اختلف العلماء في عدد الكبائر إلى أقوال عديدة:
فقيل: إنها ثلاث.
وقيل: إنها أربع.
وقيل: إنها من أول سورة النساء إلى آية {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئا تكم}النساء 31. وحسب العد من السورة تأتي سبع، وقد رويت هذه الأقوال كلها عن ابن مسعود .
وقيل:هي سبع، وهو مروي عن علي بن أبي طالب وعبيد بن عمير الليثي وعطاء ( ).
وقيل:هي تسع، وهو مروي عن ابن عمر ( ).
وقيل:هي خمس وعشرون قاله الفلاني.
وقيل: أربعون قاله الديلمي ( ).
وقيل: هي إلى السبعين أقرب. وهو مروي عن ابن عباس ، فقد سئل عن الكبائر أسبع هي؟ قال: هي إلى السبعين أقرب. وقال بهذا أبو العالية ( )، وذكر منها الذهبي في كتابه (الكبائر) سبعين كبيرة.
أما السفاريني فقد ذكر منها في كتابه (الذخائر شرح منظومة الكبائر) ثلاثا ًوسبعين كبيرة، أما الشيخ محمد بن عبد الوهاب فذكر ما يقارب سبعاً وثمانين كبيرة في كتابه (الكبائر)، وذكر منها ابن النحاس في كتابه (تنبيه الغافلين عن أعمال الجاهلين) مائة واثنتين وستين كبيرة، أما الهيثمي فذكر في كتابه (الزواجر) أربعمائة وسبعاً وستين كبيرة.
وروي عن ابن عباس أنها إلى السبعمائة أقرب، فقد روى ابن جرير بسنده عن سعيد بن جبير أنه قال: إن رجلاً قال لابن عباس:كم الكبائر، سبع هي ؟ قال: إلى سبعمائة أقرب منها إلى سبع، غير أنه لا كبيرة مع استغفار ولا صغيرة مع إصرار ( ).
فمن خلال هذه الأقوال يتضح أن أهل العلم لم يتفقوا على عدد محدد، وإنما كل واحد ذكر اجتهاده في ذلك، وهذا يدل على أن عدَّها وإحصاءها إنما هو منوط بتتبع النصوص التي نصت على الكبائر، أو توعدت على الأفعال، أو استقبحها الشارع بصيغة من الصيغ الدالة على ذلك، وهي متنوعة.
فعليه فالكبائر ليس لها عدد محصور متيقن، وإنما المدار على قباحة الفعل وشناعته في عرف الشارع، وتشديده في الوعيد عليه، ويعرف ذلك من خلال الآيات القرآنية، أو الأحاديث الصحيحة بالغ عددها ما بلغ. وهذا ظاهر قول ابن عباس السابق، وقد صرح به النووي، وعزاه إلى العلماء، وذكره من كلام الشيخ أبي محمد بن عبد السلام ( ). وهو لازم لكل من ضبطها بالوصف وعلقها بالنصوص الواردة فيها.
أما الأحاديث التي ورد فيها حصر الكبائر بعدد معين كحديث أبي هريرة مرفوعاً ((اجتنبوا السبع الموبقات قيل: يا رسول الله وما هي قال: الشرك بالله والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات)) ( ).
وعن سلمة بن قيس الأشجعي قال، قال رسول الله في حجة الوداع ((ألا إنهن أربع:لا تشركوا بالله شيئا، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، ولاتزنوا، ولا تسرقوا، قال: فما أنا بأشح عليهن من شئ إذا سمعتهن من رسول الله ))( ).
فهذا التحديد الوارد في هذه النصوص وشبهها غير مقصود به الحصر، وذلك لأن النصوص الصحيحة قد نصت على أفعال أخرى بأنها من الكبائر غير ما ذكر في النصوص السابقة، وذلك مثل حديث ابن مسعود قال: سألت رسول الله :أي الذنب أعظم عند الله ؟ قال: ((أن تجعل لله نداً وهو خلقك)) قال: قلت له: إن ذلك لعظيم قال: قلت ثم أي ؟ قال ((أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك)) قال: قلت ثم أي؟ قال:((أن تزاني حليلة جارك))( ).
فزاد هنا: الزنا بحليلة الجار.
وفي حديث أبي بكرة مرفوعاً ((ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ ثلاثاً: الشرك بالله، وعقوق الوالدين وشهادة الزور أو قول الزور)) ( ).
فزاد هنا: عقوق الوالدين، وشهادة الزور.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي قال:((الكبائر: الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس واليمين المغموس)) ( ).
فزاد في الحديث: اليمين المغموس.
فعليه فإن العلماء يرون أن العدد في الأحاديث لا يقصد منه الحصر. قال ابن كثير رحمه الله في حديث ((اجتنبوا السبع الموبقات)): النص على هذه السبع أنهن كبائر، لا ينفي ما عداهن إلا عند من يقول بمفهوم اللقب( )، وهو ضعيف عند عدم القرينة، ولا سيما عند قيام الدليل بالمنطوق على عدم المفهوم( ).
وقد أجاب النووي عن سبب الحصر:بأن التنصيص على ذلك إنما هو لكون المذكور فيها من أفحش الكبائر مع كثرة وقوعها، لاسيما فيما كانت عليه الجاهلية( ). وذكر نحوه القرطبي( ).
وأجاب الهيثمي عن ذلك:بأنه محمول على أن رسول الله إنما ذكره كذلك قصداً لبيان المحتاج وقت ذكره لا ليحصر الكبائر في ذلك( ).
وذكر السفاريني:أن الاقتصار على السبع في الحديث لأن الموصوفة في الحديث فيها صفة زائدة على مجرد الكبيرة، وهي أنها موبقة أي مهلكة، فنص عليها لزيادة عظمها.
أو أنه عليه الصلاة والسلام عَلم أولاً بالسبع الموبقات المذكورات، ثم عَلم بما زاد، فيجب الأخذ بالزائد، أو أن الاقتصار على السبع وقع بحسب المقام بالنسبة للسائل أو من وقعت له الواقعة( ).
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك