما ما يعانيه وكان لا يرتاح الا عندما يجلس مع مادلين أبنه خاله لبيب .. انه لا يحس بها كمسيحيه ولكنه كان يحس بها أنها تكمل وجوده سواء كان مسلما ام مسيحيا .. ويحس بها كأنها أم انه يحبها بكل ما يتسع له من حب . أن الله الواحد الاحد جمعهما واذا جمع الله بين فتى وفتاه فهو سبحانه وتعالى يفرض عليهما أعلان الزواج ..
ولم تكن معارضه العائلتين لهذا الزواج عنيفه كما عارضا زواج امه من ابيه .. خصوصا وأن أباه وأمه رحبا بهما كزوجين . وقال ابراهيم وهو يتنهد ساخرا من تردده .
يبدو ان بنات عائله امى يضعفن أمام فتيان الاسلام .. ولعل العائله كلها ان تعلن اسلامها حتى يستطيع فتياننا ايضا ان يتزوجوا مسلمات .. ولكن لا.. ان الذى يغير دينه فقط ليصل الى فتاه يريد ان يتزوجها أنما يخدع وينصب على دينه وعلى الدين الذى انتقل اليه يخدع وينصب على الاسلام وعلى المسيحيه .. وكثيرا من المسيحين أعلنوا اسلامهم فقط ليتزوجوا من المسلمات .. فعاشوا ضاعئين لا يستطيعون ان يعيشوا الاسلام ولا يقبل منهم المسيحيون أن يكونوا استمرار ايمانهم فى الخفاء كأنهم يخافون عوره .. فعاشوا لا يعترف لهم أحد بدين .. وتم زواج ابراهيم مادلين .. ووجد ابراهيم نفسه فى صبحيه ليله الزفاف يقوم ويفرش السجاده ويصلى صلاه الصبح .. وقد هدأت حيرته فهو مسلم ويتطلع مبتسما الى مادلين وهى خارجه الى الكنيسه .. لقد تحقق له ما حققه أبوه وأمه .. وأجتمع الاسلام والمسيحيه فى بيت واحد ..
ولا اله الا الله .
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك